لم أشعر بارتياح وأنا أقرأ فكرة البرنامج اليومى فى أيام العيد على قناة «نايل سينما»، الذى يجمع فى كل حلقة بين فنان مسلم وآخر مسيحى لكى تصل الرسالة أن المسلم والمسيحى إيد واحدة، وكأن هناك مشكلة تلوح فى الأفق داخل الحياة الفنية بين المسلمين والأقباط. الحقيقة أن مثل هذه البرامج التى تستضيف الفنان، وهى تنظر أولا إلى خانة الديانة هى التى تؤجج بذور الفتنة داخل الوسط الفنى.. لا أتصور مثلا أن المخرج داود عبد السيد أو المخرج محمد خان عندما يستعين أى منهما بممثل أو مدير تصوير يلحظ ولا أقول يسأل أولا عن ديانته قبل التعاقد معه.. الحياة الفنية قائمة طوال العهود على أن البقاء للأفضل، ومن يحقق إنجازا فنيا أعلى أو إيرادات أكثر هو المطلوب، ومشاعر الناس لا تزال بمنأى عن النظر أولا إلى خانة الديانة. لا أنكر أن هناك من يعتقد أن الدين قد يشكل حاجزا بينه وبين مشاعر الناس.. أتذكر ملحنا شهيرا قال لى إن الدولة لم تكن تستعين به فى تقديم أغنيات وأوبريتات أكتوبر فى زمن الرئيس المخلوع لأنه مسيحى، وكانوا يفضلون عليه الملحن المسلم.. قلت له هذا الملحن لم يكن تسند إليه هذه الأعمال لأنه يظهر للمسؤولين هويته الدينية، ولكن كبار الموظفين فى الدولة لديهم مفاتيح، وهو عرف كلمة السر، وأنت لم تعرف هذه الشفرة ولا أظنك ستكتشفها، فهى ليست رشوة مادية بالضرورة، ولكنها قدرة خاصة تمكنه من الوصول إلى صاحب القرار، ثم لماذا فقط هذا الملحن المسلم الذى احتكر تلك الألحان، يوجد عشرات من الملحنين المسلمين ولم تسند إليهم أى أغنيات فى أكتوبر أو غيره؟.. أنت موهوب وهو أيضا لا أنكر موهبته، ولكن إضافة إلى ذلك هو يملك موهبة فك الشفرة. قال لى ولكن هناك ظلما واقعا على الأقباط فى عديد من المناصب القيادية، لا يحصلون على نسبة تتوافق مع نسبة وجودهم على أرض الواقع.. قلت له حتى الآن لا تعلن الدولة نسبة الأقباط الرسمية بالقياس لمجموع السكان، والأمر خاضع للاجتهادات لو سألت الكنيسة الأرثوذكسية ستقول 20%، ولو سألت الإخوان سوف يهبط الرقم إلى 7% أنا سألت د.إكرام لمعى القس البروتستانتى أستاذ مقارنة الأديان عن سر هذا التباين فقال لى بديهى أن كل طرف يغالى فى الأرقام، ولكنه طبقا لما لديه من وثائق يرى أن النسبة 12%، ورغم ذلك فإن المفروض أن الاختيار أولا للكفاءة ولا علاقة له بعدد السكان، وإلا أصبحنا لبنانا آخر، الذى تجد فيه المناصب فى الدولة موزعة طبقا للأديان بل والمذاهب داخل الدين الواحد، رئيس الجمهورية مارونى، ورئيس الوزراء سنى، ومجلس النواب شيعى، وهناك عدد محدد لكل دين ومذهب للوزراء.. إنها تبدو حلول مقيتة ورغم ذلك فإن ما عاشه المجتمع المصرى ولا يزال له بقايا ترتع بيننا كان هو الأسوأ، وما قد يراه البعض فرزا طائفيا ربما من زاوية أخرى تكتشف أنه يعبر عن مناخ فاسد. قلت له فى مطلع الشهر الماضى فى أثناء إقامة مهرجان الإسكندرية السينمائى جمعتنى جلسة مع يحيى الفخرانى حكى لى أنه فى مسلسل «زيزينا» وبعد اعتذار آثار الحكيم عن عدم أداء الجزء الثانى من المسلسل، قرر هو ومخرج المسلسل جمال عبد الحميد أن الأنسب للدور هالة صدقى، وفوجئا بأن الإنتاج يريد تغييرها.. لم يجد المسؤول الذى أراد ذلك وقتها سوى حجة أن هالة مسيحية، والمسلسل يعرض فى رمضان.. كان الفخرانى يعلم أن هذا ليس هو الدافع الحقيقى، ولكن الإنتاج لديه فنانة أخرى، ولمصالح خاصة يريدون تلميعها وتسويقها، وأصر بالطبع الفخرانى وجمال على هالة صدقى فى مواجهة فساد إنتاجى.. الدافع حتى لو رأيت فيه بعدا طائفيا ظاهريا، إلا أن العمق الكامن هو الفساد، ولو كانت هالة مسلمة كان الإنتاج سوف يبحث عن أسباب أخرى لاستبعادها.. المأزق الأساسى هو أن هناك من لديه دوافع يريد تحقيقها، وقد يلجأ إلى استخدام سلاح الدين. توصيل رسالة عبر التليفزيون الرسمى باستضافة فنان مسلم وآخر مسيحى تشبه جلسات الصلح بين الشيخ والقسيس، التى تنتهى عادة وهما يتعانقان بينما الفتنة مشتعلة.. من يريد أن يتصدى للجذور الحقيقية عليه أن يقضى أولا على الفساد فى حياتنا.