في يوم لم تشهده قرية "معصرة صاوي" التابعة لمركز طامية بمحافظة الفيوم من قبل، توقفت عقارب الساعة عن الدوران المعتاد، واكتست الشوارع بسواد يعكس حجم الفاجعة.. لم تخرج القرية اليوم لاستقبال أبنائها العائدين من عناء العمل، بل خرجت عن بكرة أبيها لتشييع 7 من "شهداء لقمة العيش" في مشهد جنائزي مهيب، امتزج فيه عجز الكلمات بمرارة الدموع. رحلة الرزق الأخيرة بدأت الحكاية بصرخة حزن دوت أرجاء القرية مع وصول أنباء الحادث الأليم على طريق "الضبعة". هناك، حيث كان الشباب السبعة يستعدون للعودة إلى ديارهم بعد يوم شاق من العمل في مزارع الطماطم، انتهت رحلتهم قبل الأوان. رحلة اعتادوا خوضها بحثاً عن رزق حلال يسدون به رمق أسرهم البسيطة، لكن القدر كان يخبئ لهم خاتمة أخرى. مشهد الوداع الجماعي في مشهدٍ يخلع القلوب، اصطفت 7 نعوش متجاورة في قلب القرية، ضمت بين جوانحها صبية في مقتبل العمر، وشابة طامحة، وربة منزل، كانوا جميعاً يمثلون "سنداً" لعائلات تعيش على عرق جبين هؤلاء الكادحين. احتشد الآلاف من أبناء "معصرة صاوي" والقرى المجاورة منذ الساعات الأولى، وسار الجميع في موكبٍ واحد خلف النعوش التي حُملت على الأكتاف، وسط صمت ثقيل لم يكسره سوى همسات الدعاء وشهقات البكاء المكتوم. إقرأ أيضاً| استخراج تصاريح دفن شهداء لقمة العيش بمعصرة صاوى.. والجثامين في الطريق من القاهرة إلى الفيوم سرادق عزاء مفتوح تحولت القرية بأكملها إلى سرادق عزاء مفتوح؛ أُغلقت المحال، وتوقفت الحركة، وبدت البيوت كأنها خاوية إلا من الحزن. الأمهات اللاتي وقفن يودعن فلذات أكبادهن بنظرات صامتة، والآباء الذين انكسرت ظهورهم تحت ثقل الفقد، رسموا لوحة من الألم تفوق الوصف. لم تكن مجرد جنازة، بل كانت وداعاً جماعياً لرفاق الكفاح والتعب. ومع مواراة الجثامين الثرى في مقابر الأسرة، لم تنتهِ القصة؛ ففي كل زاوية من زوايا "معصرة صاوي" لا يزال طيف الراحلين حاضراً، ولا تزال الأسئلة تملأ الصدور: كيف ستستعيد القرية توازنها بعد فقدان سبعة من أنقى شبابها في غمضة عين؟ سيرة كفاح رحل شهداء لقمة العيش، تاركين خلفهم سيرة كفاح ستظل محفورة في ذاكرة الفيوم، ودعوات لا تنقطع بأن يتغمدهم الله بواسع رحمته، ويلهم ذويهم الصبر على هذا المصاب الجلل.