مش تقليعة ولا إرث بالى فى سندرة الكراكيب، حدوتة زمان بتاعة جدتى مازالت عايشة، اختلف أبطالها وديكورها وألوانها إلا أنها مازالت أسرع الطرق التى تصل لعقل الأطفال، فكثيرا ما تنجح فى إقناعهم بالصحيح وإبعادهم عن الخطأ ولكن بإيقاع جديد.. توتة توتة. من منا لم يطلق اللجام لخياله ليطير على بساط الريح إلى عنان سماء ويجول فى عالم الطفولة المخملى والحواديت. تعاطفنا مع الشاطر حسن، بكينا مع الأقزام السبعة والأميرة النائمة، وخفنا من أمنا الغولة، تقول «ملكة الحدوتة» أبلة فضيلة: «الحدوتة قالب محبب جدا للجميع.. كلنا نعشق الحدوتة من الكبير للصغير والدليل على ذلك أن الله عندما أراد أن يرسل لنا رسالة من السماء كانت الحدوتة جزءا مهما منها ليعلمنا من خلالها. القرآن الكريم ملىء بالحواديت، فهى وسيلة تربوية فعالة». ظلت الحدوتة وسيلة تربوية رائعة تلجأ إليها الأمهات ويوصى بها الخبراء النفسيون إلا أن طبيعتها اختلفت باختلاف طرق التربية. يوضح المهندس هشام «45 سنة» الذى اعتاد أن يحكى قصصا لأطفاله كلما سمح له الوقت: «يجب أن نحترم عقلية طفل اليوم، فهذا الجيل أكثر نصاحة منا. لقد كنا بحكم الظروف المحيطة عيالا سذجا. أنا لا أنسى العلقة السخنة التى أعطاها لى والدى عندما قفشنى وهو راجع من الشغل رابط حبلين بين سطح بيتنا وسطح الجيران محاولا أن أقلد فرافيرو العجيب «يضحك هشام ثم يستطرد»: «ضربنى أبى من شدة الخوف على وقال لى عامل فرافيرو يا ابن الكلب...إحنا كنا بنصدق كل حاجة. نسمع عن كنز مدفون ننزل ندور عليه، نحلم نطير على سجادة علاء الدين ونخاف لو كذبنا نتمسخ قرود!» أما طفل اليوم فهو لا تنطلى عليه بسهولة فكرة مصباح علاء الدين ويسخر غالبا من أمنا الغولة بل وقد وصل الأمر أن يحاكم على بابا لأنه حرامى كما حدث فى أحد الأفلام التليفزيونية! تؤكد أبلة فضيلة: « الأطفال اتغيروا عن زمان جدا، كبروا قبل الأوان بفعل ثورة المعلومات. أنا أحيانا أستغرب من تعليقاتهم بل وأرفع القبعة لذكائهم. فقد سألوا مرة العالم فاروق الباز سؤالا ينم عن ذكائهم: بأى لغة تفكر، العربى أم الإنجليزى؟ وفى مناورة مع الموسيقار سيد مكاوى أرادوا أن يعرفوا هل هو ضرير فعلا أم لا، حيث كنت حريصة على أن أخفى عنهم هذه المعلومة حتى لا يضايقوا الضيف، فإذا بهم يسألوه : أنت بتحلم أبيض وأسود أم بالألوان»؟ وعندما يأتى دور جيل الشباب لكى يؤلفوا حواديتهم الخاصة عليهم إذن أن يتصدوا ببراعة لتغير عقلية الطفل، وعلى هذا قد يضطرون لتغيير نمط الأبطال والمضمون.. ذلك ما تؤكده سمر طاهر مؤلفة شابة لقصص الأطفال «أبطال قصصى لم يعودا مثل النموذج الذى كانت تبثه حكايات زمان التى كانت تروى حكاية طفل مثالى منمق.. بطلى حواديتى شعره منكوش، ولد شقى بيغلط مش نموذجى ليكون قريبا من الطفل العادى وبالتالى يتعاطف معه. فالطفل لن يرى نفسه فى بطل مابيغلطش. لاحظنا من خلال تجربة مسرحية قدمناها للأطفال عن نموذجين واحد سلبى والثانى إيجابى ومثالى أن الأطفال تعاطفوا مع النموذج الأول لأنه ببساطة واقعى. لذا فقد قررت عقب هذه التجربة أن أحترم عقل الطفل عندما أقدم له نماذج بشرية تجمع بين الأبيض والأسود لكن الشطارة أن ينتصر الأبيض فى النهاية». ليلى بطلة قصص سمر طاهر تحمل اسم ابنتها، وهى تخطأ وتصيب مثل كل الأطفال. وديكور حواديتها أيضا اختلف، فبدلا من البساط السحرى ومصباح علاء الدين أصبحت الحوارات تدور بين الكمبيوتر والكتب والانترنت. أبلة فضيلة بذكائها الطفولى فهمت هى الأخرى أهمية تطعيم عالم الطفل والحواديت بديكور يشبه الواقع لتكون أقرب لحياة الطفل وتزيد من تأثير الحدوتة. أيضا القيم التى تبث من خلال الحواديت الحديثة خضعت لعملية مراجعة كما تقول الدكتورة هالة كمال، أحد أعضاء جمعية المرأة والذاكرة ( جمعية أهلية تسعى لإعادة قراءة التاريخ من خلال الفلكلور والموروث الشعبى)، وهى تضيف: «عندما كنا نقرأ القصص الشعبية مثل ألف ليلة وليلة أو الحواديت الأجنبية مثل سندريللا والأميرة النائمة مع أولادنا لاحظنا أن هذه ليست هى الصورة التى نريد أن نقدمها لهم عن دور المرأة لأنها ببساطة صورة غير واقعية. ففى مصر مثلا توجد 2.5 مليون امرأة تعول أسرتها بينما ترسخ هذه الحكايات فكرة البنت التابعة والسلبية التى ننتظر دائما الخلاص وقدوم البطل المنقذ. فقمنا بوضع نصوص جديدة أكثر حساسية تجاه صورة البنت فى الحدوتة وقدمناها من خلال أمسيات للحكى فى ساقية الصاوى والأوبرا وقصر الغورى بحيث تتناسب الحدوتة مع قيم ومفاهيم العصر». حدوتة قبل النوم لماما شيرين «كان ياما كان يا سعد يا إكرام وما يحلى الكلام إلا بذكر النبى عليه الصلاة والسلام».. بدأ النوم يداعب جفون عمر الصغير الذى يتثاءب رغم محاولاته المتكررة فى أن يغلب النعاس حتى يسمع أكبر قدر من الحدوتة .. الأولاد الثلاثة كلهم آذان صاغية للاستماع لماما شيرين فى موعد يومى تستخدم فيه كل الوسائل التأثيرية سواء صوتها أو الكاسيت الممزوج بالموسيقى أو عرائس الماريونيت لرواية حدوتة قبل النوم، لأن طفل اليوم لا يعتمد فقط على الثقافة الشفهية سواء الراديو أو حكايات جدتى ولكن لديه ثقافة سمعية بصرية عالية عبرت القارات. ماما شيرين (35 عاما) عليها إذن أن تستنفر كل طاقتها بهدف التأثير على ابنها. فقد اعتادت أن تواجه المشكلات اليومية بالحدوتة وترى أنها وسيلة رائعة لتهدئة أعصاب الأولاد إذا ما صادفوا شيئا يخافونه فى الصباح. «يكفى أنهم يمكثون فى حضنى ليناموا على صوتى ويهدأوا». الأم حريصة على ألا تعتمد على الوعظ المباشر لأن الطفل قد يستشعر أنها رسالة موجهة له بالذات فيرفضها خاصة أن أطفال اليوم ليسوا مطيعين كأطفال زمان. تغير شيرين من نبرة الهدوء فى الحدوتة التى أخرجتها من «سندرة» الذاكرة وجعبة حكايات جدتى أو حتى من المكتبة الصغيرة التى كونتها لأطفالها عبر سنوات، أحيانا قد تكون مواقع الانترنت هى مصدرها الأساسى لاستلهام الحواديت مثل (http://www.sohbanet.com/vb/showthread.php?t=49476&page=71 http://www.al-3na.net/vb/t1825-5.html http://www.egyptsons.com/misr/thread69224.html «أحيانا أحتاج أن أحذرهم من شىء ما فأحكى حكاية الطفل الذى عبر بمفرده الشارع أو ترك يد والدته فى الطريق إلى المول، واستخدمها أيضا لزيادة الحصيلة اللغوية لدى أولادى، تعلمت ذلك من أبلة فضيلة التى تلجأ كثيرا للمترادفات بهدف توسيع الإطار الدلالى للأطفال». تشاركها الرأى سوسن خليل الإخصائية النفسية ومدربة ذوى الاحتياجات الخاصة فهى الأخرى تلجأ إلى الحواديت وتستفيد من قدرتها الترويضية: «استخدمنا قالب الحكاية مع أحد الأطفال الذى كان يسرق، وذلك بأحد الجمعيات التى عملت بها. روينا لكل الأطفال قصة القرد اللص الذى يؤذى من حوله بتصرفاته، واخترنا أن يكون البطل حيوانا حتى نبعد الشبهة عن أى طفل من الأولاد الموجودين فلا نتسبب له فى أى إحراج». « كان يامكان يا سعد يا إكرام ...» أو «كان فيه زمان» أو «فى مرة»... فى كثير من الأحيان ما تحتفظ الراويات الشابات بنفس الصياغة التقليدية لبدء الحواديت حتى لو قمن بتحديث المحتوى، فهن يرين أن هذه البدايات تهيأ الأطفال للراحة وتدخلهم فى جو النوم. ثم يتم سرد الحكاية التى تعطى طعما للحياة وتفتح أمام مخيلة الأطفال آفاقا غير محدودة قد يعجزون بمفردهم ودون معونة الأمهات أو الجدات عن ارتيادها. «ربما سيلاحظ المتأمل لدور المرأة فى هذا المجال أنه يؤكد بشكل فنى على مواجهة مشكلات الحياة والصعوبات والعوائق غير المتوقعة والتصدى لها بدلا من الهرب منها» كما يؤكد الدكتور أحمد مرسى أستاذ الأدب الشعبى بجامعة القاهرة فى كتاب «المرأة والحدوتة» لخالد أبوالليل( دار العين، 2008). فقد ارتبطت رواية الحواديت بالمرأة حتى أن أهل الشام كانوا يطلقون على علم الفلكلور حتى منتصف القرن الماضى «دفتر النسوان»، وقد غيرت نساء هذا الزمان من محتوى رواياتهن كثيرا. أحب حدوتة لقلب أبلة فصيلة «كان ياما كان فى رجل غنى جدا مش عارف يودى فلوسه فين فكر أنه يدهن حيطان بيته بالدهب فلف 3 بلاد، فى البلد التالت قابل أكبر تاجر دهب هناك قام قاله أنا عايز أدهن حيطان بيتى كلها بالدهب. استغرب التاجر وقاله آدى الدهب لكن إن جار عليك الزمن ابقى تعال. ضحك الغنى وقاله هيجور عليه الزمن فى إيه.. ده أنا عندى قصور وتجارة مالهاش عدد، وراح الغنى دهن قصره بالدهب وبقى عجب العجب.. وفى يوم تجارته وهى فى الصحراء جه عليها التراب، قال مش مهم أنا عندى قصر ومليان خزاين مليانة أموال.. بعدها جاله خبر أن البحر بقى عالى وغرق قصره.. وجارى عليه الزمان وراح نفس البلاد لأنه مش قادر يفضل جوه بلده بعدما بقى فقير عدمان. فى أول بلد اشتغل صبى عند حلاق ولما سأله الحلاق عن غلطته قاله: أنا مغلطش! طرده الحلاق وقاله: لا تحكى لى عن زمانك ولا أحكى لك عن زمانى. سافر الراجل اللى كان غنى لبلد تانية، واشتغل صبى حداد ولما ما اعترفش بغلطته الحداد قاله نفس الجملة فسافر لبلد تالت عند تاجر الدهب ولما سأله عن غلطته اعترف. وقال: غلطتى أنى ما أدتش الفقراء من مالى، فضحك التاجر وقاله: إن اللى ادتهولك قبل كده مش دهب ده نحاس وفلوسك عندى أمانة وآدى الزمن جار عليك. رجع الغنى لبلده وقابله الناس بفرح وقالوا له: القصر رجع بعد ما البحر رجع زى ما كان وتجارتك كلها من التراب نضفناها.. فرح الراجل الغنى وقال: الإنسان على أد ما يقدر المفروض ما يغلطش، وإن غلط لازم يعترف بغلطته ولو ما قلش هيشوف الويل فى دنيته. وتوتة توتة خلصت الحدوتة واللى هيجى بكرة هيفرح بالغنوة ويتهنى بالحدوتة... حدوتة سمعتها أبلة فضيلة من جدها: «كان ياما كان فلاح غلبان عاوز يجيب أكل لولاده. حفر واشتغل ووضع البذرة فى الأرض وانتظر المطر فلم يأت. رفع رأسه للسماء وقال: يارب أنا عملت اللى عليه واشتغلت فنزل المطر. سمعته سحابتان فى السماء. الأولى قالت لأختها يلا ننزل فرفضت أختها، لكن نزلت نقطة من السحابة الأولى على أنف الرجل. فقال الحمد لله، عندئذ قررت السحابة الثانية أن تنزل. نزل المطر روى الأرض وطلع الزرع. باعه الرجل واشترى أكل لأولاده.. ف أبطالها وديكورها وألوانها إلا أنها مازالت أسرع الطرق التى تصل لعقل الأطفال، فكثيرا ما تنجح فى إقناعهم بالصحيح وإبعادهم عن الخطأ ولكن بإيقاع جديد.. توتة توتة.