مناخ من التربص والتصيّد والصراخ، إذا تجرأت وتحدثت، فالخندقان جاهزان لوضعك فى أحدهما، طابور خامس لجماعات العنف والإرهاب، أو عَبْدٌ للبيادة و... للعسكر (مكان النقط معروف لكل متابع). فى بلادى حيث ثورة عظيمة ببطولات متتابعة فى كل موجاتها، أصبح الكلام غير السائد جريمة والاتهامات معلبة وجاهزة.. هل يسمح لنا أصحاب الخندقين أن نتحدث الآن؟! حتى لو لم تسمحوا، صمتنا طال وآن أن تسمعوا، وربما استخدم اللفظ الشعبى الدارج «هنتكلم عافية». الإخوان والثورة الحديث عن علاقة جماعة الإخوان بالثورة المصرية أصبح كالحديث عن علاقة كعك العيد بالجنازات والمآتم. وأعتقد أن مرورا سريعا على مواقف هذه الجماعة منذ بيان مكتب إرشادها «المطالب العشرة لتجنب الثورة الشعبية» الذى سبق 25 يناير بأيام حتى اندلعت، وصولا إلى خطاب 26 يونيو 2013، وما بينهما كفيل بأن تعرف من أين جاءت الطعنة. ولكن مرورا أكثر تعمقا لمواقف الجماعة وأدبياتها منذ النشأة فى عام 28، وعلاقتها بشعارات الثورة المصرية «العيش والحريّة والعدالة الاجتماعية» كفيل بأن نستنتج الحقيقة. الخلاصة أن كل دعوات الاصطفاف الثورى التى تنبرى عن تلميحات بأن كل من يتظاهر فى شوارع المحروسة هو ابن ثورتها وعلينا الاصطفاف معه هو محض كذب وتزييف للوعى وإضاعة للبوصلة. التظاهر ليس هدفا، التظاهر وسيلة لننتزع العدل والحريّة والكرامة والاستقلال الوطنى، وهى الأهداف التى لم تدافع عنها جماعة الإخوان يوما حتى إن ادعوا. هنا كلام يطول وحديث أكثر إسهابا فى كتابات سابقة ولاحقة. السيسى يرتجل!! مقدمة لا بد منها يشيع فى أيامنا هذه أسلوب «العيال النشطاء دول لو مش عاجبهم السيسى يضربوا بالجزمة ويمشوا من البلد»، ذكرت هذا الكلام على سبيل أن درء التعليق التافه مقدم على جلبه. الارتجال سمة المرحلة. الرئيس يرتجل خطاباته للشعب، والرئيس أيضا يرتجل المرحلة بأكملها. أكثر من مئتى قانون ارتجلها الرئيس وحكومته، ليس هناك أبلغ مِن قانون الاستثمار، لتتأكد بنفسك أن الارتجال أسلوب إدارة بلدنا، الفريق غائب، حتى البلدوزر لم يستطع أن يفتح الطريق، ولن يستطيع، لأن المعادلة ببساطة تقول إن الرئيس يحتاج إلى بلدوزر لا إلى رجل يمتلك من الرؤية ما يمكنه من الاختلاف والجدل وحتى الرفض، المهندس محلب هو الرجل النموذج بالنسبة إلى الرئيس. الارتجال سمة المرحلة. الرئيس يتكلم فى كل شىء، حتى فى الدراما، يقول إن الدستور لا يمكن تطبيقه بالكامل الآن، فيضرب بأصوات 98٪ ممن صوتوا فى الاستفتاء عرض الحائط، وكأننا كنّا نكتب دستورا لاستيفاء الشكل الديمقراطى. الرئيس يكمل ارتجاله، فيحدثنا عن الملحدين الذين ما زالوا مسلمين، ويرتجل أكثر فيقول إن قانون الإرهاب لا يقصد به حرية الصحافة، ومطلوب منا أن نأخذ بنية الرئيس الطيبة «ونتوكل على الله ونمشيها»، وننتظر حتى تصبح الصحافة نشرة رسمية بما يخالف ليس الدستور فقط ولكن حتى حق المصريين فى معرفة الحقائق، أو أن نترك الناس فريسة لإعلام الإخوان ومن يدفع لهم، أو ننتظر حتى ينضم طابور جديد من الشباب إلى جوار أقرانهم فى السجون. الخلاصة أن صوت العقل غائب أو مغيب، وسوط الاتهام جاهز وحاضر بقوة. الاستقرار المزيف الذى ندور فى فلكه منذ عقود لن يبنى مستقبلا حتى ولو رُوج عكس ذلك. احترام الدستور ودماء سالت من أجل دولة حديثة ومدنية هما السبيل للتقدم.