أثارت علاقة الصداقة غريبة الأطوار التي جمعت بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، انتباه العالم أجمع، وأعطت الانطباع أنهم متفقين تمامًا. وبرزت هذه العلاقة خلال اليومين الماضيين، بعد أن وصل الرئيس الفرنسي إلى واشنطن في زيارة رسمية هي الأولى منذ أن تولى ترامب منصبه في يناير 2017. إلا أن خطاب ماكرون أمام جلسة مشتركة للكونجرس الأمريكي، أبرزت الاختلاف الكبير بينهما، حيث أوجز رئيس فرنسا الخطوط العريضة لرؤيته الدولية التي تتناقض بشكل كبير مع رؤية مضيفه، وهو ما دفع مجلة "بوليتيكو" الأمريكية إلى القول، أن ماكرون ذكّر البعض بالرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما. وفي خطابه، قام إيمانويل ماكرون بانتقاد سياسة ترامب في عدد من القضايا ضمنيا، بداية من تبنيه للفكر القومي، مرورًا بقضايا المناخ والحفاظ على النظام العالمي. اقرأ المزيد: ماكرون يزور واشنطن في اختبار جديد للعلاقات الفرنسية الأمريكية وهو خطاب، ترى المجلة أنه كان من الممكن أن يلقيه أوباما، والذي أيّد صراحة ماكرون أثناء الانتخابات الرئاسية في فرنسا عام 2017، على عكس ترامب. وناشد ماكرون البالغ من العمر 40 عامًا، في الخطاب الذي ألقاه باللغة الإنجليزية، الولاياتالمتحدة بعدم وضع حواجز تجارية، وأن تنضم إلى اتفاق باريس للمناخ، وعدم الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني. وقال ماكرون أمام الكونجرس "يجب أن نشكل ردودنا المشتركة على التهديدات العالمية التي نواجهها"، دون أن يذكر اسم ترامب صراحة. وقبل وقت قصير من خطاب ماكرون، غرد ترامب أنه سيتابعه على شاشة التلفزيون، ولم يعلق الرئيس الأمريكي على الخطاب حتى الآن. وكان ماكرون قد وصل إلى الولاياتالمتحدة، يوم الاثنين، في زيارة رسمية، هي الأولى منذ تولى ترامب منصبه، وانضم إلى ترامب في حفل عشاء رسمي، بعد يوم من الاجتماعات يوم الثلاثاء. وتحدث الزوجان مرارًا وتكرارًا عن إعجابهما المتبادل، وأظهرا هذا الإعجاب بتبادل بالعناق والمصافحة والقبلات، وهو ما دفع عدد من المراقبين إلى التكهن بتقارب وجهات نظرهم المتباينة، مثل علاقتهم الشخصية. اقرأ المزيد: ماكرون يريد فرنسا «عظيمة مرة أخرى» خلال زيارته لأمريكا لكن في تصريحاته إلى النواب الأمريكيين، أوضح ماكرون أنه وترامب لديهم وجهات نظر مختلفة تمامًا تجاه العالم، خاصة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية الأمريكية. وكان ترامب قد انتقد المنظمات الدولية مثل حلف الناتو، وأطلق فلسفة "أمريكا أولًا" التي يخشى العديد من الزعماء الأجانب من أنها تعني المزيد من العزلة للولايات المتحدة. لكن ماكرون حث أمريكا على عدم التخلي عن دورها البارز على المسرح العالمي، محذرًا من أن "كل القوى ذات الاستراتيجية والطموح الأقوى" ستندفع نحو ملء الفراغ الذي ستتركه أمريكا، في إشارة إلى الصين وروسيا. وقال ماكرون، إن العمل انطلاقًا من "النزعة القومية المتطرفة" لن يؤدي إلا إلى إضعاف المؤسسات الدولية مثل الأممالمتحدة وحلف شمال الأطلسي وتخفيف "نفوذها واستقرارها" في جميع أنحاء العالم. كما حذر الرئيس الفرنسي من اللجوء للحروب الكلامية، وهو ما يتميز به ترامب، قائلًا إنه "يمكنك اللعب بالمخاوف والغضب لبعض الوقت، لكنك لن تستطيع بناء أي شيء". اقرأ المزيد: «ماكرون» مَخرَج ترامب من أزمة الانسحاب من سوريا وأشارت المجلة الأمريكية، إلى أن هذا الموضوع يذكرنا بأوباما، الذي دعم علنا ترشيح ماكرون في انتخابات عام 2017، فيما أشاد ترامب بأحد منافسيه الرئيسيين، وهي مارين لوبان، التي شنت حملة لتبني قوانين هجرة صارمة، وهاجمت عدد من المؤسسات مثل الناتو والاتحاد الأوروبي. ووصف ماكرون يوم الأربعاء التحالف بين الولاياتالمتحدةوفرنسا، بأنه "علاقة خاصة للغاية"، ويبدو أنها محاولة منه للمزايدة على توصيف "العلاقة الخاصة" الذي غالباً ما يطلق على التحالف بين أمريكا وبريطانيا. وأشار الرئيس الفرنسي إلى العلاقات التاريخية بين فرنساوالولاياتالمتحدة، مشيرًا إلى صورة ماركيز دي لافاييت، بطل الثورة الأمريكية، والمعلقة في قاعة مجلس النواب، وحضور بعض المقاتلين الأمريكيين القدامى، للخطاب، والذين شاركوا في معركة "نورماندي" خلال الحرب العالمية الثانية. كما حذر ماكرون من إقامة الحواجز أمام التجارة الدولية التي يمكن أن تشعل "حربا تجارية"، التي توقع أن تتحملها الطبقة الوسطى في شكل ارتفاع الأسعار وخسارة الوظائف، وأعرب عن قلقه بشأن زيادة مستويات عدم المساواة الاقتصادية حول العالم. وكان ترامب قد عبر عن رفضه في كثير من الأحيان من اختلال الميزان التجاري، لا سيما مع الصين، وكذلك مع بعض حلفاء الولاياتالمتحدة مثل المكسيك وكندا والاتحاد الأوروبي. وقال ماكرون، إن الحل لمثل هذه المخاوف ليس فرض الرسوم الجمركية، وهي خطوة اتخذها الرئيس وهدد باتخاذها مرة أخرى، ولكن من خلال منظمة التجارة العالمية، قائلًا "لقد وضعنا هذه القواعد، ويجب أن نتبعها". ربما كان أبرز نقطة خلاف بين ماكرون وترامب خلال زيارة هذا الأسبوع، هو دعم الرئيس الفرنسي للاتفاق النووي الإيراني، وهو الاتفاق الذي هدد ترامب بالانسحاب منه، واعترف ماكرون بأن الصفقة معيبة لكنه أكد أنها كبحت برنامج إيران النووي. اقرأ المزيد: هل يعيد ترامب وماكرون ثنائية بوش وبلير؟ وأضاف أن فرنسا لن تنسحب من الاتفاق "لأننا وقعنا عليها"، وأخبر المشرعين الأمريكيين أن "رئيسك وبلدك سيتعين عليهما القيام بمسؤولياتهما في الأيام والأسابيع الحالية فيما يتعلق بهذه القضية". ولكنه أشار إلى أنه وترامب اتفقا على العمل على التوصل إلى اتفاقية أكثر شمولًا تتجاوز نطاق الاتفاق الحالي، لمواجهة الأنشطة العسكرية الإيرانية في الشرق الأوسط. وتلقى ماكرون الكثير من التصفيق، وإن كان معظمه من النواب الديمقراطيين، في معرض تناوله لقضية تغير المناخ، وهو موضوع آخر اختلف فيه مع ترامب علانية. حيث قال الرئيس الفرنسي إنه متأكد من أن الولاياتالمتحدة سوف تنضم في يوم من الأيام إلى الاتفاقية الدولية لتغير المناخ التي تم التوصل إليها في باريس عام 2015، وهي الاتفاقية التي انسحب منها ترامب.