عندما زار زعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون، سدًا كهرومائيًا قيد الإنشاء الشهر الماضي، أشارت تقارير إلى أنه "استشاط غضبًا" بعد أن علم لماذا فشلت بلاده في استكمال بناء السد بعد 17 عامًا من العمل. ويعاني السد، الذي يتصدر قائمة اهتمامات كيم للتخفيف من النقص المزمن في الطاقة الكهربائية في بلاده، من نقص في العمال والمعدات والمواد. ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، عن تقارير تشير إلى أن كيم قد وجد أن المسؤولين الذين يشرفون على المشروع لم يقوموا حتى بزيارة الموقع. ونقلت وكالة الأخبار المركزية الكورية الشمالية عن "كيم" قوله إن "ما يجعلني أكثر غضبًا هو أن هؤلاء المسؤولين لن يفوتوا أبداً الفرصة للظهور بوجوههم الواهية، ويدعون فضلهم، عندما يتم الاحتفال بإتمام المشروع، مضيفًا "أنا عاجز عن الكلام". وتباينت التقارير الواردة في وسائل الإعلام في كوريا الشمالية عن غضب كيم، مع الصور النمطية لمثل هذه الزيارات، التي تظهر كيم وهو محاط بالمواطنين المحبين له. وأشارت الصحيفة الأمريكية، إلى أنه منذ أواخر يونيو الماضي، كرس كيم جميع أنشطته العامة لزيارة المصانع والمزارع ومواقع البناء، بدلًا من زيارة الوحدات العسكرية ومواقع تجارب الأسلحة التي كان يتردد عليها العام الماضي. وبدلًا من التفاخر ببراعة بلاده العسكرية، فإنه ينتقد الإدارة السيئة في المواقع التي يزورها، مما يبرز تركيزه الشديد على إصلاح اقتصاد بلاده. ويرى خبراء في الشؤون الكورية الشمالية أن رسالة "كيم" موجهة إلى الولاياتالمتحدة بقدر ما هي موجهة لشعبه ،لأن تعهده بتحقيق الازدهار الاقتصادي يعتمد على إقناع واشنطن بتخفيف العقوبات الدولية. اقرأ المزيد: هل تحقق العقوبات الأمريكية على كوريا الشمالية أهدافها؟ وخلال عطلة نهاية الأسبوع، قال كيم إن شعبه شارك في "معركة حياة أو موت" ضد "العقوبات الدامية"، التي قال إنها تسببت في "نكسة خطيرة" لاقتصاد بلاده. وصرح كوه يو هوان، أستاذ الدراسات الكورية الشمالية في جامعة "دونج كوك" في سيول، أنه "من الواضح أن كيم جونج أون يسعى جاهدًا لتخفيف العقوبات، والعثور على طرق لتعزيز الإنتاج وتحسين حياة شعبه"، مضيفًا أنه "في الوقت نفسه، يقوم بإلقاء اللوم على مساعديه من خلال انتقاد المسؤولين الكسالى". وأوضح "كوه" أنه من خلال إظهار تركيزه على الاقتصاد، وليس على برامج الأسلحة، قد يشير كيم إلى أنه مستعد للتفاوض على نزع أسلحته النووية إذا قدمت واشنطن الحوافز المناسبة، لكن الشكوك العميقة لا تزال قائمة حول ما إذا سيتخلى عنها كيم بشكل دائم، أو أن الولاياتالمتحدة ستقدم مكافآت في المقابل، مثل معاهدة سلام تنهي الحرب الكورية، والتي تطالب بها كوريا الشمالية. وعندما التقى كيم مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في سنغافورة في يونيو الماضي، وافق الطرفان على بناء علاقات "جديدة" والعمل نحو "نزع السلاح النووي الكامل لشبه الجزيرة الكورية". إلا أن اتفاقهما كان يفتقر إلى التفاصيل، ومنذ ذلك الحين تصاعدت الإحباطات على الجانبين حول عدم إحراز تقدم في تنفيذ اتفاق القمة، وهو ما يضعف آمال كوريا الشمالية في تخفيف العقوبات، ورغبة واشنطن في نزع السلاح النووي من كوريا الشمالية سريعًا. وفي بادرة حسن نية، ألغت واشنطن مناوراتها العسكرية المشتركة مع كوريا الجنوبية، لتشجيع كوريا الشمالية على نزع السلاح النووي، لكنها رفضت تخفيف العقوبات، مطالبةً بأن تتحرك بيونج يانج أولًا نحو نزع السلاح النووي، والمبادرة بإعلان جميع منشآتها النووية. كما اتخذت كوريا الشمالية بعض التحركات لتهدئة واشنطن، حيث علقت تجاربها النووية والصاروخية، وهدمت موقع اختبارات نووي تحت الأرض، وكذلك تدمير موقع اختبار لمحركات الصواريخ. ولكن قبل أن تقدم المزيد، تريد بيونج يانج من واشنطن أن تعلن نهاية للحرب الكورية، مما يمهد الطريق لمعاهدة سلام رسمية لتحل محل الهدنة التي أوقفت الحرب في عام 1953. اقرأ المزيد: كيف تتمكن كوريا الشمالية من تمويل وارداتها رغم العقوبات؟ وتحاول كوريا الجنوبية بحلحلة المأزق بين كوريا الشماليةوالولاياتالمتحدة، عن طريق توسيع علاقاتها الاقتصادية وغيرها مع بيونج يانج. ومن المقرر أن يجتمع رئيس كوريا الجنوبية مون جاي إن، الشهر المقبل، مع كيم في بيونج يانج، عاصمة كوريا الشمالية، كما كشف الأربعاء الماضي، عن رؤية جريئة للتعاون الاقتصادي مع كوريا الشمالية، بما في ذلك بناء مناطق اقتصادية مشتركة على طول الحدود وربط السكك الحديدية للدولتين، شريطة أن يبدأ الشمال في نزع الأسلحة النووية. وترى "نيويورك تايمز"، أن كيم يواجه الكثير من المخاطر في دفع التنمية الاقتصادية، حيث يسعى إلى تعزيز سلطته على بلد عانى من مجاعة مدمرة في التسعينات، وشهد مؤخرًا ظهور طبقة وسطى طموحة. وكتب روديجر فرانك، وهو خبير في شؤون كوريا الشمالية في جامعة "فيينا"، "أن الكوريين الشماليين الآن ماديون وجشعون وغير راضين مثلما كان رفاقهم في الاتحاد السوفييتي وألمانيا الشرقية في يوم من الأيام"، مضيفًا أن "كوريا الشمالية بدأت في لعب لعبة الرأسماليين، كما أنها تجاوزت كل الحدود التي وصلت إليها معظم الدول الاشتراكية الأوروبية". في أول خطاب علني له كزعيم لكوريا الشمالية في عام 2012، تعهد كيم بأن شعبه "لن يضطر أبدًا إلى التقشف مرة أخرى"، وفي العام التالي، استبدل سياسة "الجيش أولًا" التي اتبعها والده "كيم جونج إيل"، بنهج "بيونج جين"، أو التقدم الموازي لبناء ترسانة نووية واقتصاد البلاد في آن واحد. ومع قيامه بسرعة بتطوير البرامج النووية والصاروخية لكوريا الشمالية، قام كيم أيضا بتعديل اقتصادها الاشتراكي عن طريق السماح ببناء أكثر من 400 سوق خاص، لتكمل حصص الدولة والمحلات الحكومية التي اعتادت أن تكون المصدر الوحيد لسلع الناس، كما منح المزيد من الاستقلالية للمصانع والمزارع الجماعية. إلا أن العقوبات المفروضة على برنامجه للأسلحة، أخرجت خطط التقدم الاقتصادي عن مسارها، ففي حين نما اقتصاد كوريا الشمالية بمعدل 1.77% سنويًا في الفترة بين عامي 2012 و2015، التي يرجع الفضل فيها إلى أنشطة اقتصاد السوق، وفقًا لكيم بيونج يون، أستاذ الاقتصاد في جامعة سيول الوطنية،تقلص الاقتصاد الكوري في عام 2017، بأكبر معدل خلال عقدين من الزمن بنسبة 3.5%، وفقا للبنك المركزي الكوري الجنوبي. وفي محاولة لإنقاذ البلاد من حافة الهاوية النووية إلى الدبلوماسية، يأمل كيم في بناء علاقات تجارية وتخفيف ضغط العقوبات، فمنذ شهر مارس الماضي، التقى الرئيس الكوري الشمالي بنظيره الصيني شي جين بينج ثلاث مرات، والرئيس الكوري الجنوبي مرتين. اقرأ المزيد: 500 مليون دولار سنويا من جيوب العمال بالخارج للزعيم الكوري الشمالي وفي شهر أبريل، أعلن عن نهاية سياسة "بيونج جين"، موضحًا أنه أكمل أحد الهدفين المتوازيين، وهو بناء ترسانة نووية، وأضاف أن كوريا الشمالية سوف تركز جميع الموارد الوطنية على إعادة بناء الاقتصاد. وتساءل المحللون في كوريا الجنوبية منذ ذلك الحين، هل هذا يعني أن كيم يرغب في التخلي عن صواريخه النووية مقابل تنازلات اقتصادية وأمنية من الولاياتالمتحدة وحلفائها؟ وهل إدارة ترامب على استعداد لاختبار نوايا كيم من خلال المشاركة معه في تبادل للتنازلات؟ وقال هوانج جاي جون ، المتخصص في شؤون كوريا الشمالية في معهد "سيجونج"، وهو مركز أبحاث في كوريا الجنوبية إن "الأمر الواضح هو أن النتيجة النهائية لن تظهر حتى نرى تحسنًا في العلاقات بين الولاياتالمتحدةوكوريا الشمالية وتخفيف العقوبات ورفعها". وأشارت الصحيفة الأمريكية، إلى أن القائد الأعلى في كوريا الشمالية، يستغل رحلات "التوجيه الميداني" لتحديد أولوياته، فعندما قام كيم بتسريع برنامجه النووي والصاروخي في العام الماضي، زار مرافق الأسلحة ومواقع تجارب الصواريخ. وعلى النقيض من ذلك، كانت جميع رحلات "التوجيه الميداني" الثلاثين تقريبًا التي قام بها كيم منذ أواخر شهر يونيو، للمصانع والمزارع ومواقع البناء.