«ما أصعب أن تحرم من نعمة وتجد أقرانك ممن فى عمرك يتمعتون بها ويكون العائق أمامك «هو فكر بعض الأسر فى الأرياف وصعيد مصر بمنع أبنائهم وخاصة الفتيات من التعليم بحجة أنهن سوف يتزوجن ويجلسن فى البيت!! لا داعى للدهشة فهذا الأمر مازال واقعاً مريراً يعانى منه العديد من الأبناء فى هذه الطبقات، وقد يكون العائق أمام حلم التعليم هو «فقر الأسر» مما يجعلها تحرم أبناءها من التعليم من أجل العمل و«لقمة العيش» فهؤلاء عاشوا مرارة الحرمان ناهيك إذا كانوا فى أفقر محافظات مصر يتواكب مع ذلك حرمانهم من الخدمات الاجتماعية والاقتصادية الأخرى... يالها من حياة قاسية يعيشها هؤلاء الأناس». هؤلاء الفتيات والرجال قرروا كسر حاجز الحرمان من التعليم من خلال ذهابهم إلى فصول محو الأمية التى دشنتها مؤسسة مصر الخير من خلال إطلاق مبادرة محو الأمية للكبار على مستوى محافظات «القاهرة والجيزة والفيوم وبنى سويف والمنيا وأسيوط وسوهاج وأسوان» بالتعاون مع الهيئة العامة لتعليم الكبار، وتعتبر هذه أول مبادرة من نوعها من خلال التنسيق بين المجتمع الأهلى والجهات الرسمية حيث تبلغ تكلفة المشروع 11 مليون جنيه. ويكفى أن نعرف أن آخر تقرير رسمى صادر عن الهيئة العامة لتعليم الكبار أوضح الآتي: «عدد الأميين بلغ 17 مليون مواطن وأن 64% منهم بالمناطق الريفية و69% من نسبة الأميين من الإناث ويوجد 2,8 مليون أمى فى الفئة العمرية من «15 إلى 45 سنة» ناهيك عن أن فشل جهود محو الأمية خلال الفترات السابقة لأنها كانت مقتصرة على الجهود الرسمية فقط دون أى تعاون مع جهود المجتمع المدنى والجمعيات الأهلية. «زوجى شجعنى» البداية كانت مع سيدة متزوجة من «أبشواى محافظة الفيوم» ذات الملامح المصرية السمراء والتى يبدو عليها أنها فى أواخر العقد الثالث من عمرها إنها «أحكام على عبدالله» لديها 4 أبناء «أكبرهم فى الصف الثالث الإعدادى، الثانى فى الصف الخامس الابتدائى، الثالث فى الصف الثالث الابتدائى، أما الطفل الصغير فيبلغ من العمر عامين ونصف وبدأت تتحدث معى بكل تلقائية قائلة «إننى على الرغم من كونى متزوجة ولدى أبناء فهذا لم يكن عائقاً فى أن أفكر فى التعليم والالتحاق بفصول محو الأمية». وسألتها لماذا فكرت فى هذا الأمر؟؟ فلم تتردد فى الإجابة، وقالتها بمنتهى التفاؤل «كان نفسى أتعلم وأكون زى أصحابى وأنا صغيرة، ولكن كنا من أسرة لا تمتلك من الأموال ما يساعدنا أنا وأخواتى على التعليم، إلى أن عرفت بفصول محو الأمية التابعة لمؤسسة مصر الخير فى قريتى ففرحت وأردت أن أتعلم... ثم ابتسمت وقالت لى «زوجى أيضاً شجعنى على الذهاب لهذه الفصول وقالى «إنتى هتفيدى نفسك وكمان أولادك». وماذا فعل أولادك عندما عرفوا أنكِ تريدين الذهاب إلى فصول محو الأمية؟؟ فردت وهى ضاحكة «كانوا فرحانين جداً.... فلقد كنت أقف عاجزة أمامهم عندما يكون كل واحد عنده واجب مدرسى ويسألوننى عن حاجة ولا أستطيع أن أرد عليهم». وعندما سألتها فى النهاية «إنت نفسك فى إية» ردت بكل فرحة «نفسى أخلص شهادة محو الأمية وربنا يقدرنى وأدخل الإعدادية وآخذ شهادة مثلاً زى الدبلوم. عايز أتعلم علشان أستفيد «جمعة محمد عبدالحميد» من محافظة بنى سويف متزوج ولديه 4 أبناء جميعهم فى التعليم، سألته لماذا التحقت بفصول «مصر الخير لمحو الأمية» رد قائلاً «لأننى عرفت ناس أخرى التحقت بهذا المشروع واستفادت منه فأردت أن ألتحق به لكى أتعلم وأستفيد». وقال: «إن جميع أبنائى فى المدارس الآن ثم سكت قليلاً.... وقال: لقد حرمت من نعمة التعليم وأريد ألا أحرم أبنائى من هذه النعمة». وعندما سألته هل التحقت بأى مدارس من قبل قال «إننى خرجت من المدرسة وأنا فى سنة أولى إعدادى وكنت فى سن المراهقة ولم يكن لدى رغبة فى التعليم». أنا وأختى التحقنا بفصل محو الأمية «جهاد احمد» فتاة شابة تبلغ 17 عاما تعيش فى إحدى قرى محافظة الفيوم والتى عرفت عن هذا المشروع عن طريق بعض الإعلانات عنه فى التليفزيون ومن أصحابها.. وسألتها هل درستى فى المدرسة؟ فقالت نعم ولكن خرجت منها بعد المرحلة الابتدائية ولم أكمل. وسألتها لماذا التحقتى بفصول محو الأمية فقالت لى «لقد حرمت من أن أكون مثل زملائى أتعلم وأعرف ماذا يحدث من حولى وعندما جاءت لى الفرصة بأن أتعلم ولا يكون على أى أعباء مادية سواء بالنسبة لى أو لأسرتى، فقررت الالتحاق بها». أولادى مبسوطين لأنى هتعلم «عفاف سيد عنتر» أرملة منذ 6 سنوات، وتبلغ من العمر 35 سنة، فهى تعمل من أجل توفير لقمة العيش لأبنائها الأربعة، حيث تعمل فى بيع الملابس لأهل قريتها فى أبشواى بمحافظة الفيوم. وقالت عفاف إننى أدرس بفصول محو الأمية منذ أن تم افتتاحها فى شهر يونيو الماضى «وبما أننا فى الأرياف فالناس بتقول لبعضها ونعرف بأن هناك فصولا جديدة لمحو الأمية. فقررت الالتحاق بها وفرحت جداً عندما ذهبت إليها لأنها سوف تفيدنى فى شغلى وتفيد أولادى. وقالت: «إن أولادى مبسوطين لأننى سوف أتعلم كما أنهم ساعدونى على أن أكتب اسمى». متزوجة حديثاً وترغب فى الدكتوراة «صابرين أبو الوفا» وجه شبابى ذو ملامح مشرقة يملؤه البشاشة، وتبلغ من العمر 18 سنة من محافظة الفيوم، ومتزوجة حديثاً منذ بضعة أشهر قليلة. وعندما سألتها كيف عرفت عن هذا المشروع؟ عرفت من أصحابى وذهبت معهم وهذا ما شجعنى. ولماذا تريدين أن تتعلمى قالت «لكى أقرأ وأكتب وحتى لا أمضى على ورق يضرنى ولكى أستطيع أن أعلم أولادى فيما بعد وأفتخر بهم ويكونوا أولاد كويسين». وأضافت إننى أذهب إلى فصول محو الأمية ساعة أو ساعتين يومياً فى فصل قريب من البيت. وعندما سألتها ما الذى ترغبين فيه بعد الانتهاء من محو الأمية قالت لى «إننى أرغب أن أستكمل دراستى بعد ذلك وأكون حاجة حلوة ونفسى أحصل على الدكتوراه. وعندما سألتها هل زوجك متعلم قالت «إن زوجى أيضاً غير متعلم ولكنه استطاع أن يحصل على شهادة محو الأمية ويعمل حالياً سائقا». أتعلم حتى أفهم ما يحدث وتقابلنا مع فتاة أخرى تبلغ من العمر 21 عاماً من محافظة الفيوم وتدعى زبيدة مرتضى، قالت لى إننى لم ألتحق بالمدرسة على الإطلاق على الرغم من أن كل أخواتى البنات التحقن بالمدرسة ماعدا أنا، وذلك لظروف خاصة لم تمكنى من الالتحاق بالمدرسة، وعندما سمعت عن فصول «مصر الخير لمحو الأمية» «فقلت لازم أروح وأتعلم علشان لا أمضى على أى ورقة بالخطأ ويتم استغلالها وأتعلم حتى أفهم ما يحدث من حولى». وتقول منى يوسف رئيس مجلس إدارة جمعية السيدة خديجة النسائية للتنمية فى الفيوم إننا كجمعيات بمحافظات مصر نعمل مع مصر الخير، لافتة إلى أن المشروع بدأ فى محافظات الصعيد لأنها الأكثر احتياجاً وقالت إن المنهج المعتمد هو منهج «اتعلم اتنور» والمعتمد من الهيئة العامة لتعليم الكبار وطلبت منى بضرورة وجود حافز للدارسين فى محو الأمية لمساندتهم فى ظروفهم الاقتصادية لأنهم يعتبرون من الأسر الأشد فقراً واحتياجاً. وتقول عبير عبدالفتاح «مدير مشروع المبادرة بمحو الأمية بمؤسسة التنوير بالفيوم» إننا نعتمد فى فصول محو الأمية فى هذا المشروع على مناهج متعددة وليس منهج الحفظ والتلقين، حيث تتعاون الجمعيات المنتشرة بالمحافظات مع مؤسسة مصر الخير فى محو أمية السيدات والرجال. وأشارت إلى أن الفئة العمرية الأكثر التحاقا بهذه الفصول هى من 15 إلى سن 25 سنة من السيدات وتكون مدة الدراسة فى فصول محو الأمية 6 شهور. وأكد الدكتور على جمعة، مفتى الجمهورية رئيس مجلس أمناء مؤسسة «مصر الخير» أن «محو الأمية فى رقبتنا جميعاً وعيب علينا أن يكون بيننا أمى واحد» فى الوقت الذى تتواجد فيه بلدان كثيرة مثل روسيا وأمريكا واليابان لا يوجد بها أميون، داعياً جميع مؤسسات الدولة إلى التكاتف لتحقيق هذا الهدف ليكون ذلك فى ميزان حسناتنا جميعاً. وأضاف المفتى إن المبادرة التى نعلنها بدأت فعلياً من خلال تعليم 52 ألف شخص فى 6 أشهر وينتظرون خلال أيام إجراء الاختبارات لهم والمعتاد للنتيجة أن تكون من 50% إلى 60% والذى نتمناه من 70% إلى 80%، وأضاف أن هذه المبادرة بجانب محوها الأمية ساهمت فى توفير فرص عمل ل 4 آلاف شاب وشابة ومنحتهم فرص تدريب تؤهلهم لسوق العمل. وكشف الدكتور أحمد جمال الدين موسى، وزير التربية والتعليم عن إن سبب فشل الحكومة فى محو الأمية حتى الآن يرجع إلى اعتمادها فقط على جهودها دون معاونة منظمات المجتمع المدنى، مضيفاً أن هذا المشروع يحتاج لتكاتف كل الجهود والمبادرات الأهلية. وأشار «موسى» إلى وجود 25% من المصريين محرومين من التعليم بما يعادل 17 مليون مواطن أمى، من بينهم 69% من الإناث و64% فى المناطق الريفية، 2,8 مليون أمى فى الفئة العمرية من 15 إلى 45سنة. معبراً عن إعجابه بمبادرة «مصر الخير» لكونها ركزت على السيدات والمناطق الأكثر احتياجاً فى الصعيد. فضلاً عن تبينها لمدرسة المتفوقين للعلوم والتكنولوجيا.