■ ملف الصحة يعد ملف الصحة من بين أهم ملفات تحقيق العدالة الاجتماعية فى مصر، فقد اعتاد الشعب المصرى فى عقود الستينيات والسبعينيات على تلقى العلاج فى المستشفيات الحكومية أو العامة، ومع ظهور المستشفيات الخاصة اتجه القادرون من المصريين إلى تلقى الخدمات الصحية فى تلك المستشفيات، مهما ارتفعت أسعار الخدمة فيها. فى المقابل تدهورت الخدمات فى المستشفيات العامة أو الحكومية، فقد تقلصت الموارد المخصصة لهذه المستشفيات وتراجعت قدراتها مع تزايد أعداد طالبى الخدمة المجانية، لم تخصص الدولة ميزانية تكفى للإبقاء على دور هذه المستشفيات أو تمكنها من تلبية الخدمات الصحية للفئات الضعيفة أو المعوزة فى المجتمع المصرى. تدهور حال المستشفيات العامة فهرب منها الأطباء أصحاب الخبرة، وتقادمت الأجهزة والمعدات على نحو جعلها عاجزة عن الوفاء بالاحتياجات المتزايدة لغير القادرين من أبناء الشعب المصرى. تواصل تدهور القطاع الصحى العام أو الحكومى فى وقت تزايدت فيه أسعار الخدمات فى المستشفيات الخاصة، على نحو جعل الغالبية الساحقة من المصريين عاجزة عن الحصول على خدمات القطاع الخاص. ترافق ذلك مع تدهور أوضاع شرائح من أبناء الطبقة الوسطى باتت أقرب إلى الشريحة العليا من الطبقة الدنيا ومن ثم أصبحت فى حاجة ماسة لتلقى الخدمات من القطاع العام أو الحكومى. فى سنوات مبارك تحديدا ازداد التدهور فى المستشفيات الحكومية، وظهرت أنماط جديدة من المستشفيات تقدم الخدمات الصحية برسوم قد تكون فى متناول الطبقة الوسطى، لكنها كانت بعيدة المنال بالنسبة للفئات الأكثر احتياجا فى المجتمع المصرى، كما تحول قطاع العلاج على نفقة الدولة إلى الفئات القادرة وبات يستخدم فى علاج أثرياء البلد وكبار المسؤولين الأثرياء أيضا. كما أصبح يوجه لإجراء عمليات تجميل لزوجات المسؤولين، كل ذلك والقطاع الأكبر من فقراء مصر لا يجد مكانا يتلقى فيه العلاج. شهدنا حالات انتحار لرجال وسيدات غير قادرين وغير قادرات على تدبير نفقات العلاج، ومن ثم قرروا مغادرة الحياة حتى لا يرهقوا أسرهم، زادت المأساة فى بر مصر وأصبح فقراء مصر ومعوزوها لا يحصلون على الخدمات الطبية المطلوبة. ترافق كل ذلك مع تدهور شامل فى التعليم والسكن، كما لم يطبق الحد الأدنى للأجور، ومن ثم كانت أزمة الفئات الفقيرة أو الضعيفة من المصريين مركبة ومعقدة، وقد عبرت عن نفسها فى شعارات ثورة الخامس والعشرين من يناير وبشكل أوضح فى الملايين الهادرة التى خرجت فى الثلاثين من يونيو تنادى مجددا بالعدالة الاجتماعية بمكوناتها المختلفة، وفى الصدارة الرعاية الصحية المجانية. حسنا فعلت لجنة الخمسين التى أعدت الدستور الجديد، فقد ألزمت الدولة بتخصيص 3٪ من الناتج القومى الإجمالى لقطاع الصحة، وهو مبلغ ضخم ونسبة معتبرة من ميزانية الدولة. المطلوب ترجمة كل ذلك فى قوانين محددة، مطلوب توجيه نسبة معتبرة من هذه الميزانية لصالح تطوير المستشفيات الحكومية. مطلوب توجيه الاهتمام للوحدات الصحية فى القرى والريف. مطلوب تطوير القطاع الصحى فى صعيد مصر تحديدا، ويمكن فى هذا الإطار وضع تصور عام لشراكة وتعاون بين الدولة والقطاع الخاص من أجل تطوير الوحدات الصحية فى صعيد مصر وقرى وريف الصعيد والدلتا. مطلوب تدبير هذه الاحتياجات فورا، فالقضية لم تعد تحتمل التأجيل. مطلوب إعادة مستشفيات الدولة للعمل مجددا مع تطوير قدراتها على نحو شامل. مطلوب إعادتها للعمل فورا، بحيث تكون قادرة على تقديم الخدمة لغير القادرين من أبناء الشعب المصرى، مثلما كانت تفعل فى الخمسينيات والستينيات والسبعينيات، ففى ذلك الوقت كانت تقدم الخدمة مجانا للسواد الأعظم من المصريين. مطلوب إعادة تطوير وتأهيل المستشفيات عامة، حتى تقدم الخدمات الصحية للمصريين بإنسانية وكرامة أيضا.