لم يكن الدكتور محمد العريان الاقتصادى العالمى البارز هو الوحيد الذي كشف أخيرا أن السياسات النقدية التي يطبقها البنك المركزى في مواجهة الأزمة الاقتصادية المركبة التي تمر بها مصر حاليا ليست كافية بمفردها للتعامل مع هذه الأزمة. ذلك لأن كثيرين غير العريان أكدوا مرارا وتكرارا أن ترك البنك المركزى منفردا في مواجهة الأزمة لايمكن ان يكون حلا وان المطلوب تنفيذ مجموعة من السياسات المالية الداعمة للسياسة النقدية بحيث تتفق هذه السياسات علي إنجاز أهداف مشتركة سواء علي صعيد سعر الصرف أو التحكم في التضخم أو خفض عجز الموازنة. ويرى خبراء كثيرون أن ازمة سوق الصرف التي يتصدى لها البنك المركزى عبر إجراءات متتالية هى عرض لمرض وبالتالى هي تعبير عن مشكلة وليست هي المشكلة الرئيسية ومن ثم فإن منظومة السياسات المالية والنقدية هى التي تصبح كفيلة بالتعامل مع جذور المشكلة وليس أعراضها. من هنا يتساءل البعض هل السياسات المالية التي تطبقها الحكومة داعمة ومؤيدة للسياسة النقدية التي يطبقها البنك المركزى أم أن هناك تعارضا بين هاتين السياستين؟! وإذا كان هناك تعارض فماذا يفعل المجلس الاستشارى التنسيقى الذى يضم رموزا بارزة سواء كانوا مصرفيين أو خبراء اقتصاد أو وزراء مالية سابقين أم ان المجلس التنسيقى يصدر توصيات لا يطبقها أحد؟! ايضا يتساءل البعض حول طبيعة السياسات المالية المحفزة التي يجب اتباعها في المرحلة الحالية وأى من هذه السياسات غائب عن صانع القرار؟! هنا ملف يتناول العلاقة الشائكة بين السياسات المالية والنقدية وسبل تنظيمها وتقييم السياسة النقدية المطبقة حاليا ،ومدى قدرتها علي التعامل مع أزمات الاقتصاد الكلى. - صراع السياسات .. عذاب اقتصادى - الخبراء أجمعوا على أهمية التنسيق والتشاور يؤكد خبراء الاقتصاد أن غياب التسيق بين السياسات المالية والنقدية من شأنه أن يؤدى لمشكلات كبيرة لحركة الاقتصاد الكلى. وأجمعوا على أن البنك المركزى لن يكون بمقدوره منفردا مواجهة عواصف الأوضاع الاقتصادية الحالية فى ظل نقص المعروض الدولارى، وعدم تعافى مصادر النقد الأجنبى، لذا يتوجب على الحكومة أن تبتعد عن سياسات الجزر المنعزلة، وأن يكون هناك دراسات مستفيضة لكل قرار يخرج من صانع السياسات النقدية من حيث تأثيراته على الجوانب المالية. وطالبت عالية المهدى الخبيرة الاقتصادية بضرورة وجود آليات للتنسيق بين السياسات المالية والنقدية، فغياب هذه الآليات يفضى إلى مشكلات اقتصادية جمة منها على سبيل المثال التوسع فى الاقتراض وهو إحدى أدوات السياسة المالية، والذى يؤدى بالتبعية إلى رفع المديونيات وتضخيم عجز الموازنة العامة للدولة، فلايمكن الاعتماد طوال الوقت على سحب السيولة من السوق، لأن ذلك سيؤدى إلى زيادة العجز فى الموازنة . وشددت المهدى على ضرورة التنسيق بين السياسات المالية والنقدية، فالسياسات المالية والنقدية والوزارات الاقتصادية لاتزال تعمل فى جزر منعزلة، كما أن السياسات الاقتصادية يجب أن تراعى ضبط أوضاع المالية العامة والحساب الجارى للحكومة المصرية وسياسة الإنفاق على وجه التحديد بما يستتبعه من تنفيذ إصلاحات اقتصادية هيكلية سريعة. وأشارت إلى أن البنك المركزى يعمل حاليا فى ظروف صعبة أهمها تراجع الاحتياطى النقدى من العملات الأجنبية، وتراجع تدفقات النقد الأجنبى والتى فاقمت أزمة نقص الدولار، وصعوبات جذب المستثمرين الأجانب لضخ سيولة دولارية جديدة فى شرايين الاقتصاد، وهو ما يتطلب إجراءات استثنائية وغير تقليدية تساهم فيها السياسات المالية بنصيب كبير، وقالت إن البنك المركزى يعمل بمعزل بعض الشيئ عن السياسات المالية فتمسكه بعدم خفض قيمة الجنيه بسهولة وترك سعر الصرف يتحدد وفقا لآليات العرض يصعب من مهام السياسات المالية المتعلقة بتشجيع التصدير وجذب المستثمرين الجدد بدعوى الحفاظ على قيمة الجنيه فى مواجهة الدولرة. تنسيق غائب الدكتور عبدالخالق فاروق -الخبير الاقتصادى ومدير مركز النيل للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية السابق- أكد أن غياب التنسيق بين السياسات المالية والنقدية أمر ليس بجديد على الوضع الاقتصادى، لكن الأخطر هو العمل على حل نتائج المشكلات وليس علاج جذور الأزمة التى ينشغل بها المسئولون عن السياسات المالية والنقدية فى البلاد. وأضاف لايمكن إنكار خطورة تأثير السياسة النقدية فى السياسة الاقتصادية الكلية التى تعتبر صمام أمان بين النقود والنشاط الاقتصادى بشكل عام، وأن نجاح تفعيل السياسات النقدية سيحقق الاستقرار فى الأسعار، ومن ثم خلق مناخ مناسب لممارسة الأنشطة الاقتصادية المتنوعة. وأشار إلى أن التنسيق بين السياسات المالية والنقدية من شأنه ضبط المعروض من النقود، والذى يتم بالتوازى معها بناء سياسات مالية تتعلق بخفض التضخم أو تشجيع الاستثمار، وبالتالى زيادة النمو الاقتصادى، كما أن تخفيف الآثار السلبية للتقلبات الاقتصادية يعتمد بشكل أساسى على تطبيق سياسات ائتمانية قوية فى أوقات الأزمات والعكس صحيح فى حالات الرواج الاقتصادى . واقترح فاروق اللجوء إلى انتهاج سياسات مالية غير تقليدية فى معالجة نتائج السياسات النقدية قد تشمل سياسات توسعية والتى تم تطبيقها فى السابق أثناء الأزمات المالية، وقامت خلالها الدولة بشراء الأصول من البنوك والمؤسسات المالية المتعثرة لتوفير سيولة لديها، تمكنها من الإقراض والمساعدة فى تسهيل الأوضاع المالية وتعزيز النمو الاقتصادى، وتقليص معدل البطالة فى البلاد بشكل عام. وأكد أن التحدى الذى يواجه الحكومة الآن هو محاولة الحد من التضخم ورفع مستوى الاحتياطى النقدى بالعملة الأجنبية حتى لا ترتفع الأسعار بنسب أكبر من الوضع الحالى، ولن يكون بمقدور البنك المركزى وحده مواجهة مايجرى، ولابد من الاهتمام بالقطاع الإنتاجى مثل الزراعة والصناعة، والعمل على زيادة حجم الإنتاج فى هذه القطاعات، ولا بديل غيرذلك حينها يزيد حجم الإنتاج الصناعى والزراعى، ومن ثم تخفيف الضغط على الاحتياجات من النقد الأجنبى الموجه للاستيراد. بينما ترى الدكتورة عبلة عبداللطيف أستاذ الاقتصاد وعضو مجلس التنسيق بالبنك المركزى أن المجلس لديه رؤية للتناغم والتنسيق مع الحكومة بما يساعد على المواءمة بين السياسات المالية والنقدية وصولا لأفضل النتائج عبر لجان فرعية من أعضاء المجلس والحكومة تناقش كل قضية على حدة وسبل توفير حلول ناجزة لذلك. وقال محمد رضا الخبير الاقتصادى إن التضارب بين السياسات المالية والنقدية له آثار سلبية نلمسها حاليا مثل رفع سعر فائدة الإيداع الذى ظهرت نتائجه على معدل الفائدة على الديون السيادية من أذون وسندات الخزانة إلى جانب التأثيرات التى ستطال الموازنة الحكومية. وأضاف الموازنة العامة للدولة تمثل حقيقة الوضع المالى للسياسات الحكومية، كما أن إصلاح إدارة المالية الحكومية سيسهم فى زيادة فعالية الإنفاق العام والضبط المالى والقدرة على توقع الأداء المالى بشقيه المتعلقين بالإيرادات والنفقات، والربط بين السياسات المعلنة للدولة وعمليات الإنفاق العام. وقال إن دول العالم تعمل حاليا على تدشين وحدات للتخطيط المالى الكلى والشامل، وهذه الوحدة تكون مسئوليتها التنبؤ بالأداء المالى للحكومة، والربط بين السياسات المالية والنقدية، ومن ثم إصلاح النظام الضريبى والجمركى بالتناغم مع السياسات المالية والتى يتم على أساسها صياغة استراتيجية مالية متوسطة وطويلة الأجل، والتركيز على الأداء فى الموازنة، والقيام بمشروعات ضخمة فى قطاعات البنية المعلوماتية والالكترونية لنظم المحاسبة المالية، وتوسيع نطاق تغطية وشمول الموازنة، حيث لا تزال ظاهرة الصناديق والحسابات الخاصة خارج الموازنة مستمرة. - إصلاح نظام المشتريات الحكومية. وأكد أهمية اتخاذ خطوات لربط منظومة الإصلاحات المالية بالإصلاح الإدارى بما يسهم فى تحسين مؤشرات تنافسية مصر سواء التصنيف الائتمانى، أو فيما يخص الشفافية وممارسات الأعمال، بجانب إحكام الرقابة بصورة أكثر فعالية على الإنفاق العام، حيث تمنع ميكنة المدفوعات المالية مثلا الضغوط التى تمارس على المراقبين الماليين. وأكدت الدكتورة ياسمين فؤاد مدير مركز البحوث والدراسات الاقتصادية والمالية بكلية الاقتصاد والعلوم والسياسية بجامعة القاهرة أهمية إرساء دعائم المساءلة والشفافية فى السياسات المالية والنقدية الحكومية، إلى جانب إصلاح المالية العامة باعتبارها من الأدوات المؤثرة فى نتائج السياسات النقدية. وتابعت يمكن تحقيق تناغم بين السياستين المالية والنقدية فى نفس الوقت لتحقيق الاستقرار الاقتصادى، ففى حالة الركود الحالى يتم اتباع سياسات مالية توسعية، بحيث تقوم الدولة بزيادة الإنفاق الحكومى أو تخفيض الضرائب مما يؤدى إلى زيادة الإنفاق الكلى كما يتم فى نفس الوقت تطبيق سياسة نقدية توسعية والتى تؤدى إلى انخفاض سعر الفائدة مما يؤدى إلى زيادة الاستثمار وارتفاع الطلب الكلى، أما إذا كان الاقتصاد يعانى من تضخم يتم اتباع سياسة مالية أكثرتقييدا بحيث تقوم الدولة بتخفيض الإنفاق الحكومى أو زيادة الضرائب مما يؤدى إلى انخفاض الطلب الكلى. وقال الدكتور رشاد عبده الخبير الاقتصادى إن المتابع للشأن الاقتصادى يجد خلافا واضحا بين السياسات المالية والنقدية حتى بعد تفعيل المجلس التنسيقى بين السياستين وهو ما لاحظناه جميعا، فلا يمكن أن يتحدث محافظ البنك المركزى عن قيامه بالسعى لجذب استثمارات أجنبية فى حين أنه ليس دوره، بل المنوط بذلك هو وزير الاستثمار بل نجده يتحدث عن خفض عجز الموازنة، فى حين أن المسئول عن ذلك هو وزير المالية فى المقام الأول، لذلك فإن غياب التنسيق يظهربشكل واضح . وتابع لابد من التنسيق بين السياسات المالية والنقدية بدلا من سياسات الجزر المنعزلة التى ينتج عنها مشكلات عدة، فرفع سعر الفائدة على الإيداعات لدى البنوك يؤثر على نوعيات الاستثمار الأخرى مثل أسواق المال . - تنقية التشريعات ويرى الدكتور سعيد عبدالمنعم أستاذ المالية العامة والضرائب بتجارة عين شمس أن السياسة المالية تحتاج إلى تنقية للتشريعات الخاصة بها، لأنه من المعلوم أن الجزء الأكبر من هذه السياسة عبارة عن الضرائب من الدرجة الأولى ثم القروض، ولو نظرنا إلى الضرائب الموجودة حاليا بمختلف أنواعها سنجد أنها تحتاج إدخال التعديلات عليها سواء كانت ضريبة علي الدخل، أو المبيعات التى يمثل عائدها فى أغلب دول العالم حلا لتغطية العجز فى الموازنة وذلك كان منذ 1991 ولكن ما حدث لها من تعديلات كثيرة أكبر من القانون مما تسبب فى مشاكل عديدة، والعلاج يكون فى الأخذ بضريبة القيمة المضافة والمنتظر صدورها لأنها ستخضع كل الخدمات والسلع التى تستحق فرض ضرائب عليها لأن هناك من السلع والخدمات ما سيعفى وفق الجداول التى ستلحق بهذا القانون لسلع هامة فى حياة الفقراء ومحدودى الدخل كالخدمات الطبية والسلع الغذائية. طالب د.سعيد بضرورة التنسيق بين السياستين المالية والنقدية، لأن افتقاد التنسيق يسبب مشاكل ويحدث آثارا سلبية للسياستين، مضيفا أن قضايا الدعم خاصة فى المواد البترولية لابد وأن يعاد النظر فيها، وأرى تحويلها إلي نقدى، لأن هناك كثيرين لايستحقون هذا الدعم وهذا يضيف عبئا كبيرا علي اقتصاد الدولة، وكذلك يتطلب الأمر من السياسة المالية ترشيد الإنفاق فى المصالح الحكومية وأيضا منع استيراد ماهو غير ضرورى من السلع أو من السلع التى لها بدائل محلية، ويضيف أن السياسة المالية وكذا النقدية لابد وأن يسيرا كتفا بكتف، وهذا ليس صعبا حال وجود التنسيق بينهما . وأوضح الدكتور ممتاز السعيد وزير المالية الاسبق أن التنسيق بين السياسة المالية والنقدية أمر نصت عليه القوانين وليس بجديد كمطلب، حيث نجد المادة (51) من القانون 35 لسنة 3791 جاء فى نصها »تتولى وزارة المالية إعداد مشروع الموازنة العامة للدولة بعد دراسة مشروعات الموازنات المقدمة من الجهات المختلفة، وبعد استشارة البنك المركزى بهدف التنسيق بين كل من السياسات المالية والسياسات النقدية والائتمانية بما يحقق أهداف الخطة السنوية المقررة، ويتفق مع السياسة العامة للدولة وتلتزم جميع الجهات بتقديم كافة البيانات والمعلومات والإيضاحات التى تطلبها وزارة المالية والبنك المركزى والأجهزة المختصة فيما يتعلق بإعداد مشروع الموازنة الخ .. نص هذه المادة وكذلك القانون 88 لسنة 3002 الخاص بالجهاز المصرفي نص علي ذلك أيضا، وأعتقد أن المرحلة الأخيرة تشهد التنسيق بين السياستين، كما أن هناك لجنة تنسيقية تحت رئاسة مجلس الوزراء تضم وزراء المالية والاستثمار والتجارة والصناعة والبنك المركزى والدكتور محمد العريان ود.فاروق العقدة وآخرين، كل ذلك يعطي دلالة ومؤشرات أن الخطوات التى غاب فيها التنسيق بين السياستين فى الماضي أصبحت الآن محل نظر ومراجعة مطالبا بمزيد من التنسيق حتى لاتكون هناك آثار سلبية علي أى من السياستين، كما أن مصر فى حاجة ماسة الآن للتنسيق فى كل الخطوات والإجراءات التى تتخذها فى كل مناحى الأنشطة وفى المقدمة الاقتصادية، لأن عدم التنسيق ينتج عنه آثار صعبة علي الاقتصاد تحملها وأيضا المجتمع. وقال الدكتور طارق حماد عميد تجارة عين شمس الأسبق إنه من المعلوم أن السياسة النقدية هى كمية النقود وسعر الفائدة، وأن تحريك النقود يتم عن طريق رفع سعر الفائدة، وهذا مطلوب ليقوم مدخرو الدولار بتحويل ادخاراتهم إلي الجنيه ليساهم فى علاج نقص العملة الصعبة وأيضا الاقتصاد، وهذا أمر مطلوب دعمه لأن وجود سعرين للدولار بينهما فجوة كبيرة ليس فى صالح الاستثمارات الاجنبية، لأن ذلك يحبط المستثمر، ولذا لابد من الاستقرار والثبات فى سعر الدولار، فيما السياسة المالية تتكون من الإنفاق العام والضرائب والأخيرة بها مشكلة، حيث هناك 04٪ علي الأقل من الاقتصاد غير معلوم، وبالتالى لايدفع ضرائب وهى ما يسمى الاقتصاد السرى، أما ال 06٪ الباقية فإن الضرائب فيها تأتى من قناة السويس والبترول، و08٪ من الضرائب تأتى من جهات عامة مثل الجهات السابق ذكرها، وال 02٪ الباقية من الشركات والأفراد، ومن هنا فإن الأمر يقتضى الحصر الضريبى الدقيق والقضاء علي التهرب، بل القضاء علي الفساد فى مجال الضرائب ذاتها دون التركيز على المنتظمين فى السداد وهم الموظفون الذين يتم الخصم منهم من المنبع، كما أن الإنفاق العام لابد من توجيهه نحو حماية الفقراء والطبقات المهمشة وتحسين حالتهم الصحية والتعليمية، لأنه ليس من المعقول توجيه هذا الإنفاق نحو رصف طرق صحراوية لرجال أعمال حصلوا علي أراض من الدولة وغيروا النشاط المخصص لها من الزراعة إلي الفيللات والمنتجعات، أطالب بأن تساند السياسة المالية السياسة النقدية والعكس أيضا لتشجيع الاستثمار من خلال القضاء علي مشاكل الكهرباء والطاقة التى تحسنت فى الآونة الأخيرة للأفضل، ولكن هناك المزيد من الإجراءات والخطوات الممكن اتخاذها للوصول بالاقتصاد إلى صورة أفضل مما هو عليه للقضاء علي البطالة بتشغيل المصانع وجذب الاستثمارات وتحسن الحالة الصحية والتعليمية لأفراد المجتمع. ووفق رؤية للدكتور أحمد جلال وزير المالية الأسبق التى أعلنها فى وقت سابق فإن السياسة النقدية تتبع سياسة انكماشية، بينما السياسة المالية توسعية ومعلوم أن السياستين متعلقتان بالسياسة الكلية للاقتصاد، مشيرا إلى أن انكماشية السياسة النقدية تأتى من خلال ارتفاع سعر الفائدة علي الإيداع وهذا يؤدى لارتفاع فى سعر فائدة الإقراض، والمركزى يحافظ علي نسبة معينة بين الإيداع والإقراض، ومن هنا فالبنوك الأكثر ربحية فى هذا المجتمع، وأنا لست مستوعبا لما يحدث حاليا من ارتفاع لسعر الفائدة كسياسة نقدية يقوم بها المركزى، كما أن معدل زيادة المعروض النقدى غير عال وهذه أيضا سياسة انكماشية، حيث يصل هذا المعروض 21٪ حاليا، فيما المطلوب أن يكون 51٪ علي الأقل أيضا التضخم بلغ 11٪ والنمو 4٪ أيضا فكرة فرض قيود على الواردات كيف ؟ إن الانتاج للتصدير يحتاج إلي واردات، كذلك السياسة المالية كانت تهدف إلى أن يصل العجز المتوقع 9٪ والوزير الحالي أعلن أنها فى الغالب ستتجاوز 11٪ .. إذن السياسة المالية توسعية والنقدية انكماشية، ومن هنا فالأمر يحتاج إلى التنسيق بينهما. وطالب د.جلال الحكومة بأن يتضمن برنامجها إحداث طفرة وليس نموا بطيئا إعادة النظر فى المنظومة الضريبية ونوعية الإنفاق- أيضا لابد من معرفة هدف السياسة النقدية هل التدفق، سعر الصرف، النمو، المشروعات الصغيرة وإعلان ذلك من خلال البنك المركزى، وذلك كله من أجل الاستثمار والمستثمرين والمستهلكين ولايفيد هنا عدم الإعلان والتكتم، لأن مثل ذلك يمنع الكثير من المستثمرين من اتخاذ قراراتهم بالاستثمار لعدم وضوح الرؤية بالنسبة لهم. مشيرا إلى أن فرصة الحكومة الحالية أفضل من الحكومات السابقة التى كانت لاتستمر شهورا أى حكومات مؤقتة، أما الآن فهناك استقرار أفضل من السنوات السابقة يساعد الحكومة علي دراسة كل النقاط السابق ذكرها والخروج ببرنامج واضح ومعلوم لينطلق الجميع إلي الأمام. وقال إن أية محاولة لإعداد استراتيجية للإصلاح الاقتصادى لايمكن أن تبنى علي أن تقوم بها وزارة المالية فقط، وأن أية تقييم للسياسة الاقتصادية لابد من الحكم عليها من ثلاث زوايا هى التوازن الكلي (عجز الموازنة وميزان المدفوعات) مع النمو وتحفيز الاقتصاد علي خلق فرص عمل للشباب مع العدالة الاجتماعية مع العلم بأن العدالة الاجتماعية تختلف عن الحماية الاجتماعية ولايمكن التركيز فى أية استراتيجية إصلاحية علي زاوية واحدة دون الزوايا الثلاث. وقالت الدكتورة يمن الحماقى أستاذ الاقتصاد إن هناك مجموعة نقاط مهمة فى السياستين تحتاج إعادة مراجعة شاملة خاصة إذا كانت مصر ستأخذ طريقها نحو استراتيجية التنمية 2030 التى يأمل الجميع منها نقل مصر إلى المراكز المتقدمة بين الدول - مضيفة أن استقرار الاقتصاد الكلى هوالركيزة الأساسية لتحقيق معدلات عالية النمو، فلا يعقل وجود تضخم وصل 10٪ فيما المعدل الطبيعى في البلدان الأخرى 4٪ وكذلك البطالة التى بلغت نسبتها 12٪ ، هذان الرقمان »التضخم والبطالة« مؤثران جدا يضاف إليهما عدم استقرار سعر الصرف للدولار، وهذه ظاهرة تضرب الاقتصاد الكلى. - سياسة مالية مضادة ومن وجهة نظرها أن السياسة المالية لاتتفق بالمرة مع التوجه الاقتصادى المصرى، لأن استراتيجية 2030 تقول إن الصناعة المحرك الرئيسى للاقتصاد المصرى ثم التنمية القطاعية فى هذا النشاط الصناعى، وهذه يستلزم من الحكومة أن تسير بسياستها المالية فى هذا المسار مما يقتضى معه وجود تميز لقطاع الصناعة عن الخدمات، بل تحدد قطاعات صناعية معينة لمنحها هذا التمييز وأقاليم أيضا بعينها، وهذا التمييز يتمثل في منح مزايا فى الإقراض كسعر فائدة منخفضة كالتى قررها الرئيس السيسى فى المشروعات الصغيرة والمتوسطة والتى تم تحديد مبلغ 200 مليار جنيه لها من المركزى علي مدار 4 سنوات بواقع 50 مليارا كل عام، وهذه النسبة حددت ب 5٪ أيضا ضرورة منح هذه القطاعات والمستثمرين فيها إعفاءات ضريبية، توجيه دعم للمنتجين بتلك القطاعات خاصة التصديرية منها، وهذه موجودة فى صندوق دعم الصادرات ولكنها تحتاج إعادة نظر فيها - أن يكون لدى الحكومة الإنتاج للتصدير وأيضا دفع الإنتاج المحلى لزيادة إنتاجية خاصة في السلع التى يتم استيرادها، لأن ذلك يخفف عبء تدبير العملة الصعبة خاصة أن فى هذه المرحلة مطلوب تسهيلات مالية للمصنعين خاصة الصناعات كثيفة العمالة، لأن ذلك علاج للبطالة، وتحريك للإنتاج والاقتصاد وهذا سر نجاح الصين وكوريا الجنوبية. وهناك ملاحظة أخرى أطرحها في تساؤل أين استقلالية البنك المركزى وهو يوافق كل شهر على طرح أذون خزانة مما نتج عنه مديونية تجاوزت ال 2 تريليون جنيه ما يعنى اقتراب الدين المحلى بنسبة 100٪ من إجمالى الناتج المحلى . وأشارت إلي أن أمام الدولة مجالات عديدة لزيادة إيراداتها العامة منها تسجيل العقارات والأراضى، وذلك لن يتم إلا بتسهيل إجراءاتها وخفض تكاليفها وذلك يعود على الدولة بعدذلك بزيادة في إيراداتها العامة عندما يوجد لديها حصر لتلك الثروات، أيضا ضم الاقتصاد غير الرسمى من خلال منحه إعفاءات لمدة 3 سنوات وتنظيمه وتقديم الخدمات له حتى الوصول به إلى دخول حظيرة الاقتصاد الرسمى، وهذا سيزيد إيرادات الضرائب، والسؤال الأهم أين ضرائب المهن الحرة التي تربح ملايين الجنيهات ولاتدفع للدولة المطلوب منها، هناك مجاملات من مفتشى الضرائب ومأمورياتها لأصحاب هذه المهن وغيرهم علي حساب الاقتصاد الوطنى، وحان الوقت للتخلى عن هذا العمل غير المشروع وأن يحاسب الجميع وفق القواعد والتشريعات الصادرة بشأن كل منهم، لأن ذلك كله يصب فى الاقتصاد الكلى . - السياسة النقدية في الميزان .. خبراء:لم يكن فى الإمكان أفضل مما كان اكد خبراء مصرفيون أن إدارة ملف السياسة النقدية خلال السنوات الماضية كان جيدا بالقياس إلي مجمل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي شهدتها البلاد إلا أنهم انتقدوا غياب التنسيق بين صانعي القرار بالسياسات النقدية والمالية خلال الفترة المالية والتي لم تشهد تغيرا حتي الآن. أكد إسماعيل حسن محافظ البنك المركزي الأسبق أن السياسات النقدية خلال السنوات الماضية كانت جيدة قياسا علي حجم التحديات والأزمات الاقتصادية التي شهدتها البلاد من خروج النقد الأجنبي وتأثر السياحة والأوضاع السياسية المضطربة التي سبقت ثورة 30 يونيو فلم يكن بمقدور صانع السياسة النقدية أن يقدم أفضل من ذلك. وأشار إلي أن الحفاظ علي الاحتياطي النقدي من العملات الأجنبية والعبور بالجهاز المصرفي من هذه الأزمات دليل علي ادارة هذا الملف باحترافية. واكد أحمد الخطيب الخبير المصرفي أن الأوضاع الاقتصادية التي شهدتها البلاد منذ ثورة 25 يناير 2011 جعلت ادارة ملف السياسة النقدية أمرا غاية في الصعوبة ،حيث تصدر البنك المركزي المشهد في وضع سياسات وإصلاح اقتصادية لم يكن هو طرفا في صياغتها بل المسئول عنها في المقام الأول صانع السياسات المالية. وأشار إلي أن المجموعة الاقتصادية لم تكن متناغمة خلال الفترة الماضية وهو ما أفضي الي تشوهات في نتائج السياسة النقدية حيث تباري البنك المركزي في التضييق على خروج النقد الأجنبي بينما كانت السياسات المالية تسمح بالخروج الآمن للنقد الأجنبي في عمليات الاستيراد والسفه الاستيرادي الذي مارسته حتي الجهات الحكومية خلال سنوات مابعد ثورة 25 يناير. سياسات جيدة وأشار إلي أن السياسات النقدية للمركزي كانت جيدة رغم المآخذ التي يراها البعض في بعض القرارات فتحديد سقوف للإيداع الدولاري خفضت الضغوط علي الدولار بينما كان البعض يراها إشارة غير مباشرة للذهاب إلي الأسواق الموازية بحثا عن الدولار وهوما فاقم الأزمة ولم يسهم في حلها . قال عمرو الجارحي الخبير المصرفي إن سياسات البنك المركزي فيما يتعلق بالسياسة النقدية كانت الي حد ما ملائمة للأوضاع التى عايشها صانع القرار إبان الثورة وحتي الآن لأن الوضع الاقتصاي لم يكن مستقرا. وأشار إلي أن بعض القرارات كانت يجب أن تتخذ بالتوافق مع صانع السياسات المالية ولكن ذلك لم يحدث ومنها المتعلقة بتحويل فوائض الأرباح التشغيلية الذي انعكس سلبيا علي معدلات جذب الاستثمار كاحد الآليات التي تعمل عليها السياسات المالية. واكد طارق إبراهيم الخبير المصرفي إن السياسات النقدية ساهمت في تعميق الأزمات الاقتصادية خلال السنوات الماضية فلم تحل أزمة نقص العملة رغم أنها ليست من اختصاصات مسئولو السياسة النقدية لكنهم قاموا بذلك دون تنسيق ولذلك حدثت مشكلات عدة لم تحقق أهداف السياسة النقدية ولا المالية علي صعيد سواء. واضاف منذ تعيين طارق عامر محافظا للبنك المركزي فالبعض كان ينتظر ان تحل مشكلات التداخل الكبير بين السياسات المالية النقدية خلال السنوات المااضية ولكن جديدا لم يحدث حيث يستمر محافظ البنك المركزي في استصدار قرارات تكون نتائجها على السياسة المالية صعب فعلى سبيل المثال رفع الفائدة علي الادخار بالجنيه جعل العملاء يسحبون أموالهم من البورصة أو صناديق الاستثمار ويضعونها في البنوك ومع تقديم فائدة مرتفعة لهم سيرتفع بالتبعية معدل التضخم إلي أرقام قياسية.