فى مصر الآن ما يقرب من 47 حزبا سياسيا، بينها 24 حزبا تنتمى إلى العهد السابق، والباقى أحزاب جديدة تشكلت بعد ثورة 25 يناير العظيمة. وهم ليسوا بكثير، مقارنة بأى مجتمع قام بثورة، تراوحت سياساتها ما بين دينية أو ذات مرجعية إسلامية أو أحزاب ليبرالية، أو أحزاب انتهازية تعبر عن بعض أشخاص كانوا على علاقة قوية بأفراد النظام السابق، وكانوا فى خدمته دائما.. ويحاولون الآن غسل وجوههم وأيديهم وأموالهم.. بخلاف الأحزاب التى خرج أصحابها من عباءة الحزب الوطنى «المنحل»، بعد تلونهم فى إطار البحث عن دور فى مصر الثورة، بعد أن كانوا يسبحون بحمد النظام، ويروجون للتوريث، من أجل الحصول على منافع ومصالح خاصة، لكن خيّب الله أملهم.. وهم يعاودون الكرة مرة أخرى فى النظام الجديد. لقد تم حل الحزب الوطنى الفاسد، وزج ببعض قياداته إلى السجن، وعلى رأسهم جمال مبارك وأحمد عز، وآثر البعض منهم البقاء فى جحورهم، وهم الذين كانوا الأعلى صوتا والأكثر تأثيرا فى الحياة السياسية بشكل عام من أمثال على الدين هلال، ومفيد شهاب، ومحمد كمال.. وغيرهم. وقد جرى حل الحزب بحكم قضائى صدر عن المحكمة الإدارية، ولم يصدر عن حكام المرحلة الانتقالية الذين يفضلون أن تستمر الأمور على ما هى عليه -رغم أنه كان مطلبا شعبيا- لفساد الحزب وقيادته وأعضائه فى الحياة السياسية عبر الثلاثين عاما من حكم مبارك، بالتزوير فى الانتخابات والبلطجة السياسية، ومصادرة الحريات، والتحكم فى مصير العباد، وبمعاونة جهاز أمن الدولة «المنحل». ولم يكن الحزب الوطنى فقط الواجب حله بعد ثورة 25 يناير التى خرج الشعب فيها ضد الفساد والاستبداد، فقد كان يجب أيضا حل الأحزاب القائمة، التى شكلت ديكورا لحكم ديمقراطى وانتخابات مزيفة، ومن بينها أحزاب الوفد برئاسة رجل الأعمال السيد البدوى، الذى ناصب الثورة العداء من لحظة خروجها فى 25 يناير، وكذلك حزب التجمع برئاسة رفعت السعيد، العضو المعين دائما فى مجلس شورى «التزوير»، والحزب الناصرى الذى حرص الحزب الوطنى إلى أن يكون له ممثل فى انتخابات الشورى الأخيرة المزورة، وتمثيل أمينه العام أحمد حسن بالتعيين، وقد أهدى صفوت الشريف أيضا عضوا بالانتخاب «المزور» إلى السيد البدوى غير المعين. وبالطبع هناك حزب الجيل الذى كان يسير على هدى صفوت الشريف.. وكذلك حزب العدالة الاجتماعية، برئاسة محمد عبد العال، الذى نجحوه بالانتخاب «المزور» فى مجلس الشعب 2010 عن دائرة إمبابة، ولم يكن أحد فى الدائرة يعرف أنه مرشح فى الانتخابات! وأتحدى أى إنسان متابع للسياسة وشؤون الأحزاب أن يتذكر أسماء خمسة أحزاب أخرى من تلك الأحزاب الكرتونية، التى كانت صنيعة لجنة صفوت الشريف للأحزاب وجهاز أمن الدولة. وقد كان لحزب الوفد، برئاسة السيد البدوى، الذى حوله إلى صيدلية يمتلكها أو فرع لإحدى شركاته للأدوية، مواقف مخزية من الوضع العام قبل الثورة. فقد حرص السيد البدوى، وبمشاركة الإخوان، على الخروج عن الإجماع الوطنى الذى اتفقت عليه القوى السياسية بعدم المشاركة فى انتخابات مجلس الشعب عام 2010، لتعرية النظام الفاسد المستبد أمام العالم كله.. وشارك فى الانتخابات إلى أن جاءت المرحلة الثانية، وأعلن فى شكل مسرحى انسحابه من الانتخابات.. ومع هذا أصر أعضاء منه على عدم الانسحاب.. وهدد بشكل مسرحى أيضا بفصلهم.. ليعودوا مرة أخرى إلى الحزب ويتصدروا المشهد الآن، ويعدّهم الحزب لخوض الانتخابات الجديدة. ويدخل حزب السيد البدوى فى تحالف مع الإخوان، ويقدم نفسه إلى الذين يديرون شؤون البلاد بأنه قادر على لمّ شمل الأحزاب والقوى السياسية، من أجل تأييد سياساته للمحافظة على مصالحه «وبزنسه» الخاص. تخيلوا أن السيد البدوى ومعه الإخوان ومجموعة من الأحزاب لا يعلم الشعب عنها شيئا.. تتصدر المشهد تحت زعم تحالف ديمقراطى لخوض الانتخابات. بل إنه متوقع أن يحصل حزب البدوى على عشرات المقاعد فى الانتخابات القادمة، وهو الذى لم يستطع الحصول عليها، رغم تحالفه من قبل مع النظام السابق وأجهزة أمنه وتنفيذه رغباتهما. ولا تستمعوا إلى ما يقوله أمثال السيد البدوى من أنهم سيقاطعون الانتخابات اعتراضا على قانون الانتخابات الجديد.. فلن يفعلوا ذلك.. بل إنهم حريصون كل الحرص على جنى ثمرة الثورة قبل نضجها، ولا يهمهم شىء سوى مصالحهم الشخصية. ومع هذا فلتأت الانتخابات بأى نتيجة.. وننتهى من المرحلة الانتقالية الحالية الثقيلة والعقبة.. وساعتها سنعرف نتصرف مع الأخ السيد وأمثاله.