«الآثار» وزارة تحمل على كاهلها تاريخ مصر الذى يمتد إلى أكثر من سبعة آلاف سنة، فرغم أنها مصنّفة ضمن الوزارات الفقيرة، فإنها عمود أساس النشاط السياحى، الذى يعد من أهم مصادر الدخل المصرى، دولة وشركات وأفرادًا، رغم تراجع هذا المورد منذ ثورة 25 يناير. ملفات عديدة على مكتب وزير الآثار، ممدوح الدماطى، أهمها الآثار المصرية المهربة إلى الخارج، وكذلك الآثار الإسلامية المبعثرة فى معظم أرجاء مصر، إذ تعانى الإهمال، وبعضها فى رمقه الأخير يستعد للانهيار. «التحرير» تفتح مع الوزير ملفات عديدة تخص «الآثار»، وتخصّه كوزير لها. ■ هل صارت الأمور كما تريد وحسب الخطة التى وضعتها فى الوزارة؟ - بشكل ما الأمور تسير فى الاتجاه الذى رسمته منذ قدومى إلى الوزارة، وحينما جئت أول يوم قُلت للإعلام أعطونى فرصة 50 يومًا لكى أدرس المشكلات المتمثلة فى الفساد والبيروقراطية والشائعات والضغوط الخارجية وغيرها، وبالفعل نجحت فى وضع خطة هيكلة كاملة للوزارة، وابتداءً من أول سبتمبر الماضى يتم الإعلان كل شهر عن إنجاز تقوم به الوزارة. ■ وما الأولويات داخل الوزارة؟ - أهم ما يشغلنى داخل الوزارة الآن هو التصدّى للفساد وإعادة الآثار التى تم تهريبها واستكمال المشروعات المتوقفة وإنهاء المشروعات الحالية. ■ وماذا عن التصدّى للفساد داخل الوزارة؟ - لم أتوانَ عنه لكى يتوقف نزيف سرقة وتهريب الآثار، وخلال عام تم تحويل عديد من المتهمين بتهم الحصول على رشوة أو استبدال آثار وتزويرها أو مخالفات آثار كما حدث فى مخزن متحف الحضارة، حيث قام أحد الموظفين فيه بتزوير قطع أثرية، وكذلك فى مخزن ميت رهينة، وتم القبض عليهم، وتم تغيير معظم مديرى العموم، لأنهم لم يعد لديهم ما يقدمونه. ■ كيف تواجه مشكلة انخفاض معدلات السياحة التى تؤثّر بدورها على الآثار؟ - أولًا، مشكلة انخفاض معدلات السياحة أرهقت ميزانية وزارة الآثار وأوقفت عددًا كبيرًا من المشروعات، وهناك أشياء أود عملها، فالأساس لدىَّ هو إعادة كل المشروعات المتوقفة، والدخل والأموال هما الحائل الذى يقف أمامى فى هذا الشأن، وبالتالى فإنشاء الشركة القابضة لإدارة الخدمات فى المناطق الأثرية سيكتب نهاية أزمة التمويل لدى وزارة الآثار. ■ وماذا عن كيفية عمل هذه الشركة؟ - أولًا، الشركة القابضة لإدارة الخدمات الأثرية ستكون شركة مساهمة مصرية، وبها أعضاء من الخارج، لكن تحت سيطرة وزارة الآثار، فنحن لدينا شركة قابضة للصوت والضوء، وبهذا فوجود الشركة سيؤمن دخلًا كبيرًا، سواء كان هناك انتعاش فى معدلات السياحة أم لا، عن طريق حفلات ترفيهية كالتى تقوم بها وزارة الثقافة فى شارع المعز، وهى جيدة ولكنها ليست بالشكل المرجو، فلو وجدت شركة تنظم هذه الحفلات ستتفنن فى إدخال أنشطة جديدة عليها، مما يوفّر ربحًا للوزارة، والمحلات التجارية والبازارات المؤجرة منذ عام 2011 حتى الآن، لا نحصل على إيجار من أصحابها، لأنه لا توجد سياحة، فأريد أن أعطيها للشركة القابضة تديرها وتعطينى ربحًا للوزارة، وستشارك فى هذه الشركة بنوك مصرية ودول أجنبية، بشرط امتلاك الجانب المصرى زمام الأمور، وسيكون هناك حراك قوى، فالإدارة ستكون جيدة وستدير البازارات بشكل لا يرتبط بالموسم السياحى، فمن الممكن أن يتم فتح البازارات بشكل يجعل المواطن العادى يشترى منها، والوزارة تقوم بعمل حفلات فى الهرم والقلعة وأفراح فى حديقة قصر البارون والمنيل، هذه الأشياء لو تمت إدارتها بشكل جيد ستوفر نفس دخل زيارة السياح لمصر وأكثر منها. ■ ما الموقف الحالى بالنسبة إلى ضم أرض مبنى الحزب الوطنى؟ وما الجهات الممولة لمشروع امتداد المتحف.. وما ملامح هذا المشروع؟ - أرض الحزب الوطنى تابعة للمتحف المصرى، وهناك تمويل من الاتحاد الأوروبى للمشروع، وما زال هدم مبنى الحزب جاريًا، وهناك مساعدة خارجية من الاتحاد الأوروبى فى المشروع، وملامح هذا المشروع لم تحدّد بعد. ■ هل تفضل أن تبقى الآثار وزارة مستقلة؟ رغم أن عديدًا من دول العالم تتبع «الآثار» فيها وزارة التعليم العالى والبحث العلمى أو إحدى الجامعات فى نطاق وجودها، وهناك مَن يرى أن تتبع الرئاسة مباشرة نظرًا لخصوصيتها.. فما رأيك؟ - يجب أن تظل وزارة الآثار مستقلة وكيانًا كاملًا غير تابع لأحد، لأنه لا توجد دولة فى العالم تمتلك آثارًا كمصر، فالعالم كله يضم وزارة الآثار والسياحة، ولكنهم ليس لديهم هذا الكم من الآثار التى تحتاج إلى جهة واحدة تختص بها، فلدينا كم من الموظفين ومشروعات عديدة، وهذه الأشياء تتطلب أن تكون الوزارة مستقلة تتخذ قراراتها بسرعة. ■ هناك اتهامات بتدهور أحوال الآثار فى الآونة الأخيرة وزيادة السرقات والتعديات؟ فما ردّكم؟ - نعم بالفعل فالسرقات زادت خلال الفترة التى تَلَت ثورة 25 يناير، لعدم توفر الأمن، وللظروف الصعبة التى عانت منها البلاد، ولكن قانون الآثار الحالى قام بتغليظ العقوبات على سارقى الآثار، لتمتد إلى السجن المؤبد بعد أن كانت 15 عامًا فقط، والتعديات على الآثار تأتى بسبب عدم الوعى بقيمة الأثر، فالمصرى لا يعرف أنه صاحب الأثر، ونحن فى دولة بها نسبة فقر مرتفعة، ويجب أولاً أن أوفر للمواطن الطعام والأمان ثم أطالبه بالحفاظ على الآثار، فالأثر ثقافة، والثقافة رفاهية، ونحن نحارب فى منظومة صعبة، والسلوك عليه عامل كبير جدًّا. ■ أبديت توجهًا واضحًا لدعم سياسة معارض الآثار الخارجية، لماذا؟ وهل لإفريقيا والدول العربية نصيب؟ وهل تأجّل معرض كنوز الفراعنة باليابان المقرر إقامته فى سبتمبر الحالى؟ وما أبرز أخطاء المعارض الخارجية التى يجب تجنبها من وجهة نظرك؟ - نعم، وما زلت أدعم هذه السياسة، ولإفريقيا والدول العربية نصيب إذا استطاعت الوفاء بشروط المعارض الخارجية من حيث المقابل المادى أو شروط أخرى، والمعارض أمر معمول به فى معظم دول العالم، فمجموعة آثار متحف طولين فى إيطاليا حينما كان يتم تطوير المتحف لم يغلقوه عليها، بل خرجت وطافت الدول وأسهمت فى إدخال ربح للمتحف، والمعارض الدولية بمثابة ناقل لثقافة وحضارة الشعوب، وتوفّر دخلًا جيدًا، ولهذا لا يمكن أن نغفلها. وتم إلغاء معرض كنوز مصر فى اليابان، بسبب عدم توفر الشروط التى وضعناها، فنحن نأخد موافقات كاملة من الدول لا من المتاحف، لتنظيم معرض للآثار لديهم، كما أن الموافقة على تنظيم المعرض يوقّع عليها رئيس الجمهورية، والتأمين يكون شاملًا، والسفير الأجنبى الموجود فى مصر ممثلًا للدولة التى سيتم تنظيم المعرض فيها، يوافق على الأمر ونقوم بأخذ بصمة للأثر قبل خروجه، ففى قانون المعارض يتم أخذ بصمة من كل أثر، وحينما يعود الأثر يتم التأكُّد منه، ومشكلة المعارض هى خدش الأثر أو تشويهه أو سرقته، ولكن وجود أثرى فى المعرض يمنع هذا الخطأ. ■ وماذا عن مشروع البصمة الإلكترونية للآثار؟ - مشروع البصمة الإلكترونية سيأخذ وقتًا، فهى تكنولوجيا حديثة يتم عملها لمصر، ونحن نحاول سرعة الانتهاء منها، وقمنا بإعداد أجهزة لهذا الأمر، والتكنيك الخاص بعمل بصمة كل أثر فى مصر لم يتم الانتهاء منه بعد، والمشروع سينتهى خلال 3 أشهر لو لم يحدث جديد فى البلاد. ■ كيف سيتم التعامل مع الآثار الإسلامية التى فى حوزة «الأوقاف»، خصوصًا مع تكرار سرقات الآثار من داخلها؟ وما الإجراءات التى تم اتخاذها حيال ذلك؟ - لا حلول فى موضوع الآثار الإسلامية سوى التفاهم مع وزارة الأوقاف، فليس من الممكن أن أغلق المسجد الذى تم تسجيله كأثر، وهناك عدة إجراءات تم اتخاذها، فهناك مرور يومى للوزارة، وأيضًا تم إلزام المسؤول من وزارة الأوقاف بالحفاظ على الأثر، وفى حال حدوث أى شىء يتم عمل محضر له، وكانت هناك مشكلة فى سرقة منابر المساجد الأثرية فى الجمالية، ولكن تم ضبط السارق وإيداعه السجن عن طريق كاميرات مراقبة تم تركيبها داخل المساجد الأثرية، وبدأنا فى اتخاذ إجراءات، شملت الكاميرات والإشراف، وقمت بعمل جولة على هذه المساجد الأثرية، وصلّيت مع وزير الأوقاف فى جامع السلطان حسن والقلعة والمسجد الأزرق، و«الأوقاف» وضعت على عاتقها عددًا من التعليمات لأئمة المساجد تلزمهم بالحفاظ على الآثار. ■ البعثات الأجنبية فى مصر «نحو 300 بعثة»، ما عددها الحقيقى؟ وكيف يتم إحكام الرقابة عليها لعدم تهريب قطع أثرية قبل تسجيلها «مثل الحالة التى حدثت قبل سنوات، حيث قام أحد أفراد بعثة فرنسية بتهريب قطع أثرية وتم ضبطه»؟ - عدد البعثات الأجنبية 205 فى مصر، وأتمنى أن تكون 300 بعثة، والرقابة محكمة عليها تمامًا، والبعثة لكى تدخل مصر أولًا تقوم بتحديد مشروعها الذى ستعمل عليه، والمدة التى ستنتهى فيها منه، وتحدّد أى منطقة ستعمل بها، وفى أى مربع، وتحدّد مَن سيعمل معه، وأرسل أسماءهم إلى الأمن العام للحصول على موافقة منه، ويكون معهم نائب عن الوزارة خلال عمليات البحث والتنقيب، ثم يكتب تقرير حينما ينتهى من البعثة، وواقعة سرقة بعثة فرنسية لأثر أمر من الممكن حدوثه، ونحن نضع جميع الاحتياطات، ولكى تحدث سرقة لا بد أن تتم عن طريق مفتش الوزارة. ■ الميزانية صداع مستمر فى رأس «الآثار».. هل هناك بند حاليًّا مخصص للوزارة بالموازنة العامة، بعد أن أصبحت وزارة مستقلة؟ خصوصًا فى ظل مشكلة تدبير التمويل اللازم لبنود الوزارة من رواتب ومشروعات مفتوحة وصيانة وأعمال ترميم دقيق؟ - لا وجود لبند ميزانية ل«الآثار» داخل الموازنة العامة، ونحن نحصل على الرواتب بالديْن من وزارة المالية، فنحن نعيش كل يوم فى حرب، وحادثة الكرنك كانت أبسطها، وما حدث فى القنصلية الإيطالية وحادثة اغتيال النائب العام أرهب السائح، ومصر قادرة على تخطّى هذه الأزمة، والدولة متماسكة، ولكن لا بد للإعلام أن يسلّط الضوء على الحرب لا على ضعف الدولة، فأستطيع أن أقول «أنا مشلول»، بسبب هجوم الإعلام علىَّ، وكذلك كل الوزراء الموجودين فى الحكومة رغم أن الكل يعمل وبجدية، وعلى الإعلام أن يقف بجانب الحكومة ضد عدوّنا وهو الإرهاب، فهناك تحسُّن فى رغيف العيش والكهرباء، وعلينا أن نقف مع هذا التحسُّن لا ضده، ونحن كوزراء طموحاتنا أعلى من الشعب الذى يراقب من الخارج، ولكننا مسؤولون وأقسمنا اليمين. ■ رغم أن الترميم ركيزة أساسية ل«الآثار» فإنه لم يتم إنشاء قطاع مستقل له، فلماذا؟ - قطاع المشروعات هو اسم قطاع الترميم والشؤون الهندسية، وستكون داخله إدارتان مركزيتان، هما إدارة الترميم وإدارة الشؤون الهندسية، فالأقدر فيهما إداريًّا سيكون هو المدير، فالترميم يحتاج إلى مهندس معمارى. ■ وماذا عن تثبيت العاملين بالوزارة؟ - قمت بتثبيت الدفعة الرابعة قبل شهر رمضان بيوم، وكان سيتم إلغاء التعاقد مع أشخاص فى بداية شهر يونيو، لأنه بناء على القانون الجديد كانت عقودهم قد انتهت، ولكنى رفضت وقمت بتثبت ثلاثة آلاف عامل، وأعمل 14 ساعة يوميًّا ولا أحصل على إجازات، لكى أنتهى من خطة هيكلة الوزارة. ■ هل تم تطبيق الحد الأقصى للأجور على الوزراء؟ - نعم، تم تطبيق الحد الأقصى للأجور على الوزراء، ولا يوجد وزير فى الحكومة يحصل على 30 ألف جنيه. ■ نقابة الأثريين هى حلم لكل آثارى.. هل تم اتخاذ جديد لتشكيلها؟ - بمجرد إجراء انتخابات مجلس النواب وانعقاده سيتم طرح مشروع قانون نقابة الأثريين، فالقانون جاهز، وأنا أول مَن طالب به، وسيكون ذراعًا أخرى تحارب معى، والنقابة ستقوم بدور اجتماعى للأثريين الذين أصبح عددهم يتعدَّى ال100 ألف، فأنا لدىَّ 39 ألفًا يعملون بالوزارة. ■ وماذا عن لائحة المتحف المصرى الكبير وتعيين مدير له؟ - لائحة المتحف المصرى الكبير تم تغييرها، بحيت يكون الأجر مقابل العمل، واللائحة السابقة كانت تتضمَّن أن يحصلوا على رواتب إضافية كل شهر، لوجود مشروعات ينفذها القطاع، ولكنْ العاملون بالمتحف استمرؤوا الجلوس دون عمل والحصول على رواتب، ولهذا سيتم تعيين مدير المتحف بشكل مختلف عن طريق مجلس أمناء، كما هو معمول به فى مكتبة الإسكندرية. ■ وماذا عن نقل الآثار من المخازن غير الآمنة؟ - ما زال ساريًا حتى الآن، ونجحت فى نقل 12000 أثر، وأنقل 390 أثرًا كل شهر، وزاهى حواس وزير الآثار السابق، كان يتباهى بأنه نقل 10000 أثر. ■ وما الجديد فى مشروع القاهرة التاريخية؟ - لو أنهيته قبل رحيلى من الوزارة فسأكون قد قمت بإنجاز، وهناك لجنة وزارية من تسعة وزراء يباشرون العمل فى هذا المشروع، وهذه اللجنة تجتمع كل 3 أشهر، وإجمالى قيمة المشروعات التى تمت من عام 2000 حين بدأ المشروع حتى الآن مليار و49 مليون جنيه، منها 462 مليونًا بعد الثورة، وخلال عهدى تم إنجاز مشروعات ب241 مليون جنيه، وهناك مشروعات قيد التنفيذ، مثل باب العزب وشارع المعز والجامع الأزهر وجبانة المماليك، وهناك مشروعات تحت الطرح، مثل مشروع أوضة باشا، وتطوير أرضيات خان الخليلى وقصر البارون وبيت القاضى. ■ لماذا تؤيد فكرة بناء المتاحف بحق الانتفاع «B.O.T».. وهل هناك اتجاه لجعله أساسًا لبناء المتاحف الجديدة؟ - لأنها فكرة جيدة وتوفر للوزارة أموالًا جيدة، حيث تقوم على بناء شركة أو شخص لمتحف بالتعاون مع الدولة، ويحصل على إدارة الخدمات الملحقة به، كالكافتيريا والبازارات التى تحيط به، وبالفعل ستكون آلية بناء المتاحف، ومتحف الغردقة هو أول متحف سيتم بناؤه بحق الانتفاع. ■ ما تفاصيل توقيع برتوكول مع القوات المسلحة لإنهاء وتشغيل متحف شرم الشيخ؟ - لم نوقع بروتوكولًا مع القوات المسلحة حتى الآن، فهم يقومون فقط بالبناء المعمارى، وهذا الأمر تم خلال عهد زاهى حواس، وهو له وجهة نظره. ■ وهل هناك خطة لاسترداد الآثار المسروقة؟ - الآثار المسروقة أغلبها خرج من أماكن غير مسجلة، ولهذا لا أعلم عنها شيئًا، ولا أستطيع أن أحدّد عدد هذه الآثار، وما زلنا نعمل على استرداد الآثار حينما تظهر، ونحاول جديًّا وضع مقترح يضم عدد هذه الآثار والأماكن التى سرقت منها.