إبراهيم عبد المجيد: الخراط أيقونة من أيقونات الثقافة العربية علاء خالد: مشروع الخراط الأدبي موازٍ لرباعية داريل اكتملت تفاصيل اللوحة السكندرية التى رسمها الكاتب الكبير إدوارد الخراط على مدار حياته برحيل صاحبها أمس الثلاثاء. واللوحة التى ظل ينسج الخراط خطوطها منذ أن أصدر عمله الأول "الحيطان العالية –مجموعة قصصية" فى الخمسينات، ثم روايته "رامة والتنين"، ليحفر هوية قبطية سكندرية ذات خط فني فريد ومغاير لكل أبناء جيله لم يتخل عنه حتى الممات. الشاعر والروائى السكندرى علاء خالد يقول إن أهمية الخراط الكبرى فى أنه صنع مرجعا موازيا لإسكندرية لورانس داريل، غير أن إسكندرية إدوارد كانت بعيون وروح عربية ذات طابعا شعبى ومزيج قبطى هو جزء من هوية إدوارد لم يحاول إخفاءه أو التملص منه. يؤكد علاء أن الخراط تميز بلغة ذات أبعاد فلسفية مركبة، فقد كان ضد التبسيط، ربما كان ذلك بسبب بناء إدوارد الثقافى والسياسى، إذ دخل إدوارد العمل السياسى فى منتصف الأربعينيات مع الحركة الوطنية الثورية في الإسكندرية عام 1946 واعتقل في 15 مايو 1948م في معتقلى أبو قير والطور. وتصدى الخراط لمعارك فكرية عدة إذ رفض فكرة الكتابة الواقعية التى سادت كتابات أبناء الستينيات بل وحتى كتابات أيقونة الأدب العربى نجيب محفوظ. ويقول علاء: "إدوارد اختلف عن كتاب جيله بسبب أبطاله الأقباط، فاختار أن يكتب حياته الخاصة وعالمه ولم يتراجع عن ذلك أبدا، لكنه صنع وصفته الخاصة وكتب هذا العالم دون تحيز، كذلك اختار الموضوعات الذاتية، ولم تلتفت أعماله للصراع الاجتماعى والطبقى وهى المعركة التى شغلت أغلب كتاب الستينيات، على النقيض ذهب إدوارد إلى قضايا الوجود الذاتي وأسئلة فلسفية". الفرادة التى أكدها أيضا الكاتب الروائى إبراهيم عبد المجيد قائلا: "الخراط كان أيقونة من أيقونات الثقافة العربية، وأحد المجددين الكبار منذ بداياته الأدبية، ففى كتاباته على مستوى البناء الفنى واللغة والموضوعات والشخصيات عالما مغايرا، وليس هذا فقط بل إنه كان أحد أهم منظرى الكتابات الأدبية الجديدة والأجيال الأدبية التالية عليه". وعمل الخراط بمنظمة تضامن الشعوب الإفريقية والآسيوية في منظمة الكتاب الإفريقيين والآسيويين من 1959 إلى 1983، إذ تولى منصب مدير تحرير مجلة اللوتس الصادرة عن المنظمة ، وتعرض للنقد والهجوم من أبناء جيله "المتحزبون" بتعبير علاء خالد، وذلك بسبب قربه من الكاتب الراحل يوسف السباعى رئيس تحرير المجلة، لكن أداء الخراط نفسه داخل المجلة كان ثورة فى حد ذاته، إذ سرعان ما تحولت المجلة لنافذة للكتاب الشباب وقتها ونافذة لقصيدة السبعينات فى مواجهة تصلب أصحاب القصائد العمودية. وقدمت مجلة اللوتس عدد من الوجوه الأدبية وانحازت لما أطلق عليه إدوارد "الكتابة عبر النوعية" أى مزج النص الأدبى بين أكثر من نوع من الأنواع الأدبية، وهو ما يقول عنه علاء: "أهمية الخراط كمنظر وناقد ومفكر لا تقل عن أهميته ككاتب وروائى، فقد أثر فى الحياة الأدبية المصرية بدعمه لهذا النوع الأدبى الجديد وقتها، صحيح أنه لم يؤرخ لهذا المصطلح الأدبى، لكنه خاض من معارك كثيرة للدفاع عنه فى عدة مقالات صدرت بعد ذلك فى كتاب بنفس العنوان". الدفاع عن كل جديد كان عنوان حياة إدوارد الفكرية، وهو بالضبط ما فعله حين أسندت له مجلة الكرمل -كان يصدرها الشاعر الراحل محمود درويش- اختيار عدد من الأصوات الشعرية الجديدة فى مرحلة السبعينات، فاختار قصيدة النثر للدفاع عنها والتصدى لمعاركها، وصار الملف بعد ذلك مرجعا للقصيدة الجديدة وقتها. وتفرغ الخراط خلال حقبة الثمانينيات للكاتبة في مجالات عدة منها القصة القصيرة والنقد الأدبي والترجمة، وفاز بجائزة الدولة لمجموعة قصصه "ساعات الكبرياء" في 1972. وأنتجت تلك الفترة عدة مجموعات قصصية منها "اختناقات العشق والصباح"، و"ترابها زعفران"، و"أمواج الليالي"، و"إسكندريتي/ كولاج قصصي"، وكذلك من الروايات "الزمان الآخر" و"الغجرية ويوسف المخزنجي" و"تباريح الوقائع والجنون" و"محطة السكة الحديد" و"أضلاع الصحراء" و"يا بنات إسكندرية" و"مخلوقات الأشواق الطائرة" و"حجارة بوبيللو" و"رقرقة الأحلام الملحية" و"أبنية متطايرة" و"حريق الأخيلة" و"اختراقات الهوى والتهلكة" و"طريق النسر". وحصل الخراط على جائزة الدولة التشجيعية ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى عام 1973. والتف حول الخراط عدد من كتاب السبعينات والثمانينات والتسعينات وصار عرابهم، تبنوا تصوراته حول اللغة والثقافة والكتابة، حتى أن بعضهم ظل يعقد صالونا أدبيا ببيته فى الإسكندرية. ويحكى علاء: "كأى تجربة فنية تصل إلى ذروتها؛ اكتمل الخراط فى منتصف الألفينيات وكان قد منح كل ما لديه، بعدها انعزل الخراط بفعل المرض وتجاوز الزمن لجدلياته وأطروحاته، ثم اختفى من المشهد الثقافى فيما عدا إطلالات بسيطة".