يصعب أن ينكر أحد أننا دخلنا فى مخاطرة غير محسوبة بانتهاج سياسة ما سمى «الانفتاح الاقتصادى»، الذى وصفه الكاتب الكبير الراحل أستاذنا أحمد بهاء الدين بحق الانفتاح السداح مداح.. وقد نقلنا الانصياع الكامل لإملاءات صندوق النقد والبنك الدوليين، بتعليمات من الولاياتالمتحدةالأمريكية، إلى حالة من التردى السياسى، أعتقد أنه كان متعمدا ومحسوبا، أدت إلى انحسار دور مصر وتآكل مكانها ومكانتها، حتى إننا كنا فى ستينيات القرن الماضى، نناطح قوى عظمى، ووصلنا فى الألفية الثالثة إلى مجابهة دويلات لا يتعدى حجمها أحد أحياء القاهرة.. ذلك كله، إضافة إلى عوامل كثيرة أخرى، قادت إلى ثورة الشعب المصرى ضد نظام الرئيس حسنى مبارك، وبعد سرقة هذه الثورة من تيارات الإسلام السياسى بقيادة جماعة الإخوان «المسلمين»، انتفضت مصر عن بكرة أبيها، من أقصاها إلى أقصاها، تزأر زئير الأسد الجسور، فى وجه الخيانة وتفتيت الوطن الذى ظل محتفظا بجغرافيته، طوال سبعة آلاف سنة. صرخت عشرات الملايين بأننا سندافع عن وطننا ونفدى وحدته بالحياة ذاتها. لحظة ستلهم العشرات وربما المئات أو الآلاف، غوصًا فى أعماقها ومحاولة فهم هذا الشعب الفريد وفك شفرته، التى لا نظير لها، والتاريخ بوقائعه شاهد على ذلك، وأقربها إلينا معركة تأميم قناة السويس وتحدى الهزيمة العسكرية مساء التاسع من يوليو، ثم حرب الاستنزاف المجيدة، التى لولاها ما كان العبور العظيم. وشهدت الأجيال الحالية وشهد العالم أجمع، ثورة الثلاثين من يونيو، ثم لحظة التفويض الذى أعطيناه لجيشنا الوطنى الباسل فى الثالث من يوليو، بقيادة جندى من أشرف ما أنجبت المحروسة، عرفنا أن اسمه عبد الفتاح السيسى. شاورت قلوب المصريين عليه وقالت: هذا هو البطل الذى طال انتظاره... وضعت الجماهير ثقتها، بحس وطنى مصرى يستعصى فهمه على كثيرين، فى هذا الرجل. وقد تبين، كما تثبت الأيام، يوما بعد يوم، أن الحس الشعبى الجمعى لم يخطئ، وأن السيسى، الذى خرج مدافعا عن الوطن ووحدة أراضيه، إلى حد التضحية بحياته، يحمل بين جوانحه نفس الحلم الذى يتوق إليه كل وطنى أصيل. قال منذ عام إننا سنحفر قناة جديدة، ستكون مصدر خير لنا وللعالم وتحقق الحلم «باليوم والساعة والثانية». عمت الفرحة وعادت الابتسامة التى سرقتها قوى الشر، ولم تقدم لنا سوى الكآبة والقتل والتدمير والترويع والخيانة، عادت البسمة إلى الوجوه والمصرى رافعا رأسه لفوق، لأن القناة الجديدة، «من أموالنا بأيدى عمالنا». قدمت قناة السويس الجديدة مصر الحقيقية إلى الشعب المصرى والعربى أولًا، ثم إلى العالم بأسره. عبرت بنا من حقبة اليأس والإحباط والتكفير «عمَّال على بطال» إلى طريق الأمل والبناء والاعتماد على أنفسنا، على سواعدنا، الأمل بعودة الروح التى تآمرت عليها قوى الشر ما يقرب من قرن من الزمان. وأهم الدروس التى يجب أن نستخلصها من سنوات العقود الأربعة السابقة، أن الجوهر المصرى سيظل شامخًا، علامة واضحة، تتحطم على صخرتها الصلبة كل مؤامرات الداخل والخارج، وترقص قلوبنا على إيقاع تحيا مصر.. و«تعيشى يا ضحكة مصر..» والأمل فى الأفق.