ليه أحمد عدوية مطرب شعبي؟ عدوية شعبي بمعنى إنه مشهور وناس كتيرة بتسمع أغانيه وبتحفظها، إنما كمان بمعنى إن أغانيه جزء من تراث شرايط الكاسيت والأفراح والزحمة يا دنيا زحمة، التراث اللي بيتسمى عادةً "الثقافة الشعبية". إنما إيه هو الشعبي؟ هل هو الحاجة المشهورة؟ أكيد لا، لأن ياما مشاهير زي عمر خيرت وعمرو دياب مش ممكن يتقال عليهم شعبيين. هل هي ثقافة الشعب بحاله؟ أكيد لا، لأن جزء كبير من الشعب بيحتقر الشعبي وبيعتبره ثقافة السرسجية والجرابيع. في الواقع، الشعبي أكبر من الشهرة وأكبر من "الشعب"، لأن الشعبي نتيجة صراع ثقافي في المجتمع حسب الناقد الجمايكي البريطاني ستيوارت هول. في مقال مشهور عنوانه "تفكيك مفهوم الشعبي"، هول كان عايز يوصف السياق التاريخي اللي بيظهر فيه مفهوم "الثقافة الشعبية" في إنجلترا. هول ناقش تصورين عن مفهوم الشعبي: أولاً إن الشعبي هو الشائع والمشهور والمتاح تجاريا، وثانيا إن الشعبي هو ثقافة الشعب الأصيل المتأصّل اللي ماهواش زي البهوات والباشاوات. هول كان عنده مشاكل فكرية مع التصورين: بينما التصور الأول بيختزل قيمة ثقافة الناس حسب معايير تجارية مالهاش علاقة بحياتهم اليومية، التصور الثاني بيختزل علاقات القوة اللي بتخللي "الشعب" يشارك في ثقافة تجارية منحطة كجزء من ثقافته اليومية. رغم التحفظات دي، هول أدرك إن الوجود المستمر للأفكار دي دليل على قوة التصور العام عن الثقافة الشعبية في المجتمع، اللي هو في الواقع تصور القاهرين عن المقهورين، على الرغم من إن المقهورين مش شرط يشاركوا أصلاً في التصور ده. يعني فكرة الشعبي التجاري والشعبي الأصيل مالهاش علاقة بحياة الشعب الحقيقي، إنما بالتصور المهيمن عن "الشعب" ده ككتلة واحدة وموحّدة، اللي هو أصلاً مرتبط بصراعات اجتماعية واقعية بين الناس والكتلة الحاكمة. بالمعنى ده، الشعبي عبارة عن أرض منافسة بين القاهرين والمقهورين، والمنافسة مش بس على مين اللي هيقع في خانة "الثقافة الشعبية"، ومين اللي هيقع في خانة "الثقافة السائدة"، إنما كمان مين اللي يقدر يحدد الحدود بين الخانات دي. فمثلاً مطرب "شعبي" زي عدوية بقى جزء من الوعي العام عن طريق الكاسيت، بس انتشاره مالوش علاقة بشعبيته، ولا شعبيته لها علاقة بوجوده في الأوساط الشعبية المصرية الأصيلة، لأن مع الزمن بقى عدوية منتشر في أوساط تُعتبر "نخبوية"، وموسيقاه بقت تُعتبر تراث مش هلس. يعني شعبيته مش جاية من مادة محددة في مزيكته أو في ثقافته، إنما جاية من الصراع الطبقي والثقافي اللي شغّال في تقييم مزيكته. في الثمانينيات والتسعينيات، عدوية كان رمز المزيكة الحقيرة حسب المتعلمين بتوع المدارس، بس الاحتقار ده خف مع الزمن، والنهارده عدوية بقى جزء من التراث الشعبي الأصيل، حسب المثقفين المحترمين، بينما أوكا وأورتيجا بقوا رمز الشعبي الحقير (إلا طبعا في الأفراح الراقصة الفاخرة). الصراع مش بس شغّال من فوق ضد عدوية، ده شغّال من تحت لصالحه، لأن أغاني عدوية بتحاول تعبّر عن معاناة الطبقات العاملة في القاهرة بعد الانفتاح. ده مش معناه إن عدوية كان "صوت الشعب" بالمعنى الساذج، لأن المطرب التجاري المشهور مش ممكن يعبّر عن جميع فصائل المجتمع بشكل متوازي، بس عدوية كان بيعبّر عن موقفه في صراع طبقي وسياسي واضح من وقت السادات، وده كافي عشان يبيّن إن الشعبي مش مجرد شهرة ولا محتوى ثقافي عام: ده موقف متاخد تجاه الكتلة الحاكمة وصاحب الجمال، اللي لازم يرحمنا عشان ليلنا طال. الخلاصة إن مافيش حاجة "شعبية" في حد ذاتها، عشان فيه صراع حولين الشعبي وحدوده، والصراع ده أهم من المحتوى اللي بنسميه "الثقافة الشعبية"، وكأن الثقافة دي من ثوابت الكون. هول انتقد النقاد اللي بيعتبروا إن "الشعب الحقيقي" دايما في حتة ثانية، وكأن فيه ثقافة شعبية "حقيقية" دونا عن أي حاجة الناس بتتفاعل معها فعلاً، إن كان عدوية أو عمر خيرت أو عمرو دياب، وطبعا مافيش حد إلا الناقد يقدر يحدد التفرقة بين الشعب المزيف والشعب الحقيقي. في الواقع، محتوى الثقافة الشعبية بيتغيّر عبر الزمن زي ما الشعب بيتغيّر، وده درس لازم ناخده في الفن وفي السياسة، لأن اللي بيقول على نفسه "شعبي" في الغالب ماعندوش تفويض الشعب بحاله، لأن "الشعب" أصلاً مالوش وجود واحد وموّحد عشان يفوّض حد. الشعبي عبارة عن أرض الصراع ضد الكتلة الحاكمة، والصراع ده مستمر.