استطاعت فتيات قنا رغم الظروف الصعبة التي تمر بها أسرهن أن يقهرن المستحيل. ويطلقن العنان لأحلامهن وطموحاتهن لتحقيق رغباتهن في التعليم بعد أن فاتهن القطار نتيجة عادة صعيدية موروثة تري خروج الفتاة - عيبا - وكذلك نتيجة انخفاض المستوي المعيشي لبعض الأسر. ومع بدء الدولة في تنفيذ مشروع محو الأمية. وجدت فتيات قنا أن الفرصة قد أتيحت لهن من جديد وبدأ الأمل يراود كل فتاة لتحقق حلمها ورغبتها. ومن أجل ذلك رفضن الخضوع لقيود مدمرة وعادات بالية واستطعن قهر المستحيل ليحققن نجاحات تستحق الإشادة بعد وصولهن إلي مدرجات الجامعة من خلال فصول محو الأمية. ليمثلن تجارب مضيئة في حياتنا. "المساء" التقت بعض هذه النماذج داخل محافظة قنا فكان هذا التحقيق.. النموذج الأول د. مبروكة مرسي عبدالرحيم ابنة قرية الترامسة بمركز قنا التي حطمت بإصرارها القيود المفروضة علي تعليم البنات في قريتها وقالت ل "المساء" إن العادات والتقاليد داخل القرية كانت تمنع أي أسرة من إلحاق الفتيات بالتعليم ومع مرور الوقت وإيمان أولياء الأمور بأهمية التعليم من ناحية. وانتشاره داخل القرية من ناحية أخري. كان سببا في تغير الأوضاع قليلا وحينما بدأت الدولة في تنفيذ مشروع فصول محو الأمية فكرت في الالتحاق بها وكان عمرها وقتها 10 سنوات وبعد محاولات عديدة استطاعت إقناع أسرتها بأن تلتحق بتلك الفصول خاصة أنها كانت متاحة داخل القرية وكان يقوم بالتدريس بها إحدي بنات القرية. وتستكمل قائلة: لم يكن هدفي سوي أن أجيد القراءة والكتابة. وظللت أدرس بفصول محو الأمية لمدة عامين. حيث إن مدة الدراسة لم تكن مقننة في ذلك الوقت ولما برز تفوقي الدراسي واصلت تعليمي بالالتحاق بالمرحلة الإعدادية وكانت دراستي بنظام "المنازل" في الصف الأول و"استماع" في الصفين الثاني والثالث. وقد عشقت القراءة والاطلاع بشكل ساعد علي تفوقي والتحاقي بالثانوي العام لأحصل في الصف الثالث علي مجموع 95% وأقرر بموافقة أسرتي الالتحاق بكلية الطب البيطري بجامعة جنوبالوادي. حتي أنهيت دراستي بتقدير جيد جدا ويقرر محافظ قنا تكريمي بتعييني داخل الوحدة البيطرية بقرية الترامسة. وقررت ألا أتوقف عند هذا الحد بل عقدت العزم علي استكمال الدراسات العليا. وبعد ذلك وجدت نفسي مدينة لبنات القرية ممن فاتهن قطار التعليم. فعقدت العزم علي مساعدتهن بإنشاء فصول لمحو الأمية داخل منازلنا لمساعدة من حالت ظروفهن دون استكمال دراستهن. ونجحت في محو أمية 130 منهن وغالبيتهن حققن تفوقا دراسيا ووصلن إلي المرحلة الجامعية. وتقول د. مبروكة: لقد سعدت بتكريم السيدة الفاضلة سوزان مبارك لي في احتفالية يوم الفتاة المصرية عام 2003م لتؤكد دعمها المتواصل للمرأة المصرية وتشجيعها علي الوصول إلي العالمية. النموذج الثاني سعيدة شحات جبريل ابنة قرية الجمالية بمركز قوص والتي استطاعت من خلال فصول محو الأمية أن تلتحق بكلية التربية. حيث قالت ل "المساء" إن السبب الرئيسي الذي كان حائلا بينها وبين الالتحاق بالمدرسة في السن الطبيعية هو فشل أختها الكبري في المدرسة. حيث إن والدها أصر علي عدم استكمالها التعليم بعد فشلها وإخفاقها المتكرر. ولما جاء دورها للالتحاق بالمدرسة رفضت أسرتها وقالوا "يعني انتي هتبقي أحسن من أختك". وأضافت قائلة: كان كل يوم يمر عليّ أشعر فيه بالظلم لحرماني من حقي في التعليم. وكنت أشعر بالغيرة القاتلة وأنا أشاهد أبناء القرية من الذكور والإناث وهم يذهبون إلي المدرسة وأتابع رحلتهم اليومية صباحا ومساء إلي أن بلغ عمري الثانية عشرة ففكرت في الالتحاق بفصول محو الأمية وأقنعت أسرتي بأن هدفي الوحيد هو إجادة القراءة والكتابة فقط. وحدث والتحقت بالفعل لمدة شهرين بأحد الفصول الذي يعمل فترة مسائية ولم أكن راضية عما يقدم بداخله من مستوي تعليمي وتأكد لي من البداية أنني إذا واصلت الدراسة بهذا الفصل فلن أحقق أي نجاح. وتضيف: بعدها قررت الالتحاق بفصل آخر بجوار المنزل وقضيت بداخله 8 شهور استطعت بعدها الحصول علي شهادة محو الأمية وغمرتني فرحة عارمة لتحقيقي للهدف بإجادة القراءة والكتابة. إلا أن طعم النجاح كان دافعا لاستكمال المسيرة. فالتحقت بالإعدادية بنظام "المنازل" وحصلت وقتها علي مجموع 203.5 درجة وكان هذا المجموع يؤهلني للالتحاق بالثانوي العام. ولما تقدمت بأوراقي كانت الصدمة بأنني لن أتمكن من الحضور لأن عمري كان أكبر من السن القانونية للالتحاق بالصف الأول "انتظام" ووجدت كافة الأبواب أمامي مغلقة وبسبب صعوبة مواد الثانوي العام رفضت الدراسة بنظام "المنازل" لأني في نفس الوقت لن أتحمل أعباء الدروس الخصوصية. والتحقت بالثانوي التجاري وكانت عزيمتي قوية جدا وأردت أن أحقق من خلال التعليم الفني ما حرمتني منه القوانين واللوائح التي تحكم الثانوي العام فحصلت علي 82% في السنة النهائية. ثم التحقت بعدها بكلية التربية بسوهاج شعبة المواد التجارية وتخرجت في عام 2009م. وكل أملي أن أحصل علي عقد عمل داخل مدرسة قوص الثانوية التجارية حتي لا يضيع جهدي طوال السنوات الماضية هباء. النموذج الثالث مني عبدالنعيم حسن ابنة قرية الكرنك بمركز أبوتشت تقول إن العادات والتقاليد القبلية كانت سبب حرمانها من التعليم. حيث إن الأسر كانت تعتبر خروج الفتاة للتعليم أو لغيره - عيبا - وفقدت الأمل في أن تصبح مثل الفتيات اللائي سمحت لهن أسرهن بالتعليم. إلي أن بلغت الثامنة عشرة من عمرها وفوجئت "بجارتنا" تزورها وتخبرها أنها قامت بافتتاح فصل محو أمية داخل منزلها وأقنعتها بالالتحاق به. إلا أن خجلها كان يمنعها. ولم توافق أسرتها إلا بعد التأكد من أن جارتهم تعيش داخل المنزل مع أخت صغيرة ووالدتهما فقط. فذهبت معها حتي استطعت أن أحصل من خلال فصول محو الأمية علي دبلوم صنايع. ثم بعد ذلك توفي والدي في عام 2005 وقضيت عاما كاملا داخل المنزل حزنا علي فراق أبي. وبعدها عدت لمواصلة التعليم فالتحقت بالمعهد العالي للحاسب الآلي بسوهاج. إلا أن المصاريف كانت مرتفعة للغاية بشكل لا يتناسب مع طاقة أسرتي. فقررت تركه لألتحق مجددا بمعهد آخر للحاسب الآلي بمدينة نجع حمادي أقل في التكاليف. إلي أن حصلت علي شهادتي الجامعية في 2008 وأنتظر قرار اللواء مجدي أيوب محافظ قنا بتوفير فرصة عمل تناسب مؤهلي. النموذج الرابع صفية مهدي محمود ابنة قرية العطيات بمركز دشنا والتي مازالت تدرس بكلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر - فرع سوهاج. قالت ل "المساء" إن والدها كان كثير السفر في المحافظات المصرية بحثا عن المال لمساعدتهم بسبب الظروف القاسية. وكان عمها هو الذي يتولي رعايتهم وإدارة شئون المنزل. ولما جاء وقت التحاقها بالمدرسة هي وشقيقها. قدموا أوراق شقيقها ورفضت الأسرة إلحاقها بالمدرسة بسبب رؤيتهم أن خروج البنت - عيب - في المقام الأول وبسبب مستوي معيشة الأسرة المتدني في المقام الثاني. وتضيف قائلة: مرت الأيام وبلغت الرابعة عشرة من عمري فأقنعت والدي بالالتحاق بفصل محو الأمية ولم يكن هدفي سوي أن "أفك الخط" وقضيت بها عامين كاملين ثم التحقت بعدها بالمرحلة الإعدادية وحصلت علي مجموع يؤهلني للالتحاق بالثانوي العام. إلا أن عمري كان أكبر من السن القانونية ورفضت الدراسة بنظام "المنازل" فقررت الالتحاق بالثانوية الأزهرية مع إصرار شديد علي استكمال المسيرة. ووقت دراستي بالثانوي الأزهري حفظت القرآن كاملا. ثم التحقت بكلية أصول الدين ومنها قمت بالتحويل لكلية الدراسات الإسلامية بسوهاج وكل طموحي أن أصبح أستاذة جامعية وأن أنفع الناس بما أتعلم. وهناك العديد من النماذج داخل محافظة قنا مثل نادية مغربي محمد من مركز نجع حمادي. قهرت التقاليد الصعيدية الموروثة داخلها وأطلقت لطموحها العنان حتي حصلت علي ليسانس دار العلوم عام 2006م بتقدير جيد من جامعة المنيا ويقرر اللواء مجدي أيوب محافظ قنا تعيينها بالهيئة القومية لمياه الشرب والصرف الصحي. وغيرها من اللائي قبلن تحدي الصعاب بجد ومثابرة وحولن ظلام الجهل إلي نور العلم مثل مديحة محمود أبوالسعود معلمة فصول الصحة الإنجابية التابع للهيئة العامة لمحو الأمية وتعليم الكبار بمركز نقادة. والطالبة صفاء حمدان بكلية التربية بقنا وتعمل جاهدة من أجل الارتقاء ببنات قريتها ومحو أميتهن. وهدي كامل محمد سلام من مركز قوص التي حصلت علي بكالوريوس التربية جامعة القاهرة من خلال فصول محو الأمية. ومني كرار حميد من مركز قفط والتي حصلت علي بكالوريوس حاسب آلي بعد أن بددت ظلام الجهل بنور العلم بالتحاقها بفصل محو الأمية.