ذكرنا الأستاذ محمد فائق رئيس المجلس القومى لحقوق الإنسان فى مقاله ب«الأهرام» أول من أمس بأيام غير الأيام، ورجال غير الرجال، ومصر التى لا بد أن نستعيد مكانتها ونبنى قوتها من جديد. يروى الأستاذ فائق فصلًا سبق أن نشره فى كتابه عن عبد الناصر والثورة الإفريقية، يتحدث عن نيجيريا فى ذكرى استقلالها التى كان يفترض أن يشارك فيه رئيس الوزراء المستقيل حازم الببلاوى، كيف استغاثت بالقاهرة عندما وقع الانفصال فيها، وطلبت من عبد الناصر السعى لدى السوفييت أو غيرهم من الدول الصديقة لمعاونتها، ثم كيف رأى عبد الناصر أن هذا لن يجدى وقرر أن يذهب المصريون لإنقاذ الموقف فى نيجيريا. قد يكون موقفًا عاديًّا من مصر الستينيات لولا أن ما نتحدث عنه كان فى شهر أغسطس 1967، وبعد أسابيع قليلة من هزيمة لم تكن مصر تستحقها، وفى ظل موقف بالغ الصعوبة، ومع ذلك لم يفقد عبد الناصر «البوصلة» التى يهتدى بها، ولم يتأخر عما يعتقد أنه الحق والواجب، وأدرك أن الهزيمة يمكن أن تتضاعف إذا تم استغلالها لإسقاط كل نظام لا ترضى عنه قوى الاستغلال العالمى التى تريد مواصلة نهبها لثروات الشعوب وفرض إرادتها على دول تحاول تعويض سنوات الاستعمار الطويلة. هكذا رأى عبد الناصر أن إنقاذ وحدة نيجيريا جزء من مواجهة العدو المشترك، وخطوة على طريق الانتصار على الهزيمة، وهكذا ذهب أبناء مصر وأدوا المهمة وساعدوا فى كسر الانفصال، كما فعلوا فى معارك أخرى كثيرة على طول مساحة القارة الإفريقية التى ردت الجميل بالوقوف مع مصر فى حرب أكتوبر وباتخاذ موقف حاسم ضد العدو الإسرائيلى. وهكذا كانت مصر عندما كانت إرادتها بيدها، وقرارها لا يخضع إلا لها، ورؤيتها واضحة فى الانحياز للعدل والاستقلال الوطنى والتقدم، فى الداخل، وللوحدة العربية والتضامن الإفريقى وعدم الانحياز فى الخارج، وكان ذلك قبل أن يقع الانقلاب على كل ذلك بعد حرب أكتوبر، وقبل أن يتبرع السادات بإعطاء أوراق اللعبة للسيد الأمريكى، وقبل أن تبدأ رحلة «الانسحاب» من إفريقيا التى تدفع الآن ثمنها الفادح ونحن نرى الأخطار تحيط بمياه النيل. ومع ذلك.. ينبغى أن نكون على ثقة من أن ما حدث من انتكاسة فى علاقتنا مع إفريقيا هو فترة عابرة، وأنه فى النهاية لا يصح إلا الصحيح، وأن ما زرعناه فى حقل صداقتنا مع أشقائنا فى القارة السمراء لن يذهب هدرًا، ورغم كل الضغوط التى تمارسها أمريكا وإسرائيل وحلفاؤهما للتآمر علينا فى إفريقيا، ورغم كل أوجه القصور فى تحركنا، فإن رصيدنا لم ينفد، والبناء عليه سهل وميسور لو استعدنا الثقة والإرادة، ولو أنجزنا فى الداخل ما يؤكد للجميع أن شعب مصر لن يقبل المساس بمصالحه ولن يرضى أيضًا إلا أن تكون علاقته مع الأشقاء فى إفريقيا هى علاقات المصير الواحد والمصلحة المشتركة.. كما كانت فى هذا الزمن الذى يحدثنا عنه محمد فائق ليقول إنه الطريق الصحيح حين تكون البوصلة فى اتجاهها السليم، وحين تكون القيادة على قدر المسؤولية. وتبقى ملاحظة على الهامش: سافر إلى جنوب إفريقيا وفد من جماعة «إخوان المولوتوف» بقيادة أحد رجالها الأقوياء وهو الأمين العام للجماعة، المقيم فى حماية قطر وتحت رعايتها، ليقود حملة ضد مصر ويطالب بعزلها ومحاكمة كل من شارك فى ثورة 30 يونيو، وكانت النتائج باهرة، جاء إلى مصر وفد رسمى رفيع المستوى ليبلغ المسؤولين فى مصر بدعم خريطة الطريق، وانتظار عودة مصر لممارسة دورها الفاعل فى الاتحاد الإفريقى بعد أن اتضحت المؤامرة وظهرت الحقائق التى كشفت عملية الخداع التى تعرضت لها دول إفريقيا. أقترح تنظيم حملة واسعة لقادة عصابة «إخوان المولوتوف» لزيارة كل الدول الإفريقية كما زاروا جنوب إفريقيا، وتقديم كل الدعم لهم لكى يشرحوا للأصدقاء فى إفريقيا ما حققوه من تخريب لمصر، وما يستهدفونه من مخططاتهم «الإرهابية».. لكى نختصر الطريق، ولكى تفهم كل الدول الإفريقية ما فهمته حكومة «جوهانسبرج» وهو أن مصر تتعرض لمؤامرة كبرى، وأن ما حدث فى 30 يونيو لم يكن «انقلابًا» بل كان ثورة أنقذت مصر وأعادتها لما كانت عليه.. حين كانت العون والسند لشعوب إفريقيا وهى تبحث عن الاستقلال والتقدم، وتواجه تحالف الشر بين استعمار قديم أو حديث، وبين إرهاب يتستر يومًا برداء التقدم، ويتستر أيامًا باسم الدين البرىء مما يفعلون. تبرعوا لإرسال قادة الإخوان لدول إفريقيا، وستجدوا إفريقيا فى القاهرة تبحث معكم عن المستقبل، وتقرأ الفاتحة على ضريح جمال عبد الناصر، وتتذكر كيف كانت مصر.. وكيف ستعود.