اكتب، لا تكتب، اكتب، لا تكتب، اكتب وتوكل على الله! هذا حديثى لنفسي منذ الأسبوع الماضى بسبب الحلم الذي جاءني في ليلة كتابة المقال! وجدتني خارجًا من أحد المطاعم وجاء أحد الأفراد، ذو هيئة محترمة ومرتبة، ودار الحديث الآتي، هو: أنت صحفي؟ أنا وبمنتهي السذاجة والبراءة: لا، لست صحفيًّا ولست عضوًا فى النقابة. وأكملت متفاخرًا ودون تخوين (بسبب هيئته الذى خدعني بها): لكني أكتب مقالات أسبوعية في موقع "التحرير"، هو: أيوه، تمام، مش حتفرق معانا كتير ما دمت من إياهم ولست من المواطنين الشرفاء، اتفضل معايا لو سمحت! أنا: أتفضل فين؟! هو: اتفضل لو سمحت بهدوء ولا داعي لاستخدام أساليب أخرى! أنا: أساليب إيه حضرتك؟! أنا ماعملتش حاجة، ده أنا مواطن شريف جدا يا افندم! هو: خدوه! لم تتحمل أعصابي إكمال الحلم (أو هذا الكابوس بمعنى أدق) واستيقظت وقررت عدم كتابة مقال الأسبوع الماضى حتى أثبت للجميع أنني بالفعل من المواطنين الشرفاء الذين يتبعون أجهزة الدولة ومؤسساتها كالقطيع! بصراحة لم أستطع أن أكمل غير أسبوع واحد كمواطن شريف ووجدتني وبعد حوار الريس الأخير أريد أن أتحدث عن أمرين لا غير. قال الرئيس في حواره أن "الإسكان والقوات المسلحة مسؤولين قدامي إن في السنتين يخلصوا، في السنتين يخلصوا، ماعرفش إزاي، ماليش دعوة"! إذن الأمر الأول هو إن كان الريس لا يعلم كيفية إتمام مثل هذه المشاريع الحكومية العملاقة فى أوقات قصيرة جدا، من الذى يجب أن يعلم؟! هل هناك داعٍ إلى تكثيف العمل في مثل هذه المشاريع، مع زيادة جدول المصاريف المالية المصاحبة لعمليات الإنشاء والتعمير؟ يعني، هل هناك دواعٍ أو مكاسب اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية معينة تجعل من الضرورى تكثيف العمل والمصاريف؟! مثال بسيط، تشطيب غرفة قد يحتاج إلى عاملين لمدة خمسة أيام ولكن إن أردت أن تنتهي من تشطيب هذه الغرفة في ثلاثة أيام فقط، قد يحتاج الأمر إلى أربعة عاملين أي إلى زيادة مصاريف العمالة حتى ينتهي فى مدة أقل، وهذا إن افترضنا أن جودة التشطيب لن تتغير! السؤال الآن، لماذا تصر الدولة على الانتهاء من المشاريع العملاقة (التى لم يتم الاتفاق والالتفاف المجتمعي حولها) فى مدد قصيرة جدا وبدون أسباب معلومة للرأى العام؟! على صعيد اقتصادي آخر، هناك سياسات اقتصادية حكومية وبنكية مختلفة تُتبع طبقًا إلى حالة الاقتصاد والسوق العام سواء كان اقتصادًا منكمشًا، بسبب انخفاض متواصل في أسعار السلع والخدمات في كل جوانب اقتصاد الدولة، أو اقتصادًا متضخمًا بسبب زيادة أسعار السلع والخدمات في كل جوانب الدولة. دون جدال أو شك، نحن في دولة تعاني من اقتصاد متضخم بسبب ارتفاع الأسعار بهذا الشكل الجنوني لأسباب كثيرة ومعقدة. ولكن السؤال الآن، ما السياسات الاقتصادية الحكومية والبنكية (من خلال البنك المركزي) من أجل التعامل مع ارتفاع الأسعار؟ كتب الاقتصاد بتقول إن هناك نوعين من السياسات الاقتصادية، سياسات انكماشية وسياسات توسعية. عند وجود حالة من التضخم في الأسعار، يجب على الحكومة والبنك المركزى أن يتبعا سياسات انكماشية حتي يحدا من آثار ارتفاع الأسعار وإن أثرت سلبًا على حالة الاستثمار العامة وعلى زيادة نسب البطالة. السياسات الاقتصادية الانكماشية تعتمد على أشياء كثيرة أهمها رفع عائد البنوك (حتى تشجع المواطنين على ادخار أموالهم فى البنوك) والتقليل من الإنفاق الحكومي (مثل التقليل من الإنفاق العام مثل المشاريع العملاقة والكبيرة). والعكس هو الصحيح فى حالة الاقتصاد المنكمش، يجب أن تزيد من الإنفاق الحكومي العام ويجب أن يتم خفض عائد البنوك حتى يتم تشجيع المواطنين على زيادة معدلات الاستهلاك. المدهش والمحير الآن هو عدم معرفة فى أي من الاتجاهات تسير السياسات الاقتصادية سواء كانت حكومية أو بنكية! هل نحن نتبع سياسة انكماشية أم توسعية؟ البنوك ترفع أسعار العائد من أجل جذب الأموال والتقليل من التضخم وهذه سياسة انكماشية من البنك المركزي. أما الحكومة على الصعيد الآخر، فما زالت مستمرة في سياستها التوسعية من خلال زيادة الإنفاق الحكومي بمزيد من المشاريع العملاقة (المختلف عليها). طبعًا، ليس من الضرورى للحكومة والبنك المركزي أن يسيرا في سياسات متطابقة تمامًا، ولكن يجب أن يتم التنسيق بين الجهات حتى لا يسيروا فى اتجاهات عكسية تمامًا. فى الختام، هل من مسؤول ليجيب ويفهمنا ماذا يحدث؟! وهذا سؤال بريء من أحد المواطنين الشرفاء ولكنه خارج القطيع!