إذا لم تتحدث أعمالنا الدرامية بأشكالها الأدبية والفنية عن قضايا الوطن الملتهبة.. فعن ماذا تتكلم؟.. هل تعدد الزوجات وتعدد الأزواج.. وحكايات المخدرات والفساد.. لها الأولوية علي إشكالية أساسية مثل الفتنة إذا لم تتحدث أعمالنا الدرامية بأشكالها الأدبية والفنية عن قضايا الوطن الملتهبة.. فعن ماذا تتكلم؟.. هل تعدد الزوجات وتعدد الأزواج.. وحكايات المخدرات والفساد.. لها الأولوية علي إشكالية أساسية مثل الفتنة الطائفية؟.. وهل المشاهد الدعائية التي يتعانق فيها الشيخ مع القسيس كافية؟.. أم أنها الآن قد أصبحت نكتة مستهلكة مع مصطلحات مثل «عنصري الأمة» و«النسيج الواحد».. و«عاش الهلال مع الصليب».. إلي آخره كانت السينما ترصد صورة الوطن كاملة بكل ما فيها.. وأدخلتنا هند رستم إلي الدير مع شفيقة القبطية وأخذنا عبدالحليم حافظ علي ضفاف حنجرته إلي المسيح عليه السلام بكلمات الأبنودي.. وطاف بنا المبدع الكبير بهاء طاهر أجواء الصعيد الجواني مع خالتي صفية والدير.. التي رأيناها تليفزيونيًا بتوقيع الكاتبة يسر السيوي مع المخرج القدير إسماعيل عبدالحافظ.. ثم جسدتها صابرين مسرحيًا بنجاح صامت. الشهد والدموع وكان روائي التليفزيون الأول أسامة أنور عكاشة سباقًا عندما رسم لنا صور أم مكرم في الشهد والدموع في لوحات شديدة الدفء الإنساني كانت تعكس بحق روح مصر البديعة المحبة المحترمة لكل عقيدة.. ثم أعقبها في ليالي الحلمية بشخصية «كرم خلة» ذلك المناضل الوطني والبطل الهمام.. والملفت أن أسامة عندما رسم هذه الشخصية لم تكن هناك تلك النعرة المستفزة بصوتها المنفر.. بين هؤلاء وهؤلاء.. لقد كتبها بوعي وبصدق وهو ينظر إلي الوطن كله. لقد سألت في لحظة ما جري لكنيسة القديسين بالإسكندرية ماذا لو شطبنا من مصر.. نوابغها وأكابرها مكرم عبيد وبطرس غالي العم وابن الأخ.. ومجدي يعقوب وموسي صبري وفؤاد عزيز غالي وسعيد سنبل وبهاء طاهر ومفيد فوزي وهاني رمزي ولطفي لبيب ورمسيس وإبراهيم نصر ولويس جريس وسناء جميل وساويرس.. وطابورًا طويلاً من أنوار الوطن.. ماذا سيكون الحال؟.. ألا يخصم هذا من رصيد مصر كلها في السياسة والفن والأدب والاقتصاد. الشريعة الإسلامية لقد قلت لأحدهم ذات مرة هل تعرف أن كاتبًا مسيحيًا كبيرًا هو كرم النجار كتب مسلسلاً كاملاً عن النبي محمد- صلي الله عليه وسلم- وبموافقة الأزهر الشريف في عام 1968 وأصر الراحل القدير عبدالله غيث والمخرج أحمد طنطاوي علي سيناريو النجار رغم اعتراضات كثيرة. واندهش صديقي هذا أكثر وأنا أخبره بأن كرم في دراسته للحقوق كان قد احتل المركز الأول علي الأقباط والمسلمين في مادة الشريعة الإسلامية. وسألت صديقي هل لاحظت القيم الأخلاقية النبيلة التي يرصدها الكاتب مجدي صابر في أعماله..؟ وأجابني مندهشًا: وفيها إيه إنه صاحب قلم يمتلك الضمير اليقظ وسألته مرة أخري: هل تعرف ديانته؟.. وأجاب بأنه لا يعرف ولما أخبرته بأنه مسيحي قال لي بأن القيم الأخلاقية واحدة في الديانات السماوية الثلاث: «لا تسرق لا تزني لا تقتل لا تكذب...» إلي آخر الوصايا العشر.. التي تشكل صميم الدين. والعجيب أننا مع زيادة أعداد المسلسلات وما يتم الإنفاق عليها.. لا نجد جهة حكومية أو خاصة تحتضن بعض الأعمال الجادة التي تمضي في هذا الاتجاه لأن الأمور الإنتاجية تتم بأساليب عشوائية.. ستجدهم في كل عام سواء في قطاع الإنتاج أو صوت القاهرة أو مدينة الإنتاج الإعلامي يعتمدون خطة يقدمونها إلي أولي الأمر في ماسبيرو من باب العلم بالشيء وتسديد الخانة. المنتج الخاص وإذا كنا لا نلوم المنتج الخاص الذي يسعي إلي الربح فإننا نسأل وما دور الجهات الحكومية والدراما تستطيع أن تلعب دورًا هائلاً في تغيير الكثير من سلوكيات المجتمع.. كما تسببت أيضًا في نشر الكثير من المفاسد ومنها التدخين والإدمان والشذوذ والانفلات تحت شعار الحرية.. وحتي أكون منصفًا لا أتهم الأفلام والمسلسلات الهابطة فقط.. بل إنها مجموعة عوامل شاركت في هذا.. الفن علي رأسها لأنه الأكثر تأثيرًا وانظر إلي أغاني هذه الأيام ماذا تقول وكيف؟.. لكن ما حدث أننا مع كل فجيعة جديدة تحدث وتشعل لهيب الاحتقان الأحمق بين مسلمي وأقباط مصر.. ينصب الإعلام تلك السوق الدعائية الفجة عن جناحي الأمة.. ثم إذا هدأت الأمور عادت عاصفة الهمس الفني تطغي علي المكان كله. نعم هناك محاولات جرت في ساحة الفن السينمائي في هذا الإطار لكنها لم تتوغل في عمق الأزمة. حسن ومرقص باستثناء «حسن ومرقص» لعادل إمام وهو عمل توفرت له كل الإمكانيات من نص جيد وتمثيل علي أعلي مستوي وإخراج متميز.. والأجمل أن يتم معالجة هذا الموضوع الحساس في إطار ساخر بضمان عادل إمام.. فإذا بالرسالة تصل لكن هذا الفيلم وحده لا يكفي.. واذكرني مؤتمر صحفي أقامه اتحاد المنتجين العرب وهو يعلق عن مشروع كتابتي للمسلسل التليفزيوني محمد- صلي الله عليه وسلم- وعندما سمع بأن بطلة العمل راهبة مسيحية تترك الدير لكي تؤلف كتابًا عن النبي الكريم بعد هجمة الرسوم الدنماركية الوقحة.. عندها سألني هامسًا: وهل الراهبة سوف تشهر إسلامها فيما بعد؟!.. ورغم أنني لم أكن قد بدأت كتابة الحلقات لكني أجبته في ثقة وبدون تردد: لا.. لن تعلن إسلامها؟.. ويبدو أن دهشة صديقي هذا زادت.. لكنه بعد عدة أيام جاء إلي لكي يؤيد وجهة نظري.. فليس المهم ديانتها فالمهم فعلها.. أهي أفضل أم ذلك المسلم الذي يسيء إلي الإسلام ويضره؟.. أو هذا المحسوب علي الإسلام زورًا وبهتانًا مثل «سليمان رشدي» الذي تحول إلي كاتب عالمي مرموق بعد كتاباته السافلة ضد الإسلام بل ضد الأديان كلها وكنت أنا شخصيًا قد سألت نفسي قل الشروع في كتابة المسلسل ما الجديد؟ ما المطلوب؟ ما الأسلوب الأمثل ليصل العمل إلي الآخر خارج حدودنا الذي لا يفهم هذا الدين ويتطاول عليه بحجة حرية التعبير.. وعندما أقول كلمة الدين أعنيها فهو لا يفرق في ذلك بين الإسلام والمسيحية حيث وجدنا بعضهم في الغرب يصور المسيح عليه السلام شاذًا.. ومريم البتول زانية والعياذ بالله وهو ما لا يقبله في الشرق لا المسلم ولا المسيحي. ومع ذلك يتحجج بعض من يعملون في حقل الإنتاج أن هذه الأعمال لا تجد من يشتريها في القنوات الفضائية وهو كلام مغلوط وكاذب لأن مسلسل يوسف الصديق الإيراني اشترته أكثر من مائة محطة.. وبلغت أرباحه ما يزيد علي ال 50 مليون دولار رغم أن تكلفته لم تزد علي 7 ملايين فقط.. تجارة مشبوهة وأنجح الأعمال في الموسم الرمضاني هي تلك التي كانت تخاطب العقل، منها سقوط الخلافة، الجماعة، شيخ العرب، ماما في القسم، قصة حب، عايزة أتجوز، أهل كايرو، وكلها خلفها مؤلف.. وعلي ذلك فإن التصاق المسلسل بالنجم والإعلان كارثة بكل المقاييس وقد فتحت الأبواب لتجار المخدرات والمشبوهين لتمويل الأعمال الفنية من الباطن.. والوقوف في وجه الأعمال الجادة وهو ما ينبغي أن تتحرك لأجله الجهات الحكومية وبعض شرفاء الإنتاج.. وهو ما أكد عليه المؤتمر الأخير لجمعية مؤلفي الدراما وهذا ما سوف نتحدث عنه تفصيلاً فيما بعد فإنها فتنة بأكثر من وجه وأكثر من اسم وهدفها واحد.