فشل سياسات المواجهة الأوروبية والأمريكية! أين الخطأ فى التعامل الدولى والإقليمى مع ظواهر الإرهاب العولمى، وعلى رأسه داعش والنصرة وأشباههما ونظائرهما فى الإقليم العربى؟ هل الخطأ يمكن في الخلل في النظام الدولي المعولم، والعولمة وما بعدها؟ هل الخطأ في السياسة البريطانية التاريخية في دعم الجماعات الإسلامية – الأخوان ونظائرها – في مواجهة الحركات الوطنية الاستقلالية التحررية كالوفد قبل ثورة يوليو 1952؟ هل الخطأ في استعارة أمريكا ومؤسساتها تقاليد الاستشراق البريطاني إزاء الإسلام والحركات التحررية العربية؟ هل الخطأ كما يلوح جلياً في سياسات أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا إزاء الإرهاب؟ هل الخطأ في توظيف هذه الدول للجماعات الإرهابية وداعش في محاولة تغيير الخرائط الجيو – سياسية، والجيو – دينية والمذهبية في المنطقة؟ هل الخطأ في إخفاق سياسات الاندماج الداخلي في فرنسا، والعنف والنبذ الاجتماعي الذي يمارس ضد سكان الضواحي من ذوي الأصول المغاربية والعربية والأفريقية من المسلمين وغيرهم؟ هل الخطأ في بعض الإقصاءات الاجتماعية في فرنسا؟ هل هو سعي بعضهم من الفرنسيين والأوروبيين نحو البطولة في مواجهة عالم يشوبه الظلم والعنف وعبادة الاستهلاك الوحشي؟ هل هو تعبير عن غياب السرديات الكبرى، هل بحث عن مثل أعلى آخر بديل؟ هل الخطأ في المذهبية المسيسة في الإقليم المدعومة من دول الجوار الجغراف العربي، وبدعم غربي/ أمريكي / فرنسي / بريطاني؟ هل هي تعبير عن إخفاق سياسة الإدماج البريطانية والألمانية؟ لماذا الازدواجية في المعايير الغربية إزاء الدائرة العربية الإسلامية في عالمنا العربي؟ لماذا هذا الانقلاب في علاقات الولاياتالمتحدة وإداراتها إزاء حلفاءها السابقين؟ هل الخطأ يكمن في طواقم خبراء المنطقة من المستشرقين الفرنسيين والبريطانيين والأمريكيين والألمان والأسبان والإيطاليين الذين ظلوا لعشرين عاماً ويزيد يطالبون بدعم التيار الإسلامي في بنية الأنظمة السياسية في دول المنطقة؟ هل هؤلاء الخبراء يدافعون عن أنفسهم ومصالحهم ودورهم واستشاراتهم طيلة المرحلة الماضية من خلال تأثيرهم النسبي في صنع قرارات السياسة الخارجية إزاء مصر وسورياوالعراق وليبيا وتونس ... إلخ؟ هل مكافحة الإرهاب تتم من خلال الضربات الجوية الفاشلة؟ أم بضرورة التحرك الجماعي المنظم والمنسق، والحركة على الأرض إزاء داعش والنصرة وغيرها؟ هل الوحشية الداعشية ونظائرها وأشباهها هي نتاج لفشل استراتيجيات مواجهة الإرهاب؟ هل الخطأ في هذا العالم المعولم ومظالمه المفرطة إزاءنا، وتهميش مصر وعالمها العربي؟ هل هذا الموت الوحشي المفتوح في سورياوالعراق وليبيا .. إلخ هو موت عادي، وعذاب يومي لا يُأبه به، وموت بعض الأوروبيين يقيم العالم ولا يقعده؟ الموت، والعذاب، والألم والوحشية واحدة ومرفوضة، ولكن الخطأ في عدم مواجهة مصادره الأساسية في كل مناطق عالمنا؟ والموت والألم والعذاب مرفوض تماماً، ويجب مواجهته دون تمييز؟ متضامنون مع فرنسا؟ ومن ثم يجب أن تتضامنوا معنا؟ والسؤال لا يزال أين الخطأ؟! ثمة فشل لا تخطئه العين الخبيرة بشئون الإرهاب فى توظيف بعض دول الإقليم –تركيا- فى التعامل معه من خلال منظور ينطوى على إبعاده عن الأمن الداخلى لها، ومن ناحية أخرى السماح له بأن يكون مصدر إنهاك شديد لإيران والمكونات الشيعية فى المنطقة العربية؟ وتوظيفه لخلق توازن سياسى داخل العراق الهش بعد الاحتلال الأمريكى، واضطرابه الداخلى، وعدم قدرة النظام السياسى الجديد- المدعوم أمريكيا وإيرانيا- على السيطرة على الأراضى العراقية، وفشل محاولاته لاستعادة السيادة عليها لأنه أسس على بعض القواعد التمييزية المذهبية، على نحو خلق حواضن اجتماعية لداعش والنقشبندية، وفلول جيش ومخابرات وحزب البعث العراقى الذين انضموا إلى داعش دفاعاً عن وجودهم وحضورهم السياسى والمذهبى على خريطة العراق. السياسة التركية والإيرانية- على تمايزهما فى بعض المحاور والهوامش- يرميان إلى مدّ نفوذهما داخل الجسد العراقى على نحو مذهبى، والأخطر وراثة العراق الموحد من خلال دويلات واقعية، تحول دون أية أدوار مستقبلية للعراق الدولة والمجتمع، فى حراسة الجبهة العربية الشرقية. السياسة التركية – العثمانية الجديدة- تريد استعادة الحلم الإمبراطورى التاريخى – بدعم أمريكى وأوروبى- للحيلولة دون انضمامها إلى الاتحاد الأوروبى. من ثم تشكل السياسة التركية معول هدم للفكرة العربية الجامعة من خلال بناء محاور مع قطر والسعودية ودعمهم لجماعة الإخوان المسلمين وتوظيف عنف الدولة الإسلامية الوحشى إزاء سوريا، لإضعافها والسعى إلى تفكيكها إلى دويلات أن أمكن، أو على الأقل تغيير النظام ليأتى نظام موالٍ لها ولسياساتها الإقليمية. إيران- قبل وبعد الاتفاق النووى الأخير- تحاول بدعم أمريكى أن يمتد نفوذها الإقليمى إلى كافة منطقة الخليج والمشرق العربى من خلال حضورها القوى فى العراق ودفاعها عن النظام السورى، ودعم حزب الله فى لبنان، والحوثيين فى اليمن، والمكون الشيعى فى السعودية ودول الخليج؟ الولاياتالمتحدةوفرنسا وبريطانيا سياساتهم انتقائية وكل دولة توظف داعش، وتواجه الإرهاب لكن وفق أهدافها فقط لا مواجهة شاملة لجذوره ومصادره وجماعاته فى الإقليم العربى. لا يوجد تنسيق وتكامل فى جهود المواجهة، وخشية من التحرك على الأرض ومواجهة داعش والنصرة وغيرها على الأراضى السورية والعراقية، أو فى ليبيا. من هنا محاولة الولاياتالمتحدة – وحلفاءها الأوروبيين- استخدام بعض الجيوش العربية فى مواجهة داعش فى سورياوالعراق وإبعاد مخاطر العمل الإرهابى عن أراضيهم! خذ السياسة الفرنسية –وأخطاءها فى الإقليم- فى ليبيا من الضربات الجوية الانتقائية -مع الولاياتالمتحدة- دون رؤية شاملة لمواجهة تنظيم الدولة، والسلفيين الجهاديين فى ليبيا دونما مواجهة شاملة، وإنما تدخلت فقط فى مالى لأنها من مناطق النفوذ التاريخى الفرنسى. لماذا لا يعاد النظر فى سياسات الاندماج الداخلى، وبحث أسباب إخفاقها إزاء الأجيال الجديدة والشابة فى المجموعات الإسلامية والعربية من الفرنسيين؟ لماذا تركت الساحة الداخلية لتمدد السلفية الجهادية وأيديولوجيتها ضمن بعض شباب الضواحى؟ هل السبب يكمن أيضاً فى بعض الاتجاهات العنصرية المتطرفة لدى بعض الفرنسيين وتحريض اليمين المتطرف –الجبهة الوطنية مثالاً- السياسى والثقافى إزاء الفرنسيين من أصول عربية ومغاربية وإسلامية وأفريقية وآسيوية؟ أعتقد أن العملية الإرهابية الأخيرة بعد مرور عشرة أشهر ويزيد على عملية "شارل إبدو" تشكل لحظة حقيقة على فرنساوالولاياتالمتحدة وبريطانيا وألمانيا أن تقف بروية أمامها بعد هذا الإرهاب الوحشى المؤلم، فى حادثة هى الأخطر فى أوروبا منذ أربعين عاما مضت. ثمة فشل أمنى واضح فى مواجهة هذا النمط الإرهابى لا يحتاج إلى محاججة؟ وقصور فى أساليب متابعة عمليات التجنيد، وفى كشف الخلايا والذئاب النائمة فى فرنسا وأوروبا؟ ثمة ضعف فى السياسة الفرنسية إزاء حركات الإسلام السياسى عموماً، ناتجة عن الخلل فى تقاليد العمل الخبراتى الذى يقدم من المستشرقين الفرنسيين من خبراء الدولة وأجهزتها الأمنية والاستخباراتية؟ ثمة قصور فى رؤية اليسار الفرنسى- فى السياسة والثقافة والاستشراق- إزاء الجماعات الإسلامية السياسية لا تخطئه العين؟! ثمة ضعف يبدو من بعض مستشارى الخارجية والداخلية والمكتب الثانى على مستوى الرؤية وتحليل المعلومات، وبعض قصور فى البنية المعلوماتية المتاحة وطرائق تحليلها؟ وثمة قصور فى التأهب وعدم توقع لنمط جديد فى العمليات الإرهابية متزامن، وفى أكثر من منطقة لخلق حالة من الفزع والرعب والخوف العام، والأخطر إرباك الأجهزة الأمنية. يبدو واضحاً أن اختيار التوقيت- مباراة كرة قدم يحضرها رئيس الجمهورية فى ستاد السان دونى، والثانى فى قاعة للعرض الموسيقى فى باتاكلان، والثالث استهدف مطعما شرق العاصمة. الهدف خلق حالة من الرعب فى مناطق تمثل ساحة وحركة للترويج واللهو وحب الحياة.. من هنا يبدو الخلل فى السياسة الأمنية الفرنسية، وفى السياسة الخارجية إزاء سوريا وليبيا! أن العمليات الإرهابية الداعشية جعلت الإرهاب جزءاً من حياة العالم المعولم وبات الخوف والموت والألم معولم، ولم يعد أى مجتمع أو دولة بمنأى عن أهداف وعملياته، وهو ما يتطلب إعادة تقييم شاملة للسياسات الفرنسية والأمريكية والبريطانية والأمنية والأوروبية إزاء الإرهاب المعولم ومنظماته ودوافعه وساحاته ومصادره وتجلياته؟ العناد وإعادة إنتاج تقارير وتقديرات الموقف من مؤسسات الاستشراق وخبراء المنطقة دفاعاً عن مواقفها إزاء الإسلام السياسى لن تكون فى صالح أمن واستقرار نمط الحياة الفرنسى والأوروبى والأمريكى.. الخ؟ وإنما فى صالح شحن الآلة الإرهابية ذات الأقنعة والوشاح الدينى؟ الأخطر أن ربط الإرهاب بالإسلام بالجملة والمسلمين جميعا هو خطأ استراتيجى فادح، وكذلك الإصرار على الضغط على الجاليات العربية والإسلامية من منظور عنصرى يساعد على استمرارية التوتر ويؤدى إلى عدم الاندماج الداخلى فى نمط الحياة والثقافة الفرنسية والأوروبية والأمريكية؟ حان الآن وقت البحث عن مكامن الخطأ فى السياسات الداخلية – الإدماجية والأمنية- والخارجية إزاء وحش كاسر اسمه داعش والجماعات الإرهابية الأخرى. حان وقت المراجعات الكبرى.