حذرت موسكو مجددا من أن تطبيق مشروع "منطقة حظر طيران" في شمال سوريا لن يؤدي إلى شيء باستثناء تكرار السيناريو الليبي. وقالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، إن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تحدثت مؤخرا على ضرورة إقامة منطقة حظر طيران في سوريا، مشيرة إلى أن هذه الفكرة ليست جديدة، إذ سبق لتركيا أن طرحتها مرارا. وذكرت أن جينادي جاتيلوف نائب وزير الخارجية الروسي قد شدد على ضرورة تنسيق الاقتراح بشأن مثل هذه المنطقة مع الحكومة السورية أولا. وشددت زاخاروفا على أن أحد يريد تكرار السيناريو الليبي. وسبق للمجتمع الدولي أن اختبر هذه الفكرة، وباتت نتيجتها ملموسة ليس في ليبيا فحسب، بل وفي أوروبا أيضا. كما حذرت زاخاروفا من أن أي توغل عسكري في سوريا سيكون غير شرعي، مشيرة إلى أن سوريا قد توجهت إلى مجلس الأمن بشأن الوضع على حدودها مع تركيا. كما شددت على أن أي توغل عسكري تركي في سوريا سيؤدي إلى إحباط العملية السياسية، ويعني تخلي الجانب التركي عما التزم به وفق اتفاقات ميونخ والاتفاقات الأخرى التي توصلت إليها مجموعة دعم سوريا وتبناها مجلس الأمن كقرار دولي. وفي وقت سابق رفضت موسكو دعوات ألمانية وتركية لإقامة منطقة عازلة شمال سوريا. وقالت وزارة الخارجية الروسية إنه لا يمكن إقامة منطقة حظر طيران في سوريا دون موافقة الحكومة السورية والأمم المتحدة. وتعليقا على دعوة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، قال نائب وزير الخارجية الروسية جينادي جاتيليوف إنه "لا يمكن قبول أي قرارات بشأن إنشاء منطقة حظر طيران من دون موافقة الحكومة السورية ومجلس الأمن الدولي". وأضاف أن اجتماع لجنة وقف إطلاق النار في سوريا بمشاركة خبراء روس وأمريكيين وكذلك دول أخرى مؤثرة، سيعقد يوم غد الجمعة. وأوضح الدبلوماسي الروسي بأن تنفيذ اتفاق ميونيخ لتسوية الأزمة السورية قد بدأ، مشيرا إلى أن الفريق المكلف بالمساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة أجرى أولى اجتماعته. وكانت المستشارة الألمانية أجيلا ميركل قد أعربت في وقت سابق، عن تأييدها إقامة منطقة حظر جوي في سوريا. وقالت، في مقابلة مع صحيفة "شتوتجارتر تسايتونج" الألمانية الاثنين الماضي، إنه "في الوضع الحالي سيكون مفيدا إقامة منطقة لا يقصفها أي من المتناحرين - نوع من منطقة حظر جوي". وفي نفس السياق أعلن نائب رئيس الوزراء التركي يالجين أقدوجان أن بلاده تريد إقامة منطقة آمنة بعمق 10 كيلومترات في شمال سوريا على خط الحدود مع تركيا، تضم مدينة اعزاز. وفي مقابلة مع قناة "خبر" التلفزيونية، أمس الأربعاء، قال أقدوجان إن "ما نريده هو إقامة شريط أمني يشمل أعزاز بعمق عشرة كيلومترات داخل سوريا وهذه المنطقة يجب أن تكون خالية من الاشتباكات". من جهة أخرى قال المسؤول التركي، إن أنقرة لا تسعى في الوقت الحالي إلى إجراء عملية برية في سوريا، مضيفا أن تركيا ليست مهتمة بالحرب ولا تسعى إليها. وأشار إلى أن تركيا قصفت مواقع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في شمال سوريا دفاعا عن مصالحها. وتعليقا على الغارات الروسية في سوريا، قال أقدوجان إنه يجب الضغط على روسيا دبلوماسيا من أجل عدم تعرض مدينة أعزاز للقصف والحفاظ على ممر إنساني هناك، مضيفا أن أنقرة تواصل سياسية الأبواب المفتوحة بالنسبة للاجئين ولا تستطيع إغلاق الحدود بالكامل. وفي سيساق متصل أيضا تطرقت صحيفة "نيزافيسيمايا جازيتا" الروسية، إلى رغبة الاتحاد الأوروبي بإنهاء الحرب في سوريا بفرض حظر جوي، ولكن جهود الدبلوماسيين تصطدم بسلوك تركيا الراغبة في القيام بعملية برية. وكذلك إلى الزيارة المفاجئة التي قام بها المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا، لدمشق، حيث أعلن من هناك أن سوريا موافقة على استئناف مفاوضات جنيف في 25 فبراير الجاري من دون شروط مسبقة، وكان الرئيس السوري بشار الأسد قبيل هذه الزيارة قد شن هجوما عنيفا على تركيا والسعودية واعتبرهما بمثابة أبواق لجهات أجنبية ولا يمكنهما اتخاذ قرارات مستقلة بشأن الأزمة السورية، مشيرا إلى أن الحرب في سوريا لم تعد شأنا داخليا، بل أصبحت "مدوّلة وتمس مصالح العديد من الدول". كما قال الأسد إن مفتاح إنهاء الحرب يكمن في محاربة الارهاب والاتفاق على وقف اطلاق النار على المستوى المحلي، وذلك من دون أن يساوي بين وقف اطلاق النار ووقف العمليات الحربية، وأضاف أن "أي اتفاق على وقف إطلاق النار لا يعني أن يتوقف كل طرف عن استخدام السلاح... فوقف إطلاق النار يعني قبل كل شيء وقف تعزيز الإرهابيين لمواقعهم". أي أن الأسد وفق هذه التصريحات يشير إلى أن القوات الحكومية السورية ستستمر في محاربة المتمردين المطالبين باستقالته، من جهة، وسيعني هذا الالتفاف على المشروع الروسي – الأمريكي الذي تمت صياغته في ميونيخ من جهة أخرى. وفي ما يتعلق بدعوة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلى إقامة مناطق حظر جوي، وعلى الرغم من أن تركيا كانت قد اقترحت عدة مرات فرض هذا الحظر وانشاء منطقة عازلة على حدودها مع سوريا، فالولايات المتحدة وبعض الدول من حلف الناتو لم يوافقوا على هذه المقترحات، لأنها تسبب مواجهة مباشرة مع الأسد وحلفائه، وبالذات مع روسيا التي لا تنوي وقف غاراتها الجوية. ويرى خبراء كثيرون أن فرض مناطق حظر جوي في سوريا أمر خطر جدا، لأنه سيعقد مسألة تسوية النزاع وسيزيد من احتمال المواجهة الفعلية بين القوى الموجودة هناك. فبدلا من ردع الرئيس التركي إردوغان، تغض بعض الدول الأوروبية ومن ضمنها ألمانيا النظر عن تصرفاته. من جهة أخرى قالت صحيفة "واشنطن بوست" إن موسكو من جانبها تأمل استغلال سيطرتها في الجو لفرض شروطها في مسألة وقف إطلاق النار ومفاوضات التسوية. وقد انتقدت تركيا والغرب مرات عديدة الهجمات التي تنفذها القوات الجوية الفضائية الروسية في سوريا. فقبل أيام أعلنت أنقرة أن هذه الهجمات تسببت في مقتل 14 مدنيا في مدينة إعزاز. غير أن موسكو رفضت هذه الاتهامات. وقال الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف، "نحن نرفض بشدة هذه الادعاءات" لأن لا أساس لها من الصحة. كما لم تتمكن واشنطن من تأكيد صدقية التصريحات التركية". وردت الخارجية الروسية على نفس هذه الاتهامات بأن تسوية النزاع في سوريا ستحدث بعد غلق سوريا حدودها مع تركيا، لأن الأسلحة والذخائر والمساعدات الأخرى والمرتزقة تصل الى سوريا عبرها. أي أن غلق الحدود سيمنع وصول كل هذا إلى سوريا، وهذا ما يثير غضب تركيا ويستدعي تهديدها للأكراد. وذهبت صحيفة "واشنطن بوست" إلى أن ما يقلق تركيا جدا هو تقدم وحدات حماية الشعب الكردي باتجاه حدودها، ولهذا أعلنت أن ردها سوف يكون قاسيا في حال استيلاء هذه الوحدات على مدينة أخرى بالقرب من الحدود.