يستحيل علاج أى مرض ما لم يكن التشخيص صحيحاً وعلى ضوئه تتحدد خطوات سبل الشفاء، سواء كان جراحة أو أدوية أو الاثنين معاً.. وأظن أنه لم يعد هناك مناص من الاعتراف بأن الأحوال المعيشية المتردية لنحو 50% من المصريين كانت بمثابة الثغرة المدمرة التى تسللت منها أطراف عدة، بوجوه مختلفة قد تبدو متنوعة، ولكنها تتحد فى الهدف وهو إنهاك إن لم يكن إجهاض أى مشروع وطنى يتطلع إلى الارتقاء بالوطن وأبنائه.. ويصعب تفسير عدم الإسراع بتلبية مطالب ثورة يناير وما تبعها من ثورات مكملة، فى مقدمتها ومن أولى أولوياتها، العدالة الاجتماعية.. إن غياب العدالة الاجتماعية هو الذى فتح الباب على مصراعيه، بشكل خاص، لتيارات اليمين الدينى المتطرف، المتستر باسم الإسلام، لا سيما لهؤلاء الذين احتكروا الإسلام وسموا أنفسهم «جماعة الإخوان المسلمين»، بحيث يصعب فى هذه الحال الاقتراب منهم أو مساءلتهم عن مصادر تمويلهم حيث لا تتناسب «دخولهم» أو حتى «ثرواتهم» مع ما ينفقونه لاستمالة الفقراء واجتذاب الأنصار والمؤيدين والمتعاطفين، صباح كل يوم، بينما «حكومات الانفتاح السداح مداح» المتعاقبة تستكين لهذا الوضع، المريح لها والمريع للوطن، قفزت هذه الجماعات على السلطة بعد ثورة أعلنت أكثر من مرة استنكارها لها، بل ربما إدانتها، ثم أخذت فى «أخونة» الدولة معتمدة على «جهود!!» نحو أربعين عاماً من استغلال الفقر والإفقار، خاصة فى الريف المصرى الذى سهل مهمتها نتيجة تفشى الأمية، فجاهرت بما كانت تخفيه من نوايا أى تقويض الدولة التى نعرفها، تشويه الأزهر الشريف وفرض «إسلام؟» بعيد بُعد السماء عن الأرض عن الإسلام الذى عرفته مصر على مدى قرون، ناهيك عن تمزيق الوطن فى إطار خدمة المشاريع المعادية وخدمة القوى المهيمنة. غير أن الوعى الفطرى المصرى تنبّه للخطر الداهم ونزع أغلب من صدق هؤلاء أو تعاطف معهم أو حتى سايرهم تحت وطأة الفاقة الأقنعة الزائفة وانتفض الشعب فى ظل حماية جيشه، معلناً رفضه للحكم الإخوانى وحلفائه ومشدداً على ضرورة تحقيق حلمه بتوفير قوت اليوم لكل مصرى والسكن الآدمى والتعليم المنافس والرعاية الصحية الإنسانية والعودة بمصر إلى دورها الريادى، وهو ما يتطلب التخلص من شروط الآخرين، بتصفية الصناعات المصرية والخروج من دائرة الدول المنتجة المؤثرة إلى دائرة الدول العاملة على التخديم على «العولمة» وهو اسم الدلع للرأسمالية المتوحشة بقيادة الشركات المتعددة الجنسيات، حيث تذوب فكرة الوطن وتستشرى قيم السوق الجديدة والتى زلزلت الاقتصاد العالمى أكثر من مرة، آخرها منذ خمس سنوات، وأهم شىء فى تقديرى هو إسراع الدولة باحتضان أبنائها الذين تخلت عنهم، فدخل أعداؤها من الباب الملكى، أى الفقر بدرجاته المفزعة أحياناً، والأمية، أكبر ضمان لتضليل البسطاء، إلى حد إقناعهم بأن محمد مرسى هو الإسلام وأن الدفاع عن الإسلام يتطلب كما قال أحدهم على قناة الجزيرة، التى افتضح مخططها أيضاً، قتل أحمد الطيب، وقتل تواضروس، ، وبالمرة، قتل جميع المسيحيين وهدم كنائسهم!!! ومع كل هذا يخرج علينا البعض مطالباً بحرية أمثال هذا الرجل وحرية من يهددوننا ليل نهار بإراقة دمائنا.. هذه لحظة تاريخية تؤكد أن طريقاً رائعاً فتحته الثورة وأن عودة الدولة إلى دورها ومسئولياتها هو الضمان الذى لا بديل عنه وتطهير الوطن من كل ما علق به من أدران، لا سيما الأعداء ومن ينظّر ويبرر لهم، الحرب على مصر البهيّة.