اعتبر أساتذة الإعلام والاجتماع والتربية أن ما قدمته قنوات التليفزيون العامة والخاصة فى رمضان غير مقبول فالأعمال الدرامية امتلأت بالحوار المتدنى والألفاظ السوقية والشتائم. وأكدوا أن البحث عن الربح والترويج كانا السمة الرئيسية لدى المنتجين والقائمين على الأعمال الدرامية فى رمضان، وحذروا من خطورة ما يقدم على الشباب والناس فى الشارع لافتين إلى أن الشعب المصرى شعب راق وليس كما تصوره تلك الأعمال ذات التأثير الخطير، وقدموا مجموعة من التوجيهات والنصائح للقائمين على الأعمال الدرامية لعلنا نتخلص من قلة الأدب التى انتشرت فى أعمالنا الدرامية فى رمضان. وقالت د.نجوى الفوال أستاذ الإعلام السياسى ورئيس المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية سابقا: إنها مستاءة جدا من تدنى لغة الحوار والألفاظ السيئة المنتشرة فى الإعلام الرمضانى بما فى ذلك الدراما والإعلانات ونتساءل هل الشعب المصرى أصبح لسانه قذرا بهذه الطريقة؟ طبعا لا إذن لماذا يوجد انحطاط بالمستوى الثقافى فى الأعمال التى تقدم خلال شهر رمضان الذى من المفروض أنه شهر نترفع فيه عن الانحطاط ونسمو فوق الواقع المعاش؟ وأضافت: ليس من المفروض أن يكون هناك إسفاف بهذا الشكل فلغة الحوار فى غاية التدنى والألفاظ السوقية منتشرة فى الأعمال الدرامية وخطورة هذا كبيرة خاصة على الشباب والأطفال صغار السن الذين يتأثرون بما يقدم إليهم ويستخدمونه فى حياتهم العادية. * موجة عارمة وأكدت د.نجوى الفوال أن هناك موجة عارمة بين المشتغلين بالفن الآن وهى أنهم ينقلون الواقع كما هو، وهذه قيمة غير صحيحة تؤكد أنه لا يوجد إحساس بالمسئولية الاجتماعية للإعلام بعكس ما كان موجودا من قبل فعلى سبيل المثال نجد أفلاما عظيمة مثل فيلم «الحرام» يتحدث عن موضوع خطير وهو مفهوم الحرام والفقر، لكنه أوصل المعنى للمتلقى وجعله يحس بأوجاع الناس الغلابة حتى إن بطلة الفيلم كانت تؤنب نفسها على الخطأ الذى أدى لموتها وهنا الفن يسمو على الواقع ولا يكتفى بنقله فقط. وأضافت أن أغلب المشتغلين بالفن الآن ينقلون الواقع فقط، وهذا أمر سهل ويتغافلون عن المسئولية الاجتماعية للإعلام بحثا عن التسويق والترويج والربح من أجل جذب الناس بأى طريقة ولو على حساب القيم الفاسدة التى تقدم فى الأعمال الدرامية الآن رغم أن الكلمة مسئولية والمشهد مسئولية، والغريب أننا لا نعرف ما الرسالة التى يبغى القائمون على الأعمال التليفزيونية توصيلها بل إنهم يلجأون للمط والتطويل وعدم التطور والأبشع أنهم يملأون أعمالهم بالألفاظ السوقية والحوار المندى الذى يجعلها - أى د.نجوى - مستاءة جدا وفى غاية الحزن لأنها تعتقد أن المصريين شعب راقٍ وعلم كل الشعوب التى حولنا الأدب والعلم. وترى د.نجوى الفوال أننا ينبغى أن نتوقف عما يحدث من خلال تغيير ما يقدمه الإعلام والتعليم فهما الجناحان اللذان ينهضان بأى أمة أخلاقيا وقيميا وثقافيا وبهذا نصل لجيل يستطيع أن يفرز بين السيئ والجيد. ولكن هذا لن يتحقق فى ظل سيطرة الإعلانات والإعلام الهادفين للربح فقط ويستغنيان عن المسئولية الاجتماعية للإعلام، كما أن قطاع الإنتاج فى تليفزيون الدولة فى حاجة ملحة لأن يلعب الدور الذى كان يؤدى من قبل بإنتاج أعمال درامية تحمل قيماً إيجابية وهادفة وتسمو فوق الواقع وبذلك ينافس الهوجة التى تشير فيها القنوات الخاصة التى لا تهدف سوى الربح فقط. * البحث عن الربح وقالت د.نسرين بغدادى أستاذ الاجتماع أن القتل والمخدرات والزواج العرفى والعنوسة ظواهر خطيرة تم تناولها فى أعمال رمضان بنوع من الحوار الذى لا يرقى إلى مستوى المشاهدين وإذا كانت هذه الظواهر فرضت نفسها على المجتمع ومن ثم على منتجى الأعمال الدرامية فلم يكن يصح أن نعالجها بمثل هذه السوقية، فضلا عن أنه لا يصح أن تنقل الواقع بكل مساوئه فهل يدق هؤلاء المنتجون ناقوس الخطر أم أنهم يبحثون عن الترويج والربح فقط مع العلم أن معالجة مثل هذه القضايا بهذا الشكل المبتذل وغير اللائق قد يؤدى إلى انصراف المشاهد عن تلك الأعمال أو اتباعها من باب التقليد. وأضافت د.نسرين أن الحوار فى الدراما هو الذى يجذب المشاهد أولا ثم تأتى الصورة وبقية عناصر العمل الفنى، ولكن ما نشاهده الآن سيئ جدا فالحوار داخل أعمال الحارة ومملكة الجبل والعار وزهرة وأزواجها الخمسة وبالشمع الأحمر يزيف وعى المشاهد ويخلق مفاهيم خاطئة عند الشباب ومن خلال البحوث العلمية التى نجريها تبين لنا أن نسبة كبيرة من الشباب يتأثرون بالأعمال الدرامية ويقلدون أبطالها. وأكدت أن المشكلة فى الدراما الآن أصبحت تجارة بحتة والقائمون على الأعمال الدرامية ليس فى ذهنهم حكاية الرسالة والقيمة وإلا ما معنى الحوارات المتدنية التى سمعناها فى أعمال رمضان والتى تهدم قيماً مهمة داخل المجتمع فهل يجوز مثلا أن يتهم الابن أمه فى مسلسل بالشمع الأحمر بأنها لكاكة فأين القيمة هنا؟ ولماذا يصرون على تشويه صورة الأم؟ وفى النهاية نشكو من ظواهر العنف الأسرى فى المجتمع، ليس ذلك فقط، بل هناك مشكلة تتمثل فى تكرار الأخطاء وعدم الوعى بخطورة الإعلام وتأثيره لدى جميع فئات المجتمع. وأشارت د.نسرين بغدادى أن الفن إبداع وحرية وارتقاء بالمشاهد والذوق والارتفاع عن الغرائز وليس نقلا للواقع فقط، وإذا كانت هناك ظواهر سلبية فعلى الإعلام والدراما أن تعطى حلولاً وتقدم رؤى بديلة وتعلى المشاعر والصور الجمالية ويمكن أن تناقش الأحداث والظواهر بشكل متوازن لأننا فى احتياج شديد لذلك الآن وليس مجرد البحث عن الربح على حساب القيم والدور الاجتماعى للإعلام. * تحذير ونصيحة وقالت د.أحلام عبدالغفار أستاذ أصول التربية بجامعة عين شمس: إن الحوار فى الدراما خرج للأسف عن حدود الأدب خاصة فى الألفاظ السوقية والشتائم والسباب التى جاءت على لسان الأبطال الذين كان من المفروض ألا يهبطوا بالحوار إلى هذا التدنى، والانحطاط والانحدار الشديدين كانا سمة الحوار فى رمضان هذا العام. وأضافت أنها ليست راضية عن الحوار فى دراما رمضان بالمرة وصعقت من كم الشتائم والألفاظ، خاصة أن خطورة هذا الانحدار فى الحوار تنعكس على لغة الشباب والناس فى الشارع بحكم أن الدراما والإعلام أصبحا بديلين للمدرسة والبيت فى بث القيم والأفكار، فكل شبابنا الآن يحصلون على ثقافتهم من الإعلام بجميع صوره: الفضائيات والإنترنت والأعمال الدرامية والسينمائية. وأكدت د.أحلام أنها لاحظت أن معظم أعمالنا الدرامية خلت من الرسالة والقيمة وتحولت فيما تقدمه إلى وسائل للتسلية وشغل الفراغ وجذب الناس بالألفاظ الغريبة الخاطئة. وإذا بحثنا عن أى قيمة أو رسالة فى أى عمل لن نجدها. ناهيك عن أن الإلحاح فى عرض هذه الأعمال على أكثر من قناة يبث الأفكار المغلوطة والألفاظ السوقية لدى المشاهدين «فالدوى على الدماغ أمر من السحر». وقالت إن الانصراف عن تلك الأعمال بالريموت ليس بالحل الصحيح لمواجهة الإسفاف والتدنى والسوقية إنما الحل أن نواجه المنبع الرئيسى لتلك الأعمال، فعلينا أن نواجه الكتاب والمؤلفين ونسألهم هل يرضيكم ما تقدموه وتأثيره على أولادكم وأحفادكم؟ لعلهم يرجعون عما يقدمون من إسفاف كما أن وزارة الثقافة لها دور وكذلك السينما والقوى المجتمعية والأحزاب وأساتذة الجامعات، وكل واحد فى مجال عليه أن يسعى لتأكيد قيمة للحوار وأن تكون لغة الحوار مهذبة.