إن كان من الممكن أن ينتصر نوع أدبي بكثرة إصداراته، فيُمكن اعتبار 2015 عامًا للشعر بامتياز، إذ شهد إصدار عشرات الدواوين في حركة غير مسبوقة بسوق النشر رصدتها «التحرير»، وفي السابق كان أغلب الناشرين يهربون من الشعر «لأنه يخسر». «دار ميريت» لصاحبها محمد هاشم، نشرت ما يزيد عن 10 دواوين، وكان عدد إصدارات الدار من الشعر لا يتجاوز نصف هذا العدد، وهو ما علق عليه هاشم قائلًا: «هناك طفرة حقيقية في التوجه للشعر سواء من القراء أو بعض الناشرين، لكن هذا لا يكفي لأن أغلب دور النشر ذات الميزانيات الكبيرة يهربون من الشعر». وأضاف: «للأسف الشعر لا بيبيع ولا يكسب، خاصة أن الدار تقدم أسماء جديدة، لكننا أصدرنا ما يزيد عن 10 دواويين هذا العام؛ لأننا نؤمن أن الدار لها دور آخر وهو مساندة أشكال الإبداع كلها". «دار العين» لصاحبتها فاطمة البودي قفزت إصداراتها من 5 دواوين العام الماضي إلى 11 ديوانًا هذا العام، وأكدت البودي أن عناوين الشعر زادت بالفعل هذا العام في الدار وأغلب دور النشر، مضيفة: "للأسف الشديد بالرغم من الانتعاش الكمي في إنتاج الأدب من الرواية والقصة إلا إن الشعر ليس عليه إقبال". وتابعت: «مع ذلك أضع رهانًا بيني وبين نفسي على الشعر، فهذا العام هو عام الشعر، لأن الهموم زادت واليأس يجتاحنا، وبتنا في حاجة للشعر؛ لأن الواقع فاق الخيال في الرواية أو القصة وصار المتنفس هو القصيدة". وتقول البودي: "الشعر هو الحلم، والناس بدون الحلم ستموت، وإذا استمر عزوف الناشرين عن الشعر، فهل نترك هذا الفن الراقي ليموت؟". وأوضحت: "أقدمنا على نشر الشعر أكثر هذا العام لنكسر هذه الحلقة المفرغة، وإن كنا نتحايل على الخسارة بالاتفاق مع الكاتب أن يشتري بعض نسخ ديوانه، هذا الشرط لا يعني أن تتنازل «العين» عن القيمة الفنية والتي لابد أن تحافظ عليها الدار". وتلجأ دور النشر لترويج كتبها والتحايل على تعويض ما يفقده الشعر مطبوعا، بالأمسيات والقراءات الشعرية في المعارض والمراكز الثقافية، وتقول البودي: "ما إن يسمع الناس قصيدة في التليفزيون أو في مركز ثقافي، حتى نجد المكتبات تطلب الديوان". في مقابل محاولات «العين وميريت» وغيرها لإنعاش سوق الشعر تتراجع دور نشر كبيرة عن نشر الشعر، فلم تصدر دار الشروق خلال هذا العام، إلا كتابًا واحدًا للشعر هو "شارل بودلير"، وفي العام الماضي نشرت ديوان "مانيفستو" للشاعر مصطفى إبراهيم بالعامية، أما «المصرية اللبنانية» فلم تنشر ولا ديوان، واكتفت بدراسة شعرية أعدها الشاعر الكبير فاروق شوشة. فكرة الطفرة لم ترق الشعراء، فهذه الطفرة من وجهة نظر الشاعر محمد خير انحصرت في مجال نوع واحد من الشعر، وقال خير: "كثير من دور النشر تطبع ما هو أقرب إلى الأزجال منها إلى الشعر، أما القصيدة المصرية الجديدة، أقصد في تطورها التاريخي الذي انتهى إلى شعر النثر والقصيدة الحرة، لا زالت تواجه صعوبات في النشر". وأضاف: "حين أقول الزجل وهو لا يعد شعرًا بالضبط، ولا أقصد هنا أن أقول أدنى من الشعر، بالتالي إقبال الناشر على طباعة هذه الدواوين الزجلية لا يعد إقبالًا على الشعر قدر ما هو رغبة في المكسب". بالمثل يؤكد الشاعر عبد المنعم رمضان أن الناشرين يعتذرون عن نشر الشعر، ويقولون أنهم مستعدون لنشر الروايات والسير الذاتية والكتب السياسية لكن الشعر يخسر، ويقول :"هذه الجملة سمعتها كثيرًا"، لكن ومع كثرة الإصدارات التي لا ينكرها رمضان لم تبرز أسماء جديدة في الأوساط الشعرية. وأضاف رمضان: "على كثرة الدواوين البارز منها قليل، ليس هناك يعد بأنه إذا استمر سيكون شاعرًا كبيرًا". وتوافقهما الرأي الشاعرة غادة خليفة، وتذكر أنها لا تذكر من دواوين العام الماضي إلا ديوان أو اثنين، وتقول "لا أرى طفرة في العام 2015، فما زالت هناك الكثير من الدواوين الجميلة التي لا تجد طريقها للنشر"، غادة بعكس خير ورمضان تؤكد أنه ليس صحيحًا أن دور النشر تهرب من الشعر، فالكتابة الجيدة تفرض نفسها بغض النظر عن التصنيف الأدبى وعدد دواوين الشعر التي تنشر يقول إن دور النشر تعرف كيف توزعه وتكسب منه كبقية الكتب. ويواجه نشر الشعر عدة أزمات أبرزها من وجهة نظر خير أن الشعر فن سماعي بالأساس والأهم أنك لست مضطرا أن تشتري ديوانًا لتعرف شاعر ما، فقد تسمع له قصيدة في الندوات أو تقرأ له قصيدة هنا أو هناك، على عكس الرواية مثلًا التي لا بد من حيازتها كاملة للاستمتاع بها، الأمر الذى يجعل الناشر مترددًا في مسألة طبع الشعر، فبالنسبة له أن يربح أو ألا يخسر على الأقل، وهو أمر مشروع، ولو أقبل الناس على الشعر لطبع كل الناشرين شعرًا. أما رمضان فيرى أن أزمات الشعر بدأت من هجرة الشعراء إلى السرد حيث الجوائز السخية، ويقول: "الكتابة تنتقل من الشعر إلى الرواية وهذا أمر لا يمكن إغفاله فكل شخص عنده حكاية تغويه أن يكتبها، لكن ليس كل شخص شاعر وعنده قدرة على كتابة الشعر، فالشعر له قواعد وقوانين قد تكون أكثر صرامة من الرواية والهرب منها يغري بكتابة رواية". ويشن رمضان هجومه على الرواية قائلا : "الرواية هى الفن الأكثر يسرًا ورواجًا والمتلائم حتى مع انحطاط التعليم والثقافة وتدهور اللغة، وليس أدل على ذلك من أن أغلب كتاب الرواية لا يجيدون اللغة العربية ومعظم الروايات هي في الأساس تخريب للغة العربية".