الثورة إلى الآن حققت معجزات كثيرة كنا نظنها مستحيلة، بثمن غال من الدماء أى نعم، ولكنها حققت الكثير. لا أنكر أن ما زال أمامها الكثير، ولكنها بالفعل أنجزت ما كان سينجز فى عقود من الزمن، إن لم نكن تحركنا. ولكن يجب أن نقف وقفة صادقة مع أنفسنا، ونكون على قدر من التواضع لنسأل أنفسنا عن جدوى كل فعل نفعله، وعن جدوى كل تحرك لتحقيق باقى المطالب. للعلم، باقى المطالب غير محصور بعدد معين، فقد يكون اليوم هناك سبعة مطالب ولكنها فى الغد تتحول إلى عشرين، لأننا كلما أدركنا مشكلة أخرى نسعى لحلها، ولهذا المطالب لا تنتهى إلا فى حالتين، الأولى أننا أصبحنا نعيش فى المدينة الفاضلة، أو أن تخسف بنا الأرض جميعا. لكن هل ما زالت الاعتصامات والاحتجاجات والتظاهرات تأتى بنفس الثمار والمكاسب؟ هذا سؤال ما زال لا يوجد لدى رد قاطع عليه، ولكنى بدأت أتساءل، وإن لم نتساءل ونقف لنقوم أفعالنا، فهذا لن يدل إلا على غرور، عند أو تكبر. وحتى إن كانت هذه الطرق تأتى بالمكاسب ونتائجها ساحرة وخيالية، هل هى أخلاقية وتعكس فعلياً ديمقراطياً حوله التفاف شعبى؟ لو أتى الاعتصام مثلا بمكسب ذهبى -من رأيى- مثل علنية المحاكمات مثلا، ولكن هذا المطلب لا يريده إلا أقلية مثقفة، ولكنه بالنسبة لأغلبية كاسحة لا يساوى وقفة كوبرى أكتوبر أو زحمة المحور أو قطع المسلسل التركى، فهل هذا فعل يعكس ديمقراطية حقيقية؟ وإن كانت القلة المثقفة مقتنعة أن ذلك «الصح»، والناس أغبية مش فاهمين، يبقى بلاها ديمقراطية بقى، وياريت ما نرجعش للناس فى شىء ونحكم إحنا والثقافة تعلو على الديمقراطية لتصبح ديكتاتورية المثقفين. لكن الديمقراطية الحقيقية لا تعطى لصوت المثقف وزنا أثقل من وزن الجاهل، أول مبادئ الديمقراطية أن كل من يحمل الجنسية له الحق المتساوى فى الاختيار. فماذا سنفعل إذن؟ نروح ونفض المولد ونتغاضى عن تحقيق التطهير والعدالة والحرية؟ ويلا نرفع راية الاستقرار وندحرج عجلة التنمية بالتغاضى عن مطالب مات علشانها أرواح؟ ينقطع لسانى، أنا مع استمرار المطالبة بيهم، ولكن ليس بمطالبة السلطة بهم، بل بمطالبة الشعب أن يطلبهم معنا، ولقد فعلنا ذلك قبل الثورة ونحن مكبلون، بينما كان أمن الدولة يلعب دور أمنا الغولة، والرقابة على أشدها. إلى أن وقف خلفنا الشعب فى الثورة، ممكن يكون اللى شارك مش كل الشعب، ولكن دعم الثورة فى أولها أغلبية الشعب المصرى، حتى لو كان على آخرها اختلف بنسبة لا يمكن أن تقاس على بقاء مبارك لأشهر من عدمه. هذا الحل هو الأصعب، والأطول، ولكنه بالتأكيد الأصح والأكثر ديمقراطية، خصوصا أنا أظن أن رأى الناس فى الثورة، ودعمهم لها، وإحساسهم أنهم جزء منها أهم ألف مرة من مليون مكسب سياسى. الحشد لمليونية أسهل كثيرا من التوعية السياسية، الحشد لاعتصام أسهل كثيرا من الترويج لفكرة ومبدأ، رفع يافطة أسهل كثيرا من مساعدة الفقراء، أسهل ما يمكن هو أن تقول «الشعب يريد» وتضع بعدها أى جملة، ولكن أصعب ما يكون أن تجعله يريد فعلا هذا المطلب ومستعد لدفع ثمنه. لنتذكر أن نزولنا للشارع أولا وأخيرا كان استثناء عندما تغيب الديمقراطية وصناديق الاقتراع، ولكن ليست هى القاعدة العامة، لأننا يجب أن يكون هناك مقياس سلمى غير مضر للمجتمع للاتفاق العام، حتى لو كان هذا الاتفاق الديمقراطى مبنى على شراء المال لبعض الأصوات، أو غسل أدمغة بعض البسطاء بوعود الجنة ومحاربة الكفر. ألا يجب أن نركز جميعا جهودنا أن نحاول على قدر الإمكان فى تقريب اختيار الأغلبية لما نراه فى صالح هذه الأمة بالشكل الديمقراطى الصحى السليم؟ للأسف فى فترة الثورات يصبح التصفيق الحار لمن يدهس أكثر على البنزين، ويطول التخوين كل من يحاول أن يدهس قليلا من الفرامل حتى لو قبل مفترق الطرق، ولكننا الآن أمام مفترق طرق حقيقى لو دهسنا بنزين أكثر قد نصطدم بسيارة الشعب الذى بدأ أن يكره الثورة من اليسار أو بسيارة المختلفين معنا فى الرأى من اليمين، فيأتى اليوم الذى يلعن كل كبير وكل صغير فيه الثورة من قلبه. أنا متضامن مع كل المطالب، أنا مع تطهير القضاء وكل مؤسسات الدولة، مع كل حقوق الشهداء والمصابين وأسرهم، مع محاكمات عادلة حتى لو كان عدلها سيحبط توقعاتى، ولكنى قد أختلف مع الكثيرين فى أفضل طريقة لتحقيقها، وقد أختلف مع نفسى شخصيا من اليوم للآخر، ولكنى مهما اختلفت مع أى أحد، لن أزايد عليه لو مطالبى أكثر من مطالبه أو لو الطريقة المثلى من وجهة نظرى أعنف من طريقته ولن أخونه، وإن كانت مطالبى أقل أو فضلت طريقة أكثر سلمية وأبطأ لن ألومه باصطناع البطولة وسأقدر وجهة نظره. وطالما تذهب لسريرك وضميرك مستريح أن ما تفعله لمصلحة مصر أولا وبعيدا عن مصلحتك الشخصية، مصلحة ترويج أفكارك أو طموحاتك السياسية فوقتها الاختلاف فى الطريقة لا يفسد للثورة قضية