يقول العم نجيب محفوظ فى أصداء سيرته الذاتية..» وجدت نفسى طفلاً حائراً فى الطريق فى يدى مليم.. ولكنى نسيت تماماً ما كلفتنى أمى بشرائه.. حاولت أن أتذكر ففشلت.. ولكن كان من المؤكد أن ما خرجت لشرائه لا يساوى أكثر من مليم «.. فى ضوء تلك الحقيقة المحفوظية التى تنص على أن ما خرج الطفل لشرائه لا يساوى أكثر من مليم يمكننا أن نتحدث عن تلك الدنيا الفُنيا التى على الرغم من أنها لا تساوى أكثر من مليم إلا أننا حولناها بغباء منقطع النظير إلى خناقة كبيرة.. طفل أخبره المدرس بتاعه أن 3 × 5 = 15.. ثم بعد مرور حوالى أسبوع سأله المدرس.. 5 × 3 بكام؟.. فتلجلج الطفل واحمرت طراطيف ودانه ولم يستطع الإجابه.. فغير المدرس صيغة السؤال وجعله كالتالى.. طب 3 × 5 بكام؟.. فسارع الطفل بالإجابه.. 15.. طبعاً واضح جداً أننا هنا بصدد طفل حافظ مش فاهم.. ومدرس لا يسعى للتأكد من فهم تلميذه بقدر ما يسعى للحصول على الإجابه الصحيحه وخلاص.. وعلى الرغم من أننا لسنا بصدد مسألة حسابية معقدة وإنما مجرد عملية ضرب بسيطة.. إلا أنه من الواضح أن أحداً لم يعلم الطفل كيفية إستخدام تلك البالوظة التى اصطلحنا على تسميتها بالمخ.. فلو لم يرد الله لنا أن نفكر لما خلق لنا العقل.. ولو لم يرد لنا أن نخوض ذلك الفصل من تاريخنا البشرى على كوكب الأرض بدون إرشادات مباشرة منه عن طريق أنبياء ورسل قد تكون البشرية الآن أحوج ما تكون إليهم لما كان قد جعل سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام هو خاتم المرسلين ولما كان قد توقف عن إرسال الأنبياء لنا.. إنها تلك المرحله من تاريخنا البشرى التى يريد الله التأكد فيها من أننا قد فهمنا الدرس البشرى جيداً واستوعبناه وصرنا قادرين على تطبيق النظرية البشرية وحدنا إتكاءً على ما منحه لنا من أساسيات عامة يستطيع كل منا تطبيقها فى ضوء فهمه الخاص لها.. وإلا فما هى فائدة العقل؟! و إذا كان البعض وأنا منهم يعتقد أنه ليس من المنطق فى شيء أن يخلق الله كل تلك المليارات من البشر على مر العصور لكى يرميهم فى النار فى النهاية ما عدا الفئه التى تنتمى إليها سيادتك أياً كانت تلك الفئة.. فإن البعض الآخر قد يرى عكس ذلك أحيانأً.. وتلك هى حريتهم الشخصية طبعاً.. وليسمح لى هؤلاء أن أتمادى فى رخامتى العقلانية تلك وأخبرهم أنى أيضاً من هؤلاء الذين يعتقدون تماماً فى أننا لسنا وحدنا فى هذا الكون وأن هناك العديد من أنواع الحياه الأخرى والكائنات الأخرى التى تعيش على كواكب أخرى تنتمى إلى مجرات أخرى وإلى تراث آخر خاص بهم.. خلقهم الله مثلما خلقنا.. ولم يخبرنا عنهم شيئاً كما أعتقد أيضاً أنه لم يخبرهم عنا شيئاً لتصبح تلك الحته الناقصه من معرفتنا بهم أو من معرفتهم بنا ( اللى همه باقى الكائنات الأخرى التى تقطن كواكب بعيده تفصل بيننا وبينهم ملايين السنين الضوئيه ) هى بمثابة تدريب روحانى للجميع.. لنا ولهم.. إنه إختبار كونى الهدف منه هو الإجابه على ذلك السؤال.. هل نتحلى ككائنات ضمن العديد من الكائنات الأخرى بالقدر الكافى من الروحانيه اللازمه لنشعر ببعضنا البعض على الرغم من كل تلك الملايين من السنين الضوئية التى تفصل بيننا؟!.. هل نتحلى بالقدر الكافى من المنطق لكى نوقن أنه من العبث أن يكون كل هذا الكون الشاسع والممتد من أجلنا نحن فقط البنى آدمين؟! كيف نختزل ذلك التصور الكونى الواسع للحياه فى ذلك التصور الضيق لأتباع كل ديانة خصوصاً إذا كان كل أصحاب ديانة ينفون أصحاب الديانات الأخرى.. ثم فى هذا التصور الأضيق لأصحاب الطوائف المختلفه بداخل الديانة الواحده نفسها؟!.. وفى ظل كل هذا العبث وتغييب العقل.. ماذا عن الصراع الأكبر القادم.. مش صراع الأديان والطوائف الدينية بين قاطنى نفس الكوكب بقى.. لأ.. صراع الإعتقادات والأديان بيننا وبين من ستثبت الأيام القادمة أنهم يعيشون مثلنا بالظبط بس على كواكب أخرى غير كوكبنا الأرضى العزيز.. والذين من المؤكد أنهم عندهم دياناتهم المختلفة عن دياناتنا تماماً.. حنعمل معاهم إيه دول؟! يقول العم نجيب محفوظ فى أصداء سيرته الذاتية.. لقد فتح باب اللا نهاية عندما قال «أفلا تعقلون»!