أحمد شلبى لا أجد فرقا بين ما كنا فيه وما نحن عليه فقد حكمنا في العهد السابق بالدولة المتسلطة علي مصالح الشعب وخدمة ذوي البلاط الرئاسي من رأس الدولة وأسرته إلي حاشيته ومعاونيه، والآن نكتوي بنيران الدولة الغائبة. في الدولة المتسلطة كانت هناك مساحة للتنفيس للناس حتي لا يختنقوا ولكن في حدود ما ترغب وتسمح به هذه الدولة ثم تأتي الخطوط الحمراء في حالة التجاوز المتهور. أما عن الألفاظ الخارجة والشتائم البذيئة فالدولة المتآمرة كانت تتمتع ببرود كبير وعدم الحياء مادام انه كلام في كلام ولا يؤثر علي المليارات التي نهبوها أو ينقص منها.. وكانت الداخلية من حين لآخر تؤدب بعض الرموز الصحفية والقانونية لتظهر العين الحمراء وليحفظ الآخرون حدودهم في ألسنتهم فقط دون محاولة لتحويلها إلي ثورة. ولكن فشلت جهود الدولة المتآمرة علي الشعب الذي ازداد فقره ومرضه وضاقت به سبل الحياة فخرج شبابه بائعا عمره في رحلات الهجرة الاختيارية إلي دول البحر المتوسط لعله يموت أو يجد علي الشاطيء الآخر حياة. ولما دقت ساعة الثورة وفرح الشعب بها وكأنه يشهد ميلادا جديدا ستختفي منه الأوبئة المرضية والفساد ويعود إلي الأنغام القديمة التي تشحذ هممه ليقف مرة أخري علي قدميه، وكان التاريخ البعيد الذي يفخر به المصريون منذ عهد سيدنا يوسف عليه السلام بأنه ليس قاهر الأعداء فقط وإنما شعبه ايضا وحدة واحدة ستعبر من نفق الآلام وقلة العيش والفقر إلي عهد جديد تحقق فيه العزة والكرامة والاكتفاء الذاتي ولكن نسي أهل مصر أن أول أزمة اقتصادية حادة مرت بهم تطلبت ان يعيشوا سبع سنين عجاف يأكلون القليل مما حصدوه إلي أن يأتي عام يغاث فيه الناس. فأرادوا ان يتنفسوا سريعا وأن يغاثوا بأسرع مما تحتمل امكانيات الدولة وكانت المظاهرات والوقفات الاحتجاجية والفئوية رمزاً لمزيد من التدهور تحت عنوان »إلحق خد حقك الآن.. لن تجده بعد ذلك« وكانت التهديدات معظمها عدواني ويصب في تعطيل الإنتاج مما أدي إلي تراجع وتدهور القليل مما حصدناه من العهد السابق وأصبحنا مكشوفين للأصدقاء وللأعداء علي السواء ناهيك عن صب المزيد من الانفلات الأخلاقي في حالة الاختلاف أو عدم تلبية المطالب وهنا لا نجد للدولة وجودا فقد أولت جهودها لحل المشكلات السياسية علي حساب القضايا الاقتصادية والاجتماعية فأصبحنا نعيش فصلا جديدا من الدولة الغائبة التي تستوي في معناها ونتائجها مع الدولة المتسلطة فالهم يحصد حياة الناس وشبح الإفلاس يلوح في الأفق علي المستوي الرسمي والأهلي والانفلات الأخلاقي انطلق بقوة ليهين كل شيء أو شخص أو مسئول وانتشرت علامات التخوين وزرع الشبهات بكثافة ليؤكد كل ذي صاحب رأي انه علي حق وكأننا تهنا عن أنفسنا وأخلاقنا حتي القضاء لم يسلم من التوبيخ وزرع الشكوك في احكامه. أصبحنا نعيش في غابة مفتوحة الكل يتصيد للكل والأمن عاجز عن إعادة بوصلة الأمن والالتزام في المناوشات السياسية وأنه يعمل تحت ضغط ماذا يفعل أمام جحافل المتظاهرين إذا أرادوا التطاول والاقتحام علي أماكن معينة وشخصيات معينة لقد أصبح مكتوف الأيدي يدفع ثمن تسلطه في العهد السابق. لقد شهد حادث التظاهر ومحاولة اقتحام السفارة السعودية والعبارات التي انهمرت تسب المملكة وخادم الحرمين نوعا من غياب الدولة والانفلات الأخلاقي الذي أشبع رغبة الناس في الخروج به من حيز الخطوط الحمراء إلي الخطوط المفتوحة أمام عجز الدولة في التعامل معه وشهد أيضا غياب الحكومة في توضيح الأمر بالمعلومات الصحيحة حتي لا ينسج الناس حكايات من عندهم ويصدقونها فتصبح الروايات حقيقة مشتعلة فتحرق بلدنا وتهين الآخرين. وكأننا نعيش في سداح مداح لا دولة.. لا أخلاق عند الاختلاف.. لا احترام للقانون والقضاة.. اعتقد ان سنين العجاف ستطول لأنها ليست سياسية واقتصادية واجتماعية وإنما أخلاقية أيضا!