كانت جدتى رحمها الله ذات خيال خصب وقدرة على تأليف ورواية الحكايات بشكل يفوق مؤلفى الدراما، وكنت كلما طلبت منها أن تحكى لى حدوتة أخذتنى فى رحلة خيالية مع قصص مليئة بالغيلان والعفاريت والجان والأبالسة والمردة والشياطين. وهى حكايات عرفت فى ما بعد أنها فى غالبيتها مستقاة من ألف ليلة وليلة، ذلك النبع الذى لا ينضب من الإثارة والتشويق والتسلية. غير أنها فى كل مرة كانت تعرج فى وسط الحدوتة على سيرة الملك فاروق الذى يبدو أنها كانت مفتونة بسيرته، وهى التى قضت فترة شبابها تحت حكمه وسمعت عنه حكايات أسطورية كان يرددها العامة بثقة ويؤمنون بها إيمانا مطلقا. ورغم أننا كنا وقتها فى عهد عبد الناصر الذى كانت تحبه فإن أساطير فاروق كانت تصاحبها على الدوام. ومن جانبى كنت لا أمانع أبدا فى قطع الحدوتة والدخول فى سيرة الملك فاروق الذى كان -طبقا لجدتى- يمتلك قوة جسمانية خارقة ليس لبشر مثلها، وسبب وصوله إلى هذا المستوى من الصحة والعنفوان هو أن الطُّهاة بالقصر الملكى كانوا يقومون كل صباح بذبح مئة زوج من الحمام ووضعها فى قِدر كبير حيث يتم سلقها وغليها، إلى أن تسفر خلاصة المئتى فردة من الحمام عن كوب متوسط من الشراب الكثيف يتم تقديمه لجلالة الملك وهو فى الفراش، فيشربه بتمهل قبل أن يزيح الغطاء ويقوم يتمشى فى القصر وقد صارت له قوة الوحوش الضوارى! قالت جدتى أيضا إن فاروق لم يكن يطرق الأبواب ولا حتى يفتحها من مقابضها وإنما كان يركل أى باب يريد عبوره فينفسخ الباب على الفور ويخرّ تحت قدميه.. ولهذا فإن نجار القصر كان يسير خلف الملك أينما سار! كنت أصدّق هذه القصة وأتمنى لو كان باستطاعتى أنا أيضا أن أحصل على «غِيّة» حمام كل صباح وأشرب كوب الشوربة السحرى فأصير سوبرمان. إلى جانب حواديت جدتى عن فاروق كان الشارع يموج بقصص مشابهة عن الرئيس جمال عبد الناصر الذى اعتقد المصريون أنه قادر على كل شىء، لدرجة أننى فى أثناء متابعتى مباريات كرة القدم كنت أسمع من يردد أن هذه الكرة التى أخطأها الحارس ودخلت المرمى كانت صعبة جدا لدرجة أن عبد الناصر ذات نفسه لم يكن ليستطيع أن يمنع دخولها المرمى! كل الشعوب التى أفهموها أن الحاكم هو بابا عاشت فى غيبوبة الحكايات عن الزعيم الذى ليس كمثله أحد. ولئن كان لدينا فى الستينيات عبد الناصر الذى قام بدور بابا، فقد كان لدينا فى السبعينيات بابا وماما حيث شاركت السيدة جيهان السادات زوجها فى الحكم، ولا أعلم إذا كانت هناك أساطير ارتبطت بقدراتهما لدى العامة، حيث كنت وقتها قد تجاوزت سنوات العبط! أما منذ مطلع الثمانينيات وحتى أشهر قليلة مضت فقد كان لدينا بابا وماما وجيمى ولولى، وهو الرباعى المتوحش الذى فاقت حقيقة شراسته أى أساطير قيلت عنه، وهذه للحق هى المرة الأولى التى يكتشف أفراد الشعب فيها أن كل ما ظنوه من قبيل المبالغة فى حجم السرقة والنهب التى قامت بها عائلة مبارك هو أقل بألف مرة مما حدث فعلا! وإذا كان لى أن أروى لأولادى وأحفادى فى المستقبل قصصا عن مبارك، فإنه يطيب لى أن أحكى لهم عن الإوزة المحمَّرة التى دأب على تناولها كل صباح على غيار الريق من أجل تسليك زوره، قبل أن يأتوا له بالفطير المشلتت بالسمن البلدى والعسل وهو جالس فى شرفة جناحه الرئاسى بالمركز الطبى العالمى الذى يقيم فيه على حساب الشعب الذى يقوم بتربية الوز من أجل سيادته ومن أجل خلفائه الذين يركلون الأبواب بأقدامهم قبل أن يدوسوا علينا ويدهسونا!