الكتاب محاولة جادة من الفيلسوف الفرنسي جورج باتاي لاكتشاف مناطق خفية من إبداع الأدباء والمفكرين.. كيف تأثروا بالشر كتيمة في كتاباتهم، وحولوها إلى مؤلفات مميزة؟ تزامنا مع افتتاح معرض القاهرة الدولي للكتاب في 23 يناير الجاري، خلال الدورة الخمسين، اليوبيل الذهبي، صدر عن دار أزمنة الأردنية كتاب الأدب والشر تأليف الكاتب والفيلسوف الفرنسي جورج باتاي وترجمة الكاتبة والصحافية رانيا خلاف. تقام أمسية لمناقشة الكتاب بحضور إلياس فركوح الناشر الأردني والكاتب الصحفي سيد محمود في جاليري مشربية بشارع شامبليون وسط البلد من السادسة إلى الثامنة مساء، الاثنين المقبل. ويقدم المؤلف من خلال الكتاب بورتريهات أدبية شيقة للأبطال، وهم الأدباء والمفكرون: بودلير، سارتر، كافكا، ميشيليه، ويليام بليك، إيميلى برونتى، ساد، جان جينيه. وقالت رانيا خلاف "نحن لسنا إزاء بورتريهات تقليدية"، كما تخبرنا "رانيا"، التي توضح أن القارئ لن يصل إلى تاريخ مرجعي مفصل عن كل أديب ومبدع مذكور في الكتاب، فلن يجد مفاتيح جاهزة للدخول إلى عالمهم، وإنما سيحصل على قراءة فلسفية، أدبية ونفسية عن كتاب يكشف لك كيف كان للشر دور فى تشكيل تجربتهم الأدبية والحسية، تواصل "رانيا" حديثها عن الكتاب، فتقول إن باتاى يعرض وجهات نظر الأدباء سالفي الذكر للشر، فيتناول في البداية، رؤية الشاعر وليام بليك، للشر على أنه "بدون أضداد"، فمن تلك الأضداد ينبثق ما تطلق عليه الأديان الخير والشر، الخير هو السلبى الذى يطيع العقل، الشر هو الإيجابى الذى ينبثق من الطاقة، الخير هو الجنة، الشر هو جهنم. أما إيميلى برونتى، فقد كانت موضوع لعنة مميزة، كما يقول "باتاي"، إذ إن حياتها القصيرة كانت بائسة، وقد سعت إلى أن تحافظ على نقائها الأخلاقى، عبر المرور بخبرة عميقة خلال عالم جهنمى حافل بالشر. ويشيد "باتاي"، كما تخبرنا "رانيا"، بقدرة "برونتى" على سبر غور الشر فى روايتها مرتفعات ويزرنج التى تثير مسألة الشر فى علاقته بالعاطفة، وكأن الشر هو أكثر الوسائل قوة فى فضح العاطفة، فلو استثنينا الشكل السادى للرذيلة، فيمكن القول إن الشر، كما يظهر فى رواية برونتى، قد وصل لشكله الأمثل. يواصل "باتاى" سرد قصص مبدعيه وتجسيدهم للشر في أعمالهم، وهذه المرة مع الشاعر شارل بولدير، مؤلف أزهار الشر، الذي كان مسلحا بتوتر لا مثيل له، فقد تمكن من الاستفادة بقدر استطاعته من بطالته غير المبررة، فتقول "رانيا" على لسان "باتاي": "لقد منح التعبير عن النشوة والرعب شعر بودلير امتلاءً مستمرا إلى الحدود القصوى للحسية الحرة، منحه شكلا متعمقا من السمو والوضاعة، لقد توافقت حياته -المحاطة بأجواء الرذيلة، واستيائه الدائم من الحياة بعد زواج أمه عقب وفاة أبيه ورفضه وكراهيته للعالم- مع توتر إرادته التى رفضت قيود الخير بالطريقة ذاتها التى يرفض بها الرياضى ثقل الأثقال الحديدية". أما كافكا، الذى أوصى بحرق كل كتبه بعد وفاته، فيطلعنا "باتاي" على حياته الممزقة، التي عاش فيها بين عقدته من تسلط أبيه، ورغبته فى الاختلاف عن طبقته التى لا تعترف إلا بالعمل المنتج، لقد عرف كيف ينكر نفسه ويفقدها فى ميكانيزم عمل غير مرضٍ، لا لشيء سوى أن يرضي أباه ومجتمعه المتحفظ، وهكذا، فقد اختار النزوات لأبطاله، طفوليتهم ولا مبالاتهم، تصرفاتهم الفضائحية وكذبهم الواضح.. فى كلمة واحدة، كان يريد عالما لا منطقيا، لا يحتفى بالتصنيف، تتعرض شخصية الأب فى قصته القصيرة للمحاكمة من قبل الابن، لكنه رغم ذلك كان متيقنا دوما من أن التدمير العميق، المهلك، اللا إرادى لسلطة الأب سيعرضه للعقاب. وتختم "رانيا" بالإشارة إلى "باتاى" تناول قضايا أخرى كثيرة ومداخل مغايرة لفهم الشر، ربما يكون هو أول كاتب ألقى الضوء على منابع الشر فى الأدب العالمى المعاصر، لكن لماذا؟ من يجيب هو باتاى نفسه الذي يقول: «إن معرفة الشر، هى ما تشكل أساس الاتصال الانفعالى المطلوب في الأعمال الأدبية». "باتاى" ولد عام 1897، وكان فيلسوفا وروائيا وناقدا فرنسيا رائدا، تناول فى كتاباته مدى واسعا من الموضوعات، أهمها الإيروتيكية، والدين، والأنثروبولوجيا، وكتاباته ما زالت تؤثر في الأدب والفكر الغربى حتى الآن.. يذكر أن الكتاب نشر مشترك ما بين دار أزمنة للنشر في الأردن، ودار الفراشة في الكويت.