ليس هناك من شك فى أن معظم من يخرج إلى التحرير، لديه أسباب وطنية لهذا، وإن كانت الوطنية وحدها ليست كافية، دون نظرة موضوعية، وأهداف واضحة، وآليات تنفيذ، تحافظ على التماسك الشعبى، ولا تعمل على تفتيته، لأن المظاهرة إذا ما انضم إليها الشعب صارت ثورة، والثورة إذا ما انفصل عنها الشعب صارت مظاهرة، والموقف فى مصر لم يعد واضحا، والصورة صارت مرتبكة مشوّشة، فى نظر غالبية الشعب، ولا أحد يستطيع أن يجزم، بمن سيحكم مصر فى السنوات التالية، وهذا يخيف الناس أكثر، ويخيف القوى الخارجية أكثر وأكثر، ومن السذاجة أن نتصوّر أن تلك القوى الخارجية، بأجهزة مخابراتها، ستقف ساكنة، تنتظر النتائج، فهى ستكون عندئذ مقصّرة فى حق شعوبها، وستكون أجهزة مخابراتها ساذجة فاشلة، لذا فمن المحتم أن تسعى إلى التدخّل، وإلى محاولة السيطرة على الموقف، أو إعادة توجيهه، على أقل تقدير... ومن يقرأ كتاب رجل المخابرات السابق، مايلز كوبلاند، (لعبة الأمم)، يمكنه أن يدرك ما أعنيه وأشير إليه، ففى هذا الكتاب درس خطير لكيفية إعادة توجيه حماس وثورة الأمم، من خلال ثوارها أنفسهم، لتحقيق أهداف أخرى، وسيدرك قارئه كيف سيطرت تلك الأجهزة على أفراد فوق مستوى الشبهات، للقيام بتلك اللعبة، فى مهارة واقتدار، وكيف أنها، وعبر التاريخ، أسقطت نظما، وأعادت أخرى، عبر منظومات غاية فى التعقيد.. ليس هذا تشكيكا فى وطنية جهة بعينها، أو تنظيمات باسمها، ولكنه تحذير من إهمال هذا الاحتمال، الذى سجل خبراؤه ألعابهم فيه، وكيفية إدارتهم له، ونجاحهم فى كثير منه، الذى كان هناك إجماع على استحالة النجاح فيه.. الخلاصة فى هذا هى أننا جميعا بشر، ليس فينا ملائكة ولا شياطين، وليس من المنطقى وصف فئة منا، أيا كانت، بهذا أو ذاك. ففى تاريخ الجاسوسية والتآمر سنجد مفاجآت، تفوق كل ما يمكن أن يتصوّره العقل، فهى لعبة ذكاء، وخبرة، ودراسة مكثفة لطبيعة النفس البشرية، وتخطيط دقيق، يشترك فيه آلاف الخبراء، الذين تنحصر مهمتهم فى إعادة تخطيط العالم، لما يحقّق منافع الدول العظمى، على حساب الكيانات الصغيرة أو الجديدة.. بالأمس فعلوها، واليوم حتما يفعلونها، وغدا إما أن نخطط لمستقبلنا، وندرك كيف نسعى إليه، أو يربحونها، مهما قلنا وصرخنا، وخرجنا فى مليونيات... والاحتقان المستمر والمربك للشارع، يساعدهم على تحقيق أهدافهم حتما، لأنه يضع الشارع فى حالة الاحتقان المطلوبة، وأحيلكم مرة أخرى إلى الكتاب نفسه، لتعلموا أن كل ما كتبته مستقى من تاريخ ثورات أخرى، وخطط مخابراتية سابقة، وناجحة.. وللحد.