كريم ربيع ومحمد جبريل: يوم 1 يوليو الحالى حزم علاء عبد الباقى عبد السلام، 28 عامًا، عامل باليومية، من محافظة كفر الشيخ، حقائبه الصغيرة وودع أبويه وأقرباءه وأصدقائه ليذهب فى رحلة هجرة غير شرعية إلى ليبيا، بحثًا عن عمل يستطيع الإنفاق على نفسه من خلاله، اتفق علاء على سداد 30 ألف جنيه لأحد سماسرة الهجرة بمجرد البدء فى عمل هناك، وظل على اتصال بأهله فى أول يومين من انطلاق الرحلة ولكن بعدها انقطع الاتصال به تماما. فى يوم 6 يوليو لاحظ أحد أصدقائه تداول صورة لبطاقته الشخصية على «فيسبوك»، باعتباره ضمن المتوفين عطشًا فى رحلة السفر غير الشرعية إلى ليبيا، فقام صديق علاء بإبلاغ أهله بالخبر. سافر عدد من أقارب الشاب مساء الجمعة الماضية، إلى منفذ السلوم، وانتظروا يومين بالمنفذ، فى محاولة للدخول إلى ليبيا عن طريقه لاسترجاع جثمانه إلا أن كل المحاولات باءت بالفشل، إلى أن تواصلوا مع الهلال الأحمر الليبى فى طبرق، الذى أبلغهم بصعوبة نقل الجثمان بوضعه الحالى، نظرا لتحلله، فطلبوا استخراج شهادات وفاة للضحية بمساعدة وزارة الخارجية، ودفنه هناك، مع إقامة عزاء بقريته. كان علاء واحدا من 19 مهاجرا مصريا أعلنت جمعية الهلال الأحمر الليبية الأحد الماضى العثور على جثثهم متحللة فى منطقة الرمال جنوب شرق مدينة طبرق. وأوضحت الجمعية أن الضحايا لقوا حتفهم بعد انقلاب شاحنة كانت تقلهم، بينما قالت الأجهزة الأمنية إنه جار البحث عن جثث 29 مصريا آخرين مفقودين. وكشفت أنه بعد عبورهم الحدود، انقلبت الشاحنة التى تقلّ هؤلاء بالقرب من مدينة طبرق بشرق ليبيا، لكنها لم تحدد تاريخ وقوع الحادث. جرى دفن الجثث ال19 بمقبرة طبرق الإسلامية بعد أخذ الإجراءات اللازمة.
أمل محفوف بالمخاطر ورغم التحذيرات وحملات التوعية بخطورة الهجرة غير الشرعية، فإن الظروف الاقتصادية الصعبة والفقر والبطالة التى يعانى منها الشباب، لا تُسهل اقتناع الشباب بحملات الدولة، ولا تدع أمام أكثرهم فرصًا للبقاء ها هنا. وقال عبد الغفار شكر، نائب رئيس المجلس القومى لحقوق الإنسان، ورئيس الحزب الشعبى الاشتراكى، إن الهجرة غير الشرعية لن تنتهى، وإن مصر أصبحت طاردة لشبابها رغم أنهم يعلمون أن هذه الرحلة محفوفة بالمخاطر، لكن الأمل فى حياة أخرى يجعلهم يلعبون على الحظ. وأضاف شكر ل«التحرير»: «هما عارفين إنهم ممكن يموتوا ورغم ذلك يلجأون إلى الهجرة غير الشرعية، أنا فاكر إن فى شاب حاول الهجرة 6 مرات، تم إنقاذه وهو بيغرق فى البحر، ولما أنقذوه قالهم إنه هيرجع تانى يهاجر». وأشار القيادى الاشتراكى إلى أن مصر لا يوجد بها ظروف حياة مناسبة، مؤكدًا أن الحل الوحيد هو وجود اقتصاد قادر على خلق وظائف حقيقية للشباب. ومن جانبه، أكد الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع السياسى بالجامعة الأمريكية، أن الاقتصاد المصرى طارد لأبنائه، فمنذ السبعينيات الدولة وجدت الحل فى ترحيل أبنائها إلى دول أخرى، لما يدر ذلك على الدولة من عشرات المليارات من العملة الخضراء (الدولار)، وبعد الثورة زادت معدلات البطالة وتآكلت فرص العمل فزادت الرغبة فى الهروب من البلد. وأكد صادق أن الدولة مستفيدة من هجرة أبنائها سواء كانت شرعية أو غير شرعية، والدليل على ذلك حيث أصبحت تحويلات المصريين فى الخارج أكبر مصدر للدخل القومى، 20 مليار دولار، مما جعلها تنشئ وزارة للمهاجرين المصريين فى الخارج. وأوضح أن غالبية الشباب المصرى الآن يشعرون بأنهم «عايشين زى الميتين بالظبط»، وحينما تستوى الحياة بالموت توقع أى شىء، مشيرًا إلى أنه إذا وجد هؤلاء بصيصا من الأمل فى فرصة هجرة، حتى وإن كانت غير شرعية، فسيلقوا بأنفسهم إلى التهلكة. وأشار أستاذ علم الاجتماع السياسى بالجامعة الأمريكية، إلى أن الانفجار السكانى فى مصر يبتلع أى تنمية إن وجدت، فهناك 2.2 مليون طفل يولد سنويا، وفى حالة الاستمرار على هذا النسق فسنجد 125 مليون مصرى فى عام 2030. ولفت صادق إلى أن معدلات التنمية ليست بنفس قدر الزيادة السكانية، مضيفًا: «بنخلف مدمنين وإرهابيين وأطفال شوارع، ومن المفترض أن يكون هناك إرادة سياسية حقيقية للقضاء على ظاهرة الهجرة غير الشرعية». وشدد على أن الدولة مطالبة برفع الدعم عن كل من ينجب أكثر من طفلين، بهدف تخفيض معدلات الزيادة السكانية مضيفا: من يرد الزواج يشترط أن يكون حاصلا على شهادة محو أمية. وأكد صادق أن هناك تسابقا بين الأقباط والمسلمين على زيادة الإنجاب فى سياق ثقافة طائفية، فضلا عن تغلغل الثقافة التواكلية عند الناس «ربنا هو اللى بيرزق»، التى تدفعهم للإنجاب دون أخذ الظروف الاقتصادية الصعبة التى يعيشونها فى الاعتبار، أو تخطيطٍ للمستقبل. المهاجرون.. «الفرخة التي تبيض ذهباً للحكومات» أظهر تقرير للصندوق الدولى للتنمية الفلاحية أن المهاجرين الأفارقة يسهمون بشكل كبير فى التنمية ببلدانهم الأصلية من خلال التحويلات المالية، والتى بلغت أكثر من 60 مليار دولار فى 2016. وتتصدر مصر الدول العربية التى تستفيد أكثر من هذه التحويلات ب16 مليار دولار، يتبعها المغرب ب7 مليارات دولار. تحتل نيجيريا المرتبة الأولى فى إفريقيا ب19 مليار دولار، متبوعة بمصر ب16 مليار دولار ثم المغرب بسبعة ملايين دولار، أما الجزائر وغانا فلا تتجاوز فيها تحويلات جاليتيهما 2 مليار دولار. جثث تنتظر تحديد هويتها الدكتور الألماني تانكرد ستوبه، الذى يعمل لصالح أطباء بلا حدود، روى شهادة مفزعة حول وضع المهاجرين غير الشرعيين في ليبيا ل«مهاجر نيوز» التابع لفرانس24 ودويتشه فيله ووكالة الأنباء الإيطالية: «فى مصراتة كل يوم كنا نرى أفارقة من دول جنوب الصحراء، وكل منهم يحمل أدواته ومعداته الزراعية أو تلك الخاصة بأعمال البناء، حيث يقفون عند تقاطعات الطرق فى المدينة بحثا عن عمل، بعضهم يتعرض للاعتقال وبعضهم الآخر يتم الإمساك بهم عند حواجز الشرطة ويتم إيداعهم فى مخيمات قبل ترحيلهم إلى بلدانهم الأصلية». وأضاف: «هنالك نحو 10000 مهاجر فى مصراتة، والوضع المعيشى والصحى مروِّع جدا فى مركز الاحتجاز الواقع فى مدينة صغيرة فى منتصف الطريق بين مصراتة والعاصمة طرابلس، الذى يتسع لأربعمئة لاجئ، وفيه الآن 43 محتجزا، بينهم 39 امرأة من مصر وغينيا والنيجر ونيجيريا محتجزات منذ فترة دون اتصال مع العالم الخارجى أو مع أسرهن». وأضاف ستوبه: «تشكل جثث ضحايا المهاجرين الغارقين مشكلة أيضًا، فمستودعات الجثث فى المستشفيات الموجودة على طول الساحل ممتلئة دائمًا بجثث غير معرَّفة، تجرفها الأمواج إلى الشواطئ أو بأشخاص ماتوا بشكل طبيعى. والكثير من الجثث موجودة هناك منذ سنوات، ولأن السلطات لا تملك الموارد اللازمة لإجراء فحوص الحمض النووى فمن غير الممكن التعرف على أصحاب الجثث وإرسالهم إلى بلدانهم أو دفنهم». مكافحة المُهجرِين فى 18 أكتوبر 2016، وافق مجلس النواب بصفة نهائية على قانون الهجرة غير الشرعية، الذى ركز بصفة أساسية على القائمين بتهجير الراغبين فى العمل بالخارج، دون الالتفات إلى الظروف التى تسبب فى مسألة الهجرة ذاتها. وكانت أبرز مواد القانون هى: - يعاقب بالسجن كل من أسس أو نظم أو أدار جماعة إجرامية منظمة لأغراض تهريب المهاجرين أو تولى قيادة فيها أو كان أحد أعضائها أو منضما إليها. - يعاقب بالسجن وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تزيد على مئتى ألف جنيه أو بغرامة مساوية لقيمة ما عاد عليه من نفع أيهما أكبر كل من ارتكب جريمة تهريب المهاجرين أو الشروع فيها أو تورط فى ذلك، وتكون العقوبة السجن وغرامة لا تقل عن مئتى ألف جنيه ولا تزيد على خمسمئة ألف جنيه أو غرامة مساوية لقيمة ما عاد عليه من نفع أيهما أكبر فى أى من الحالات الآتية: - إذا كان الجانى قد أسس أو نظم أو أدار جماعة إجرامية منظمة لأغراض تهريب المهاجرين أو تولى قيادة فيها أو كان أحد أعضائها أو منضما إليها. - إذا كان الجانى موظفا عاما أو مكلفا بخدمة عامة وارتكب الجريمة باستغلال الوظيفة أو الخدمة العامة. - إذا كان من شأن الجريمة تهديد حياة أو تعريض صحة من يجرى تهريبهم من المهاجرين للخطر أو تمثل معاملة غير إنسانية أو مهينة. - إذا كان المهاجر المهرب امرأة أو طفلا أو من عديمى الأهلية أو من ذوى الإعاقة. - إذا استخدم فى ارتكاب الجريمة وثيقة سفر أو هوية مزورة أو إذا استخدمت وثيقة سفر أو هوية من غير صاحبها الشرعى. - إذا عاد الجانى لارتكاب الجريمة المنصوص عليها فى الفقرة الأولى من هذه المادة. 10 محافظات طاردة لأبناءها كشفت دراسة رسمية مصرية صادرة عن المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية عن تسبب 10 محافظات بالدلتا والصعيد فى تزايد ظاهرة الهجرة غير الشرعية، وهى: فى الوجه البحرى: الشرقية، الدقهلية، القليوبية، المنوفية، الغربية، البحيرة، كفر الشيخ. فى الوجه القبلى: الفيوم، أسيوط، الأقصر.