اليوم تحل الذكرى ال49 لرحيل سيد قطب، منظر ومفكر الإخوان الأول، الذي أُعدم يوم 29 أغسطس 1966. مرت كل هذه السنين ولازال نهج قطب حاضرًا في عقول أبناء الجماعة الذين يحاولون الآن التصعيد في معركتهم مع الدولة المصرية. بعد كل هذه السنين، عاد الإخوان من جديد لمنهج استهداف المنشآت والبنية التحية بهدف إشاعة الفوضى، وكوسيلة للضغط على الدولة، فأصبح الجميع هدفًا لهم، وأصبحت منشآت الدولة من محولات الكهرباء، وأبراج الضغط العالي، والطرق والكباري، في مرمى قنابلهم ونيرانهم. لماذا أعدموني؟ لم يكن استهداف أبراج الكهرباء أمرًا اعتباطيًا، بل هو مخطط مدروس، وتطبيق لخطط قديمة رسمها قطب، حيث دعا في الوثيقة التي نُسبت له - والتي تحمل اسم "لماذا أعدموني" - إلى نظرية أُطلق عليها "خطة رد الاعتداء على الحركة الإسلامية"، ذكر فيها أنه إذا حدث اعتداء على قيادات أو أفراد الحركة الاسلامية، يتم في المقابل استهداف رموز النظام، ووسائل المواصلات، وأبراج الكهرباء، والقناطر الخيرية، ومن ثم فما يحدث ما هو إلا عودة إلى أدبيات الإخوان القديمة، لتُطرح مرة أخرى على المشهد، وتكشف أن المسيطر الآن على التنظيم هو سيد قطب نفسه! تنوع الخلايا الجديدة للإخوان يوضح الكثير، حيث تم إسناد مهام لكل خلية منها، فعلى سبيل المثال «كتيبة الإعدام» تستهدف الشخصيات الأمنية أو الرموز التي لها عداء واضح وصريح مع الإخوان، مثل استهداف فيلا الدكتور علي جمعة في الفيوم. وتختص مجموعة «المقاومة الشعبية» بالشخصيات الأخرى التي تقف في مواجهة المظاهرات، أو أفراد الإخوان، إلى جانب استهداف البنوك، ومن يقدم العون للدولة سواء داخليًا أو خارجيًا، وقد أعلنت المجموعة من قبل تبنيها حرق فرع بنك الإمارات الوطني في مصر. وتبقي مهمة «الحسم والعقاب الثوري» هي استهداف المواصلات، وأبراج الكهرباء، وقد تم تنفيذ أقوى عملية لهم باستهداف أبراج الضغط العالي بمدينة الإنتاج الإعلامي، وكذلك استهداف المرافق العامة، وقطع الطرق، والمترو، والسكك الحديدية. ومن المتابعة تبين أن هناك من قيادات الإخوان وبعض الجماعات الإسلامية - خاصةً الهاربين إلى تركيا - من يرسم الخطوط العامة، ويوجه هذه الخلايا، سواءً عبر مواقع التواصل، أو البرامج الحوارية. وهذا بالفعل ما أكده القيادي الإخواني، أشرف عبد الغفار، في مداخلة مع إحدى الفضائيات، حيث قال إنه "لا توجد سلمية مطلقة"، مضيفًا "لا نقول إن السلمية ثابت من ثوابت الجماعة، وإنما نقول إنها درجات، وإن ما دون الرصاص والقتل يُعد من السلمية"، معتبرًا أن قطع الطريق وإحراق سيارات الجيش والشرطة لا يعد عنفًا، ومؤكدًا أن "الشعب الذي رفض الشرعية واختار أن يُحكم بالعسكر لابد أن يعيش في الظلام"، على حد زعمه. رد الاعتداء بحسب ما ذكره قطب في وثيقته - التي قيل إنه كتبها أثناء استجوابه مع رفاقه - فإنه تم الاتفاق على مبدأ رد الاعتداء على الحركة الإسلامية، مستدلًا بقوله تعالى "فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ". وعدد قطب أسباب رد الاعتداء، ومن بينها «حتى لا يصبح الاعتداء على الحركة الإسلامية مستمرًا في كل وقت، ولمحاولة إنقاذ وإفلات أكبر عدد ممكن من الشباب المسلم بسبب ما يتعرضون له من تنكيل». وقرر قطب ومن معه وضع قائمة اقتراحات تتناول الأعمال التي تكفي لشل الجهاز الحكومي عن متابعة وملاحقة الإخوان، في حال وقع الاعتداء عليهم، مشددًا على أن يكون الرد مباشرةً عقب وقوع اعتقالات لأعضاء التنظيم، وعلى رأس هذه القائمة استهداف رئيس الجمهورية، ورئيس الوزارة، وكذلك القيادات الأمنية، ثم نسف بعض المنشآت التي تشل حركة مواصلات القاهرة لضمان عدم تتبع بقية الإخوان فيها أو خارجها، كمحطات الكهرباء والكباري. يوجد الآن نوع من الاتصال بين الإخوان في الداخل والخارج، خصوصًا في أوقات الأزمات، حيث حرص قطب على الإشارة إلى التواصل مع إخوان الخارج، ومن بينهم إخوان العراق، وكان بعضهم قد دفع 200 جنيه كمساعدة لإخوان مصر. الإخوان وراء التفجيرات من جانبه، قال الباحث السياسي، هشام النجار، إن ما يحدث من استهداف للبنية التحية للدولة ليس من صميم عمل التنظميات التكفيرية، موضحًا أن الحركات التي أعلنت مسؤوليتها عن أحداث العنف مؤخرًا كانت حركات إخوانية، على رأسها "الحسم"، و"العقاب الثوري"، و"المقاومة الشعبية"، و"كتيبة الإعدام". وأوضح الباحث، في تصريحات خاصة ل"التحرير"، أن الفيديو الذي نشرته حركة العقاب الثوري عقب استهداف برج مدينة الإنتاج الاعلامي استخدمت في خلفيته نشيدًا يعد من أدبيات الإخوان، وهو "اسلمي يا مصر"، ويُعد هذا هو النشيد الرسمي للإخوان منذ عهد الملكية، حيث كانوا ينشدونه بدلًا من تحية العلم. وأكد النجار أن هدف الإخوان من ذلك هو تعطيل المصالح العامة للدولة، واستهداف الاقتصاد عن طريق الإيحاء بأنه لا يوجد استقرار أمني في البلاد، وتعطيل أي نجاح ممكن، وكذلك لإيصال رسالة بأن التفجيرات هي البديل في حال منع المظاهرات، خاصةً في ظل حالة التصعيد المتبادل. وألمح النجار إلى وجود رغبة ملحة لدى الإخوان في أن يكونوا طرفًا في المعادلة، وعنصرًا حاضرًا في أي استحقاق سياسي، ولذلك فهم يمارسون عملية ضغط على الدولة لتقبل التفاوض، ومن ناحية أخرى يحاولون جمع شمل أعضائهم الذين بدأوا يتسربون إلى التنظيمات التكفيرية، والتي بدأت في سحب البساط من تحت الإخوان. وأكد الباحث أن جماعة الإخوان لا يريدون أن تصبح داعش بديلًا لهم، وتريد الحفاظ على موقع "الحركة الأم"، خصوصًا بعد فشلها سياسيًا، ومن ثم فهي تحاول إيصال رسالة بأن الإخوان لن يتوقفوا إلا بعد تسوية مع الدولة تطوي جميع الملفات العالقة.