الا ترون معي أن ما حدث من المضحكات المبكيات.. شيء يدعو إلي الاحباط أكثر مما نعيشه ونعايشه وننكوي بمرارته ونيرانه أكثر مما نعانيه من فوضي عارمة وانفلات أمني ونهب للوطن وسقوط للدولة.. أكثر مما نشاهده من انفلات للأخلاق والقيم والمبادئ والمثل. كنا جميعاً فخورين بما سمعناه وشاهدناه وصفقنا له عندما أعلن رئيس وزرائنا الدكتور كمال الجنزوري أمام النواب في مجلس الشعب وبصوت يعلوه الشجاعة والحسم أن مصر لن تركع لأحد.. أنها لن تقبل ضغوطاً من الأمريكان في قضية المتهمين بالتمويل الأجنبي للمنظمات التي كانت تعمل في الباطن لهدم الوطن وخلق وزرع الفتنة حوله وداخله لأول مرة نشعر أننا أصبحنا أحراراً.. نملك قرارنا بأيدينا.. لا نسمح بتدخل أحد في شئوننا أعتقدنا ياسادة أننا تخلصنا من خطايا النظام السابق المرتمي في حضن العم سام والخانع والخاضع لإدارة البيت الأبيض تملي عليه القرارات بصراحة عشنا حلماً جميلاً ونشوة انتصار واعتزاز بقيادتنا الجسورة.. ولكني يبدو أن الأحلام شيء والواقع المؤلم شيئاً آخر.. الصدق كانت مريبة والكابوس مزعج والنتيجة احباط يضاف إلي احباطات أخري نعيشها وتحاصرنا صوت الجنزوري الذي دوي في آذاننا تحول إلي همسات لا نسمعها ولا نعيها وأيضاً لا نفهمها.. الأسد الذي كان يزأر تحول إلي قط وديع مذعور لا ندري ما الذي حدث أو ماذا يحدث ولماذا حدث أن تراجع كل شيء إلي الخلف.. فوجئنا بقرار رفع حظر السفر عن المتهمين الأمريكان شاهدناهم عبر الشاشات يحملون حقائبهم ويتوجهون في طائرة خاصة عائدين إلي بلادهم معززين مكرمين بعد أن سددوا بالتمام والكمال 32 مليون جنيه.. هل الملايين أصبحت أعز علينا من كرامتنا وعزتنا وحريتنا.. شيء غريب أضحكني ضحك الساخرين.. تذكرت المشهد الكوميدي في فيلم ابن حميدو للعملاق عبدالفتاح القصري عندما كان يتمسك أمام زوجته بأي قرار يصدره ويتمثل بدور سي السيد ثم يفاجأ بزوجته تشخط فيه بكلمة «حنفي».. فيضطر أسفاً إلي التراجع ويقول «كلمتي مش هتنزل الأرض أبداً» وعندما يري العين الحمراء لزوجته المفترية يتراجع ليقول «هتنزل المرة دي.. بس المرة الجاية مش هتنزل أبداً».. للاسف الشديد هذا المشهد يتكرر كثيراً بعد الثورة ولا أدري هل هو جبن وخوف علي المقاعد الوثيرة التي يجلس عليها المسئولون انظروا مثلاً إلي رئيس المجلس القومي للرياضة الدكتور عماد البنان الذي أكد أنه لا تنازل عن وضع ال8 سنوات ثم تراجع عنه بضغوط من النادي الأهلي ثم عاد إليه مرة أخري بضغوط من الاتحادات، ما يحدث يجعلنا نتقوقع أكثر في دائرة الاحباط التي نعيشها منذ فترة ولك الله يا مصر. آخر كلام الحب الحقيقي لا يعرف الأمراض ولا الاغراض ولا الأحقاد.. ياليتنا نعود لهذا الزمن الجميل.