عجلة الإنتاج لم تعد إلى دورانها المنتظر. هذا رغم أن احتلال ميدان التحرير من العسكر. ورغم أن الثوار عادوا إلى البيوت. ورغم أن الوضع تحت السيطرة. لماذا لم تعد عجلة الإنتاج التى صدعنا بها إعلام الببغاوات الرسمى وغير الرسمى؟ الببغاوات تصدر لهم التعليمات من أعلى، ويحولون الكلمة إلى «حقيقة» تمنع التفكير. الببغاوات أقنعوا جمهورهم بأن الثورة هى السبب فى الأزمة الاقتصادية، وحتى من لم يتأثر بتوقف العجلة، فإنه يردد المقولات دون التمهل أو النظر إلى نفسه ليكتشف أن الوضع ليس كارثة، وأن أى تغيير أصغر من ثورة يمكنه أن يحدث اهتزازا فى الأوضاع المالية ويؤثر فى الاقتصاد. النظر دون تأثير الببغاوات سيجعل أى شخص يرى وببساطة أن مضخة السلع الترفيهية لم تتأثر وزيارة صغيرة إلى السوبر ماركت أو معارض السيارات ومحلات الملابس المستوردة. وهذا غالبا يكشف أن عجلة الإنتاج لم تتوقف، لكنها ارتبكت مع غياب «الراس الكبيرة» التى تدير العجلة لصالح من اختارتهم من نادى المحظوظين. اقتصاد مصر لم يكن اقتصادا بالمعنى المتعارف عليه فى دول رأسمالية حقيقية. فى مصر رأسمالية متوحشة، تعتمد على توزيع الأنصبة على «الحبايب والمحاسيب». هذا النموذج الاقتصادى وفى ظل دولة استبداد، يحول «المافيا» إلى أسلوب حكم. «الشلة» كانت أسلوب حكم ما بعد الثورة.. وميزة شلة مبارك أنها لا تلتف حول مشروع كبير، مشروعها الوحيد هو المصلحة ولا صوت يعلو فوق صوت المصلحة. من هذه الفكرة ولد أحمد عز، رمز مافيا مبارك، الذى كان الضحية الأولى التى قدمت لجماهير الثورة، هو الأذكى والأقدر ماليا. الذكاء والمال سلاحان يُستخدمان عادة فى قصص من هذا النوع، لكن مع الحالم بمقعد الرجل الأول، الأمر يختلف. هو يعرف جيدا ما يفتقده، بداية من الجاذبية الاجتماعية والكاريزما الجماهيرية، لكنه تعلم فن الإدارة. عاش فى الظل طويلا، لكنه وعندما قرر القفز إلى أعلى، لم تكن قفزات بسيطة، كانت درسا فى الركوب على الأكتاف لتعويض نقصان الطول الجسدى، ركوب أنيق. السياسة بالنسبة لنوعية أحمد عز لم تكن إلا لمزيد من إدارة عجلة الاقتصاد لتصب فى حسابه.. وهكذا قفزت الثروة على نحو خرافى (40 مليار جنيه) لا يمكن تصديقه نظريا. وفتح له كنز احتكار صناعة استراتيجية لم يفهم أحد من المقربين لماذا يلتهم السوق وحده؟ ولم يكن أحد يمتلك الإجابة لأن السؤال ليس دقيقا، فهو ليس وحده، إنه يدير أموال «الرجل الكبير» وهذا سر الموافقة على استحواذه على شركة كان يرأس مجلس إدارتها. ليس وحده. لكنه لعب على شبق «الرجل الكبير» للأموال ليبقى قريبا ومخلصا فى صمت، متحملا الهجوم الشرس عليه باعتباره «عدو الشعب». هنا فإن غياب «الراس الكبيرة» وراء القضبان يعطل دوران عجلة الإنتاج، لأنها تجعل المافيا تخفى الثروات، وتمنع الضخ، انتظارا لمن يحتل موقع الرجل الذى غاب فى زنزانته الطبية. وببساطة فإن توقف عجلة الإنتاج، هو تعطل دوران الاقتصاد لصالح المافيا القديمة. والإصرار على عودة العجلة بقانونها القديم هو استمرار للدائرة القديمة التى ستفرز أعضاء جددا فى المافيا تبحث عن رأس كبير. إنها ثروات لم تعرف الثورة، تريدها مرحلة انتقالية تجدد فيها الدماء. وإذا لم يتم تغيير السياسات الاقتصادية فإن العجلة ستدور، ولكن ضد كل من استمعوا إلى الببغاوات.