لم يمنعها عمرها الكبير والتجاعيد التي ملأت وجهها ويديها، وضعف نظرها، من تحقيق حلمها، وتحملّت سخرية الناس منها، مُتجاهلةً كلامهم وصممّت على مواصلة سيرها في اتجاه حلمها الذي كان يراودها طوال 50 عامًا. الحاجة عز عبد الله جودة، 70 عامًا، من قرية زيد التابعة لمركز أبشواي، بمحافظة الفيوم، قررت مواصلة تعليمها بعد وفاة زوجها ولم يمنعها عمرها الكبير من تحقيق حلمها في التعلم، رغبةً منها في أن تحظى بنور العلم لكي تكون قادرة على فهم ما يدور حولها. وتؤدي عز امتحانات الشهادة الإعدادية بعدما تمكنت من محو أميتها ضمن أعمال مؤسسة "مصر الخير" لمحو الأمية وتعليم الكبار، وحصلت على الشهادة الابتدائية. تقول عز "أخرجني أهلي من الصف الرابع الابتدائي من أجل الزواج، فتزوجت وأنجبت 8 أبناء، ثلاثة شباب و5 بنات، وقمت بتربيتهم جميعًا، وتوفي زوجي منذ 25 عامًا، فقررت حينها أن أحقق حلمي خصوصًا بعد ما زوّجت كافة بناتي، ولكن ابني الصغير منعني بحجة أنّ الناس "هيتريقوا علينا وهتفضحينا على آخر الزمن"، ولكنني صممت على التعليم وقولت له "ملكش دعوة اللي يتريق يتريق هروح أتعلم يعني أروح أتعلم". وأضافت عز ل"التحرير" بعين دامعة أنها كانت دائمًا تخشى أن يُجبرها أحد على التوقيع على أوراق بيع منزلها أو أرضها دون أن تعرف على ماذا توقع، وذلك ما دفعها إلى الإصرار على التعلم فذهبت إلى الأستاذة نادية "مدرسة محو الأمية" لتطلب منها تعليمها والتي رحبت بالفكرة، وبدأت أتعلم وتجاوزت المرحلة الابتدائية ثم دخلت الإعدادية. وعبرّت عز عن رغبتها في مواصلة المرحلة الثانوية الفنية، لكي تحصل على الدبلوم سواء كان فني أو تجاري، قائلةً "المشروع بتاع محو الأمية بيقف بعد الإعدادية وأنا نفسي أكمل وآخد الدبلوم، أنا استحملت تريقة الناس عليا وكانوا بيقولوا ليا "بعد ما شاب ودوه الكُتّاب وعايزة أرد على تريقتهم بأني آخد الدبلوم". وأضافت عز "بحب برامج التوك شو، وخصوصًا منى الشاذلي لأني بحبها إعلامية جريئة وحلوة ومبيهماش حد ونفسي أبقى زيها بس خلاص بقى العمر راح"، مُعبرةً عن أُمنيتها في أن تلتقي الرئيس السيسي. على جانب آخر، أكدت الأستاذة نادية أنّ "عز" مُقبلة على التعليم، وأنّها دائمًا مُبتسمة وابتسامتها تمنحهم الأمل والتفاؤل، موضحةً أنّ "عز" ساعدتها في محو أمية عدد كبير من نساء القرية الذين اتخذوا منها قدوة، كما أنها كانت تُقنع أزواجهن بتركهن يذهبون للمدرسة من أجل التعليم، وتقول لأزواج رفيقاتها أنّ العلم نور وأنه سيساعدهن في تعليم أبنائهن ومذاكرة الدروس لهم بدلًا من إعطائهم دروس خصوصية. وأكدت نادية أنّ "عز" ذكية جدًا، كما أنّ خطها جميل، وأنها تتلقى العلم جيدًا، ولا تتغيب أبدًا بالرغم من تعبها بسبب وجع عينيها والذي يزداد مع شدة التركيز في الكتب.