رجل بسيط في مظهره، فجلبابه جار عليه الزمن، وعيناه تتحدث عن حاله بعدما اتسعت حدقاتها من قلة النوم، وضعف جسمه من العناء، يمشي ببطء حاملا لوحًا من الخشب، عليه أطباق صغيرة، بها "ترمس"، لا أحد يتخيل أن وراء هذا اللوح قصة كفاح، فهو مصدر الرزق لرجل وزوجه وكان سببا في تعليم 7 من الأبناء. إذا رأيته حسبته بائسا ناقما، من كثرة المشقة والعناء، كغيره من الناس، ييأسون من الحياة وينقمون العيش، لكن الرجل ثمانينى العمر، يرى في بؤسه وشقائه أعظم النعم، قناعته هي غناه، وكنزه الذي لا يفنى، فيكافح من أجل العيش، وتمنعه عزة نفسه سؤال الناس. "أنا أسعد وأغنى الناس.. وكرم ربنا كبير".. جملة عظيمة هي لسان حال "محمد أحمد علي" البالغ من العمر 72 عامًا، وكررها أكثر من ثلاث مرات خلال حديثه ل"التحرير". يقول "عم محمد" إنه يبع الحِلبة والترمس بجانب مقام العارف بالله السيد البدوي، منذ عام 1963م، متابعا: "لم يردني الله خائبا قط، ولم أنع للدنيا بال، ولازمت ساحة المسجد، والقهوة الأحمدية، ومن هذه الأشياء أنفق على نفسي وزوجتي، وربيت 7 أبناء وعلمتهم، وزوجت 5 منهم". وتابع "عم محمد ": "يومي يبدأ عندما أقوم بتجهيز الحلبة، فأتركها في الماء ربما يوما أو يومين، حتى تشرب الماء كاملا، وأجهز السوداني والترمس، وأتوجه لساحة المسجد الساعة 12 ظهر كل يوم، ثم أعود إلى منزلي مجبور الخاطر"، مستكملا: "ربنا أكرمني وجوزت 3 بنات، وولدين، وباقي 2 صبيان منهم واحد بيخدم في الجيش". ويضيف: "رغم الشقاء والعناء وتقدمي في العمر، إلا أنني أغنى وأسعد الناس، وربنا يخفف عني آلامي لأني بكافح بالحلال، وكرم ربنا كبير أوي، ولا يردني خائبا بجانب مقام شيخ العرب".