ولد «فالريو ماجريلّى» فى روما سنة 1957. له أربع مجموعات شعرية وحصل على جوائز إيطالية من بينها جائزة مونديلّو وجائزة فيارجيو، وجائزة مونتالى. يعمل أستاذا للأدب الفرنسى بجامعة كاسّينو. وترجمت قصائده على نطاق واسع إلى عديد من اللغات. القصيدة التى نقدمها له اليوم ترجمت إلى الإنجليزية بقلم «آدم بالومبو» وهو شاعر ومترجم وناقد أمريكى حصل على جائزة مارجريت هالى كارنتر للشعر، ونشرت أعماله فى عديد من المجلات الأمريكية المرموقة. ■ ■ ■ فى صباح الغد سوف أستحم فى صباح الغد سوف أستحم. لا شىء مؤكد غير هذا. هو هذا مستقبلُ الماء والصابون الذى لن يعقبه شىء ولن يحدث فيه أن يطرق أحدٌ الباب. سينهمر التيار من النهر المعقوف وأنا مثل أىّ ناسكٍ سوف أبقى تحت هذا المطر الفاتر، لكن دون أن تعبر الرؤى أو الغوايات بالمرآة المغبشة. دونما حركة ودونما صوت فى عرض التيارات اللا نهائية أبقى فى المجرى جذعَ شجرة ربما أو حصانا نافقا، وأنتهى وقد تشابكت من حولى الأفكار دلتا موحشةً وطويلةً فى شسوع الروح غامضةً مجهولةً مثل جنس النساء. ■ ■ ■ لن يكون مضحكا أن يذهب شخص إلى بائع فيطلب منه مرآة، فيعرض عليه البائع أنواعا من المرايا، يتناولها، ينظر فيها، يفاضل بين صفاء الصور فيها، بين إطاراتها ومدى بساطتها أو تعقيد زخارفها، ويستقر رأيه على واحدة يدفع ثمنها ثم يمشى. ليس فى هذا الأمر ما يدعو إلى الضحك. لكن ماذا عن شخص يذهب إلى بائع فيقول له «أريد مرآة فرحة لأرى فيها وجهى وهو سعيد»، هذا فى الغالب أمر مضحك. بل ربما أمر يشى بمأساة يعيشها هذا الشخص أو يجسدها هو نفسه. فالمرايا، هكذا يقول البائع إن كان لديه وقت للمشترى المسكين، لا هى فرحة ولا هى حزينة، وليست وظيفتها هى هذه التى يفترضها المشترى. المرآة يا أخى الشقى وظيفتها أن تريك ما هو موجود فعلا، ما هو فيك وما لا يقوى غيرك غالبا على تغييره. مثل ذلك أيضا ما قد يقوله الطبيب النفسى للمشترى المسكين الذى قد لا يقتنع أيضا. ومثل ذلك يقوله الشعر طول الوقت. هذا جزء من المستقبل الذى يتيقن الشاعر منه. لن يطرق الباب أحد. عادة ما يرصد المؤرخون ما حدث، وعادة ما يكلمنا العرافون وعلماء المستقبليات ومسؤولو الدولة عما سيحدث. لا أحد من دارسى الماضى والحاضر والمستقبل يكلمنا عما لا يحدث. فلماذا الشعراء من دون الناس يقفون أمام هذا؟ قلت إن هذا البيت أفضحُ أبيات القصيدة لقرائها. فثمة قارئ سوف يجد فيه وحدة الشاعر البغيضة: إنه شخص لا يطرق بابه أحد، شخص نسيه العالم بملياراته من البشر، فيا له من شقى. وقارئ سوف يرى فى هذا السطر دليلا على نعيم يعيشه الشاعر وقد غفل عنه العالم وكف عن إزعاجه. شخص نال ميزة أن يُترك وشأنه، يستمتع بحمام الصباح، يعده مطرا يتساقط عليه، يعده نهرا منتصبا، ويعد نفسه جذع شجرة، أو دلتا موحشة، أو حتى جثة نافقة. لكن كلتا القراءتين ليست قراءة للشاعر، ولا للقصيدة، بقدر ما هى صورة معكوسة مرآوية لقارئ هذا النص. ليس ذلك البيت مرآة وحسب. إنه نهاية قصيدة فى الحقيقة، وبداية قصيدة أخرى. هذا البيت هو نهاية اليقين التام، نهاية الحدث الفعلى الواقعى الذى سوف يحدث فى الغد: سيصحو ويستحم ولن يطرق بابه أحد. نقطة. بعد ذلك تبدأ قصيدة أخرى، تبدأ استعارات ومجازات وصور، تبدأ قصيدة هذا الوحيد بالذات، الذى ليس بالضرورة وحيد القصيدة الوحيد.