بعد ارتفاعها الأخير.. أسعار الدواجن والبيض اليوم الخميس 25 إبريل 2024 بالبورصة والأسواق    إيرادات آي بي إم تخالف توقعات المحللين وتسجل 14.5 مليار دولار في الربع الأول    واشنطن تعلن التصدي لصاروخ حوثي يستهدف على الأرجح سفينة ترفع العلم الأمريكي    أمريكا تضغط على إسرائيل على خلفية مزاعم بشأن قبور جماعية في مستشفيين بقطاع غزة    إيران وروسيا توقعان مذكرة تفاهم أمنية    بعثة الزمالك تسافر إلى غانا اليوم على متن طائرة خاصة استعدادًا لمباراة دريمز    بعد الصعود للمحترفين.. شمس المنصورة تشرق من جديد    فرج عامر يكشف كواليس «قرصة ودن» لاعبي سموحة قبل مباراة البلدية    عاجل.. أسطورة ليفربول ينتقد صلاح ويفجر مفاجأة حول مستقبله    «أتربة عالقة ورياح».. الأرصاد تحذر من حالة الطقس اليوم وتكشف أماكن سقوط الأمطار    اخماد حريق هائل داخل مخزن أجهزة كهربائية بالمنيا دون إصابات بشرية (صور)    السيناريست مدحت العدل يشيد بمسلسل "الحشاشين"    صندوق التنمية الحضرية يعلن بيع 27 محلا تجاريا في مزاد علني    أحمد موسى: مطار العريش أصبح قبلة للعالم وجاهز لاستقبال جميع الوفود    تحظى ب«احترام غير مبرر».. اتهام مباشر لواشنطن بالتغاضي عن انتهاكات إسرائيل    تخصيص 100 فدان في جنوب سيناء لإنشاء فرع جديد لجامعة السويس.. تفاصيل    عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير.. أسعار الذهب اليوم الخميس 25 إبريل 2024 بالصاغة    الليلة.. أدهم سليمان يُحيي حفل جديد بساقية الصاوي    هل يجوز قضاء صلاة الفجر مع الظهر؟.. «الإفتاء» تحسم الجدل    حصول 5 وحدات طب أسرة جديدة على اعتماد «GAHAR» (تفاصيل)    رئيس قسم الطب النفسي بجامعة الأزهر: تخصصنا يحافظ على الشخص في وضعه الطبيعي    رئيس «الطب النفسي» بجامعة الإسكندرية: المريض يضع شروطا قبل بدء العلاج    بعد نوى البلح.. توجهات أمريكية لإنتاج القهوة من بذور الجوافة    "منافسات أوروبية".. جدول مباريات اليوم والقنوات الناقلة    كرة السلة، ترتيب مجموعة الأهلي في تصفيات ال bal 4    منسق مبادرة مقاطعة الأسماك في بورسعيد: الحملة امتدت لمحافظات أخرى بعد نجاحها..فيديو    الاحتلال يعتقل فلسطينيًا من بيت فوريك ويقتحم بيت دجن    تيك توك تتعهد بالطعن في قانون أمريكي يُهدد بحظرها    بعد اختناق أطفال بحمام السباحة.. التحفظ على 4 مسؤولين بنادي الترسانة    "مربوط بحبل في جنش المروحة".. عامل ينهي حياته في منطقة أوسيم    الهلال الأحمر: تم الحفاظ على الميزانية الخاصة للطائرات التى تقل المساعدات لغزة    الرئيس الموريتاني يُعلن ترشّحه لولاية ثانية    ريهام عبد الغفور عن والدها الراحل: وعدته أكون موجودة في تكريمه ونفذت    30 صورة وفيديو من حفل زفاف سلمى ابنة بدرية طلبة بحضور نجوم الفن    مش بيصرف عليه ورفض يعالجه.. محامي طليقة مطرب مهرجانات شهير يكشف مفاجأة    محافظ شمال سيناء: الانتهاء من صرف التعويضات لأهالي الشيخ زويد بنسبة 85%    كيف أعرف من يحسدني؟.. الحاسد له 3 علامات وعليه 5 عقوبات دنيوية    دعاء في جوف الليل: اللهم أخرجنا من الظلمات إلى النور واهدنا سواء السبيل    محافظ شمال سيناء: منظومة الطرق في الشيخ زويد تشهد طفرة حقيقية    توجيهات الرئيس.. محافظ شمال سيناء: أولوية الإقامة في رفح الجديدة لأهالي المدينة    التطبيق خلال ساعات.. طريقة تغيير الساعة على نظام التوقيت الصيفي (بعد إلغاء الشتوي)    اسكواش - ثلاثي مصري جديد إلى نصف نهائي الجونة الدولية    وزيرة التضامن: المدارس المجتمعية تمثل فرصة ثانية لاستكمال التعليم    فريد زهران: نسعى لوضع الكتاب المصري في مكانة أفضل بكثير |فيديو    حظك اليوم برج الميزان الخميس 25-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    إصابة أم وأطفالها الثلاثة في انفجار أسطوانة غاز ب الدقهلية    تأجيل بيع محطتي سيمنز .. البنوك الألمانية" أو أزمة الغاز الطبيعي وراء وقف الصفقة ؟    من أرض الفيروز.. رسالة وزير العمل بمناسبة ذكرى تحرير سيناء    الزكاة على أموال وثائق التأمين.. الإفتاء توضح أحكامها ومتى تجب    «زى النهارده».. عيد تحرير سيناء 25 إبريل 1982    غادة البدوي: تحرير سيناء يمثل نموذجًا حقيقيًا للشجاعة والتضحية والتفاني في سبيل الوطن    ميدو: لاعبو الزمالك تسببوا في أزمة لمجلس الإدارة.. والجماهير لن ترحمهم    رئيس تحرير «أكتوبر»: الإعلام أحد الأسلحة الهامة في الحروب    الصحة تفحص مليون و413 ألف طالب ضمن المبادرة الرئاسية للكشف المبكر عن فيروس سى    مدير تعليم القاهرة: مراعاة مواعيد الامتحانات طبقا للتوقيت الصيفي    صور.. الطرق الصوفية تحتفل برجبية السيد البدوي بطنطا    بالفيديو.. أمين الفتوى: موجات الحر من تنفيس نار جهنم على الدنيا    10 توصيات لأول مؤتمر عن الذكاء الاصطناعي وانتهاك الملكية الفكرية لوزارة العدل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصائد


الظباء وقصائد أخري‮ ‬
ملء الوديان ظباء تثغو،
تدعو رفاقها إلي عشب المراعي،
نزل الضيوف بساحتي،
ضيوف كرام نزلوا ببيتي‮ ‬،
فعمرت بهم الساحة وشرف بهم المكان،
وصدحت لمجيئهم المعازف،
وتجاوبت الأوتار مع رنة العيدان،
وارتفعت الأيادي سخية بالعطاء الكريم‮.‬
ملء السلال هدايا،‮ ‬
وملء القلوب إخلاص وحب وندي،
فكيف تزل بي الخطي وتضل الدروب،
‮ ‬وأنا رهن ساحات عامرة بأولي النُهي،‮ ‬
وحكمة باقية علي الزمان‮.‬
ملء الوديان ظباء تثغو،
تدعو رفاقها إلي عشب المراعي،
وقد نزل الضيوف بساحتي،
ضيوف من أطيب الناس نفساً،
وأعظمهم عنصرًا،
ما أطيب أخلاقهم لي مثلاً‮ ‬ومنهاجاً،
سأقيم لهم الولائم،
وأصب الكؤوس مترعة،
وأصيب من النشوة ملء أحفان‮.‬
ملء الوديان ظباء تثغو،
تدعو رفاقها إلي عشب المراعي،
نزل الضيوف بساحتي،
ضيوف كرام نزلوا ببيتي،‮ ‬
فعمرت بهم الساحة وشرف بهم المكان،
تألقت جوقة الشدو وصدحت الألحان،
وقد مُدّت لهم أسمطة فاخرة،
وصُبت لهم كؤوس معطرة بالنشوة،
عسي أن تمتلئ جوانحهم هناءة،‮ ‬
ويصفو بهم الزمان‮.‬
الخيول الأربعة
خيول أربعة تعدو رامحة،
تعدو ويرهقها المسير،
ترمح عبر منحنيات الدروب،
ترمح وبقلب المسافر حنين،
وليس للمسافر أن يؤوب إلي دياره،
إلا وقد وفّي الأمير مطلبه،
كم يعز عليّ‮ ‬أن أعود،‮ ‬
وبرقبتي دين لم أوف مقداره‮. ‬
خيول أربعة ترمح عبر الطرقات،
تلهث مبهورة الأنفاس،
ألا يؤوب البعيد من سفرته؟
ليس للذاهب أن يعود،
قبل أن ينجز للأمير‮ ‬غايته،
والوقت يضن بساعة،‮ ‬
ريثما تقيل الدروب للمسافر عثرته‮!‬
حمائم تحلق في الآفاق،
تطير وتشرع الأجنحة،
تهبط فوق أغصان السنديان،
السفر لم ينقض،‮ ‬والترحال باق،
لهفي علي أبي الشيخ الهرم،‮ ‬
من يرعاه من بعدي‮.‬
حمائم تحلق ملء الأجواء،
تطير وتشرع الأجنحة،
تهبط فوق أغصان السنديان،
السفر لم ينقض والمهام عاجلة،
لهفي عليك،‮ ‬أمّاه،‮ ‬في البلد البعيد،
أين لها بمن يحنو عليها بعدي؟
أقود أفراسي الأربعة بأعرافهم السوداء،
أستحثها كي تطوي الطريق،
أليس ينبغي لمسافر أن يعود إلي دياره؟
هذه الأغنية بعض أشواق مسافر،
أماه‮.. ‬إليك يطوي الشوق كل الطرقات‮.‬
أزهار مشرقة
أزهار تألقت فوق أغصانها،
في التلال والوهاد تفتحت أكمامها‮.‬
والمسافرون يجوبون الدروب،‮ ‬
يدبرون الأحوال علي قدم وساق‮.‬
أقود الجياد الأصيلة،‮ ‬
بمقود من ستة أعنة ناعمة،
أستحثها أن تركض بي سريعاً،
كي أجوب القري والمدن العامرة‮.‬
أقود الجياد من كل فصيل،
بمقود من ستة أعنة ناعمة،
تنهب بي الطرقات سراعاً،
كي أجوب البلاد قضاءً‮ ‬لحاجات الناس‮.‬
جياد من كل لون وصنف،
تمضي سراعاً‮ ‬ولجامها حرير،
تسرع بي عبر الدروب،‮ ‬
كي أستقصي أحوال كل ذي حاجة‮.‬
جياد بيضاء وسوداء ومرقشة،
بيدي لجامها ومقود الطريق،
أتنقّل عبر الدروب سريعاً،
استقصاء لأحوال الناس في كل البقاع‮.‬
زهرات الحور الأبيض
أزهار الحور متألقة في أفنانها،
طاب رُواؤها‮ ‬غرساً‮ ‬ومنبتاً،
وجوه الناس أزاهير أغراس شتي،
لكن ليس كوجه الأخ الشقيق مثيل‮.‬
في وجه الخطر الداهم،
لا يسعفك مثل أخ شقيق،
لا يصد عنك الأقدار العاتية،
سوي ساعد الأخ الكريم‮.‬
تحلق الطيور عالياً‮ ‬فوق التلال،
وأعظم من طيرانها وأبعد من الآفاق،
قلب أخ شقيق ساعة محنة عاتية،
حيث لا يملك أعز صديق إلا التأسي‮.‬
قد يتعارك أشقاء وسط باحة دار،
لكنهم ساعة الأزمة يتكاتفون،
قد يواسيك الصديق ساعة محنة،
ويخذلك وقت أن تحسبه‮ ‬الشقيق‮.‬
ثمت ساعات للخطر تنقضي،
وتعود السكينة إلي الديار،
ويلتئم شمل بيت وعائلة،
يعود صاحبك أغلي من شقيق‮.‬
تمتلئ الصُحفة بالطعام،
وتُمد الأسمطة وتفيض الأقداح،
تعمر الولائم بالديار،
ويعمر قلبك بحب أخيك‮.‬
الرجل يألف امرأته،‮ ‬مثل وتر وقيثارة،
والأخ يهفو إلي شقيقه،‮ ‬روحان في جسد،
فما أحلي النغم متآلفاً،
وما أسعد الأيام في قلوب شقيقة‮.‬
ليكن بيتك عامراً‮ ‬بالدفء،
ولتهنأ بك زوجك واخوتك،
وليكن ذلك عهدك معهم أبداً،
والعهد كالحق برهانه ساطع‮.‬
اجتثاث وتغريد
أغصان تجاوب الريح صاخبة،
وطيور تصدح في ذؤابات الشجر،
طيور طالعة من قلب الوادي،
لتجثو فوق ذؤابات الأغصان،
تملأ الأجواء سقسقة وتغريدًا،
وتنصت ريثما يجاوبها الرفاق،
ها هي ذي بأجنحتها الهائمة،
تحث رفاقها علي صحبة الطريق،
ولا تقلع عن المحاولة،
فكيف بنا نحن بني البشر،
كيف ننأي عن صحبة صديق؟
كيف وقد عقدت السماء العزم،‮ ‬
علي أن تضع السلام حيث يكون الوئام‮.‬
يصدح العامل بأغنية،‮ ‬
يغالب ملل الوقت ريثما يقطع الأشجار،
قد أعددتُ‮ ‬مائدة عامرة وملأت الكؤوس،
ووضعتُ‮ ‬أطباقاً‮ ‬ملآي بلحم الضأن،
فليأت أعمامنا وكل الأقارب،
سأظل أدعو الجميع إلي مأدبة،
ما لم يصدوا أنفسهم عن المجيء،
قد هيأت بيتي للقادمين ومددت الأسمطة،
وملأت القدور بكل ماتشتهي النفس،
وقطّعت لكل طاعم نصيباً‮ ‬وافراً،
فليأت الأقارب ليطعموا هنيئاً،
وليدفعوا عني مظنة اليد البخيلة‮.‬
قد وصل إلي التل قاطع الأخشاب،
والأقداح أعدت للشاربين،
والأسمطة فوقها الأطباق للمطعمين،
فلتجتمع القلوب والأيدي معاً،
في صحفة طعام وجفنة وئام
ما أشقي أن تتباعد قلوب وأياد‮!‬
بطون لم تمتلئ طعاماً‮ ‬كنفوس لم تشبع حباً،
قد استصفيت خمراً‮ ‬وملأت أقداحاً،
فإن تبدد الشراب فسوف آتي بالمزيد،
فلتصدح المعازف وتدق الطبول،
ولنشمّر أكمامنا ونرقص معاً،
فما أجمل اللهو ساعة من زمان‮!‬
وما أحلي الخمر من كأس مصفّي‮!‬
في عناية السماء
فلتحفظك السماء وترعاك،‮ ‬
وتدعم أركان مجدك،
تشيد لبلدك أساس القوة الركين،
وتمنحك كل أسباب الرفاه والخير
تغل عليك وفرة ونعيماً،
وتجعل من مملكتك أغني البلاد‮.‬
فلتحفظك السماء وترعاك،
وتحوطك بأسباب الهناءة والسعادة،
تصير كل الأشياء بمقود إرادتك،
ويرفل أهل بلدك في خير عميم،
وتتنزل عليك خزائن الجاه،
عسي أن يطول بك أمد التنعم سرمدا‮.‬
فلتكن عناية السماء حظك الواعد،
وتزدهي بك الأوقات ساعة بعد ساعة،
تعانق بك قمم المجد السامق،
وتعرج بك في معارج الشرف،
وتجري بحظوظك جريان نهر دافق،
فيبقي الخير بكنفك بقاء الأزل‮.‬
وليكن من طعامك نصيب لأضحية،
تقدمة طاهرة لروح آبائك وأجدادك،
أضحيات أربع مع بدء الفصول،
عسي أن تتحقق بك نبوءة السابقين،
يوم أن تيمنوا بك خيراً‮ ‬وذخراً‮.‬
قد أطلّت عليك أرواح أجدادك،
تهدي إليك هناءة ووعدًا جميلاً،
فلتجد رضا في قلب شعبك الطيب،
ولتبسط لهم رداءك وتمد لهم الأسمطة
وليكن جميعهم لديك سواء،
فتعمر نفوسهم امتنانا وعرفانا‮.‬
كأني بك هلال يتزايد اكتمالا،
كأني بك شمس أول النهار،
أو تلال جنوبية سامقة،‮ ‬
فلا اعتراك نقص ولا خمول،
بل دمت ريان القلب كشجرة صنوبر،
يانع الخضرة كشجرة سرو،
خالد الذكر في نسلك الباقي‮.‬
نبات البيقة
نقطف من نبات البيقة حزمة وراء أخري،
قد نبتت وتفتحت الأوراق،
أما حانت العودة إلي الديار‮!‬
قد أوشك عام آخر أن ينقضي،
وأنا بغير بيت،‮ ‬بغير مأوي،
جئت لقتال القبائل الهمجية،
والحرب ليست نزهة في أحراش،
جئت لقتال قبائل الهون الشمالية‮.‬
فلنقتطف نباتات البيقة حزمة بعد أخري،
وقد أينع الثمر ولانت الأغصان،
أما حانت ساعة العودة إلي الديار‮!‬
ما عدت أجد ساعة للصفو بعد كدر،
وبقلبي جمر وشوك وزلزلة مخاوف وقلق،
وثم حلق مشقوق بالجوع والعطش،
وليس من مأوي تثبت لديه أقدامي،
وليس من يحمل رسالة الغائب إلي موطنه‮.‬
فلأقطف ثمار البيقة حزمة فحزمة،
ولو أن الثمار قد مالت بأهداب ذابلة،
أما حانت العودة إلي الدار‮!‬
قد مرّت الآن عشرة أشهر كاملة،
ولم تنته الحرب التي جئنا لأجلها،
ليتني أجد ساعة صفو من الزمان،
أرتاح فيها من أثقال الكرب،
وليس من يواسي في وقت محنة‮.‬
أي الأشجار أنضج ثمراً؟
إنها أشجار الكرز الملتفة الأغصان،
أي العربات أبهي وأوفر عدة لقتال؟
إنها مركبة قائد الجيوش المظفر،
قد رُكِّبت فيها خيول طافرة،
أفراس أربعة مطهمة،‮ ‬
تجوب الميادين دون أن تهدأ لحظة،
ثلاث معارك طاحنة في شهر واحد‮.‬
أربعة جياد تركض فوق الطريق،
جياد أربعة مطهمة،
والقائد في أول الركب موفور البهاء،
والمشاة بين يديه يترسّمون خطته،
والأفراس في طريقها سائرة‮.‬
وثمة جعبة من قشر أسماك مجففة،
وسهام عاجية مصوبة،
عيوننا يقظي علي المدي،
والقبائل تفزع شاردة في كل وجه‮.‬
أستعيد وقت خروجنا إلي الحملة،
وقت كانت أشجار الصفصاف تنثر النسائم،
ها نحن علي طريق العودة،
وقد امتلأت الطرقات نثار جليد،
وصارت الدروب موحلة،
الركب ظامئ وجائع،‮ ‬مفتت الأوصال،
وبالقلب أسي فوق كل الأسي،
وليس من يتصور مثل هذا الشقاء‮.‬
قائد في مهمة رسمية
أقود مركبتي علي طريق الرحلة،
أسابق الزمن إلي المروج الشمالية،
وقد جاءتني من قبل الملك أوامر رسمية،
أن أنزع قوسي وأمضي إلي الحصون،
ناديت علي الحوذي أن يسرج الجياد،
ريثما تهيأت للرحلة الطويلة جهة الشمال،
فها قد صدرت الأوامر الملكية،‮ ‬
بأن تتجهز القوات للدفاع عن البلاد‮.‬
أقود مركبتي علي طريق الرحلة،
أسابق الزمن إلي مروج الشمال،
فوق العربة رايات حرب مشرعة،
ترفرف خفّاقة في قلب الريح،
رايات تحوم كالنسور في الأجواء،
تحلق عالياً‮ ‬فتكاد تنبت لها أجنحة،
وأنا أتهيأ للحرب مشتت الفكر،
والحوذي يسوق الأفراس مبهور الأنفاس‮.‬
قد صدرت الأوامر للقائد‮ "‬نانجون‮"‬،
أن يقيم حامية لدي الحدود الشمالية،
فصدع للأمر وهيأ للزحف جياداً‮ ‬أربعة،
ورايات خافقات مشرعة،
قد صدر أمر القتال ممهوراً‮ ‬بتوقيع ملكي،
ولزم التحرك شمالاً‮ ‬لحماية حدود الوطن،
وقد علا نجم القائد نانجون وذاع صيته،
إذ شتت أعداءه بدداً‮.‬
غادرت بلدتي لأجل الحملة الشمالية،
والحقول وافرة النماء وقت ذهابي،
الآن فقد عدنا نقاتل قبائل الجهة الغربية،
والطرق موحلة والدروب عسيرة الترحال،
وليس ثمة مأوي علي طريق وعر المسالك،
أليس هذا أوان العودة إلي بلدتي البعيدة؟
لكن نار الحرب تستعر في كل حين‮.‬
صوت الجنادب يملأ الوديان،
وبين الحشائش يتقافز الجراد،‮ ‬
وأنا أجلس في انتظار وصول القائد،
وقد استعرت في نفسي نيران القلق،
فلما رأيته مقبلاً‮ ‬من بعيد،
عاودتني السكينة وتدبرت الأمور،
هو ذا قائد مظفر يقوم بيننا،
يسلّط حرابه علي قبائل الجهة الغربية‮.‬
كم ذا تطول أوقات الربيع،
وتزهر الأوراق وينضج الثمر،
تزقزق طيور الصفّارية ملء الأجواء،
وثمة فتيات يقطفن أوراق الشيح،
وجنود يقبضون علي زمرة أعداء،
ياحظ جيش كان له‮ "‬نانجون‮" ‬قائدًا،
سحق أعداءه ونشر في ربوع الوطن السلام‮.‬
شجرة البتولا
شجرة بتولا علي جانب الطريق،
ثمارها مدلاة،‮ ‬دانية القطوف،
والحرب قدر لا نهاية له،
وما أطول زمان المعارك‮!‬
قد ذهب الرجل ولم يعد منذ شهور،
بقلب واجف بالظنون أبقي في انتظاره
ألم يأن أوان عودته ولو لبرهة‮!‬
شجرة بتولا علي جانب الطريق،
أوراقها مفعمة النضرة والبهاء،
والحرب قرار بأمر ملكي،
وقلبي ينفطر حزنًا،‮ ‬
علي من طال بغيابه الأمد،
وقد طلع فصل ربيعي جديد،
والقلب منسحق تحت أثقال المكابدة،
متي يؤوب المسافر من رحلته؟
صوب التل الشمالي تقودني خطواتي،
أقتطف ثمار التوت‮ "‬العرقد‮"‬،
والحرب قدر طويل الأمد،
فمن يقيم أود الوالد والأم العجوز؟
قد تحطّمت العربة المقواة الخشب،
وتعثرت الجياد الأربعة،
ألم يأن أوان عودة الغائب؟
أَنظرُ‮ ‬فلا أجده بين العائدين،
ويمتلئ قلبي أتراحاً،
قد انقضت مدة القتال ولم يعد،
والغياب المماطل عذاب مكين،
سوي أن النبوءات تحمل بشائر،
تنبئ بالخير الواعد،‮ ‬وبأن الغائب عائد،
عائد حتماً‮ ‬إلي مسقط رأسه‮!‬
أسماك وخمر
أسماك وقعت في شباك سلال،
وصارت في مأدبة المساء وجبة شهية،
أطباق بجوار كؤوس خمر معتّقة،
والمأدبة عامرة والمضيف بالغ‮ ‬الكرم،
أسماك وقعت في وشباك سلال،
سمك من كل صنف‮: ‬أبراميس‮..‬شبّوط،
والمضيف يصب خمراً‮ ‬معتقة،
ملء الكؤوس صهباء لذيذة للشاربين‮.‬
أسماك وقعت في شباك وسلال،
أنواع كثيرة‮..‬منها شبّوط وسلور،
والمضيف يقرّب لنا كؤوساً‮ ‬مترعة،
والأواني ملآي والخمر رائقة‮.‬
مأدبة عامرة بأطباق وأقداح،
ونكهة أسمطة أشهي من كل المآدب‮.‬
أصناف من أطعمة شتّي،
وضيوف ينعمون بهناءة مآدب فاخرة،
طعام وافر وشراب يملأ كؤوساً،
متعة أوقات وهناءة ملء قلب الزمان‮.‬
قشريات البحر
ما أجمل شواطئ الجنوب وأسماكه‮! ‬
تلك التي تعابث الشاطئ وتبحر في جماعات‮.‬
مضيفنا الليلة يبسط لنا مأدبة وأقداح خمر،
فيثمل الجميع حول مائدة هانئة‮.‬
ما أجمل أسماك الجنوب‮!‬
تبحر في أسراب شتّي،
ومضيفنا الليلة يعدنا بكؤوس مترعة،
فما أطيب أوقات حول مأدبة وخمر‮.‬
ما أبدع الجنوب بغاباته الكثيفة،
وأشجاره المتشابكة بأغصان اليقطين،
ومضيفنا قد أعد لنا أطباقاً‮ ‬وكؤوساً،
فما أجمل البهجة في قلوب الجميع‮!‬
أسراب من حمائم مطوّقة،‮ ‬
تحوم ثم تهبط فوق الغصون،
والمضيف الكريم يصب خمراً‮ ‬معتقة،
والضيوف ينعمون بمأدبة عامرة‮.‬
نبات السّعادي
أغصان السُّعادي النضرة،‮ ‬
تقوم علي أطراف الجبل الجنوبي،
وعلي الحواف الشمالية،
تنبت السّرمقيات البهية،
لك الشكر سيدي الأمير،
يا من تقوم بك عماد الأمور،
فلنشرب معاً‮ ‬نخب هناءة دائمة،
ولتعش عمراً‮ ‬مديداً‮ ‬بكل سعادة،
علي الجرف الجنوبي،
أشجار توت يانعة الخضرة،
وفوق التل الشمالي،
تقوم أشجار الحور في المدي،
لك العرفان كله سيدي الأمير،
يا من بذلت لبلدك كل جهد مجيد،
نهتف لك تحية وفخراً،
وندعو لك بطول بقاء مديد‮!‬
عند الجبل الجنوبي،
غابة من أشجار التوت،
وقد امتلأ التل الشمالي،
بشجرات الخوخ المترامية،
نهدي أميرنا الشكر والتحية،
وقد حوطته قلوب الناس حباً‮ ‬واعتزازا،
نهتف له تحية وشرفاً،
وقد انعقد له لواء الخلد في قلوبنا‮.‬
في التل الجنوبي،
تقوم أشجار البلوط الندية،
وفي جبل الشمال أيكة من شجر‮ "‬الجنبة الرباطية‮"‬
قد حوطنا جلالته بأفضاله،
فكيف نكف عن الدعاء له بطول البقاء،
قد ذهب صيته في الأسماع حداً‮ ‬بالغًا‮.‬
قد امتلأت تلال الجنوب بأشجار‮ "‬التوت الذئبي‮"‬،
وفاضت تخوم الجبل الشمالي بأشجار‮ "‬السيكارة‮"‬،
قد سعدنا بما أغدق علينا جلالته من أفضال،
فكيف نكف عن الدعاء له بطول البقاء،
قد وجدنا من يده عطاء سخياً،
فلا خمل ذكره،‮ ‬ولا انقطعت له ذرية،‮ ‬
أبد الأيام والسنين دوام الأجل‮.‬
عشبة العقد
أغصان طويلة خضراء،
تلمع بحبات الندي،
وقد التمعت عيني برؤية مولاي الملك،
ونزلت علي نفسي الطمأنينة،
جئنا إلي مأدبته فشربنا وطربنا،
وطابت لنا بحضرته الأوقات‮.‬
أغصان طويلة خضراء،‮ ‬
تلمع برقرقات الندي،
قد التمع بصري بمرأي جلالته،
ونلت لديه حظوة وشرفًا مجيداً،
فالكرم بعض من مزايا أخلاقه الشريفة،
فلتكن أيام حياته وافرة مديدة‮.‬
أغصان وافرة النماء،
تلمع بحبات الندي،
وقد التمعت عيناي بمرأي جلالته،
وغمرني بفضله وإحسانه،
كما يغمر المرء أخاه وشقيق حياته،
بقلب وافر المحبة والصدق والإخلاص‮.‬
‮"‬عشبة العقد‮" ‬أدغال كثيفة مترامية،
تغطت أوراقها بحبات الندي،
كنت قد رأيت جلالته لدي البوابة،
وكان ممسكاً‮ ‬بلجامه والرايات تنطلق،‮ ‬
وصلصلة الأجراس ترافق الموكب،
فليرافقه التوفيق والسداد سرمدا‮.‬
قطرات الندي
ندي الفجر ما أكثفه،
إذا طلعت عليه الشمس زال بددا،
ومآدب الأمسيات عامرة أبدا،
لا تزول إلا مع كؤوس خمر،
كثيفة الندي‮.‬
ندي الفجر البللوري اللامع ما أكثفه،
قد‮ ‬غطي الحقول حتي آخر المدي،
ونحن شربنا طوال ليلة ساهرة،
حتي دقت أجراس المعابد‮.‬
حبات ندي متكاثفة ولامعة،
حطت فوق النخيل وأشجار التوت،
تعالوا يا أعز الضيوف إلي قلبي،
يا أكرم الناس خلقاً‮ ‬وأنداهم يدا‮!‬
فوق أغصان شجرات‮ "‬التونغ‮" ‬والنخيل،
ثمرات تدلت وحان قطافها،
وأنتم خير الزائرين وأكرمهم خلقا،
وأنبل الناس مكانة وأعزهم سؤددا‮.‬
سهام حمراء
هاكم سهام حمراء طيبة العنصر،
هاكم هديتي إليكم فاحفظوها،
فأنتم أحق الناس بهدية لائقة،
وأنتم أحفظ الناس لي ودا،
وأقربهم لي مودة وحبا،
قد دقت الطبول وعزفت الموسيقي،
فتعالوا إلي وليمة تجمعنا،
من الصبح إلي آخر النهار‮. ‬
هاكم سهام حمراء جيدة الصنع،
إليكم فاحفظوها جيدًا في خزائنكم،
فأنتم أعز الزائرين طرّاً،
بفرح وبهجة أنتظر قدومكم‮.‬
قد دقت الطبول وعزفت الموسيقي،
فتعالوا إلي كؤوس نحتسيها،‮ ‬
من الصبح حتي آخر النهار‮.‬
هاكم سهام حمراء رائشة،
هديتي إليكم فاحفظوها،‮ ‬
فأنتم أعظم الناس منزلة،‮ ‬
وأقربهم إلي نفسي،
قد دقت الطبول وعزفت الموسيقي،
فتعالوا إلي أقداح مترعة،
من الصبح حتي آخر اليوم‮.‬
نبات الطرخون
نبات الطرخون بأوراقه النضرة،
ينمو فوق جرف الجبل،
قد لاقينا جلالته فما أجملها مصادفة،
لقاء فرحت به نفوسنا،‮ ‬
وطربت له أرواحنا‮.‬
نبات الطرخون بأوراقه الفوّاحة،
ينمو في قلب الجزر النهرية،
ما أجمل أن يطالعنا جلالته‮! ‬
بوجه مشرق فنزهو فرحاً،
وتمتلئ قلوبنا سعادة طافرة‮.‬
نبات الطرخون بأوراقه الكثيفة،
ينمو علي حواف التلال،
ونحن سعدنا لرؤية جلالته،
وكان من بالغ‮ ‬عطفه،
أن تكرم علينا بعطاء وافر‮.‬
قوارب من شجر الحور،
تتهادي وتتوقف حينًا بعد حين،
قد طالعنا وجه جلالته اليوم،
فراقت لنا الأحوال وزال الكرب‮.‬
الشهر السادس
هي الحرب التي يخرج إليها الناس،
في الشهر السادس،
وقد تجهّزت العربات والقوات‮:‬
أربعة أفراس شُدت إلي كل عربة،
وكل مقاتل لبس للحرب شارته،
ملاحقةً‮ ‬للقبائل الهمجية الغربية،
قد صدر إلينا الأمر بحماية الحدود،
والأمر ملكي عاجل لا يقبل التسويف
صوناً‮ ‬للوطن وحماية لشرف البلاد‮.‬
أربعة أفراس سوداء فتية،
خبرت مواطن الطعن والقتال،
وحيث يأتي الصيف في الشهر السادس،
نتجهز للحرب ونلبس لها الشارة،
نمشي إليها ثلاثين مرحلة كل يوم،
وقد صدرت إلينا الأوامر الملكية،
بحماية أرض بلادنا‮.‬
أربعة أفراس مطهمة متينة البنيان،
ترفع هاماتها مقدامة وسط معمعة قتال،
وكلنا علي قلب رجل نحارب القبائل الهمجية،
ونقيم للفداء الشريف مأثرة،
ونزهو بقادتنا وإقدامنا فخراً،
ونسهر علي خطوط الخطر،
عند أول بادرة نثب إلي الاستبسال،
حتي تزول مخاطر الاعتداءات البربرية‮.‬
والقبائل الهمجية تشن‮ ‬غاراتها بغير كلل،
وتستولي علي أجزاء عزيزة من الوطن،
وتتوغل حتي تصل إلي قلب بلادنا،
فتصل في هجماتها حتي‮ "‬جين يانغ‮"‬
لكن راياتنا هي الأعلي،
بشاراتها الحريرية الجليلة وبيارقها الساطعة،‮ ‬
والعربات تتراص في مواجهة صامدة،
ثم تتحرك للزحف وملاقاة المحن‮.‬
عرباتنا تنطلق هادرة إلي النصر،
يمنة ويسرة وفي كل اتجاه تمضي،
أربعة أفراس متينة البنيان‮.‬
أربعة أفراس مدرّبة معقودة هامات الفوز،
والآمال معلقة بالغلبة علي أعدائنا،
وملاحقتهم حتي آخر ساحة قتال،
وبطلنا‮ "‬جيه فو‮" ‬بشجاعة وحكمة فذة،
ضرب أروع الأمثلة علي الإقدام‮.‬
وكان جديراً‮ ‬بالتكريم والإجلال،
حيث خاض بقاعًا وعرة،
وعاد مظفراً‮ ‬من ميدان قتال،
وقد حقّ‮ ‬للمنتصر أن يهنأ بكؤوس وأسمطة،
وأن يطعم من أشهي الموائد برفقة رجاله،
تُري هل ثمة شخص معروف بين رجاله؟
نعم،‮ ‬هو المخلص المقرّب ذو الشهرة الذائعة،
هو الرجل المسمي ب جانغ‮ ‬تشونغ‮.‬
اقتطاف الشوك
هيا نقتطف النباتات الشائكة،
النابتة وسط الحقول،
نباتات الشوك الزاحفة علي الغيطان،
هيا،‮ ‬لأن العم فانغ‮ ‬قادم بنفسه،
يراقبنا ويتفحص نتائج الأعمال،
قادم بموكب من ثلاثة آلاف عربة،
وسط حشود هائلة من جند كثيف،
قادم علي رأس قواته بكل عتادها،
بمركبات تجرها جياد لاهثة،
جياد مدربة علي خوض الأهوال،
جياد وعربات متتابعة بأفخم المشاهد،
مجهزة بكل عدة وعتاد وافر،
تلمع تحت الشمس من وهج معدنها الصقيل‮.‬
هيا نقتطف النباتات الشائكة،
النابتة وسط الحقول،
نباتات الشوك الزاحفة علي الغيطان،
هيا،‮ ‬لأن العم فانغ‮ ‬قادم بنفسه،
قادم بمركبات عددها ثلاثة آلاف،
تزدان برايات وبيارق،
والعم فانغ‮ ‬علي رأس قواته،
بأعلام مرفرفة وعربات متراصة،
وجياد تركض وأجراس تصلصل،
والقائد يرفل في حلة مهيبة،
خلعها عليه جلالة الامبراطور،
وقد سري لمعان الحرب في دروعه،
وبرقت يواقيت المجد في ردائه‮.‬
ملء السماء بواشق مارقة،
تحلّق في الأعالي ملء تسعة فضاءات،
تحوم عالياً‮ ‬ثم ترجع إلي بدء الطيران،
هيا،‮ ‬قد جاء العم فانغ‮ ‬يتحرّي ما صنعنا،
جاء علي رأس موكب من ثلاثة آلاف،
وجند كثيف شاكي السلاح،
والعم فانغ‮ ‬علي رأس قواته،
يأمرهم فيصدعوا وتموج جموعهم،‮ ‬
يأمرهم فيصطفوا صفوفاً‮ ‬مهيبة،
وتهدر مواكبهم علي وقع الطبول،
خطوات تتلاحق وطبول هادرة‮.‬
ما أتعس قبائل‮ "‬جينغ‮" ‬الهمجية،
كيف لهم بالخروج علي الملك ومناوأته؟
كيف لهم بمواجهة القائد المظفر‮ "‬فانغ‮"‬؟
بطل الحرب المحنك ذو الحيل والمكائد،
ها هو قد خرج للقتال بعتاده وعدته،
وقد تجهز للقضاء علي عصبة المتآمرين،
هذه هي مركباته تعدو وتثير الغبار
وجموعه تتري كالسيل المدرار،
يهدر بقواته كعاصفة جامحة،
وقد علم الناس جرأته واندفاعه،
و سابق مجده إذ طارد ال‮ "‬هون‮"‬،
وهو الآن علي موعد لإخضاع‮ "‬جينغ‮".‬
مركبات للصيد
مركباتنا قد تجهزت للصيد،
وخرجت تجرها أقوي الجياد،
جياد أربعة وافرة القوة،
تقود العربة صوب المراعي‮.‬
مركبات لا ينالها عطب،
تقودها جياد رامحة قوية،
تجري بها صوب المراعي الشرقية،
تجري بنا في رحلة طويلة للصيد‮.‬
ينطلق مولاي إلي رحلة صيد،
والرجال في موكبه سائرون،
والمركبات تجري مزدانة بالرايات،
والجميع يمضي إلي ساحة جبل‮ "‬آو‮".‬
عربات تجرها جياد أربعة،
جياد من أعرق الفصائل،
والرجال في أتم عدة وعافية،
جموع تحتشد في ميدان صيد‮.‬
كلٌ‮ ‬قد أخذ أهبته،‮ ‬
والجعبة امتلأت سهاماً،
وقد اصطف الرماة صفاً،
ورويداً‮ ‬رويداً‮ ‬سقطت الفرائس‮.‬
أربعة أفراس تجري معاً،
يشقان الطريق باستقامة بارعة،
فتنطلق العربة مثل سهم طائر،
وتقع الرمية في مرماها بغير عوج‮.‬
تنتهي رحلة الصيد،
وتصهل الجياد بجوار المركبات،
وفي المدي ترفرف البيارق،
وعدد من الحراس لزموا مواقعهم،
ورائحة الشواء تفوح في الميدان‮.‬
تنتهي الرحلة ويعود الركب الملكي،
ويظلل الموكب الصمت الجليل،
تحية لمن حاز أشرف السجايا،
ها هو قد عاد كما تعود الملوك مظفرة‮.‬
يوم سعيد الطالع‮ ‬
ما أسعد أن يأتي اليوم الخامس من الشهر،
وما أعظم أن نتذكر الأجداد بتقدمة كريمة،
هذه هي مركبات الصيد جاهزة،‮ ‬
بأربعة جياد وافرة القوة والعنفوان،
تصعد بنا منحدر التل دون مشقة،
ونسعي في إثر الطرائد أينما حلّت‮.‬
واليوم السابع مقرون بحسن الطالع،
ها ذي جيادنا تحملنا إلي الصيد،
في يوم الحظ السابع،
نجوب بها المراعي والوديان،
ونسعي إلي موطن الأيائل،
عند حافة نهري‮ "‬تشي‮"‬،‮ ‬و"جيو‮"‬،
هذا هو الملك قد خرج للصيد،‮ ‬
منشرح الصدر رائق البال‮.‬
وديان ومراع علي طول المدي،
وطرائد ملء التلال والبراري،
من كل صنف وفصيل،
جماعات وأنواع شتي،
احتشدت في الساحات،
فليكن الملك أول ضارب بسهمه‮.‬
يجذب كل صياد قوسه،
ويصوب سهامه في المدي،
يسقط خنزير بري مضرجاً‮ ‬بدمه،
يترنّح ثور ويتهاوي أرضاً،
وتقوم وليمة عامرة تفوح رائحتها،
في الأرجاء كافة،
وتمتد أسمطة ملآي بأطباق وكؤوس‮.‬
الإوز البري‮ ‬
أوزات برية تحلّق في الأجواء،
تصفق بجناحيها وتطير عالياً‮ ‬وبعيداً،
بعيداً‮..‬يجوب المسئولون أنحاء البلاد،
يجدون في القيام بمسئولياتهم،
يقومون علي راحة ذوي الحاجات،
يواسون الأرملة ويعطفون علي بائس محروم‮.‬
أوزات برية تحلق في الأجواء،
وتهبط لدي البحيرة برفق وتؤدة،
بدأب شديد يتابع المسئولون أعمالهم،
فتنهض الأبنية والأبراج بسواعد جادة،
وبرغم كل الشقاء والضني،
يجد الشارد مأوي يؤوب إليه‮.‬
أوزات برية تحلّق عالياً،
أصواتها مليئة بالشجن،
ليس سوي الأذكياء،
وحدهم يدركون مبلغ‮ ‬شقائنا،
أما الأغبياء فسيشيعون عنا،
إننا لا نكترث إلا للمظاهر الزائفة‮.‬
مشاعل النور‮ ‬
أي ساعة هذه من ساعات الليل؟
ساعة طويلة هي حتي مشرق النور،
ليل ساهر تحت أنوار المشاعل،
لن يلبث جلالته حتي يقبل سريعاً،
وتدق الأجراس لمقدمه‮.‬
أي ساعة هذه من ساعات الليل؟
ليلة حالكة هي قبل طلوع النهار،
ليلة حالكة برغم وقدة المشاعل،
فليأت الأمراء إلي مجلس مليكهم،
ولتعلن الأجراس قدومهم في تلك الساعة‮.‬
أي ساعة هذه من ساعات الليل؟
وقد أزف أوان الفجر الطالع،
وتراجعت أضواء السراج الساهر،
فليأخذ الأمراء مجلسهم المعتاد،
تحت رايات خفاقة ملء نهار ساطع‮.‬
تيار دافق
ينحدر النهر إلي الشرق،
وتلتئم كل الجداول في مصب البحر الكبير،
ينطلق النسر محلقاً‮ ‬في فضاء طلق،
ينثر جناحيه عالياً‮ ‬ملء السماء والريح،
لكن رفاقي لا يحلقون في سماء الفهم،
ولا يجتمعون عند مصب الحكمة والتقدير،
أتراهم يغفلون ما يحوطنا من مخاطر؟
ينحدر النهر إلي الشرق متدفق الجريان،
يتقلب سريعاً‮ ‬صوب البحر الكبير،
والصقور تنطلق وتحوم عالياً‮ ‬ملء الأجواء،
تخفق بجناحيها وتشق صدر الفضاء،
وليس في أجواء الوطن من يتدفق بالعزم،
بل تقعد الهمم عن التقلب في تيار المثابرة،
قلبي علي وطن وسط كل هذه الغفلة،
عقلي حائر وسط كل هذه الفوضي الغامرة‮.‬
بعيداً‮ ‬وفي قلب السماء تحوم النسور عالياً،
تكاد تلمس في طيرانها رؤوس الجبال،
وبين الناس تحوم الأكاذيب والافتراءات،
وليس من يوقف كل هذا السخف،
فلينتبه الأصدقاء،‮ ‬وليفطن الجميع إلي المسألة،
وليحذر الجميع فتنة فادحة المآل‮.‬
صيحات الكركي‮ ‬
تنطلق صيحات الكركي بجوار الجداول،
صيحات عالية تجوب الأنحاء كافة،
ولطالما سبحت في القاع أسماك،
أو تواثبت عند شطآن الجزر،
ما أحلي بستان ورد في عين الرائي‮.‬
وما أبهي شجرة صندل وافرة وسط حديقة،
حيث تلتئم أكمة من شجيرات قصيرة،
ملء الوديان أحجار كريمة،‮ ‬
أحجار مبعثرة دون فائدة،‮ ‬
أو مهذبة الأشفار كي تصقل اليشب الكريم‮.‬
ما أعذب صيحات الكركي عند أطراف الجداول‮!‬
صيحات مدوية تمرق عبر الآفاق،
لطالما سبحت أسماك في الأعماق،
وفي أطراف الشطآن القاحلة،
ما أبدع بستان زهر في عين الرائي‮!‬
وما أجمل شجرة صندل عالية‮!‬
تلتئم عند الجذع شجيرات قصيرة نابتة
ولدي الجبل القريب أحجار ماس وافرة،
أحجار مبهرة لمن يقتنيها،
ولمن يصقل بها اليشب الكريم‮.‬
وزير الحرب
يا وزير الحرب المبجل،
يا حارس الممالك،
لماذا ترسل بنا إلي ميدان حرب؟
وتبعد بنا عن ديارنا؟
يا وزير الحرب،
يا قائد كل الحراس،
لماذا تدفع بنا إلي حافة الموت؟
ما أقسي أن نموت اغتراباً‮!‬
يا وزير الحرب،
ما أتعس أقدارنا معك،
لماذا تسوقنا إلي ساحة موت؟
صحبناك وأهلنا أحياء،
وعدنا فإذا الجمع قد هلك‮.‬
المُهر الأبيض
وقف ببابي مُهر ناصع البياض،
فهتفت به أن أقبل وادخل البيت ضيفاً‮ ‬عزيزاً
ولتأتِ‮ ‬بصاحبك الكريم فانزلا‮ ‬ببيتي،
فأهلاً‮ ‬بمن نزل ساحتي،
وليطُل مقامك بعض الوقت بيننا،
ولتهنأ بإقامتك معنا زائراً‮ ‬كريماً‮.‬
وقف ببابي مُهر ناصع البياض،
نزل بساحتي ضيفاً‮ ‬كريماً،
فليكن مربطه ومقامه ببيتي،
وليبق وصاحبه دهراً‮ ‬في ضيافتي،
ليته يبقي كما يحلو له،
ضيفاً‮ ‬عزيز الصحبة والمقام‮.‬
وقف ببابي مُهر ناصع البياض،
فأهلا بمن حل بساحتنا،
وليعظم شأنه بيننا ولينل كل تقدير،
وليهنأ بكل ماوسعه من جهد،
فلطالما كانت أوقات المسرة قليلة،
بئست العزلة موطنًا ومقاما‮.‬
مُهر ناصع البياض،
ركض إلي حافة الوادي،
فليأت وينزل بديارنا،
فسيجد أنضر المراعي،
وسوف ننزل صاحبه أغلي منزلة،
ولتكن رسائلك إليّ‮ ‬موصولة،‮ ‬
فالعزلة مدعاة للتفكر والنسيان‮.‬
‮ ‬عصفور الحسّون
إليك عني يا طائر الحسون،
لا تحط علي شجرتي،
دعني أتبلّغ‮ ‬بشيء من الثمر،
فأنا هنا‮ ‬غريب والناس هنا،‮ ‬
لا يرأفون بغريب ابن سَفَر،
فلأرجع من حيث جئت،
ها قد حانت لحظة الرحيل‮.‬
إليك عني يا طائر الحسون،
لا تحط علي شجرتي،
دعني أقتات شيئاً‮ ‬من ثمرها،
فأنا هنا‮ ‬غريب والناس هنا،
لا يحفظون لغريب عهداً‮ ‬ولا ودا،
فلأرجع من حيث أتيتُ،
ولأعد إلي بلدي وأقربائي‮.‬
إليك عني يا طائر الحسون،
لا تحط علي شجرتي،
دعني أقتات شيئاً‮ ‬من الثمر،
فأنا هنا‮ ‬غريب والناس قساة القلب،
غلاظ أكباد لا يرقون لغريب،
فلأرجع إلي أهلي وأقربائي،‮ ‬
وقد اشتدتْ‮ ‬أوجاع الحنين‮.‬
جولة في البراري
أمشي وحدي في الدروب البعيدة،
تحت شجرة السماء تظللني في القفار،
قد جئت إليكِ‮ ‬أسوق الخطي وأعبر الأسوار
لأنّا عشنا معاً‮ ‬زمناً‮ ‬طويلاً،
لكنكِ‮ ‬تحولت عني وهجرتني،
فلأعد من حيث جئت،‮ ‬
رجلاً‮ ‬يعيش في خلاء الأيام‮.‬
أمشي وحدي في الدروب البعيدة،
أقتطف أوراق الحُمّاض المريرة،
قد جئت إليك لأجل زمن عشناه معاً،
لكنكِ‮ ‬أوغلت في النسيان،
فلأعد إلي حيث عشت أول الزمان‮.‬
أمشي وحدي عبر الدروب،
أقطع أوراق اللبلاب وأفكر عميقاً،
ما أقسي أن ينسي المرء رفيقاً،
بل أن يسعي في درب آخر جديد،
وليست الدروب الجديدة طرقاً،
واعدة دوماً‮ ‬بأحسن الأماني،
لكنما هو المسعي الموغل دوماً،
في التحول والتبدل والهجران‮.‬
النهر الجبلي
نهر جبلي يمرق بين شق التلال،
وأشجار متعانقة مورقة فوق الجبل،
وعلي المدي أشجار البامبو كثيفة الخضرة،
وفي أقصي التل أشجار صنوبر باسقة،
ما أجمل أن يلتئم شمل عائلة،
وتتعانق قلوب أهل وأقرباء معا،
وتعمر النفوس بالخير والكمال‮.‬
لأجل وصية خلّفها الأجداد،
ابتني البناءون بيوتاً‮ ‬وقصورًا،
وشقوا في الجدران نوافذ وأبواب،
هنالك يقيمون ويعيشون حياتهم،‮ ‬
يلتئم جمعهم وتسعد بهم الأيام‮.‬
ركّبوا الألواح وأقاموا الأعمدة،
ودكّوا الطين وأنضجوا القرميد،
وأنشأوا الجدران متينة بغير خلل،
فلم يدعوا ثغرة تنفذ منها الفأرة،‮ ‬
وصار للسيد الجليل بيت عامرٌ‮.‬
بيت معتدل الأركان كجسد منتصب الهيئة،
مستقيم الزوايا كسهم مريّش جاهز للانطلاق،
متزن مكين القواعد كطائر يجثم علي استواء،
فخم الهيئة كطاووس منتفش بريشه،
بيت كأنه قصر بديع التكوين والأنساق‮.‬
رحب الساحة منبسط الأفنية في سخاء،
طويل الأعمدة الراسخة بغير انثناء،
تشرق عليه أنوار الصبح فيزدهي ضوءاً،
وفي المساء يفيض هدوءاً‮ ‬وبهاء،
فيا حظ من استقر له هنالك المقام‮.‬
فُرِشَت له أفخم حصائر البامبو،
ورُصَّت به أجمل الحشيات،
فيصفو ليل النائم وتلذ ساعات الكري،
تري كيف كانت أحلام الليل؟
أهي رؤي طيبة أم أضغاث أحلام؟
تري أكانت الرؤي بشائر أم نُذر؟
أكانت مليئة بالدببة أم بالزواحف؟
وفيما يقول العالمون بتأويل الأحلام‮:‬
‮"‬الدببة بشير بإنجاب الذكور،‮ ‬
أما الزواحف والحيات ففيها إشارة واضحة،
إلي إنجاب مزيد من الإناث مع الأيام‮".‬
فإذا كان المولود ذكراً،
فليوضع علي فراش صغير،
بعد أن يُلف في ثوب وثير،
وتُشبك في إزاره قطعة من يشب،
ستتجاوب أصداء صراخه في المهد،
وستكون له في العيون مهابة،
ويكتب له في الأيام شأن قدير‮.‬
فإذا كان المولود أنثي،
فلتُطرح فوق حصير،‮ ‬
ولتُحِط بدنها بقماش رقيق،
واجعل لها المغزل لعبة منذ الصغر،
وهَييِّء لها اعتياد الطاعة درباً‮ ‬سرمدا،
ولتكن بأبويها بارة وفية،
ولتحذق شئون بيتها منذ نعومة الأظفار‮.‬
أغنية الراعي
أصحيح أنك لا تملك الحملان؟
كيف وكل هذه تملأ الوديان،
أصحيح أنك لا تملك الثيران؟
كيف وهذه كلها تملأ المراعي،
هذه هي قطعانك تملأ الوديان،
تهدر الأرض تحت حوافرها،
وتكاد تتكسّر من احتشاد قرونها،
هي ذي أبقارك تسعي ملء المرعي،
تتماوج كثرتها مثل بحر زاخر‮.‬
منها ما يميل بعنقه إلي الجداول،
ومنها ما هو نائم أو قائم علي أربع،
هاهم رفاقك يأتون سريعاً‮ ‬إلي المرعي،
يتلفعون بشالاتهم ويغطون رؤوسهم،
من وقدة شمس الهاجرة،
ومنهم من يحمل‮ ‬غذاءه اليومي،
ها هي قطعانك موسومة،
منذورة بأعداد هائلة لأضحية‮.‬
يأتي مساعدوك الصغار في أوقاتهم،
يلقمون القطعان أربطة الحشائش،
ويسوقونها في أنحاء شتي،
ثم يعودون بها آخر اليوم،
يسوقونها ويزجرونها في الدروب،
فلا يتخلّف منها واحدة ولا يضطرب مشيها،
يسوقها الرعاة ويشيرون بأيديهم عالياً،
فيدخلونها إلي الحظائر آخر النهار،
ينام الراعي ويتراءي له الحلم،
أشجار الصنوبر تتحول إلي أسماك،
والبيارق تتحول إلي صقور راقصة،
والكاهن يفسر الحلم للراعي‮:‬
‮"‬أشجار الصنوبر تتحول إلي أسماك‮:‬
بشري بحصاد وفير،
والبيارق المنقلبة صقوراً‮:‬
بشري بكثرة في المواليد،
ورخاء أحوال ومجد عريض‮."‬
التل الجنوبي‮
تلال الجنوب الشامخة بقممها ومنحدراتها،
قمم من صخر عنيد وحجارة من صوان،
لا يدانيها ارتفاعاً‮ ‬إلا مكانة المعلم‮ "‬يين‮"‬،
لكن الناس تتطلع إليه بعيون ساخطة،
وملء قلوبهم‮ ‬غيظ ومرارة وغضب،
وقد حاق بالمملكة مصير داهم،
فكيف تغيب عن فطنتك هذه الحال؟
تلال الجنوب الشاهقة بصخورها الهائلة،
تمتد بقممها العالية ومنحدراتها،
أيها المعلم الشامخ المهيب‮ "‬يين‮"‬،
لماذا تقترف كل تلك الأفعال الخرقاء؟
أما يكفيك أن تنزل علينا السماء‮ ‬غضبها؟
أما يكفيك كل هذه الشرور التي حاقت بنا؟
وذلك السخط العارم في كل مكان،
أما حان أن تتدبر الأمور بحكمة‮!‬
أيها المعلم الأكبر‮ "‬يين‮"‬،
وأنت عماد البلد وقطب رحاها،
وبيدك مقاليد السلطة وصولجان الحكم،
بيدك شئون الممالك من أدناها إلي أقصاها،
وبك يتقوي نفوذ الأباطرة،
وبمشورتك يعمل القاصي والداني،
لكن السماء لم تجمل بك أقدارنا،
فدعاؤنا أن ترحمنا وترأف بنا‮.‬
قد أهملت شئون الممالك،
وأضعت ثقة الناس بك،
وقد عدمت الأكفاء والراجحين،
وأفسدت الأمر علي جلالته،
فلا عهد لك ولا ثقة،‮ ‬
لأن مثلك لا يؤمن جانبه،
ثم إنك لم تأت إلي موقعك عن جدارة،
فلتخلع رداء المنصب الجليل‮.‬
يا لسوء أقدار الناس والممالك بك‮!‬
كم نزلت بنا الشرور بسببك،
ما أفظع ما نزلت بنا من نكبات‮!‬
أما يكفي ما حاق بنا من الويل‮!‬
أه لو كانت أمور الممالك بأيدي الحكماء،
أما كان يبيت الجميع قرير العين‮!‬
أه لو كانت مصائر الناس بأيدي المصلحين،
أما كانت النفوس تتبرأ من السخط‮!‬
ما أسوأ الأقدار التي حاقت بالممالك‮!‬
وما أسوأ ما نزل بالبلاد من فوضي‮!‬
وما حاق بالناس من بؤس وشقاء،
ها هي الممالك تتهدها المهالك،
والنفوس يتهددها الجزع والانكسار،
فإلي من تصير أمور الحكم الراجح‮!‬
ما دام جلالته قد أهمل شأن البلاد،
حتي ضرب الشقاء بأطنابه‮.‬
أسوق أربعة جياد أصيلة،
فتيّة الجسم‮ ‬غليظة الأعناق،
أجوب بها الأنحاء وأتطلع في الآفاق،
فإذا الدنيا وكأنها تضيق عليّ‮ ‬الخناق‮.‬
أراك مندفعاً‮ ‬إلي ساحة الشر،
كأنك رمح مضرج بدماء قتلي،
وتمرح ضاحكاً‮ ‬ساعة محنة،
وتتبادل الأنخاب مع زمرة الرفاق‮.‬
يا للأقدار التي فرضت علينا هذه الأحوال،
أقدار جاءتنا برجل لا يعرف للحكمة سبيلا،
وملك يري كل هذه المخاطر ولا يحتاط،
بل يشيح بوجهه أمام محاولة مخلصة للنصح‮.‬
قد انطلقت عقيرة‮ "‬جيا فو‮" ‬بالشعر والقصائد،
تأخذ علي جلالته وقوعه في تلك المكائد،
ليته يتأمل ويتدبر الأمر علي أحسن وجه،
كي يسود السلام ربوع الممالك‮ .‬
مبتدأ الربيع
كم نزل الجليد مدرارا بالشهر السادس،
فداخلني منه شيء وقع في روعي،
وكم سَرَت بين الناس وشاية،
تدب سريعاً‮ ‬بين الجدران وتصير حكاية،
علي لسان كل متحدث بهذر الكلام،
ها أنا أجلس وحيداً‮ ‬مع أفكاري،
يلفني الأسي لطول ما انتابني من الأيام،
وقد فُلّ‮ ‬عزمي وتضاءلت حيلتي،
وصرت هياباً‮ ‬صروف الدهر،‮ ‬
وتضعضعتُ‮ ‬أمام النازلات شكيمتي‮.‬
قد وهبني أبي وأمي ميلاد الحياة،
لكنهما أورثاني كل هذا الشقاء،
فلماذا لم يبدّل القدر تصاريفه؟
حتي تحيق بي كل تلك النوازل،‮ ‬
كأن الميلاد كان مبتدأ كل المحن،
مثلما كان أولي خطوات الأمل،
لكن الأسي امتلك ناصية البقاء،
وأنزل بي كل ألوان الرذائل‮.‬
أليس هناك من يسبر‮ ‬غور تلك المشاعر؟
أليس هناك من يلحظ تلك العبرات؟‮ ‬
تري ما ذنب كل أولئك التعساء؟
الذين تردت أحوالهم،
في هاوية المهانة السحيقة،
ما أتعس حظنا وحظ هؤلاء‮!‬
الذين عدموا أي فرصة لحياة كريمة،
أتري تلك الغربان السود؟
تري علي أي بيت تنزل؟
انظر إلي تلك الغابة الكثيفة،
بأشجارها الكثيرة المتشابكة الأغصان،
فالناس مثلها متشابكو المصير،‮ ‬
مصير داهم الخطر يربط الجمع معاً،
والسماء قد تضاءلت أنوارها،
لكنها السماء التي لا مفر من أقدارها،
وليس لي سوي سؤال واحد،‮ ‬
هل سنبقي أسري قدر‮ ‬غاضب؟
يقول الناس إن التل ليس سوي رابية،‮ ‬
أو كثبان رمل كشاهد مقبرة،
لكن شاهد الحال يثبت أن التلال،
رواسي كالجبال الشاهقات،
والشائعات بين الناس راسخة كالجبال،
أفلا تنتبه إلي كل ما يقال؟
استشر خلصاءك واستقدم العرافين،
عسي أن يطلعوك علي سر دفين،
لكنهم زعموا أن كل هذه العلوم،
لم تفتح أمامهم شق الغيب المحال‮.‬
من قال إن أقطار السماء عالية بعيدة؟
كيف؟ ونحن نكاد نطأطئ رؤوسنا سيراً،
من قال إن الأرض صلبة ممهدة؟
ونحن نكاد نمشي علي أطراف أقدامنا،
هذا ما يقوله الناس في ثرثراتهم،
وليس كل ما يقول الناس خبال،
سوي أن أبغض ما في أهل هذا الزمان،
أنهم مثل حيات وأفاع لا يؤمن جانبها‮.‬
انظر إلي ذاك الحقل عند التل،
ينبت الزرع شتلات كثيفة،
كذلك تنبت لي الأقدار تجارب مريرة،
كأنها تأبي إلا أن تطاردني،
في البدء قيل لي إن القصر،‮ ‬
يسبغ‮ ‬عليّ‮ ‬رضاه وتشجيعه،
وإن الفرصة سانحة بمساعدته،
لكنها كانت مجرد أوهام،
ولم تمتد لي يد العون المأمول‮.‬
تملأ قلبي الحسرات،
وتختنق نفسي بحبال ملتفة،
وأنظر إلي أحوال الحكم السائدة،‮ ‬
وأتساءل عن سبب كل هذه القسوة؟
هي ذي نيران التمرد تشتعل،
وليس هناك من يطفئ أوارها،‮ ‬
هي ذي‮ "‬هاوجينغ‮" ‬العاصمة العامرة،
تتحطم بمكيدة السيدة‮ "‬باوسي‮".‬
قلبي مترع بكل ألوان الشجن،
حتي قطرات المطر تساقطت عليّ،
أسي ولوعة حينًا بعد حين،
ما أشبه الأمر كله بعربة مليئة بأحمال،
والعربة سائرة والطريق طويل،
فقط وعندما تتساقط الأشياء المكدسة،
تنطلق صيحات الاستغاثة،
ولا تُعرف قيمة المرء إلا وقت المحن‮.‬
ليتك تتدبر الأمور جيداً،
وتختار لعرباتك أجود العجلات،
وتنصت جيداً‮ ‬إلي الحوذي الأريب،
فتحفظ عليك أشياءك،
وتمرق عرباتك فوق الطريق،
لكنك تغضي عن هذا كله‮!‬
قد تسبح الأسماك بملء إرادتها في بحيرة،
لكنها لن تنعم بالسباحة في أقصي البحار،
قد تهبط إلي أعماق بعيدة ساعة اعتكار،
لكن صفاء الأحوال يكشف مكامنها،
فمثلي كمثل تلك السمكات المحاصرة،
ينتفض قلبي هلعاً‮ ‬تحت أسر حصار‮.‬
أمسياتهم عامرة بأجود الأنخاب،
وموائدهم مليئة بما لذ وطاب،
وحولها الزمرة المتواطئة من وراء ستار،
والأقارب والأصدقاء والمقربون والأصهار،
وإذ رأيتني وحيداً‮ ‬وسط الساحة،
فقد تقطعت أحشائي كمداً‮.‬
للجبناء أفخر رياش وأعز مقام،
وللأوغاد مآدب عامرة وكؤوس مترعة،
وليس للبسطاء سوي شظف العيش،
وأقدار ظالمة وشقاء أيام،
لطالما تعالت ضحكات الأثرياء،
واحتشد الأسي في صدور المعوزين‮. ‬
في الشهر العاشر
مر الشهر التاسع وجاء آخر بعده،
بدأ يومه الأول في صباح باكر،
ثم دخلت الشمس دائرة الكسوف،
نذيراً‮ ‬بشؤم الطالع،
وكان القمر قد شهد منذ أيام خسوفاً،
ثم إذا الشمس الآن تأتي بأشأم النذر،
فما أسوأ ما تسلط علي الناس من المقادير‮!‬
والنازلة الآن لا طاقة لأحد بها‮.‬
الشمس والقمر يحملان النذر،
ينبئان بما لا راد له‮ ‬من وقائع،
ثم ما أسوأ الأحوال الحاضرة في البلاد،
فشئون الحكم تتسلط عليها يد خرقاء،
وليس ثمة اعتداد بالنابهين والحكماء،
خسوف القمر كان نذير شؤم،
والخسوف دائماً‮ ‬ما يحمل هذه الإشارة،
وكذلك كُسفت الشمس ووجفت القلوب،
وأطلت العواقب الوخيمة برأسها‮.‬
اشتعل البرق وأرعدت الرعود،
وتزلزلت أحوال الممالك جراء حكم‮ ‬غاشم،
حتي البحار والأنهار والأرض كادت تميد،
والجبال أوشكت تندك وتنداح التلال،
والسهول تثور وتتراكم وتقوم مكان الجبال،
تعساً‮ ‬لأولئك الممسكين بزمام الممالك،
بؤساً‮ ‬لهم،‮ ‬كيف يغفلون التجارب والعِبَر‮!‬
هذا هو‮ "‬هوانغ‮ ‬فو‮" ‬رئيساً‮ ‬لمجلس الستة‮ »‬‬الوزراء‮«،
وذاك هو المبجل‮ "‬فان‮" ‬وزير التعليم،
أما رئيس الإدارة الوثائقية فهو‮ "‬جيابو‮"‬،
وهذا هو‮ "‬جون يون‮" ‬مدير التموين،
وذاك هو‮ "‬تسوتزي‮" ‬رئيس العاملين،
والآخر هو‮ "‬قوي‮" ‬المسئول عن الخيول والمركبات،
وذلك هو‮ "‬يو‮" ‬مدير الحراسات،
يأتمرون كلهم بأمر السيدة‮ "‬باوسي‮".‬
يتكلم الماجد‮ "‬هوانغ‮ ‬فو‮" ‬فيثير الحنق عليه،
يقول إنه لم يقصر في الواجبات الموكولة إليه،
لكنه لم يوضح لنا المطلوب عمله،
ولم يشاور أحداً‮ ‬بل أصدر أوامره،
فإذا جدران بيتنا تتهدم،‮ ‬
وإذا حقولنا تتخرب بيديه،
يتطلع إلينا ويقول إنه‮ ‬غير مخطئ
يقول هي الإدارة والمهام العاجلة
والواجبات مفروضة عليه‮.‬
هذا المدعو‮ "‬هوانغ‮ ‬فو‮" ‬يتوسل بالحيلة،
يريد أن يجعل من بلدة‮ "‬شيانغ‮" ‬عاصمة جميلة،
وحدد لهذا الغرض ثلاثة من الوزراء،
وقد انتخبهم بنفسه وانتقاهم من كبار الأثرياء،
ولم يبق بجواره أحد من الأكفاء،
ولو حتي لحراسة القصر وكيان الدولة،
فقد صحب معه كل ذي جاه،
ليتخذهم رفاقاً‮ ‬في سكناه لدي العاصمة الجديدة‮.‬
أجتهدُ‮ ‬في أداء واجبي خدمة لجلالته،
دون تذمر أو شكوي أو كلمة احتجاج،
ولم أقترف ذنباً‮ ‬ولا خطيئة طوال عمري،
لكن الوشايات لم تدع امرءًا بغير جريرة،
كل هذه العثرات التي ابتلي بها البسطاء،
لم تكن قدراً‮ ‬بغيضاً‮ ‬نزل من لدن السماء،
بل كانت ويلات جلبتها تلك الابتسامات،
التي تحولت إلي عداوات بغيضة خلف الواجهات،
عداوات من صنع الرجال حول جلالته‮.‬
عميقة ومريرة جداً‮ ‬تلك الأحزان،
مريرة بحيث لا يجدي معها دواء،
خصوصاً‮ ‬عندما أتطلع حولي‮ ‬،
وإذا الجميع أغنياء سعداء،
ووحدي أتجرع علقم المرارة،
وحدي أظل أشقي بطول الزمان،
ما أصعب أن يعرف المرء خبيء أقداره،
وما أشقي أن يتلمس طريقاً‮ ‬مغايراً،
لطبعه المركوز في خصاله كإنسان‮.‬
أمطار في‮ ‬غير الأوان
عجباً‮ ‬للمقادير وأحكام السماء،
لا يدوم منها الخير ولا البأساء،
تلقي علي الدنيا بالويلات،
وتصيب الناس بالنكبات،
وتصير إلي القهر والطغيان،
أقرب منها إلي العطف والرحمة،
وفي الحالين تفرض منطقها الغريب،
فإذا الجاني يجد ملاذًا ومرحمة،
وإذا الضحية أسير الظلم والهوان،
وتحمل وحدها إصر العالم بأسره‮.‬
تقع العاصمة تحت الحصار،
وتخلو البيوت العامرة،‮ ‬
ويهرب المسئولون والنظار،
ولم أهرب من واجباتي طوال عمري،
لكن ثلاثة من النبلاء نكصوا عن مهامهم،
وقعدوا عن نصرة مليكهم،
وعلي نهجهم سار الأمراء،
فخذلوا الدولة وتقاعسوا عن العون،
ولم يبق إلا أن ينصلح المسار،
فكلما لاح في الأفق أملٌ،‮ ‬
نكص العزم وخاب الرجاء‮.‬
كيف للسماء أن تكتب هذه الأقدار؟
كيف لكلمة مخلصة ألا تجد منصتاً؟
كيف تمضي الأمور هكذا،
كمثل سائر يمشي علي‮ ‬غير هدي،
يتغافل رجال الحكم عن واجبهم،
وتضيع الحقوق علي أيديهم بددًا،
كيف ينفرط من يدهم عقد التبجيل؟
ويتجرأون حتي علي حق السماء؟
داهمنا الأعداء في عقر دارنا،
ونزلت بنا الفاقة وتكدّرت الأحوال،
وحاولت أن أبقي خادماً‮ ‬مخلصاً‮ ‬لجلالته،
فتكلّفت فوق الطاقة حتي تبددت قواي،
وآثر الجميع السلامة فلزموا الصمت،
وحجبوا نصائحهم‮ ‬المخلصة عن القصر،
ثم إن جلالته لم يكن ليصغي كثيراً،
لما يعكر صفو حياته،
وتوعّد كل من ينطق بكلمات مريرة‮.‬
يا لشقائي إذ أبقيت كلماتي في جوفي،
وليس ثمة عيب في النطق واللسان،
بل هو الخوف أن يطالني الأذي،
فيا حظ من يحذقون فنون القول‮!‬
أولئك اللاعبون بالكلمات المعسولة،
المرتقون مراتب المجد بألسنة البهتان،
ينصح لي الناصحون بأن أنتهر فرصة،‮ ‬
تصعد بي إلي تلك المراتب المأمولة،
لكني أستشعر خطراً‮ ‬محدقاً‮ ‬بكل من،
يرتقي موقعاً‮ ‬قريباً‮ ‬من النفوذ والسلطان،
حيث تنعقد الألسنة عن ذكر المفاسد،
اتقاء سخط الجناب الجليل،
ثم إذا باركتَ‮ ‬وامتدحتَ‮ ‬السبل المعوجة،
صرتَ‮ ‬موضع كراهية كل رفاق عمرك الجميل‮.‬
أتكلمُ‮ ‬بالنصح قائلاً‮ ‬لك‮.."‬عُد إلي بلدتك‮"‬،
لكنك تزعم أنه لا مأوي لك في أي مكان،
أمحّضك النصح من كل قلبي،
لكنك تثور وتمتلئ‮ ‬غضباً‮ ‬عليّ،
فدعني هذه المرة أسألك،
ألم يكن لبلدك في قلبك موطن أصيل‮!‬
غضبة السماء
ما أقسي سخط السماء‮!‬
ثاراتها الساخطة تعم الدنيا بأسرها،
ولا‮ ‬غرو،‮ ‬فقد ارتكبت كل الممالك،
أخطاء وخطايا فادحة،
وليس ثمة نهاية للأخطاء،
ليس ثمة أذن تنصت للنصح،
أما الأباطيل فلها كل الإصغاء
فالخطط والسياسات الماثلة،
تقود حتماً‮ ‬إلي شر المهالك‮!‬
‮ ‬تتضارب الآراء وتتناقض الرؤي،
وتقع بقلبي كل أسباب القلق،
فما إن تبزغ‮ ‬فكرة سديدة،
حتي يعاجلها لجاج الرأي العقيم،
وإذ ترد الخطط الفاسدة،
ينصاع لها الفهم رضًا وتأييدًا،
وتتأسَّي بها الخطي القائدة،
وأنظرُ‮ ‬إلي كل تلك الأحوال،
ويفزعني مصير خطر مقيم‮!‬
‮ ‬سئمت قراءة طوالع البروج،
فقد اختلط اليُمن بسوء الطالع،
حتي مع كل أولئك الحكماء والنصحاء،
فما أسوأ أن يقع الجدال بقوم فرقاء‮!‬
فلكلٍ‮ ‬رأي ولكلٍ‮ ‬مذهب ولكلٍ‮ ‬منهاج،
فلا يسود بين الجميع سوي الشحناء،
ولن يقودك السائر،‮ ‬إن سألت،‮ ‬عن اتجاه المسير،
فمتي كان الأعمي للتائه دليل اهتداء؟
يا لتلك الحفنة من المضللين،‮ ‬
قد نكصوا عن حكمة القدماء،
وحادوا عن جادة الصواب،‮ ‬
لكن جلالته ينصت لخطل آرائهم،
ويعمل للمجادلات العقيمة ألف حساب،
أه،‮ ‬لو أن البنائين اتخذوا عابري الطرقات
شيوخ تشييد وخبراء فنون المعمار،
إذن لما أقاموا جدار بيت واحد‮.‬
بلدنا ليس بالبلد الكبير،‮ ‬
بيد أن أهلنا مثل كل الناس،
بسطاء وحكماء،
والناس في مملكتنا ليسوا بالكثرة الوافرة،
لكنهم أوفر نجابة وأكثر حظاً،‮ ‬
من الشجاعة والعبقرية والاقتدار،
لكن الأقدار تمضي بنا كالسيل الكاسح،
نحو كارثة لا فكاك منها ولا فرار‮.‬
النمر لا تردعه كفٌ‮ ‬واحدة،
والماء لا نعبره سيراً‮ ‬علي قدم،
ذلك منطق مفهوم للكافة دون عناء،
لكن كثيراً‮ ‬من المخاطر تغيب،‮ ‬
عن فطنة الداهية الأريب،
فنحن لا نملك إلا الترقب والحذر والظنون،
كأننا علي حافة هاوية نمشي بقدم عرجاء،
أو علي سطح بحيرة جليدية،
نعبر سريعاً‮ ‬دون ثقل أو دبيب‮.‬
الحمام البري
تحوم أسراب الحمام وتنطلق،
في أجواء الفضاء،
تطوف بي ذكري أجدادي الراحلين،
ويمتلئ قلبي بالشجن ويغشاني الحنين،
أقضي الليالي مسهدا،
وتتمثل لعيني،‮ ‬علي البعد،
صورة آبائي الطيبين‮.‬
النجباء الممتلكون زمام نفوسهم،
قد يعقرون الخمر،‮ ‬لكن بغير إفراط،
أما السادرون في الجهل فيشربون،
حتي تعبث الخمر بالرؤوس،
فبعض الحذر يلزم ذوي النُهي،
لطالما ضيّعت المقادير العابثة،
آمالاً‮ ‬ظنها الجاهل لا تضيع‮.‬
تنبت الأرض ثمرها،
فيحصده الناس اشتهاء مذاقه،
وتضع الحشرة يرقات،
فيحملها الزنبور إلي عشه،
فاحمل أبناءك علي العلم،
تتوطد في الخلق الكريم أركانهم،
ويثمر لهم بالخير فرعاً‮ ‬أصيلاً،
وافر البهاء نعيم العطاء‮.‬
انظر إلي تلك القبّرة،
تحط وتتقافز وتطير،
فأنا كذلك أتقافز سعياً‮ ‬إلي كسب العيش،
وأنت تكد في مسعاك كثيراً‮ ‬أيضاً،
لا تكل يداك عن العمل ليل نهار،
كي تحفظ لأبويك شرفاً‮ ‬جديرًا بالفخار،
يتغذّي طائر البرقش الصغير علي اللحوم،
بيد أنه صار يحط في بيدر القمح مع الأيام،
وكذلك صرت ألتقط عيشي بشق الأنفس،
بل طاردني الشرطي وأدخلني المحبس،
لأني سرقت قمح البيدر عنوة،
كنت أخذت ملء الكف قمحاً‮ ‬إلي الكاهن،
كي يستطلع لي الأفلاك،
ويري إن كان لي في الطالع حظ سعيد‮!‬
ألتزمُ‮ ‬رقة الطبع علي وجل،
وكأني فوق هام الشجر أتشبث بالفرع الذابل،
ألتزم طرف الأغصان وأتطلع تحتي،
إلي هاوية سحيقة تحت الوديان،
عند أعمق بقعة تحت حد التل المائل،
وكأني أتشبث بأمل واهٍ،
وتكاد يدي تفلت رغماً‮ ‬عني،
وتكاد قدمي تتعثر وتسقط،
مثلما يسقط الماشي فوق سطح بحيرة،
تجمدت وتكسرت بينها الفواصل‮.‬
الغربان الراقصة طربا
تفيض قلوب الغربان فرحاً‮ ‬ملء الأجواء،
تحلق وتحط لدي أعشاشها هانئة البال،
وملء الدروب يسعي الناس،‮ ‬
بكل مافي النفس من اشتغال بالعيش والحياة،
لكني وحدي وقد حاصرتني الوحدة وأرقني الحال،
تُري،‮ ‬هل جنيت علي أحد بحق السماء؟
أي إثم اقترفت حتي تقع بي الرزايا؟
ملء جوانحي شجن تنوء به الحكايا،
وقد أوصدت دوني أبواب الرجاء‮.‬
الطريق الذي كان ممهداً‮ ‬منذ زمان،
صار الآن بضعة من حشائش وأعشاب،
والنفس أثقلتها الأحزان،
حتي ثقلت علي الأفواه التباريح،
وكأن قد انسحق بمطارق الصمت اللسان،
أبيت في ثياب مرقعة أرتق همومي،
مبعثرة أشتات النفس تحت ليال مسهدة،
حتي شاخت روحي كمدًا،
وقد خرس من الألم كل نطق صريح،
ودبت في كياني كل أوجاع الزمان‮.‬
شجرة التوت أمام بابي تذكرني بآبائي،
هي الشجرة التي زرعتها أمي،
بقيت مكانها مثلما استقر بقلبي الامتنان،
تري هل كان يمكن أن أُولد بغير والدين؟
أتري يمكن أن يلتئم ثوب بغير لحمة وسداة؟
أيمكن حقاً‮ ‬أن يكون ثمة معطف،‮ ‬
لا ينسدل علي كتفين،
أما وقد وهبتني السماء حياة،
فلم لا تهبني حظوظ الزمان‮!‬
أشجار صفصاف تتدلي منها الأغصان،
وحشرات زيز الحصاد تصرصر ملء الأجواء،
وبحيرة ماء صافية رقراقة الجداول،
والشط كثيف الخضرة والعيدان،
وأنا مثل قارب حائر عند الشطوط،
يحملني الماء مطوفاً‮ ‬علي هواه،
وملء روحي أحزان قديمة،‮ ‬
ملء قلبي ساحات أرق مقيم،
أرق يدمدم بمطارق ومعاول،
يستلب النوم ويسحق هدأة الليالي‮.‬
تسعي الأيائل وراء قطيع،‮ ‬
خشية أن تضل الطرقات،
وتصيح الديكة نداء علي رفاق،
وأنا باق مكاني مثل شجرة ذابلة،
تصوّحت منها الأغصان والأوراق،
وبالقلب ما لا يوصف من الجوي،
وليس من يدري بكل تلك الشجون‮.‬
حتي الدواجن حبيسة الأقفاص،
تجد من يطلق سراحها بقلب رحيم،
والجيفة المطروحة علي طريق السابلة،
تجد من يرأف بها ويواريها التراب،
بيد أن أهلنا‮ ‬غلاظ أكباد،
قُدّت قلوبهم من صخر عنيد،
علي قلب مكبّل من الأسي بأصفاد،
فلا تنطق سوي المآقي بدمع هتون‮.‬
ما أسرع تصديق أبي لكل الوشايات،
ما أعجل أحكامه القاسية عليّ،
يقبل كل ما يٌلصق بي من نقائص،
يرددها ويعيدها كأنه يردد أغنيات،
ينزع عن قلبه مشاعر الرأفة،
دون أن يستقصي صدق الافتراءات،
حتي قاطع الأشجار يفحص عن الجذع
والمحتطب يبادر إلي تهذيب الفرع،
فهل من العدل أن يفلت واش كاذب،
ويؤثّم بريٌء بغير جريرة‮!‬
ملك مهيب كجبل شامخ،
يعلو فوق كثبان الوهاد،
للوقار جلال ووافر مجد باذخ،
كمثل بحيرة عميقة الغور،
منسابة التيار وئيدة الجريان،‮ ‬
لم يكن لجلالته أن يذيع علي ملأ،
كل ما بلغته من الأقاويل،‮ ‬
فالجدران للمتنصّت آذان،
ولم يكن ينبغي لأحد أن يقتحم ضفاف بحيرتي،
لم يكن لأحد أن يكشف عن مكنون خبيئتي،
علي أية حال فلم يعد لي بحيرة ولا شطآن،
وقد جفاني رخاء البال وفارقني الأمان‮. ‬
لسان الأباطيل
إليك أيتها السماء العالية أبث شكواي،
وليكن قلبك بي رحيمًا كقلب أبٍ‮ ‬وأمّ،
فما أقسي أن يكون المرء بغير جريرة
ويقاسي كل تلك المحن والرزايا‮!‬
وللسماء قوة لا تُماري وجلال مهيب،
وبحق السماء لم أقترف من الآثام،‮ ‬
ما أستحق معه كل تلك التجارب المريرة،
أعرف أن شر البلاء يأتي مصادفة،
لكني،‮ ‬بحق،‮ ‬شريف اليد،‮ ‬نقيّ‮ ‬السريرة‮.‬
أقبلت الفوضي من كل صوب تجر أذيالها،
وأقبلت في إثرها الأقاويل والافتراءات،
ووجدت لدي جلالته آذانا مصغية،
وراحت الوشايات تتري في إثر أكاذيب،
وتسربت جميعاً‮ ‬إلي قلب صاحب الجلالة،
ولطالما كان في مقدوره أن يزجر الوشاة،
كي تنتفي أسباب الفتن والاضطرابات،
ليته يتخذ من الحكماء يدا وقت حاجة،
كي يبقي للدولة ركن مهابة وقوة وجاه‮.‬
لطالما انعقد تحالف متين،‮ ‬
بين القصر والوشاة والمتآمرين،
ونزلت فوق الجميع كوارث بغير حصر،
فكثيراً‮ ‬ما وجدت الوشايات ترحاباً‮ ‬لدي القصر،
وكثيراً‮ ‬ما تأجَّج سعار الفوضي،‮ ‬
فللوشاية دائماً‮ ‬لفظ مستحب ولسان مكين،
فمن ثم راجت القلاقل والفتن والمؤامرات،
لم يكن المخادعون يوماً‮ ‬موضع ثقة،
فلا‮ ‬غرو أن يردوا جلالته مورد تهلكة‮.‬
كل تلك القصور والمعابد المهيبة،
أثر من أجدادنا من الأباطرة الخالدين،
قد خلفوا لنا أعدل الشرائع والقوانين،
مقرونة بسياسات وقواعد الحكم الرشيد،
لكن كثيرين يبغون بها الهدم والتخريب،
أستطيع أن أكشف تدابيرهم لو شئت لي،
فالثعالب الماكرة مهما بلغت بها الحيل،
لن تفلت من قبضة صياد أريب‮.‬
الأشجار السامقة يزرعها ملوك حكماء،
فتفرش الأرض فيئاً‮ ‬وظلالا،
بيد أن الافتراءات تنفرش أبعد مدي،‮ ‬
من كل الظلال التي تحت السماء،
ولن ينخدع بها ذو البصيرة النجيب،
تري من أين تأتي كل تلك الكلمات الملفّقة؟
أمن فم الدهاء؟ كلاّ،‮ ‬بل من فم الأباطيل،
كلمات معسولة تنساب مثل نغمات،‮ ‬
قصبة مزمار يتردد صداها في أفق رحيب،
لا يمشي بها وسط الناس إلا أفاق صفيق‮.‬
أي نوع من الناس هؤلاء؟
أليسوا أولئك المقيمين،‮ ‬
لدي حواف الجداول والمستنقعات،
الهيابون،‮ ‬المتهافتون،‮ ‬الجبناء،‮ ‬
أصل كل محنة وبلاء،
أقدامهم في وعثاء الفتن،
وكعوبهم متورمة بالسعي في كيد عفن،
أي شجاعة تلك وأي حكمة أو نجابة؟
فما أكثر ما يكيدون ويدبرون‮! ‬
وما أقل ما يتبعهم الأماثل الفضلاء‮!‬
الصديق والعدو
أتراك تعرفه؟ أتعرفه حقاً؟
أخفي الناس باطناً،‮ ‬وأشدهم‮ ‬غرابة،
تري لماذا لم يزرني عندما كان ماراً،
بقرب مزرعتي ولم يلق علي بالتحية‮!‬
أكان يتبع أمر سيده إذ أوصاه باجتنابي‮!‬
أهو تابعه في كل وصية؟
يسيّره كيفما شاء صبحًا وعشية؟
كنا صديقين متلازمين،‮ ‬كتفاً‮ ‬بكتف مشينا،
ثم إذا المصائب،‮ ‬بغتة،‮ ‬تطالني بطرق خفية،
كيف يمر بمزرعتي ولا يطرق بابي؟
كان فيما مضي يبدي وجه الود الغامر،
فلماذا تلبّس الوجه الصافي قناع الكراهية؟
أتراك تعرفه؟ أتعرفه حقاً؟
لماذا يمرق بالزقاق في خفاء،
ومن بعيد تتوالي خطواته المارقة ؟
أخرج وأتطلع وقد تبدد أثره كطيف زائل،
أإلي هذا الحد تسفر الجرأة عن أبشع وجوهها؟
ألم يعلم بأن العاقبة لا تضيعها السماء؟
أتراك تعرفه؟ أتعرفه حقاً؟
يمرق كدفقة ريح عاصفة،
لا يتبدل له اتجاه،‮ ‬فلا من شمال يأتي،
ولا من جنوب يشرع قادماً‮ ‬كلما جاء،
بل من عند بحيرة الصيد يمضي،
وتقع بقلبي هواجس وظنون‮.‬
تمُرّ‮ ‬ببيتي متمهلاً‮ ‬والخطي قريبة،
فلا تدق الباب زائراً‮ ‬مسامراً‮ ‬في الأمسيات،‮ ‬
وإذ نزلتَ‮ ‬عندي لبعض وقت قمتَ‮ ‬مودعاً،
وقلت إنك جئت لأمر طارئ،‮ ‬
وظرف أوجبته ساعة من الأوقات،
منذ آخر مرة زرتني فيها وأنا،
رهن الكآبة والوحدة وبؤس الساعات‮.‬
كانت أيام هناءة قديمة،‮ ‬
وقت أن كنت تأتي من سفر لتزورني،
فلما أدركت أنك لن تعيد سيرة الود القديم،
داخلتني من ناحيتك شتي الهواجس،
هي خواطر ترددت في أعماقي طويلاً،
منذ أن جئتني آخر مرة،‮ ‬
ورأيت منك وجهاً‮ ‬غير ما كنت أعهد،
فبقيت منذئذٍ‮ ‬نهبًا للظنون والوساوس‮.‬
كنت لي،‮ ‬في الزمن القديم،‮ ‬أخاً‮ ‬كبيراً،
كنت علي وتر الزمن الجميل عازف مزمار،
أخوك الصغير كنت أنا،‮ ‬عزفت معك،‮ ‬
علي ناي البامبو الخشبي،‮ ‬نغمات متآلفة،
تآخينا زمناً،‮ ‬لكنك تنكّرت لعهد التآخي،
بيدي حملت نذراً‮ ‬للسماء،
واستمطرتها لعنات عليك،‮ ‬آبداً‮ ‬أبدا‮.‬
ألعنك كما لو كنت ألعن شيطاناً،‮ ‬
أو شبحًا من الجان،‮ ‬
لأنك مثل شبح مضيت وتبدد وراءك الأثر،
لك وجه إنسي ولك قوام البشر لحماً‮ ‬ودماً،
لكن أحوالك لا تقطع ببرهان،
بيد أني أنشدك الآن هذه الأشعار،‮ ‬
كي تنكشف أخفي بواطنك،
وتنزاح عن طواياك الأستار‮.‬
أغنية الخصي
حرير مقصّب من أجود الأصناف طُرّا،
ألوانه المطرزة تغزل طبقات من قماش بديع،
لسان الوشاية مقروناً‮ ‬بالمكائد والشرور،
ينسج كذباً‮ ‬موشّي ينال من نزاهة أبرياء‮.‬
من عليائها تطل نجوم السماء دهشة،
فاغرة أفواهها لما يحيك الناس من الافتراءات،
يا لكثرة أفواه الوشايات الظالمة المخادعة،
تري من أين يأتي لهؤلاء المدد؟
كيف تهرع إليهم أيادي الشر متسارعة؟
يلوكون طوال النهار ألسنة مثرثرة،
يدبرون مكيدة أو يحيكون مؤامرة،
فاحفظ لسانك من قول بغير دليل أو سند،
فما أسوأ أن يُعرف المرء بالتضليل والافتراء‮!‬
كلمات مطرزة بالكذب موشاة بالاحتيال،‮ ‬
تنمقها أذهان متوقدة بالشر تتفتق عن رذائل،
للفرية جولة قد تكسبها بعضاً‮ ‬من الوقت،
لكن الكيد يحيق آخر الأمر بمن أشعل له الفتائل‮.‬
تمتلئ قلوب المخاتلين فرحاً‮ ‬بما يمكرون،
فويل للمظلومين من الأقاويل الشنعاء،
ليت السماء ترمقهم بعين الإشفاق،
ليت العين الساهرة تشهد علي تلك المخازي،
ولترأف السماء بمن نزلت بهم المكائد السوداء‮.‬
ما أفحش ألسنة الافتراء‮! ‬
كيف لهؤلاء أن يجدوا بين الناس مقاما؟
كلا،‮ ‬بل ما أجدر أن يلقي بهم جميعاً،‮ ‬
إلي أفواه السباع في البرايا‮!‬
بل قد تأنف السباع أن تقرب جيفتهم،
فليس سوي أن يُلقي بهم في الخلاء الشمالي،‮ ‬
فإن امتنعت عن قبولهم الصحراء،
فليكن مقامهم الأبدي في جحيم‮ (‬يان وانغ‮).‬
علي طريق طويل بمحاذاة أشجار الحَوْر،
أمضي وأجلس عند حقول قريبة من التلال،
أجلس أنا الخصي،‮ ‬وأُدعي‮ "‬منغ‮ ‬تسي‮"‬،
أنا الذي كتبت قصيدة حزينة أبث فيها شجوني،
شاكياً‮ ‬ما لقيت من افتراء وتشنيع وإذلال،
وكل ما أرجوه منكم أيها السادة المهذبون،
أن تبقوا مكانكم قليلاً‮ ‬وتعيروني آذانكم‮.‬


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.