سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
"هتدي إيه لمصر؟".. السادات يفشل مع «صندوق ديون مصر» والمعونة الأمريكية تنقذ "مبارك".. مرسي يطلق «النهضة» لتكفير ذنوب الفاسدين الباحثين عن التوبة.. اتهام «الببلاوي» بالقرصنة على أموال صندوق دعم مصر
«مطلوب من كل مصري من كل مصرية.. من كل أب من كل أم.. من كل أخ من كل أخت.. مانقولش إيه إدتنا مصر ونقول حندي إيه لمصر يا حبايب مصر حبايبنا مصر الحياة مصر».. بهذه الكلمات جسدت المطربة التونسية «عليا» ملامح سنوات من صناديق وحملات تبرع تارة لدعم الجيش المصري في حروبه المختلفة منذ 1956 ثم 1967 و1973، ثم محاولات مستمرة لدعم الاقتصاد شهدتها تحديدًا فترة ما بعد 25 يناير 2011، عبر مبادرات مختلفة تتصاعد إلى عنان السماء ثم فجأة تختفي المبادرات ويذهب معها من دعا لها ويظل السؤال «فين الفلوس؟». فكرة وقوف المصريين خلف اقتصاد بلادهم، ليست وليدة اللحظة فمنذ العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 كان للفنانين دور بارز في دعم الاقتصاد المصري وبطبيعة الحال الأنشطة العسكرية المختلفة، وكانت كوكب الشرق أم كلثوم أبرز من خاضوا حربًا لدعم الجيش بعد النكسة عبر سلسلة من الحفلات بدأتها بمصر ثم توالت بالدول العربية فأوربا، لتصبح واحدًا من دروع دعم الاقتصاد، تارة بعائد الحفلات وأخرى بتبرع موجه للتسليح. مرت الأيام سريعًا، وكانت السمة الرئيسية في عهد الرئيسين أنور السادات وحسني مبارك الاعتماد على المعونات الخارجية، خصوصًا الأمريكية منها، ثم ما تأتي أوربا ودول الخليج، ولم تكن فكرة صناديق التبرعات متوسعة، مثلما حدث بعد 25 يناير 2011، وفتح «حنفية صناديق التبرع» في عهد المجلس العسكري السابق ومحمد مرسي، ومؤخرًا مبادرة الرئيس عبدالفتاح السيسي بالتنازل عن نصف ما راتبه ونصف ما يملك لصالح مصر، وسريعًا انطلق صندوق «تحيا مصر» دعمًا للاقتصاد. «كتيبة كوكب الشرق» لم تكن «أم كلثوم» مجرد صوت عربي أصيل أو مميز يستمتع به الجالسون أمام المسرح أو شاشات التليفزيون أو الراديو، بل نجحت في تحويل فرقتها الموسيقية إلى «كتيبة» لدعم الأنشطة العسكرية للجيش في عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وعدد من السنوات مع الرئيس الأسبق أنور السادات. كادت أن تعصف النكسة 1976 بالمشوار الغنائي لكوكب الشرق، في ظل هجوم عنيف عليها بدعوى أنها أسهمت في تخدير الشعوب العربية بأغنيها، قبل أن تسقط أراضٍ عربية بمصر وفلسطين والأردن وسوريا ولبنان في قبضة المحتل الإسرائيلي، لتعلن استعدادها لاعتزال الغناء، قائلة: «إن كنت السبب فأنا على استعداد لاعتزال الفن». إلا الرئيس الراحل جمال عبدالناصر أقنعها بعدم الاعتزال وطالبها بدعم الجيش المصري، لتبدأ «مصر عبدالناصر» مرحلة فنية جديدة شعارها «الفن من أجل المجهود الحربي»، وخلفها سارع عدد من الفنانين والمثقفين والأدباء في إطلاق المبادرات دعمًا لحرب الاستنزاف، ونجح أبناء هذا الجيل في توفير دعم قوي لتوفير السلاح، فضلا عن سلاح «الأغاني الوطنية» الفتاك آنذاك. حفلات كوكب الشرق لم تتوقف عند الداخل المصري فقط، بل استغلت تعاقداتها السابقة لتبدأ حفلات موسعة في عدد من الدول الأوربية، وكانت العاصمة الفرنسية باريس على رأسها، وشهد شهر أكتوبر 1976 سلسلة حفلات ل«أم كلثوم» جمعت خلالها مئات الآلاف من الجنيهات. أما على المستوى المحلي، فاقتصرت حفلاتها على دمنهوروالإسكندريةوالمنصورةوطنطا، إذ حالت ظروفها الصحية في الوفاء باتفاق مسبق بإقامة حفلات منتظمة بواقع حفلتين ب24 محافظة آنذاك. «أم كلثوم بالأرقام» وعلى أرض مدينة دمنهور عاصمة محافظة البحيرة، أدت كوكب الشرق أول حفلاتها المحلية، وحينها طالب محافظ البحيرة وجيه أباظة منها أمام الجمهور أن تكتفي بوصلتين فقط في الحفل، حفاظًا على صحتها وهذا ما تم فعلا في هذا الحفل، وكل ما تلاه من حفلات عدا حفلي باريس، الذي شهد ثانيهما وقوعها على خشبة المسرح. وقد أقيم الحفل في سرادق ضخم وحضره نحو 3500 مستمع، دفعوا 39 ألف جنيه هي حصيلة هذا الحفل من بيع التذاكر في حين كان أعلى إيراد لحفلات أم كلثوم في ذلك الوقت لا يتعدى 18 ألف جنيه، وما أن لبس حتى قدم أباظة لها شيكًا بحصيلة إيراد الحفل، إضافة إلى سبائك من الذهب تبرع بها أهل البحيرة دعمًا للمجهود الحربي، وتوالت الشيكات من أهل البحيرة في اليوم التالي للحفل لتبلغ الحصيلة نحو 80 ألف جنيه. أما الإسكندرية فشهدت في 31 أغسطس 1967، حفلا ضخمًا بلغت إيراداته من تبرعات وخلافه 100 ألف جنيه، و40 كيلوجرامًا من الحلي قيمتها أكثر من 82 ألف دولار، قدمت لدعم المجهود الحربي، فيما حضر هذا الحفل فريق تليفزيوني من فرنسا أتى خصيصًا لعمل تحقيق تليفزيوني عن أم كلثوم قبل سفرها إلى باريس في شهر أكتوبر. وحققت في حفلها بمدينة المنصورة بمحافظة الدقهلية 125 ألف جنيه، وفي حفلها بمدينة طنطا بالغربية حققت 283 ألف جنيه. وكان مسرح «أوليمبك» بباريس شاهدًا على تحقيقها 212 ألف جنيه استرليني من حفلي باريس لصالح المجهود الحربى، أما عربيًا فقد نجحت الحملة التي أطلقتها كوكب الشرق في جمع مبالغ طائلة من عائلات كويتية وعمانية قدرت من الأسر الكويتية فقط نحو 60 كيلوجرامًا، ومن خلال إحيائها حفلًا في سينما الأندلس، ذهب دخلها لصالح المتضررين من حرب 1967، وصل الإيراد حينها إلى 100 ألف دينار كويتي. مجهود «أم كلثوم» لم يتوقف عند هذا الحد، بل وقفت على مسارح تونس والمغرب والسودان ولبنان وليبيا والإمارات، ولم يرحل عام 1970 إلا وتمكنت من ضخ 520 ألف دولار للخزينة المصرية، وتحدث كثيرون عن أكثر من ثلاثة ملايين دولار جمعتها كوكب الشرق من حفلات أخرى في البحرين وباكستان والعراق. «تسديد ديون مصر» وفي بداية، عهد الرئيس الراحل أنور السادات، أطلقت رئة الغناء العربي، وتحديدًا في 1971 مشروعًا كبيرًا تكلف عشرات الملايين من الجنيهات وسجلت دور إيواء مختلفة تحت شعار «دار أم كلثوم للخير»، ولكن مع الأيام اختفت هذه الدار وظهرت فجأة «جمعية النور والأمل» التي رأستها السيدة جيهان السادات. وما أن لبس حتى أطلق الرئيس الراحل «صندوق الدين العام»، استهدف جمع تبرعات من المواطنين للمساهمة في تسديد الديون المصرية، لكن لم يحقق الصندوق نجاحًا يذكر وذهب أدراج الرياح، ورحل السادات عن الحكم تاركًا خلفه ديونًا أكثر من 8 أضعاف التي تركها جمال عبدالناصر، ليصل الرقم الإجمالي للدين الخارجي عام 1980 إلى 21 مليار دولار تقريبًا. «ملايين حسان» مرت السنين سريعًا، وظلت مصر بعيدة -إلى حد ما- عن فكرة التبرعات، ومثلت المعونات الأجنبية على مدى سنوات في عهد الرئيسين أنور السادات وحسني مبارك جزءًا أساسيًا من الدعم المقدمة للدولة وبلغت المعونة الأمريكية لمصر وحدها 57% من إجمالي ما تحصل عليه من معونات ومنح دولية، من الاتحاد الأوربي واليابان وغيرهما من الدول. لكن بعد ثورة 25 يناير، رفع كثيرون شعار التخلي عن المعونة الأمريكية، وكان في مقدمة هؤلاء الشيخ السلفي محمد حسان، الذي أطلق مبادرة «المعونة المصرية» دعمًا للاقتصاد المصري، وبدأ حسان تنفيذها بالفعل في 12 فبراير 2012، وحينها أبلغ الجهات المسئولة «المجلس العسكري، مجلس الوزراء، مجلس الشعب» بضرورة إلغاء المعونة الأمريكية نهائيًا. كما تعهد «حسان» بجمع مبلغ المعونة في ليلة واحدة، قائلا: «أقسم بالله وعلى مسئوليتى أمام الله أن الشعب المصري سيجمع مئات الأضعاف مما كانت تقدمه لنا أمريكا من معونات تافهة»، تلك الكلمات الشهيرة التي أطلقها على شاشة التليفزيون المصري، من خلال برنامج «ستوديو 27». الشيخ السلفي، واصل حديثه، قائلا: «أقول لأمريكا.. مصر قامة كبرى.. وستبقى قيمة إلى أبد الدهر.. ولن نركع أمام معونتكم التافهة.. ولن نُذل أمام بضع ملاليم.. وأقسم بالله أن الشعب المصري سيجمع من خلال شبابه وعلمائه ورجال أعماله.. حتى السيدات اللاتى يبعن الجرجير والطماطم في الشارع.. عشرات المليارات من الجنيهات لهذه المبادرة، حتى لا ينكسر المصريون أمام دولة عدوة مثل أمريكا.. إذا كانت أمريكا تحاول كسر مصر ب 1.3 مليار دولار، فإنني أقسم لكم بأنني بهذه المبادرة -بفضل الله- أستطيع جمع هذا المبلغ في يوم واحد، لأن مصر أرض العطاء، والجود، ولن يقبل مصرى واحد أن تذله أمريكا مهما كان المقابل "وحتى لو مات من الجوع". وعلى الفور، وقبل انتهاء البرنامج بدقائق معدودة، انهالت المكالمات الهاتفية لتأييد المبادرة، من رجال أعمال مصريين، غالبيتهم يعيشون خارج مصر، وعدد من القضاة والمستشارين، وائتلاف ضباط الشرطة ونقابة الفلاحين وعمال مصانع النسيج والشيخ أحمد المحلاوى، خطيب مسجد القائد إبراهيم بالإسكندرية، معلنا أنه سيبدأ من اليوم جمع التبرعات رسميًا تحت اسم «المعونة المصرية». مرت أيام قليلة، وخرج «حسان» مرة أخرى متحدثًا عن تلقيه تأكيدات من عدة جهات تعلن استعدادها للمشاركة، منها شركات الغزل والنسيج -والتي يعمل بها ما يقرب من مليونى موظف– حيث أبدوا استعدادهم المشاركة بعشرة جنيهات شهريًا من كل موظف، مشيرًا إلى أن هذا «يوفر 20 مليون جنيه سنويًا من جهة واحدة رغم مبلغ التبرع البسيط». ولاقت هذه المبادرة التي أيدها شيخ الأزهر بالفعل وكثير من العلماء إشادة أيضًا من الحكومة، وقالت فايزة أبو النجا، وزيرة التخطيط والتعاون الدولي آنذاك، إن أحد رجال الأعمال، رفض ذكر اسمه، تبرع ب40 مليون جنيه، فيما تبرعت إحدى الشركات المصرية ب20 مليونًا أخرى، وطالب حسان بإطلاق اسم «في حب مصر» على صندوق المعونة المصرية. وبعد فترة قصيرة، اعتذر شيخ الأزهر عن تولي الإشراف على المبادرة، رغم موافقة سابقة عليها، دون إبداء أسباب، كما دعا الجنزوري شيخ الأزهر لإتمام المبادرة والعمل معًا، لكنه رفض رفضًا قاطعًا، وتوقف المشروع بعدها تمامًا ولم يُفعّل، وبدأت تساؤلات كثيرة عن «مصير الأموال». «نهضة مرسي» ما أن هدأت مبادرة محمد حسان، حتى أطلق الإخوان مبادرة جديدة بفتح حساب يحمل رقم «333-333» بالبنك المركزي، باسم «نهضة مصر»، والذي أعلن عنه الرئيس المعزول محمد مرسي، أكتوبر 2012، خلال زيارته لأسيوط، وحينها تحدثت الرئاسة عن الحساب سيكون «سريا ولن يتم كشف هوية من يردون أموال الدولة إليه». وأطلق مرسي حسابًا بنكيًا تحت اسم «نهضة مصر» لتلقي تبرعات من وصفهم ب«الفاسدين الباحثين عن التوبة والتطهر»، متمسكًا بأنه «كي تتحقق أهداف الثورة لا بد أن تتحقق العدالة الاجتماعية وأن يجتث الفساد وأن توجه أموال البلاد إلى أهلها». وكان شعار صندوق التبرع حينها يرفع شعار «لا للفساد ولا للمحسوبية ولا لتضييع أوقات على الناس.. لدينا حساب بالبنك المركزي باسم نهضة مصر يحمل رقم 333 -333 ومن يريد أن يتطهر من الفساد أن يضع الأموال في هذا الحساب والله يقبل التوبة.. من حصل على أرض بغرض زراعتها واستخدمها للبناء العقاري أو تحايل أو ارتشى فإن الباب مفتوح للرجوع، ولكن الحقوق القانونية والوطنية الدستورية لا بد أن تعود إلى أصحابها ليأخذ الشعب حقه». إلا أن المحامي سمير صبري، أقام دعوى قضائية، حملت رقم 5261 لسنه 67 قضائية، أمام محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة، ضد محافظ البنك المركزي لوقف القرار الصادر عن الرئيس مرسي بفتح حساب رقم ( 333 – 333 ) بالبنك المركزي لتمكين من سماهم رئيس الجمهورية «الفاسدين» من إيداع ما تحصلوا عليه بطرق غير مشروعة من المال العام. وتساءل مقيم الدعوى: «هل قرار فتح الحساب سيمنح الإخوان والدكتور مرسي صكوك الغفران لهؤلاء الفاسدين رغم وجود القوانين المنظمة لكل آليات رد الأموال العامة والتصالح؟»، ثم اختفى المشروع والفكرة برمتها. «صندوق دعم مصر» بعد أن أسقطت الموجة الثورية في 30 يونيو الرئيس المعزول محمد مرسي، تأسس صندوق تبرعات يحمل اسم «دعم مصر 306 306»، ونجح أحد رجال الأعمال، صاحب المبادرة، عبر برنامج الإعلامي خيري رمضان في جمع 750 مليون جنيه، في أيام قليلة، لإنشاء الصندوق، للمساهمة في تحسين الوضع الاقتصادي للبلاد. ومع مرور الأيام، شن الإعلامي خيري رمضان هجومًا عنيفًا على الدكتور حازم الببلاوي، رئيس الوزراء، اتهمه فيخا بالاستيلاء على 750 مليون جنيه، الخاصة بصندوق دعم مصر، قائلا: «الصندوق في مغارة دكتور حازم الببلاوي». «تحيا مصر» أما عبدالفتاح السيسي الرئيس الجديد، لم يمر سوى أيام معدودة على رئاسته البلاد، ليخرج متحدثًا عن تبرعه بنصف ثروته لصالح مصر، ثم تتوالى تصريحات الوزراء والمحافظين وكثير من المسئولين بتبرعهم بنصف راتبهم تفعيلًا لمبادرة المشير، وكمحاولة من الجميع لدعم الاقتصاد المصري. وما أن لبس حتى أعلن البنك المركزي أن رقم حساب التبرع «037037»، أصبح مخصصًا لتلقي تبرعات المواطنين في هذا الشأن، وأعلن بعض السياسيين والفنانين ورجال الأعمال دعم الصندوق بجزء من ثروتهم. ثم بدأ بعدها بساعات من تدشين الحساب بالبنك المركزي، إعلان عدد من رجال الأعمال على رأسهم محمد الأمين، مالك إحدى القنوات الفضائية والسيد البدوي، رئيس حزب الوفد، ومنصور عامر، وآخرون، بالتبرع بنصف ممتلكاتهم، لينضم بعض الفنانين للتبرع بأجر شهر أو نصف شهر لدعم الاقتصاد الوطني. هنا تجدر الإشارة إلى أن أحداث تدشين حساب «صندوق تحيا مصر»، تتشابه كثيرًا مع فكرة صندوق دعم مصر 306306، والمؤسس بقرار حكومي خلال أغسطس الماضي، خاصة بعد تشكيل مجلس أمناء له برئاسة رجل الأعمال محمد الأمين، وإدارته من قبل الدكتور فاروق العقدة، محافظ البنك المركزي السابق، وتتولى مهمته تطوير العشوائيات وتنمية المناطق الأكثر فقرًا.