ركضت كالخيل العربي الأصيل وحيثما كانت تتنهد أنفاسها، افترشت جسدها على رمال النوبة الناعمة فاتحة عينيها على نور الشمس بذراعين منبسطين، فكشفت عن لون بشرتها القمحي وخصلات شعرها الأسود الحالك، موجهة رأسها نحو فندق صغير فوق سفح رملي غرب نهر النيل، مبتسمة لصديقتها الطبيعة الساحرة: "شوفتى.. حلم بيتحقق". حلم "مي بدر" رسمته على الورق منذ ثلاث سنوات كمشروع تخرجها بكلية فنون جميلة قسم عمارة، تروي ل"التحرير" حكايته: "من ضمن المشاريع اللى كانت مقترحة مركز ثقافى ومركز حرفى وفندق، كان نفسي أعمل حاجة زي دي في النوبة". النوبة بالنسبة ل"مي" تعني الحب والحياة "من زمان وأنا عندي حب ليها، من المعرفة العامة اللى عند كل الناس"، وبعد زيارتها المتكررة لها أصبح تطويرها وخدمتها حلمًا "أنا ليا جذور نوبية من دونجلة النوبة شمال السودان، مقعدتش فى النوبة فى أى وقت لكنها فى الدم، وكنت حبة جدًّا أنى أخدم المكان هناك، لأن المكان ناقصه خدمات كتير". حلم "مي" لم يكن إلا نقشًا على ورق إلا أنها أصرت على تحويله لحقيقة "فضلت مع الدكاترة لحد ما وافقوا، فبدأت فيه على الورق، عبارة عن مركز حرفي وملحق بمركز ثقافي وجزء منه فندق، وأضافت "كنت مستمتعة جدًّا بالمشروع، من أبحاث وشغل وكل حاجة، لأني كنت بقابل ناس بعرف منهم معلومات وأدور على كنوز". أغلب مشاريع التخرج تلقى في الأدراج بعد تقييمها من قبل أساتذة الجامعات، ورغم علم "مي" بهذا الواقع إلا أن يقينها كان دائمًا يوقظها من غفلة اليأس التى حاولت أن تطولها: "اشتغلت بعد التخرج في أماكن كتير، بس كنت دايمًا بفكر في مشروع التخرج، وبتخيل أنه بقى واقع". مكالمة تليفونية من صديق "مي" غيرت كثيرًا في حياتها:" حد من معارفي كان يعرف شخص عايز يعمل فندق فى النوبة بقرية غرب سهيل، فتواصلت معاه وأنا مش مصدقة نفسي، واتفقنا إن الربح اللى هاييجي منه هايروح لتنمية المجتمع هناك". مناقشات واقتراحات دارت بين "مي" وصاحب فكرة بناء فندق في غرب سهيل قبل التنفيذ علي أرض الواقع : "مشاريع التخرج بتكون حالمة شوية ومساحتها كبيرة، مقارنة بالأرض الموجودة كمساحة كانت أصغر، ومن ضمن أهداف صاحبها أنه يعمل مشاريع تنموية زي مركز حرفي ومشغل من الربح بتاع الفندق، ويبتدي يطلع حاجات تفيد القرية هناك، لأن فيها طاقات كتير مش مستغلة بسبب قلة الموارد". أعطت "مي" كل طاقتها ليتحول مشروع تخرجها إلى واقع تلمسه بيدها وتراه عينيها فى كل خطوات بنائه فوق سفح رملي غرب نهر النيل في غرب سهيل بالنوبة، تقول "قعدت 6 شهور في النوبة، كانت بالنسبالي تجربة اجتماعية مختلفه ومهمة".
"اشري نارتي" اسم الفندق الذى عملت عليه "مي"، وعن نشاطاته تحدثت قائلة:"عملنا الفندق واتصمم ليكون فيه قاعه تسمح أنه يتاخذ فيها محاضرة، أو أنه يتعمل فيها زي إيفنت ثقافي مثلًا للأطفال حد ييجي يحكيلهم عن حاجة أو يشرح ليهم معلومة، ويتعمل فيه ورش فنية وثقافية، جو الفندق مكان مفتوح ممكن يجمع الناس، يعملوا حاجة جديدة تفيد، خاصة أن صاحب الفكرة كان عارف أني مهتمة بالثقافة النوبية". ة رغم أن "مي" تخرجت فى 2014، واستطاعت بخبرتها الصغيرة في العمل أن تحول مشروع تخرجها إلى فندق "اشري نارتي"، إلا أنها تشعر ب"لما ببص للمشروع دلوقتى باتبسط قوى، بس لو رجع بيا الزمن لورا هعمله بشكل تانى وتطورات تانية".