لماذا ترفض جماعة الإخوان المسلمين تقنين وضعها؟ لماذا تصر الجماعة على أن تحمل لقب «محظورة» رغم نفوذها السياسى المتصاعد، وشعبيتها الواسعة فى الشارع، وشرعية أغلب فروعها الدولية، الموجودة فى نحو 80 دولة حول العالم، بل ومشاركة بعض تلك الأفرع فى الحكم، مثل ما حدث فى الأردن؟ ولماذا لم تسع الجماعة بعد ثورة 25 يناير وحتى يومنا هذا، لأن تتحول إلى جمعية تخضع لقانون الجمعيات الأهلية، مثلما نجحت الدعوة السلفية فى الإسكندرية؟ تساؤلات حائرة تبحث عن إجابة منذ التأسيس الثانى للجماعة، فى عهد مرشدها الثالث عمر التلمسانى فى سبعينيات القرن الماضى. كانت الجماعة قد تم حلها للمرة الثانية فى تاريخها فى عام 1954، وتحديدا عقب حادثة المنشية، التى اتهم فيها الإخوان بمحاولة اغتيال الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، ومنذ ذلك التاريخ ظلت الصفة القانونية التى تحملها الجماعة هى صفة «محظورة»، فيما كان قادة الجماعة ومرشدوها المتعاقبون يبررون عدم سعيهم إلى تقنين وضعها، بأن النظام القائم لن يسمح لها بذلك، ورغم أن الرئيس السابق أنور السادات، كان قد عرض تأسيس حزب للجماعة، فإن التلمسانى رفض ذلك، بدعوى الحفاظ على الاسم التاريخى للإخوان. نائب المرشد العام المهندس خيرت الشاطر، برر الأمر فى مناسبات عدة، بأن «قانون الجمعيات الحالى يمنع ممارسة العمل السياسى»، ما يعنى فى رأيه أن القانون نفسه «سيكون ذريعة لضرب الجماعة فى أى وقت»، ومن ثم يطالب ب«تغيير قانون الجمعيات الأهلية أولا، قبل الحديث عن قانونية الجماعة». مطلب تقنين وضع الجماعة، كان يتصاعد فى أحيان كثيرة من داخلها، حيث طالب المرشح المحتمل للرئاسة، القيادى الإخوانى المفصول الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، قيادات الإخوان فى أعقاب ثورة 25 يناير بتسوية وضعهم القانونى، وهو المطلب نفسه الذى كررته أصوات إخوانية شابة، وزادت عليه خلال مؤتمر «رؤية من الداخل»، الذى عقد قبل بضعة أشهر، بالإشارة إلى ضرورة تحول الجماعة إلى جمعية أهلية تخضع أمورها المالية والإدارية إلى رقابة الجهاز المركزى للمحاسبات، فيما كان قيادى الجماعة المفصول أيضا، الدكتور عبدالستار المليجى هو الأسبق، فى كل الأحوال، فى طلب تقنين وضع الجماعة، وذلك حتى قبل أن يسقط النظام السابق. وبحسب دراسة للباحث فى تاريخ جماعة الإخوان، مدير مركز «البصائر للدراسات»، إسماعيل ترك، فإن الإخوان أقاموا دعوى قضائية، رقم 133 لسنة 32 ق، باسم المرشدين السابقين عمر التلمسانى ومحمد حامد أبوالنصر، إضافة إلى الدكتور توفيق الشاوى، طالبوا فيها بإلغاء قرار مجلس قيادة الثورة بحل جماعة الإخوان، حيث استمرت الدعوى فى التداول حتى عام 1992، حتى قضت محكمة القضاء الإدارى، برفض الدعوى فى السادس من فبراير من العام نفسه، قبل أن يتم استئنافها، إلا أنها لم يبت فيها حتى الآن. وفى الاتجاه ذاته، يستدل الإخوان على شرعية جماعتهم برأى شهير للمرشح المحتمل للرئاسة الدكتور محمد سليم العوا، بعدم وجود أى حكم قضائى بحظر الجماعة، كما كانت نيابة أمن الدولة تدعى، خلال نظر القضية التى عرفت إعلاميا بقضية التنظيم الدولى فى 11 ديسمبر الماضى، حيث وقعت مشادة بين رئيس محكمة أمن الدولة العليا طوارئ المستشار محمود سامى كامل، وممثل النيابة، رفضت هيئة المحكمة على أثرها إطلاق لقب «محظورة» على الجماعة، متسائلة «ومن الذى قام بحظرها؟!». وأمام إصرار الإخوان على عدم تقنين وضعها، يروج أحد شباب الجماعة المفصولين فكرة ربما تفجر أزمة حقيقية للجماعة مستقبلا، إذا ما نجح فى جمع أنصاره للتقدم بأوراق جمعية دعوية إلى وزارة التضامن الاجتماعى تحمل اسم «الإخوان المسلمون»، مما يجعل هذه الجمعية وحدها تحتكر الصفة القانونية للدعوة الإخوانية، التى لا يوجد لها أى ذكر فى ملفات الوزارة الآن. من جانب آخر، تتنوع وجهات النظر داخل الجماعة، بين أن تبقى على حالها، بعد خروج حزب الحرية والعدالة من رحمها، واكتسابه المشروعية القانونية، فى حين يكتفى جسم الجماعة بالمشروعية الواقعية والشعبية، أو أن يتم تقنين كل قسم من أقسام الجماعة وفقا لأحكام القانون، سواء كان قانون الجمعيات أو قانون الشركات أو غيرها من القوانين، أو أن تكتفى الجماعة بخروج حزب الحرية والعدالة إلى النور، على أن تقوم بقية جسم الجماعة برفع دعاوى لاسترداد أموال وممتلكات الجماعة التى تمت مصادرتها طوال العقود الماضية. الخبير فى شؤون الحركات الإسلامية حسام تمام، قال ل«التحرير»، إن تقنين جماعة الإخوان لوضعها «من شأنه أن يفرض قيودا عليها، هى غير مستعدة لها، كما سيضر بتعددية نشاطها وارتباطاتها الدولية، وسيفرض عليها رقابة قانونية ومالية».