كان أكثر السياسيين ترويجا لأكذوبة أن ثورة يوليو كانت أمريكية التوجه وأن عبد الناصر كان عميلا لأمريكا هم الإخوان المسلمون في إطار حملة منظمة قام بها هذا الفريق لتشويه عبد الناصر والتشكيك في نوياه وتوجهاته . ورغم إفراج السلطات الأمريكية عن الوثائق الخاصة بالخارجية الأمريكية ووكالة المخابرات المركزية بعد انقضاء المدة القانونية التي يحظر خلالها الإطلاع على فحوى تلك الوثائق أو النقل عنها .. وما تضمنته تلك الوثائق من شهادة بالبراءة للرئيس المصري وثورته . إلا أننا لا نزال نسمع ونرى من هو مستمر بإصرار غريب على ترويج تلك الأكاذيب والافتراءات وترديدها دون دليل يعتد به ، بل إن كل الأدلة التي تؤكدها الوثائق الأمريكية بالإضافة إلي وقائع التاريخ وأحداثه تشير إلى العداء المستحكم بين أمريكا وجمال عبد الناصر ، هذا العداء الذي تبلور في عدة محاولات أمريكية أو أوروبية للتخلص منه بطريقة أو بأخرى ولكنها فشلت جميعا حتى إن عبد الناصر قال ذات يوم :"لن يغفر لي الأمريكان ما فعلته معهم حيا أو ميتا"، وبالفعل جاءت محاولة مندوب وكالة المخابرات الأمريكية مايلز كوبلاند في كتابه (لعبة الأمم) في إطار الحملة الأمريكية المسعورة لتشويه تجربة عبد الناصر وتلطيخ سمعته حين أوحى كوبلاند في كتابه بارتباط عبد الناصر بالمخابرات الأمريكية قبل الثورة وأنه قام بثورته في مصر بإيعاز وتشجيع من أمريكا! والغريب أن يصبح هذا الكتاب هو المرجع الذي يعتمد عليه كل أعداء عبد الناصر وخصومه في تشويه صورته رغم الوثائق الأمريكية التي نشرتها صحف العالم والتي نقلها حسنين هيكل في كتابه (سنوات الغليان) والتي تنفى هذه التهمة عن عبد الناصر وتؤكد عكسها . بل وتثبت أن مايلز كوبلاند هذا مجرد رجل نصاب ومحتال وأنه نشر كتابه في إطار حملة سعودية أمريكية بهدف اغتيال عبد الناصر معنويا وتشويه صورته في الأوساط الشعبية بعد أن بلغت شعبيته عنان السماء وأصبح المثل الأعلى لكل ثائر عبر العالم . بما يهدد مصالح أمريكا ومخططاتها الاستعمارية . وقد أكدت تلك الوثائق ضلوع جلال كشك صاحب كتاب (كلمتي للمغفلين) في المؤامرة الأمريكية التي لعبت فيها أجهزة المخابرات دور رأس الحربة . ولم يستطع كشك أو كوبلاند حينها أن ينفي ما أكدته الوثائق الأمريكية وانزوي الرجلان في ركن النسيان والإهمال يجللهما عار العمالة والنذالة ، ولم يعد أحد من العقلاء يأتي علي كر أي منهما إلا "المغفلين" الذين توجه إليهم كشك بكلمته في كتابه الذي طبعته وروجت له المخابرات الأمريكية علي حسابها ! وفي عام 2009 جاء الرد الأمريكي علي كوبلاند في كتاب (إرث من رماد) تاريخ وكالة المخابرات الأمريكية للكاتب والباحث الأمريكي الشهير تيم وينر والذي يؤكد فيه بالجزء الخاص بمصر أن المخابرات الأمريكية فوجئت بثورة يوليو التي لم يكن مندوبوها أو عملاؤها في مصر يتوقعون قيامها أو يعملون لها حسابا . وأن إيزنهور حاول احتواء الثورة وقائدها جمال عبد الناصر في بداية الأمر بتقديم بعض الدعم العيني أو المالي له (يحدث ذلك الآن) ولكن عبد الناصر رفض الارتماء في أحضان التنين الأمريكي واتجه إلى روسيا ودول الكتلة الشرقية لطلب معونتها في مشروع النهضة العملاق الذي كان ينوي القيام به للانتقال بمصر إلي مصاف الدول العظمي . وقد جاءت قصة السد العالي مجرد فصل صغير في كتاب العلاقة العدائية بين أمريكا وعبد الناصر التي يبدو أنها لم تنته حتى اليوم فلا يزال عملاء أمريكا يرددون الافتراءات التي أطلقتها وكالة المخابرات الأمريكية عن الرجل . رغم ما أكدته الوثائق الأمريكية نفسها من كذب تلك الأقاويل ونفيها جملة وتفصيلا . ولكن ماذا نقول في الحقد الأسود الذي اعمي أصحابه وغيبهم بعيدا عن الحق والحقيقة. الغريب والمدهش أن هؤلاء الذين يعتبرون الاتصال بأمريكا والارتماء في أحضانها من الأمور المشينة هم الأكثر تنسيقا واتصالا مع أمريكا وانجلترا أمس واليوم بل إنهم لا ينكرون ذلك ويجاهرون به وكأن الاتصال بأمريكا حرام علي الجميع حلال عليهم وحدهم . واسألوا العريان ومرسي عن حقيقة تلك الاتصالات بل واسألوهم عن الصفقات التي كانوا يعقدونها مع النظام المخلوع قبل أن يصابوا بداء الثورة .. صحيح لقد صدق المثل العربي "رمتني بدائها وانسلت" !!