مسابقة وظيفة معلم مساعد مادة.. 18986 متقدمًا في اليوم الأول    ننشر رابط التقديم الإلكتروني بتنسيق كليات جامعة حلوان الأهلية لطلاب الثانوية 2024    ماذا قال مدير دار نشر السيفير عن مستوى الأبحاث المصرية؟    افتتاح مركز خدمات ذوي الإعاقة بجامعة جنوب الوادي    قطع الكهرباء عن 16 منطقة بمدينة بنها 3 ساعات    البنك الأوروبي للإعمار يتوقع استمرار ارتفاع التضخم في مصر عند 34% في 2024    زيلينسكي يلغي زيارته لإسبانيا والبرتغال بسبب تدهور الوضع في خاركيف    باحث: مصر تصدت بكل حزم وقوة للإدعاءات الإسرائيلية الباطلة    ملك الأردن يحذر من العواقب الخطيرة للعملية الإسرائيلية فى رفح الفلسطينية    "بسبب الزمالك".. قرار عاجل بتعديل موعد مباراة بيراميدز والإسماعيلي بالدوري    103 ملايين جنيه إسترليني تضع ليفربول في ورطة بسبب محمد صلاح.. ما القصة؟    8 توجيهات مهمة من وزير التعليم بشأن امتحانات الشهادة الإعدادية (تفاصيل)    السكة الحديد تواصل عقد ندوات شعبية للتوعية ضد ظاهرة المعابر غير الشرعية على القضبان    نقلة تاريخية ب"أهرامات الجيزة".. "السياحة": بدء دخول المنطقة من المدخل الجديد    المتحدة تحتفى بميلاد زعيم الفن العربي    أحمد زايد: مكتبة الإسكندرية بصدد تنظيم منتدى دولي للسلام    بالفيديو| أمين الفتوى يذكر بعض كرامات السيد البدوي: لا أحد يستطيع التشكيك فيها    مصرع طفل غرقًا في بحر النزلة بالفيوم    البنك الأهلي المتحد يفتتح أحدث فروعه "شبين الكوم" بالمنوفية    مفتي الجمهورية من منتدى كايسيد: الإسلام يعظم المشتركات بين الأديان والتعايش السلمي    6 يوليو.. بدء امتحانات الفصل الدراسي الثاني بمركز التعلم المدمج ببني سويف    السبت.. المتاحف وإدارة الفن ندوة ثقافية بمعهد الموسيقى العربية    أبرزها «الأسد» و«الميزان».. 4 أبراج لا تتحمل الوحدة    أمير المصري يكشف عن شخصيته في فيلم Giant: قصة صعود ملاكم من الطبقة العاملة    الانتهاء من تنفيذ خط طرد محطة بيجام بشبرا الخيمة    ضمن "حياة كريمة".. الكشف على 1317 مواطنا خلال قافلة مجانية في المنيا    الأمم المتحدة: أكثر من 7 ملايين شخص يواجهون خطر انعدام الأمن الغذائي بجنوب السودان    لا تصدقوهم.. إنهم كاذبون!    اليوم الأول لمهرجان كان.. لقاء مفتوح مع ميريل ستريب وإعادة فيلم الافتتاح    الكوميديا تسيطر على الموسم الصيفى ب 15 فيلم    محافظ بورسعيد للطلاب: "بتأخذوا دروس خصوصية علشان تنزلوا الشارع" - صور    أمين الفتوى: الصلاة النورانية لها قوة كبيرة فى زيادة البركة والرزق    الإفتاء توضح حكم الطواف على الكرسي المتحرك    المرور: ضبط 14 ألف مخالفة على الطرق والمحاور خلال 24 ساعة    الصحة تنشر طرق التواصل مع البعثة الطبية للحج.. وتوجه 4 نصائح مهمة    تحرير (148) مخالفة للمحلات التى لم تلتزم بقرار الغلق خلال 24 ساعة    وزير الرياضة يعلن عودة الجماهير للملاعب ويتوعد المخالفين    للنهائى الأفريقي فوائد أخرى.. مصطفى شوبير يستهدف المنتخب من بوابة الترجى    "النقد الدولي" يوافق على قروض لدعم اقتصاد غينيا بيساو والرأس الأخضر    بالفيديو.. غناء وعزف أنتوني بلينكن في أحد النوادي الليلية ب"كييف"    حكم وشروط الأضحية.. الإفتاء توضح: لا بد أن تبلغ سن الذبح    "التعاون الإسلامي" تؤكد دعمها الثابت لحقوق الشعب الفلسطيني    جهاز تنمية مدينة الشروق: قرعة علنية للمساحات التي تم توفيق أوضاعها بمنطقة الرابية    انطلاق الامتحانات العملية بجامعة طيبة التكنولوجية بالأقصر.. صور    «حياة كريمة» تطلق قافلة تنموية شاملة إلى قرية شماس بمركز أبو النمرس    الداخلية: ضبط 25 كيلو مخدرات و132 قطعة سلاح بالدقهلية    الصحة تشارك في اليوم التثقيفي لأنيميا البحر المتوسط الخامس والعشرين    «النقل» تكشف تفاصيل التشغيل التجريبي ل5 محطات مترو وتاكسي العاصمة الكهربائي    كاتب صحفي: مصر تمتلك مميزات كثيرة تجعلها رائدة في سياحة اليخوت    أحمد مجدي: السيطرة على غرفة خلع ملابس غزل المحلة وراء العودة للممتاز    ضبط 14293 مخالفة مرورية خلال 24 ساعة    500 جنيه مكافأة لطالب من محافظ بورسعيد داخل اللجنة: «ما بخدش دروس خصوصية»    6 ميداليات لتعليم الإسكندرية في بطولة الجمهورية لألعاب القوى للتربية الفكرية والدمج    تشاهدون اليوم.. نهائي كأس إيطاليا وبيراميدز يستضيف سيراميكا    «إكسترا نيوز»: قصف مدفعي إسرائيلي عنيف على عدة مناطق في رفح الفلسطينية    النائب إيهاب رمزي يطالب بتقاسم العصمة: من حق الزوجة الطلاق في أي وقت بدون خلع    بشرى سارة للجميع | عدد الاجازات في مصر وموعد عيد الأضحى المبارك 2024 في العالم العربي    ريال مدريد يكتسح ألافيس بخماسية نظيفة في ليلة الاحتفال بالليجا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحقيق│مصانع السيراميك.. خلطة الموت المسرطنة
نشر في التحرير يوم 23 - 07 - 2015

مع طلعة كل شمس من نهار جديد اعتاد عم إبراهيم صبري، ذلك العامل الخمسيني، أن يقوم بإضافة مواد كيميائية مطحونة "بودرة" خاصة بالألوان والصبغات والخامات التي يتم من خلالها صب وتشكيل الأدوات الصحية، وإضافة الطلاء الزجاجي "الجليز" لتلميع أسطح السيراميك، وذلك بنسب دقيقة للغاية من تلك الخامات المستخدمة خلال عمليات "الخلط" و"الوزن" و"التحضير" التي تمرّس عليها منذ التحاقه بالمصنع وتعرضه المباشر لتلك الكيماويات المكونة للطبقة الزجاجية عن طريق الرش باستخدام مسدسات تعمل بضغط الهواء أو عبر الغمر في حمام من "الجليز"، دون أن يستعمل أى كمامات أو تُوزع عليه أى أردية سروالية أو ملابس واقية وعوازل طبية وقفازات وأقنعة للوجه أو أدنى وسيلة حماية آمنة توفرها له الشركة التابع لها، للوقاية من خطورة تلك الخامات المشعة.
18 عامًا قضاها عم إبراهيم على هذا الحال المتواصل من العمل الشاق والتعرض اليدوي المباشر لتلك الخامات بصورة يومية، بعد أن ترك مهنته ومهنة آبائه وأجداده في زراعة الأرض "اللي مش جايبة همها"، ويئس من السفر والترحال إلى بلاد الخليج، فرضي بعمله الشاق بالمصنع على تواضع المقابل المادي، وكان يرد دائمًا على زوجته انتصار أبو المجد التي تطالبه بالبعد عن الخطر، قائلا: "لازم أستحمل عشان خاطر العيال والبنات إخواتي إللي عايزين يتستروا في بيوتهم"، فكان يوميًا يقطع الطريق الأسفلتي المتعرج الذي يزيد على 5 كيلومترات من منزله إلى المصنع عبر دراجته المتهالكة، ليتسلم "شيفت" العمل الصباحي و"يطبق شيفت" آخر في المساء، حتى يتمكن من تلبية التزامات أسرته البسيطة وتوفير نفقات زواج إخوته البنات، وإعادة بناء منزلهم الذي أوشك على السقوط، من أجل ذلك كان يتحمل مرارًا وتكرارًا أجواء سيئة التهوية ودرجات حرارة عالية تتخطى الألف درجة مئوية (1200)، نتيجة العمل داخل أفران العزل الحراري لساعات طويلة، حتى يحدث الذوبان الكامل للجليز، ويجري التفاعل بينه وبين القطعة المصبوبة للوصول إلى الحالة الصلبة، وبعد ذلك يقوم بتبريد القطع تدريجيًا على طول الفرن، للوصول إلى درجة حرارة 100 درجة مئوية عند الخروج من الفرن، تلك العملية الشاقة التي يقوم بها يوميًا، إلى جانب عمله الرئيسي داخل قسمي "الجليز" و"الإعداد والتحضير".
من هنا بدأنا خيوط البحث وراء قصة إنتاج وصناعة السيراميك في مصر، والتي يصفها البعض بالصناعة القذرة والتي تستخدم خامات سامة "بودرة" تسبب أمراضًا قاتلة للعاملين والسكان المقيمين في محيط المصنع على المدى البعيد، وبسؤال أفراد الأمن القائمين على المدخل الرئيسي لأحد مصانع الأدوات الصحية بالسادس من أكتوبر، علمنا أنهم بحاجة إلى عمال إضافيين بأقسام "الصب" و"الجليز"، والتي تعد من أخطر الأقسام داخل مصانع الأدوات الصحية، خصوصًا بعد هروب عدد من العاملين وعزوفهم عن العمل هناك، لضعف المرتبات من ناحية، وصعوبة المهمة التي يقومون بها وخطورتها الصحية من ناحية أخرى، فحاولنا الالتحاق بالمصنع للعمل داخل أقسامه والوقوف على حقيقة تلك المواد الكيميائية ومدى خطورتها من عدمه، وتصوير ما به من مخالفات وما يعانيه العمال من صعوبات وأضرار.
بداية طلب المدير العام للمصنع من معد التحقيق عدة أصول من أوراق مسوغات التعيين، وشهادة قياس المهارة والكفاءة من أقرب مكتب بريد، ويتعدى ثمنها 90 جنيهًا، بالإضافة إلى استمارة "الكشف الطبي" التي يتم استخراجها من أحد المستشفيات التابعة لهيئة التأمين الصحي بالمحافظة التابع له المصنع لتقرير اللياقة الصحية عند التعيين لجميع العاملين، ومن خلالها يتم الوقوف على الحالة الصحية الكاملة للعامل قبل التحاقه للعمل به، عبر إجراء الفحص الطبي الشامل له "فحص الرمد، فحص الباطنة، وظائف الرئة (Spirometry)، وفحص الأنف والأذن، والحنجرة، والعظام، والجهاز الحركي"، بالإضافة إلى إجراء أشعة سينية (X) على الصدر، وإعادة هذا الفحص الطبي دوريًا كل ثلاثة أشهر أو مرة كل ستة أشهر على الأقل، ثمن الاستمارة بالكشف العادى 80 جنيهًا، والكشف المستعجل يزيد على 120 جنيهًا، ولا يحدد للعامل الطبيب أو الإخصائي القائم هناك ميعادًا للكشف الطبي دون إذن مسبق من قبل الشركة أو المصنع المتقدم إليه.
أسبوع كامل من الشد والجذب مع الموظفين وتجميع أصول تلك الأوراق في مرحلة ما قبل التقدم الرسمي للعمل بالمصنع، حتى استوفى المحقق كل الأوراق المطلوبة منه، وبدأ أولى خطوات الانضمام إلى صفوف العاملين الذين يتقاضون مرتبات هزيلة لا تكاد تكفي "أكلهم" و"شربهم" و"مواصلاتهم"، بداية يلتحق أحدهم كعامل إنتاج بيومية لا تزيد على 35 جنيهًا دون حوافز أو مكافآت خلال أول ثلاثة أشهر، باستثناء بدل الانتقال الذي لا يتعدى المئة جنيه شهريًا، بالإضافة إلى أن صاحب العمل لا يحدد لك عدد ساعات العمل أو أي قسم تلتحق به ولا يضع لك المرتب الأساسي التي تتقاضاه في وثيقة رسمية، فضلًا عن توقيع العامل على استمارة "6" عند التعيين، حتى إذا أصابه أي ضرر تتم إقالته وفقًا لهذا المستند دون أدنى مسؤولية قانونية تقع على عاتق المصنع، وهو ما حدث مع عم إبراهيم، وغيره، وبالتالي فإن العامل منذ أول خطوة له بالمصنع يقبل مضطرًا أن يكون "مرمطون" لصاحب العمل، وفي حالة غيابه المفاجئ "العرضى" مثلًا يتم خصم 3 أيام من راتبه الهزيل، وهو ما يتعارض مع مواد قانون العمل الجديد الذي يكفل للعامل حقوقه من الإجازات العرضية والمرضية، ولكن ما يطبق بالقطاع الخاص "مهزلة" بحسب وصف أحد العمال.
بعد خوض التجربة ميدانيًا بالالتحاق بقسم "الصب"، والقيام بالمغامرة الصحفية والتصوير داخل المصنع اقتربنا أكثر من المطبخ الذي يشهد صناعة منتجات السيراميك بشكلها الطيني الأولى خلال الأيام الثلاثة التي قضيناها بالمصنع، عبر عجينة طينية مخلوطة تمر بداية على مناخل لتنقيتها وغربلتها من الشوائب التي يتم التقاطها عبر مغناطيسيات مثبتة بها، ثم توضع بعد ذلك داخل "طاحونة" بنسب وكميات محددة، إحداها للصب "الإعداد"، والأخرى للرش "الجليز".
سر الخلطة المسرطنة: كاولين وفلسبار وباريوم وسيليكات زركون وصوديوم.
مرت الأيام والشهور والسنون على تعيينه بالمصنع كعامل إنتاج، بعد أن أصبح السيراميك كل حياته، يقضى بين جدرانه وآلاته أغلب أوقاته، حتى استحق أن يكون نائب رئيس قسم "فني إنتاج"، وبينما يقوم بوضع "الخلطة" الخاصة بالإعدادات الأولية لعجينة الصب التى يتم تشكيل السيراميك منها، شعر بإعياء شديد وألم مفاجئ فى ظهره ولم يقو على القيام، فنقله بعض زملائه إلى مستشفى التأمين الصحى التابع له، فأعطوه مجموعة أقراص وحقنة مسكنة وتم عمل تقرير طبى له بقسم الأمراض المهنية، وانصرف إلى بيته مع ابنه الأكبر وشقيقه الوحيد، وبعد يومين شعر بوجع آخر أشد من السابق فى بطنه، فاضطر شقيقه إلى الذهاب به إلى طبيب خاص للكشف عليه وتشخيص حالته الطبية بشكل سليم، بعيدًا عن التلاعب فى نتيجة التقارير الطبية الصادرة من المستشفيات الحكومية بأمر إدارة المصنع، حسب تعبيره، وهناك طلب منهم الطبيب المعالج سرعة عمل أشعة مقطعية وإجراء التحاليل الطبية اللازمة له فى أحد معامل الباثولوجى الشهيرة بالمنصورة، مع ضرورة البعد التام عن بيئة العمل خلال فترة العلاج.. وهناك كانت المفاجأة.
"سرطان وتليف فى الكبد وتضخم بالبروستاتا واحتباس في البول مع وجود تورم بالساقين والفخذين وقرح فراش متعددة"، كانت تلك هي نتيجة التقرير الطبي الصادر من مديرية الشؤون الصحية والسكان بالدقهلية، بعد فحص الأشعة والتحاليل الطبية التي أُجريت لعم إبراهيم، وتشخيص حالته الصحية التي أصابت ذويه بالصدمة، خصوصًا أن حالته كانت متأخرة بصورة كبيرة وبدأ ال"Virus" النشط ينهش في لحمه وينخر في جسده، وكان آخر راتب له بعد ما يقرب من 20 سنة عملًا لا يتعدى ال700 جنيه، بالإضافة إلى صرف مبلغ التأمين الخاص به وقدره 8 آلاف جنيه، مع مكافأة نهاية الخدمة التي لم تزد على 5 آلاف جنيه، دون صرف أي مكافآت أو حوافز أو بدلات طوال الأشهر الأخيرة له بالمصنع، حسبما يقول شقيقه عبد الله.
في تلك اللحظات قُطعت علاقة عم إبراهيم بالمصنع بشكل نهائي، ولم يكد يمر شهران على إصابته بالسرطان حتى خرجت روحه إلى بارئها وانقطعت علاقته ليس عن المصنع فحسب، بل عن الدنيا كلها.
حالة عم إبراهيم لم تكن الوحيدة في المصنع، بل كانت هناك نحو 55 حالة أخرى عملت معها في نفس القسم على مدار سنوات عديدة سوف نتناولها لاحقًا، بالإضافة إلى عشرات الحالات المريضة بالمصانع الأخرى البالغة 30 شركة للأدوات الصحية على مستوى الجمهورية، ولكن ما لفت انتباه "التحرير" أن معظم الإصابات كانت عبارة عن "سرطان كبد" و"تليف حجري وكبدي" و"تورم في الساقين والفخذين"، بالإضافة إلى أمراض "القلب" و"الربو"، الأمر الذي اكتشفناه بالصدفة ودفعنا إلى الدخول إلى مطبخ تصنيع تلك الأدوات الصحية وكواليس صناعة السيراميك في مصر خلال شهر ونصف الشهر هي عمر هذا التحقيق، وذلك خلال تناول أزمة الفلاحين مع هيئة الإصلاح الزراعي وبعض مدعي الملكية من رجال الأعمال الذين انتزعوا منهم الأرض وفصل عشرات المزارعين وأبنائهم ممن يعملون بأحد المصانع المملوكة لرجل الأعمال الشهير "ع.ا" بالمنصورة، فضلًا عن إصابة آخرين بأمراض صدرية حادة ووقوع حالات وفاة، بعضها بالسرطان، وكانت تقارير عم إبراهيم بداية الخيط.
50 ألف عامل ب30 مصنعًا لإنتاج السيراميك مهددون بالسرطان ويواجهون شبح التصفية والفصل التعسفي، وعلى الرغم من كل ما ينتج عن مصانع الأدوات الصحية في مصر من تلوث ومخلفات وأمراض، والبالغ عددها نحو 30 مصنعًا، وشركة يحتكرها عدد محدود من رجال أعمال نظام مبارك، ويعمل بها ما يزيد على 50 ألف عامل، فإن مصر تعد من أوائل الدول العشرة في إنتاج السيراميك بنحو 200 مليون متر مربع سنويًا من السيراميك.
ووفقًا لآخر إحصائية صادرة عن وزارة الصناعة والتجارة الخارجية، احتلت مصر المركز السادس عشر في الترتيب العالمي للدول المنتجة للسيراميك، بحصة إنتاجية تصل إلى 60٫7 مليون متر مربع، في حين تحتل إيطاليا المركز الأول لإنتاج السيراميك عالميًا.
تلك الخلطة المستخدمة في صناعة السيراميك مكونة من (رمل ومياه وعدة مواد كيميائية) "بروكلي، فليسبار، طين أسود، وطين أبيض وكاولين وتلك وسيليكات الزركونيوم، صوديوم، ميتا سيليكات الصوديوم، باريوم"، بعد ذلك يتم تفريغها داخل الخلاطات قبل أن تصل إلى الخزانات، وتوزع في مواسير على قسمي الصب والرش، وهناك لا أحد يلتفت إلى أحد، الكل ملتزم بعمله وقائم على "ماكينته" طوال الساعات الثماني أو العشر التي يقضيها خلال "الشيفت" الخاص به، حسب إنجاز المطلوب منه، وسط صالة كبيرة تضج بأصوات الآلات والمعدات الصاخبة وعدد من الحوامل المعدنية والقوائم والمواسير التي تطوق المكان و"ماكيت"، أو كما يطلقون عليه "فورمة" من السيراميك مثبتة بالطرقات عند رأس كل ماكينة للتشكيل والبناء والصب عليها تعلوها عدة مراوح كهربائية صدئة للتهوية والتجفيف خلال عمليات الصب والرش، ومتصل بها عدد كبير من الخراطيم البلاستيكية المثبتة جيدا لنقل الخامة المستوردة من المواسير إليها وعلى الأرض بقايا متناثرة من الطين والبودرة التى تغطى الأرضية بالكامل ومواسير كبيرة للصرف وعدد من القطع التى تم قطعها من مرحلة الصب الأولى قبل أن يتناولها بيديه عامل عشرينى رث الثياب ويكسو التراب وجهه وشعره ويرفعها بيديه أو عبر جاروف ثقيل من أثر الطين الذى تحجر عليه، ليضعها داخل "صندوق نقال" متهالك، ومن ثم داخل الخلاطات والقلابات بالصالة الرئيسية ليعاد تشكيلها من جديد.
ساعتان كاملتان هما إجمالي الوقت الذي تستغرقه عملية صب الخامة داخل تلك الماكينات، وطوال تلك المدة يقوم كل عامل بأعمال النظافة والتقليم والتسوية الخاصة بالمرحلة السابقة بوسائل يدوية تمامًا عبر "لمامة" و"شملولة" و"منجرفة" مثل "المبشرة" يقوم من خلالها العامل بتسوية الأطراف البارزة من الخامة الجديدة المصبوبة، فضلا عن "سنفرة" المنتج النهائي بعد رش بودرة خفيفة عليه لتجفيفه وتبييضه، وهو ما يتسبب في إثارة الأتربة في ساحة المكان في ظل تشغيل المراوح الكهربائية، ويتنفس العاملون تلك البودرة بشكل دائم.
انعدام وسائل الحماية والسلامة
خلال عمليتى "الصب" و"الجليز" وكل أعمال الإعداد والتحضير لخروج منتج نهائى من السيراميك داخل مصانع الأدوات الصحية لا توجد أدنى وسائل الحماية أو السلامة المهنية التى يوفرها المصنع للعامل القائم على تلك الماكينات الكهربائية للوقاية من الأمراض والإصابات، وكذلك فى ظل تهالك المواتير التى تقوم بإخراج العوادم الناتجة عن عملية التصنيع والتى تكون فى معظم الأوقات معطلة، حيث يتعامل العامل معها والبودرة والخامات المصبوبة بيديه بشكل مباشر دون أي "عوازل" أو كمامات و"جوانتيات" طبية، أو سدادات على أذنيه لوقاية سمعه من الضوضاء والاهتزازات المنبعثة من صفير الماكينات العالى، ولا يرتدى على جسده سوى قميص مهترئ مفتوح على صدر تسكن الأتربة شعره، وقطعتين من البلاستيك الباليتين فى قدميه، وأحدهما يتحرك حافيا فى الطرقة والبودرة تغطيهما وتتخلل بقايا "الطينة" والخامات الكيميائية السامة أظافره، ولا يوفر له المصنع الزى الرسمى الخاص بالعمل أو الوسائل الأخرى التى تضمن سلامته.
التقينا أحد مسؤولى الأمن الصناعى بالدقهلية، متحفظًا على ذكر اسمه، أكد غياب عوامل الصحة والسلامة المهنية فى معظم المصانع بالمحافظة، وهو ما يتسبّب فى إصابة العمال بأمراض صدرية حادة من جراء تعرضهم لاستنشاق مواد جسيمية وجزيئات دقيقة عالقة بالهواء فى صورة غبار "السيليكا" الناتج عن رمال "السيليكا" و"الفلسبار"، وتعرضهم للحرارة العالية من الإشعاعات فى أثناء عملية تشغيل وصيانة الأفران أو المعدات الأخرى الساخنة دون استعمال القفازات المعزولة والكمامات المزودة بالهواء أو الأكسجين، وصولًا إلى الضوضاء والاهتزازات الناجمة خلال عمليات إعداد المواد الخام، ك"السحق، والطحن والخلط الجاف والرطب والغربلة والتصفية" وعمليات الكبس والتخريز، فضلًا عن المخاطر البدنية والكهربائية الصادرة خلال العمل على إحدى ماكينات الإعداد أو الصب أو الرش بالطلاء وعمليات صقل الأدوات الصحية المحروقة أو تجفيفها بالرذاذ والتى تنبعث منها إشعاعات ضارة.
تشريعات وقوانين مصرية للسلامة المهنية
وَفقًا لقانون العمل المصرى رقم 12 لسنة 2003، فإنه ينص فى مادته (211) على: «التزام المنشأة الصناعية وفروعها بتوفير وسائل الوقاية من المخاطر الكيميائية الناتجة عن التعامل مع المواد الكيميائية الصلبة والسائلة والغازية، مع عدم تعرض العمال للمواد الكيميائية والمواد المسببة للسرطان، بما لا يجاوز أقصى تركيز مسموح به، وعدم تجاوز مخزون الكيماويات الخطرة كميات الحد الأقصى لكل منها، بالإضافة إلى ذلك فإن القانون يلزم صاحب المنشأة بتوفير الاحتياطيات اللازمة لوقاية العمال عند نقل وتخزين وتداول واستخدام المواد الكيميائية الخطرة والتخلص من نفاياتها وتدريب العمال على طرق التعامل الآمنة مع الكيماويات والمواد المسببة للسرطان وتعريفهم بمخاطرها وبطرق الأمان والوقاية من هذه المخاطر وتسليمهم كمامات طبية مطابقة للمواصفات القياسية ومناسبة لطبيعة تلك الأتربة».
كما ينظم القانون رقم 4 لسنة 1994 حدود الرطوبة فى بيئة العمل الصناعى لما لها من تأثيرات ضارة على الجهاز التنفسى، خصوصًا عند العمال الذين لديهم مشكلات تنفسية أو حساسية مفرطة، مع دراسة تقييم الأثر البيئى.
ويضيف أستاذ الطب البيئى والمهنى ل«التحرير» أن تأثير تلك الخامات لا يقتصر فقط على العاملين داخل المصنع، بل يمتد إلى كل السكان الموجودين فى محيطه الخارجى، لما يزيد على خمسة كيلومترات بما يؤثر على احتمالية إصابة نحو 50% من الأهالى بأمراض صدرية، فضلا عن تشوهات الأجنة وإصابة عدد من مستخدمى السيراميك الملون بوجه خاص بسرطان الرئة نتيجة احتوائه على مركبات الكادميوم والرصاص والزنك خلال عملية الرش والتلوين التى تنتج عنها مادة «الرادون» النشطة رغم تغطية الأرضيات بها، فتصدر عنها إشعاعات سامة فى حالة عدم وجود تهوية جيدة بالمنازل.
70٪ من عمال مصانع السيراميك يُصابون بأمراض مزمنة فى الرئة
«الزركون والباريوم والراكون».. مواد مشعة تحمل خطر الموت للعاملين.. واستشارى الطب البيئى والمهنى بمركز البحوث يحذر: استنشاقها يسبب السرطان وتليُّف الكبد
على ناصية طريق جانبى لدخول عربات النقل «التريلات» الخاصة بالرمل المستعمل فى الخلطات، توجد عدة شكائر صفراء مكتوب عليها باللغة الإنجليزية (ZnSio2)، أو ما يعرف باسم سيليكات الزركونيوم، وهى مادة مشعة تستخدم لتبيض وتلميع أسطح السيراميك الملقاة بجوار قسم الجليز، بعضها مفتوح، والبعض الآخر مغلق، وفى الداخل وعلى مقربة من طريق معسكر الجيش المجاور توجد شكائر أخرى عليها علامة «احذر خطر الموت»، وعندها يجلس أحد أفراد الأمن حتى لا يقترب أحد العمال منها، فى الوقت الذى يتناولها أحدهم أيضًا لإضافتها إلى الخلطة الخاصة بالصب، وبسؤالنا عما بداخل تلك الشكائر توصلنا إلى أنها تحوى مركبات «الباريوم» الأكثر سمية من «الزركون» و«الرصاص»، وحسب شهادة أحد العاملين بالمصنع، فإنه يتم إخفاؤها داخل مخزن سرى فى حالة وجود لجنة تفتيش من الأمن الصناعى، كما يتم تسليم العامل كمامات وجوانتيات ومعدات واقية وأجهزة تنفس «أقنعة» على وجهه، لتنقية الهواء وحمايته من الأتربة المتناثرة بالمكان، وفى الأجواء اليومية العادية لا تتوافر تلك المعدات مطلقًا، فيضطر العامل مجبرًا إلى التعرُّض لتلك الخامات السامة بشكل مباشر بحكم أكل العيش المر.
الدكتور هشام عزيز، استشارى الأمراض المهنية وأستاذ الطب البيئى والمهنى بالمركز القومى للبحوث، ذكر أن مركبات الزركونيوم والباريوم تحوى ضمن بلوراتها مواد مشعة مسرطنة، أبرزها اليورانيوم (238) والثوريوم (232)، وتتراوح تركيزاتها من بضع مئات إلى عدة آلاف بكرل/كج، حسب دراسة حديثة صادرة عن مركز مكافحة تلوث الهواء بالأتربة من القطاع الصناعى التابعة لمشروع التحكم فى التلوث الصناعى بوزارة الدولة لشؤون البيئة، ومن ثم يمكن أن يتعرض العامل الذى يتعامل معها تعرضا خارجيا والذى يعد أقل خطورة حيث لا تزيد الجرعة السنوية الفعالة للعاملين على 0.15 ميللى سيفرت، فضلًا عن زيادة تراكيز الغبار الناتج عن بعض المصانع والذى يتراوح بين 30 - 40 مجم/م3، وهى نسبة تزيد على النسبة التى يسمح بها القانون(10 مجم/ م3)، ولكن مكمن الخطورة فى حالة الاستنشاق أو الهضم، ولهذا نصح الدكتور عزيز بأهمية متابعة كل الإجراءات الوقائية المتعلقة بهذين المسارين، أى عدم الأكل والشرب والتدخين والالتزام بغسل اليدين وتبديل الملابس والاستحمام قبل الخروج من المصنع والحفاظ على ما تحت الأظافر نظيفًا، وكذلك استخدام كمامات وأقنعة خاصة لمنع دخول الغبار الناتج عن تلك البودرة إلى الجسم عبر الفم.
وحول طرق الوقاية من هذه المواد المشعة، يقول الدكتور عمرو قنديل، مساعد وزير الصحة لشؤون الطب الوقائى، «إنه لا بد من اتخاذ الإجراءات الوقائية اللازمة لمنع انبعاثات المواد الجسيمية المشعة المنفلتة عبر فصل مناطق تخزين المواد الخام عن مناطق التشغيل الأخرى واستخدام الصوامع المغلقة لتخزين مواد المسحوق السائب»، بالإضافة إلى توفير أساليب وقائية من الرياح باستخدام الحواجز الصناعية أو النباتات الخضراء الرأسية، كالأشجار والشجيرات كثيفة النمو، مع استخدام الأنظمة المغلقة فى نقل المواد الخام الجافة وخفض إنتاج النفايات عن طريق الصب بالضغط، واستخدام أجهزة فصل الغبار الرطب لمعالجة الانبعاثات المشعة وتنفيذ عملية إزالة الغبار الدورية عن الأسطح وتحسين درجة حرارة التسخين داخل الأفران الحرارية وخفضها بما يصل إلى 400 درجة مئوية، واستخدام أجهزة الكمبيوتر فى إدارة عملية الحرق واستبدال الأفران التى لا تعمل بكفاءة وتركيب أخرى ذات حجم ملائم أو أفران الإحراق السريع والتحديد المناسب لحجم مراوح العادم وتركيب أجهزة تحكم ذات سرعات متغيرة بمقومات عكسية بدلًا من المراوح والمنظمات الخانقة ذات السرعات الثابتة، فضلا عن كنس مكان العمل باستخدام معدات الكنس بالشفط أو الفوهات الموجهة إلى أسفل أو الكنس الرطب بدلا من عملية الكنس الجاف وتهوية بيئة العمل على نحو ملائم.
وأضاف قنديل ل«التحرير»، أنه فى ما يخص سلامة العامل المهنية لا بد أن توفر له الشركة معدات الوقاية الشخصية مثل القفازات المعزولة والكمامات المزودة بالهواء أو الأكسجين، خصوصا خلال القيام بأعمال الصيانة، وللعاملين فى بيئات الغبار والذين يقومون بإضافة الطلاء الزجاجى، مع تجنب استخدام الخامات ذات الذوبانية المنخفضة أو المحتوية على الرصاص والمعادن الثقيلة الأخرى، مع تقليل وقت العمل اللازم داخل البيئات مرتفعة الحرارة وتوفير غرفة مبردة بالهواء للعاملين لقضاء أوقات الراحة بها.
«اللى خلانا مانرفعش دعاوى بالتعويض ضد المصنع إننا شفنا أهلنا مظلومين فى حياتهم فقلنا أهو ماتوا وخلاص، ديتها إيه يعنى؟ شوية فلوس مالهومش لازمة بعد ما ماتوا بس إحنا مش هنسيب حقهم».. كان هذا هو رد عدد من الأبناء الذين التقتهم «التحرير» خلال عملية البحث عن الحالات التى تعرضت لخطر الإصابة وفقدت أرواحها نتيجة العمل داخل عدد من مصانع الأدوات الصحية فى محافظات القاهرة والدقهلية والشرقية والإسكندرية، وغالبيتهم مصابون بالتحجُّر الرئوى أو ما يعرف باسم «السيليكا الحرة المتبلورة القاتلة» والتى لا شفاء منها حتى اليوم، بعد أن تصيب العاملين بقسم الصب نتيجة استنشاق الأتربة والبودرة الناتجة خلال عملية التصنيع وسط غياب معايير السلامة المهنية ورقابة البيئة الضعيفة على تلك المصانع بشكل دورى.
يسجل المعهد القومى للسلامة المهنية والصحة الأمريكية (NIOSH)، محذرًا: إذا كان هناك سيليكا، فالمسألة ليست مجرد غبار (If it is silica، it is not just dust).
البداية كانت مع أهالى عامل الإعداد والتحضير فى أحد مصانع الدقهلية، الشربينى عبد العزيز موافى، أصيب بسرطان الكبد بعد 17 سنة عمل بالمصنع، ومات بعد أقل من ستة أشهر من ترك المصنع. يقول عنه نجله محمد موافى، إنهم فوجئوا بإصابة والدهم بعد نزول دم من أنفه، وبعد اكتشاف ذلك أجبرته إدارة المصنع وصديق عمره إسماعيل المنصورى، الذى أُصيب هو الآخر بالتليف الحجرى بنسبة 80%، مع وجود غمامة سوداء على الرئة، على تسوية معاشهما بأمر من رؤسائهما المباشرين فى العمل بعد أن «طلّعوا عينيهم فى الشغل».
يتذكر عم فرج أيام عمله بالمصنع ويقول: «لمّا كان العامل منا يروح يشتكى لمكتب العمل من الإدارة كان يفاجأ بعد نزوله بوقفه عن العمل وخصم أسبوع عشان يقول حقى برقبتى وحرمت يا بيه. بعد وصول الشكوى إلى المدير العام، وفى حالة مرضه وإصابته الخطيرة يتعرض العامل للمضايقات والضغوط العديدة التى تجبره على تقديم استقالته وقطع صلته عن المصنع بصورة نهائية». عمال آخرون بمصانع «ل.م» بالإسكندرية، فُصلوا تعسفيًّا بعد اكتشاف إصابتهم بالمرض، رغم أن قانون العمل يعطى له الحق بالتعويض عن إصابته.
وعن خطورة الغبار الناتج عن صناعة السيراميك وصقل وتلميع السطح الخارجى له، قالت الدكتورة نادية الطيب، رئيس قسم بحوث تلوث الهواء بالمركز القومى للبحوث، إن هذا الغبار يحتوى على «السيليكا» وكذلك مواد «الباريوم» و«الزركون» و«طَفلة الكاولين» و«البنتونيت» وهى مواد كيميائية شديدة الخطورة وتسبب كوارث، فواحدة من حبيبات تلك المواد التى تكون على هيئة بودرة إذا دخلت إلى الرئة عن طريق التنفس والاستنشاق تدمرها تماما، وتتسبب فى إصابة العاملين ب«التحجر الرئوى» و«التليف الكبدى».
يأتى هذا بالإضافة إلى توصل دراسة علمية خلال عام 2003 صادرة عن وزارة التجارة والصناعة المصرية إلى إصابة نحو 70% من أربعين ألف عامل مصرى يعملون فى مجال صناعة السيراميك بأمراض مزمنة بالرئة والجهاز التنفسى تصل ببعضهم إلى «التحجر الرئوى»، كما تعد أوعية الكيماويات وعبوات الأصباغ الفارغة من المخلفات والنفايات الخطرة، هذا بالإضافة إلى «الحمأة» الناتجة من معالجة مياه الصرف التى يمكن أن تجمع وتجفف ويصنع منها طوب رخيص الثمن بدلًا من التخلص منها لتقليل كمية الملوثات التى يمكن أن تخرج مع مياه الصرف الصناعى.
بينما أكد المهندس إبراهيم المناسترلى، رئيس مصلحة الرقابة الصناعية التابعة لوزارة الصناعة والتجارة الداخلية، أن وسائل الأمن الصناعى المتاحة داخل مصانع الأدوات الصحية وإنتاج السيراميك لا تتناسب مع طبيعة المخاطر التى يتعرض لها العامل، حيث إنها وسائل بدائية وغير كافية لحمايته، فضلًا عن ضعف ثقافة بعض العمال العاملين بتلك المصانع الخاصة، والذين لا يستخدمون هذه الوسائل إلا فى وجود تفتيش أو زيارة للمصنع بأوامر صادرة من إدارتها، فضلا عن خطورة استعمال مواد الطلاء الزجاجى التى تحتوى على الرصاص والمعادن الصلبة السامة الأخرى، بالإضافة إلى استخدام الأصباغ والألوان المعتمدة على الكروم والتى تحتوى على الأنتيمون أو الباريوم أو الكوبالت والرصاص أو الليثيوم والمنجنيز أو الفانديوم التى تنبعث منها إشعاعات ضارة.
نفايات المصانع السامة ومخلفات الصب تُصرف في المياه
خلال جولتنا على عدد من مصانع الأدوات الصحية بمحافظتى الشرقية والدقهلية لاحظنا قيام إدارة المصانع بصرف مخلفات الإنتاج والنفايات الخاصة بها فى مياه الترع والمصارف المجاورة لها، وهو ما يتسبب فى إحراق الزرع وجفافه وكل المحاصيل الموجودة فى أراضى الفلاحين إذا تم الرى فى نفس يوم صرف تلك المخلفات السائلة من المياه الملوثة الناتجة عن عمليات غسيل القوالب لإزالة المواد العالقة بها، والمخلفات الأخرى التى يتم فصلها بعد عملية الصب وقبل التجفيف، والتى تمثل خطورة بالغة على صحة الحيوان وأحد مصادر تلوث المياه. فى المقابل تجرى بعض المصانع عمليات التخفيف لمياه الصرف الملوث قبل صرفه على الشبكة العمومية وهو ما تحظره المادة رقم 44 لسنة 2002، كما وصل الحال ببعض أصحاب المصانع الشهيرة بالدقهلية إلى استغلال إحدى الأراضى المهجورة كمخزن للنفايات المشعة المستخرجة من عملية التصنيع، رغم خطورة هذه المواد التى يجب دفنها بعيدًا عن الحيز العمرانى وعدم التعرُّض لها من قبل الإنسان أو الحيوان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.