حالة الانفلات الأخلاقي التي نعيشها وما ترتب عليها من مناخ يسوده عدم الثقة والتشكيك في كل شيء طالت ومازلنا نعيش مرحلة ضبابية من غياب الرؤية وعدم الوضوح. نتحدث عن الديمقراطية ويفرض بعضنا رأيه علي الآخرين بالقوة ننادي بأعلي صوتنا مطالبين بحرية التعبير ثم نكمم أفواه من يختلفون معنا حتي لا يتحدثوا ولا يتنفسوا.. ووسط هذا المناخ السييء ضاعت المعاني السامية التي انطلقت في ميدان التحرير يوم 25 يناير بعد أن استأثرت فئة قليلة بالمكاسب وتواري شباب الثورة ممن تلقي بعضهم الرصاص في صدره لكي تنجح مهمتهم المقدسة. الشعب قام بأعظم ثورة علي الإطلاق فلم يشهد العالم من قبل ثورة بدأت وانتهت بشعارات سلمية لكن الذين قفزوا عليها من أصحاب المصالح كثيرون بعضهم يسعي للفوز بجزء من الغنيمة والبعض الآخر - وهو الأخطر- يريد الغنيمة كلها فقد جاءته الفرصة علي طبق من ذهب لتدمير الوطن بعد أن تفرغنا نحن لتوجيه الاتهامات لبعضنا البعض وتاه الناس بين الفلول وأم الخلول. المظاهرات الفئوية مازالت تخرج لسانها للجميع دون مبالاة بالاستقرار أو الإنتاج المهم زيادة المرتبات وتعيين العاطلين ولا أدري بأي عقل وبأي منطق يفكر المشاركون في تلك المسيرات والمظاهرات والاحتجاجات فكلها شهور وسيدفع الشعب كله ثمن جريمتهم -عفوا أقصد ديموقراطيتهم -فقد تراجع كل شيء.. الإنتاج المخزون السلعي .الاحتياطي النقدي. الشرطة غير قادرة علي حمايتنا أو حماية نفسها. أصحاب المظالم لا يترددون في تعطيل مصالح الناس والقيام بأي شيء لإرهاب الحكومة ولي ذراعها لتوافق مرغمة علي مطالبهم وبالطبع يندس بينهم إخواننا إياهم الذين يسعون إلي إشعال البلد وضمان عدم وقوفها علي قدميها مرة أخري حتي السياسيين والمفكرين وأصحاب الرأي أغلبهم يكتب بيدين مرتعشتين عندما يتناول هؤلاء ممن يحتكرون الحديث باسم الثورة وهي منهم براء. منذ عدة أيام كنت أقود سيارتي قادما من مسكني بمدينة 6 أكتوبر إلي مقر الجريدة بوسط القاهرة وفي نزلة محور 26 يوليو استوقفني بائع نعناع واعترض سيارتي عارضا بيع مالديه وعندما شكرته صرخ قائلا: "حرام عليكم.. أنا عندي أولاد وماعنديش لا شغل ولا سكن.. أعيش منين". اكتفيت بالصمت لامتص انفعاله وإذ به يوجه السباب لكل راكبي السيارات ولم ينقذنا منه إلا انفراج المرور بتلك المنطقة المزدحمة. ما حدث من بائع النعناع مؤشر خطير ينذر بكارثة إذا لم نعد سريعا للعمل والإنتاج فحالة الركود انعكست علي الجميع وأصبح الكثيرون يواجهون متاعب لتوفير احتياجاتهم الضرورية خاصة عمال اليومية الذين يأتيهم رزق يوم بيوم وعددهم بالملايين واستمرار مناخ الانفلات وعدم الاستقرار وما يترتب عليه من نقص في السلع وارتفاع الأسعار يهدد بثورة جياع يقوم بها أمثال بائع النعناع وغيره ممن أصابهم اليأس والإحباط احذروا فهذه الثورة قد تكون مدمرة وتأخذ في طريقها كل شيء.