تراجع أسعار الذهب في بداية تعاملات اليوم السبت 7 يونيو 2025    عيار 21 الآن.. سعر الذهب اليوم السبت 7-6-2025 في مصر بعد آخر ارتفاع    أسعار الفراخ والبيض في بورصة وأسواق الشرقية اليوم السبت 7 يونيو 2025    أسعار الحديد اليوم في مصر السبت 7-6-2025    ارتفاع تأخيرات القطارات في ثاني أيام العيد    سعر الخضار والفواكه اليوم السبت 7-6-2025 في المنوفية.. الطماطم 10 جنيها    جيش الاحتلال يقصف منطقة بطن السمين في خانيونس    وزير العمل يهنئ فلسطين بمنحها "عضو مراقب" بمنظمة العمل الدولية    اليابان: لا اتفاق بعد مع الولايات المتحدة بشأن الرسوم الجمركية    مباريات اليوم السبت.. إنجلترا وهولندا في مهمة خارج الديار بتصفيات كأس العالم    دوناروما: أداء إيطاليا لا يليق بجماهيرنا    بعد تصريحات زيزو.. عضو مجلس الزمالك يوجه رسالة غامضة    إجراء تحليل المخدرات لسائق دراجة نارية دهس سيدة بأكتوبر    نتيجة الشهادة الإعدادية 2025 بالقاهرة.. اعرف موعد الإعلان    توافد جماهيري على الحديقة الدولية فى ثانى أيام عيد الأضحى    النشرة المرورية.. سيولة بحركة السيارات بمحاور القاهرة والجيزة    طريقة عمل كباب الحلة، ألذ وأسرع غداء على سفرتك في العيد    محافظ الإسماعيلية يوجه بفتح الأندية لنزلاء دور الرعاية والمسنين (صور)    تقديس السينما عند جعفر بناهي.. دروس للأجيال    بأمر المحكمة.. سفاح المعمورة في مستشفى العباسية للكشف على قواه العقلية    التفاصيل الكاملة لاتهام زوجة المطرب إسماعيل الليثي بالاعتداء عليها وسرقة مجوهراتها    بعد خلافه مع ترامب.. إيلون ماسك يدعو إلى تأسيس حزب سياسي جديد    بعد خلافه مع «ماسك».. «ترامب» يُفكر ببيع سيارته «تيسلا S»    ترامب يكلف بتوسيع إنتاج الطيران الأسرع من الصوت    «كذاب وبيشتغل الناس».. خالد الغندور يفتح النار على زيزو    "مش جايين نسرق".. تفاصيل اقتحام 3 أشخاص شقة سيدة بأكتوبر    «لعيبة تستحق تلبس تيشيرت الزمالك».. شيكابالا يزف خبرًا سارًا لجماهير الأبيض بشأن الصفقات الصيفية    محمد هانى: نعيش لحظات استثنائية.. والأهلي جاهز لكأس العالم للأندية (فيديو)    بعد تصدرها الترند بسبب انهيارها .. معلومات عن شيماء سعيد (تفاصيل)    كلهم مصريين، مصرع شخص وإنقاذ 36 آخرين في احتراق مركب هجرة غير شرعية قبالة سواحل ليبيا    صدام ترامب ونتنياهو بسبب إيران.. فرصة تاريخية لدى رئيس أمريكا لتحقيق فوز سياسي    محمد عبده يشيد ب " هاني فرحات" ويصفه ب "المايسترو المثقف "    مباحثات مصرية كينية لتعزيز التعاون النقابي المشترك    الثلاثاء أم الأربعاء؟.. موعد أول يوم عمل بعد إجازة عيد الأضحى 2025 للموظفين والبنوك والمدارس    سفارة الهند تستعد لإحياء اليوم العالمي لليوجا في 7 محافظات    محاضرة عن المتاحف المصرية في أكاديمية مصر بروما: من بولاق إلى المتحف الكبير    منال سلامة ل"الفجر الفني": لهذا السبب قد أرفض بطولة.. ولا أفكر في الإخراج    دار الإفتاء تكشف آخر موعد لذبح الأضحية    «الدبيكي»: نسعى لصياغة معايير عمل دولية جديدة لحماية العمال| خاص    «المشكلة في ريبيرو».. وليد صلاح الدين يكشف تخوفه قبل مواجهة إنتر ميامي    الشناوي: المشاركة فى مونديال الأندية إنجاز كبير.. وحزين لرحيل معلول    المطران فراس دردر يعلن عن انطلاق راديو «مارن» في البصرة والخليج    بمشاركة 2000 صغير.. ختام فعاليات اليوم العالمي للطفل بإيبارشية المنيا    صلى العيد ثم فارق الحياة.. تشييع جنازة صيدلي تعرض لأزمة قلبية مفاجئة في الشرقية    بسبب ماس كهربائي.. السيطرة على حريق نشب في كشك بكرداسة    معلومات من مصادر غير متوقعة.. حظ برج الدلو اليوم 7 يونيو    سالى شاهين: كان نفسى أكون مخرجة سينما مش مذيعة.. وجاسمين طه رفضت التمثيل    الكنيسة الإنجيلية اللوثرية تُعرب عن قلقها إزاء تصاعد العنف في الأراضي المقدسة    «المنافق».. أول تعليق من الزمالك على تصريحات زيزو    تفاعل مع فيديو هروب عجل قفزًا في البحر: «رايح يقدم لجوء لأوروبا»    البابا تواضروس يهاتف بابا الفاتيكان لتهنئته بالمسؤولية الجديدة    لأصحاب الأمراض المزمنة.. استشاري يوضح أفضل طريقة لتناول البروتين في العيد    أستاذ رقابة على اللحوم يحذر من أجزاء في الذبيحة ممنوع تناولها    حدث في منتصف ليلًا| أسعار تذاكر الأتوبيس الترددي على الدائري.. وموجة حارة بكافة الأنحاء    تفشي الحصبة ينحسر في أميركا.. وميشيغان وبنسلفانيا خاليتان رسميًا من المرض    وزير الأوقاف يشهد صلاة الجمعة بمسجد سيدنا الإمام الحسين بالقاهرة    حكم من فاتته صلاة عيد الأضحى.. دار الإفتاء توضح التفاصيل    سنن وآداب صلاة عيد الأضحى المبارك    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عمال وسكان معرضون للموت بسبب غبار السيليكا

بدأت الأعراض بسعال، ثم أخذ «عم سلامة» العامل فى مصنع سيراميك بالسويس يشكو تدريجيا من ضيق فى التنفس مع المجهود. ثم اشتد السعال، وبدأ يعانى من ضيق فى التنفس مع أقل جهد، حتى أصبح غير قادر على العمل بعد 20 عاما فى هذه الصناعة.
فى مكتب التأمين الصحى التابع لمنطقة عمله، يتابع عم سلامة تغير تعبيرات وجه الطبيب، حين أبلغه بأنه يعانى من «تغبّر» فى الرئة نتيجة استنشاق تراب السيليكا. لم يطمئن لما سمعه من هذا الطبيب فيقرر استشارة مستشفى خاص فى السويس على نفقته. هناك أبلغه طبيب آخر بأنه مصاب بسرطان الرئة بعد أن أخضعه لفحوص وأشعة.
عم سلامة «56 عاماً» يتذكر رحلته مع المرض منذ إصابته بتغبّر الرئة «السيليكوسيز» بعد 15 عاما من العمل فى مصنع السيراميك. لكن تأخر اكتشاف المرض وعلاجه أدى إلى إصابته بالسرطان.
ويتحدث عن إصابة معظم زملائه بأمراض الصدر والرئة بسبب المواد الداخلة فى الصناعة وعمليات الطحن والتكسير، التى ينتج عنها غبار مسموم يسكن رئة العامل، وقد ينهى حياته بالسرطان.
تجاوزات أصحاب مصانع السيراميك تهدد حياة 40 ألف عامل داخل هذه المنشآت فهم معرضون لخطر الإصابة بأمراض خطيرة تبدأ من الدرن والربو وقد تصل فى كثير من الأحيان لتغبر الرئة أو السرطان. كما أن هيئة التأمين الصحى لا تلتزم بإجراء فحوص دورية للعمال وفق ما هو منصوص عليه فى قانون التأمينات الاجتماعية، للتأكد من عدم إصابتهم بأمراض مهنية خطيرة مبكراً، مما يجعل المرض يستفحل داخل رئة العامل وصدره، قد يؤدى فى نهاية الأمر إلى وفاته.
تعقبا لهذه الحكايات دخلنا عالم صناعة السيراميك التى تضم 31 مصنعا بحجم استثمارات 5,1 مليار دولار «إطار رقم 2» لنكشف حيل رجال الأعمال أصحاب المصانع للتهرب من توفير أدوات السلامة والصحة المهنية وخصوصا الكمامات المتطورة لحماية عمال مصانعهم من غبار السيليكا المميت الناتج عن الصناعة «إطار رقم 1»، وكذلك الالتزام بالإجراءات الهندسية التى تقرها وزارة القوى العاملة والإدارات التابعة لها، من أجل توفير الأموال وضمان مكاسب أكبر، مستغلين ضعف قانون العقوبات المصرى الذى يلزمهم بدفع غرامات لا تقل عن ألف جنيه ولا تزيد عن 10 آلاف أو الحبس 3 شهور أو الاثنين معا فى حال مخالفة القانون، مع غياب دور الرقابة فى تفعيل القوانين التى تلزم الجهات الرقابية بغلق المصانع المخالفة، لمحاباة رجال الأعمال على حساب العمال البسطاء كما أكد لنا حقوقيون فى مجال حقوق العمال.
يعمل «سيد ع»- الذى يرفض ذكر اسمه كاملا خشية فصله- فى مصنع سيراميك منذ ثمانى سنوات، ينحصر عمله فى مرحلة إعداد البلاطة التى تشمل طحن المواد الخام وتجفيفها، براتب 700 جنيه شهريا - أقل من الحد الأدنى للأجور ب 500 جنيه - منذ حوالى عامين بدأ يشعر باختناق أثناء العمل، وسعال متواصل.
يقول: طبيب أمراض صدرية أبلغنى أنى مريض بالسيليكوسيز ولكن فى مراحله الأولى، وحذرنى إذا لم أنتبه سريعا للمرض وأبدأ فى العلاج قد يتطور الأمر لسرطان رئة.
أعراض «سيد ع» و«عم سلامة» يؤكدها أستاذ الأمراض الصدرية بمستشفى الدمرداش د.مصطفى شوقى، ويضيف: قد تأخذ تلك المراحل «من الأعراض» حتى الإصابة بمرض السيليكوسيز شهورا أو سنوات قليلة وهذا يختلف من شخص لآخر حسب الجينات الخاصة بكل فرد- حسبما يشرح د.شوقى- وبعض العمال لا يلجأون إلى عمل الفحوص إلا بعد أن يشعروا بعدم قدرتهم على العمل ووقتها يكون المرض فى مراحله المتأخرة.
∎ غبار السيليكا هو السبب
«السيليكا هى السبب يا أستاذ، غبار السيليكا هيودينا فى داهية والمصانع لا توفر كمامات، والدولة تعلم ذلك» هكذا قال (على ب) الكيميائى بأحد أكبر مصانع السيراميك فى مصر وتابع قائلاً: المواد الخام الأساسية المستخدمة فى صناعة السيراميك هى الرمل، الفلسبار، الطين الأسود، الطين الأبيض، الكاولين، التلك، بالإضافة إلى بعض المواد الأخرى التى تستخدم فى بعض العمليات مثل هيدروكسيد الصوديوم، سيليكات الصوديوم، كربونات الكالسيوم، وغيرها. وينتج عن عمليات طحن وتكسير هذه المواد غبار السيليكا، الذى يصيب العمال بأمراض الصدر والسرطان الرئوى والسيليكوسيز.
يقول د. شوقى: مادة السيليكا لا تتسبب فقط فى مرض السيليكوسيز، بل تتسبب أيضا فى إصابة العامل بالدرن، لأنها تدخل على خلايا محددة مسئولة عن حماية الجسم من مرض الدرن وموجودة بالجهاز المناعى وتدمرها تماما.
معد التحقيق اصطحب عاملين بمصانع السيراميك المتواجدة فى منطقة العاشر من رمضان وعددها ستة مصانع، وهما «عبدالرازق خ» و«سيد ع»، وأجرينا لهما فحوصا وأشعة على الصدر، وتأكدنا من إصابة الأول بمرض الدرن والثانى بمرض السيليكوسيز وحصلنا من المعمل الذى أجريت به الفحوصات على صورة رقمية من الأشعة الخاصة بهما.
فى استبيان أجراه معد التحقيق: العمال لا يجرى لهم كشف دورى وبعضهم لم ير الكمامات قط.
أجرينا استبيانا للوقوف على حقيقة الأمر داخل مصنعين بمنطقة العاشر من رمضان.. وفى نطاق بحثنا جاءت نتائج الاستبيان الذى شارك به 78 عاملا من المصنعين كالتالى: جميع العمال تم التعاقد معهم بعقود عمالية وجميعهم تعرضوا للكشف الطبى قبل الالتحاق بالعمل بما فى ذلك فحوصات الصدر والرئة والإشاعات الخاصة بذلك والتأمين الصحى الحكومى هو الجهة التى قامت بالكشف الطبى، وأجمع العمال على أن مصانعهم غير متعاقدة مع مراكز طبية، خاصة أن هناك طبيبا بالمصنع يقوم بالكشف عليهم فقط حينما يطلبون إجازة مرضية ليحدد مدى أحقيتهم فى ذلك.
95٪ من العمال لا يشعرون أن التأمين الصحى الحكومى مفيد لهم وأنه لا يقدم لهم العلاج المناسب بعد التعرض للأمراض العادية أو المهنية، رغم أنهم يدفعون مبلغا شهريا للتامين الصحى يتم خصمه من رواتبهم، و5 ٪ فقط يرون أنه أحيانا يفيد العمال.
وعند سؤالهم عن المشاكل التى تواجههم فى التعامل مع التأمين الصحى تعددت الإجابات ولكن أغلبها يشير إلى أن الهيئة الحكومية بعيدة تماما عن العمال.
جميع العمال لا يجرى لهم الكشف الدورى ثلاث مرات فى العام المنصوص عليه فى قانون التأمينات الاجتماعية والمكلفة به هيئة التأمين الصحى، مؤكدين أنه لم تجر لهم فحوصات على الصدر والرئة بعد التحاقهم بالعمل. كما أكد العمال أنهم لا يعلمون أى شىء عن الفحص الدورى الواجب إجراؤه من قبل هيئة التأمين الصحى بسبب عدم معرفتهم بالقانون وبنوده.
41 ٪ من العمال أصيبوا بأمراض متنوعة بعد التحاقهم بالعمل، و80٪ من العمال المصابين يؤكدون أن إصابتهم بالمرض سببها العمل و20٪ لا يعلمون السبب، كما يؤكد نحو 90٪ من العمال أن لديهم مشاكل صحية فى الصدر والرئة.
وحول توفير إدارة المصنع لأدوات السلامة والصحة المهنية، أكد ما يقارب 77٪ من العمال أن الإدارة توفر جزءا منها وليس الكل و23٪ أكدوا أن الإدارة لا توفر أى أدوات، و100 ٪ من العمال أكدوا أن الإدارة لا توفر الكمامات الحديثة ذات الفلتر التى تحميهم من الغبار الناتج عن الصناعة، وفى خانة الملاحظات الأخيرة دون معظمهم عبارات تدل على أن حقوق العمال مهدرة وأن رجال الأعمال لا يهتمون بحقوقهم وأن الدولة غائبة عن المشهد تماما.
∎ دراسة حكومية تثبت ارتفاع نسبة السيليكا والمصانع لا تلتزم بالتوصيات
المركز القومى لدراسات السلامة والصحة المهنية مؤسسة حكومية، تستعين بها أجهزة الدولة والمصانع لعمل قياسات وفحوصات دورية داخل المنشآت الصناعية فى كل الجوانب المتعلقة بالسلامة المهنية والوقاية البيئية.
«د. ماجدة سلام» رئيس الإدارة العامة لبحوث البيئة المهنية التابعة للمركز القومى لدراسات السلامة، أكدت لنا أن آخر دراسة بحثية ميدانية على مستوى الجمهورية أجراها المركز «حول الأتربة» المميتة ومصانع السيراميك نشرت عام 2000 تحت عنوان «تقييم التعرض للأتربة بصناعة السيراميك والتحكم فيها».
تؤكد «د. ماجدة» أن هذه الدراسة الشاملة يتم تحديثها سنويا منذ عام 1999 والنتائج لم تتغير، لأن أصحاب المصانع لم يلتزموا بما أوصت به نتائج الدراسة.
حصلنا على نسخة من هذه الدراسة، التى أجريت لمقارنة تركيزات السيليكا الحرة - وهى المادة الخطرة التى تسبب المرض - فى الأتربة المنبعثة، وجاءت النتائج لتظهر زيادة بالغة عن الحد المسموح بالتعرض له، بلغت فى بعض الأحيان مستويات تشكل خطورة بالغة على العمال المعرضين لها.
وكشفت الدراسة الآتى: «تم إجراء تحليل كمى بالوزن لعدد 200 عينة أتربة متصاعدة كلية ومستنشقة داخل مصانع السيراميك وكذلك تحليل 20 عينة كيميائيا لتقدير نسبة السيليكا الحرة بها فى المراحل الصناعية المختلفة».
تركيز الأتربة المستنشقة وصل أقصاه أثناء وزن مكونات جسم البلاطة حيث بلغ 6,667 ملجم/م3 بينما الحد المسموح بالتعرض له هو 68,0 ملجم /م,3 مما يعنى تعرض العامل لتركيز يزيد 900 مرة عن الحدود الآمنة.. وأظهرت تحاليل السيليكا الحرة فى الأتربة أنها مرتفعة حيث تراوحت بين 11٪ إلى أكثر من 60 ٪ من نسبة الأتربة.
كما توصلنا إلى تقرير صادر عام 2013 عن المركز القومى لدراسات السلامة والصحة المهنية، يوضح النتائج النهائية لقياس تركيز الأتربة المستنشقة الشخصية فى الخدمة الميدانية بأحد أكبر مصانع السيراميك والبورسلين فى مصر.
وتم القياس عن طريق وضع جهاز صغير يسمى «ماسك الأتربة» على صدر العامل، ويصاحبه طوال ساعات العمل الثمانية المقررة للعامل طبقا لقانون العمل المصرى، ليلتقط الأتربة الموجودة فى الهواء المحيط. وأجريت القياسات فى عدة أماكن داخل المصنع تنبعث الأتربة أثناء العمل فيها، وجاءت النتائج كالتالى: المكابس حيث كبس المواد الخام «9,1 ملجم/م3»- المجففات حيث تجفيف 7,3 ملجم /م3- مكبس الوزرة 3,2 ملجم/م3 - الطواحين حيث 6,33 ملجم/م3 وهذه النتائج أعلى من الحد المسموح به وهو 8,0 ملجم/م.3 «والملجم هو وحدة قياس الأتربة وتعنى ملجم من الأتربة الملوثة على المتر المكعب من الهواء».
كما جاءت النتائج بين خطوط الجليز 2,2 ملجم/م,3 وهى زيادة عن الحد المسموح وهو 1,2 ملجم/م,3 حيث تختلف النسبة المسموح بها عند خطوط الجليز عنها عند باقى المناطق طبقا لنسبة السيليكا الحرة بالأتربة.
وتشرح د. ماجدة سلام ذلك قائلة: الحد المسموح به فيما يخص تركيز الأتربة متغير، ويتوقف حسب نسبة السيليكا فى الأتربة، ونستخلص الحد المسموح به من خلال عمل معادلة رقمية بسيطة تعتمد على أرقام ناتجة عن القياسات، لنستطيع الخروج بالحد المسموح الذى يختلف من مكان لمكان.
∎ إجراءات السلامة ومهمات الوقاية المنصوص عليها فى القوانين غائبة عن مصانع السيراميك
قالت «د. ماجدة»: إن كل مصانع السيراميك الموجودة فى مصر- طبقا لدراسات المركز والتقارير الصادرة عنه- تشهد هذه الزيادات الكارثية فى تركيز الغبار، لأنها لا تلتزم بالإجراءات الهندسية والصحية الواجب اتباعها، والتى تقرها إدارات السلامة والصحة المهنية التابعة لوزارة القوى العاملة.
التزام المصانع بالإجراءات الهندسية ووسائل السلامة المهنية يقره قانون العمل رقم 12 لسنة ,2003 فى المادة 208 التى نصت على:
«تلتزم المنشأة وفروعها بتوفير وسائل السلامة والصحة المهنية وتأمين بيئة العمل فى أماكن العمل بما يكفل الوقاية من المخاطر».
أما المادة 210 من نفس القانون فتنص على: «تلتزم المنشأة وفروعها باتخاذ وسائل وقاية العمال من خطر الإصابة بالبكتيريا والفيروسات والفطريات والطفيليات والمخاطر البيولوجية، متى كانت طبيعة العمل تعرض العمال لظروف الإصابة بها».
وعن الأدوات ووسائل السلامة والصحة المهنية التى من المفترض أن يوفرها المصنع كاملة للعامل بشكل دورى يقول فؤاد سعد مدير المنظمة المصرية للسلامة والصحة المهنية: «الملابس عبارة عن جوانتى، وخوذة، وأفارول، وكمامة مناسبة، ونظارة واقية، وسدادة أذن، وسيفتى، وكوزلك».
وتابع: إن الكمامة التى يحتاجها العامل المتعرض للغبار تختلف حسب نسبة تركيز الغبار داخل المصنع، ويوجد 5 أنواع للكمامات تختلف حسب نسبة تركيز الغبار فمثلا إذا كان تركيز الغبار أقل من أو يساوى 500 ميكروجرام لابد من كمامة تهوية تنقى الهواء ومجهزة بمرشح ذى كفاءة عالية، وإذا كان التركيز أقل من أو يساوى 1250 ميكرو جرام لابد من كمامة مجهزة بخوذة وتعمل بنظام تدفق مستمر، وإذا كان التركيز أقل من أو يساوى 2500 لابد من كمامة تغطى الوجه بالكامل ومجهزة بمرشح عالى الكفاءة، وإذا كان التركيز أقل من أو يساوى 50000 لابد من كمامة تنقى الهواء ونصف قناع وتعمل بواسطة الضغط عند الحاجة، أما لو كان التركيز فى حده الأقصى أى أقل من أو يساوى 100000 ميكرو جرام لابد من كمامة مجهزة بغطاء وجه كامل ويعمل بالضغط عند الحاجة.
وتقول «د. ماجدة»: الكمامة تساهم إلى حد كبير فى تقليل تأثير الغبار على العامل، وأن يمارس العمال فى مصانع السيراميك عملهم بدون الكمامة المناسبة فهذا عبث وشبه انتحار وجريمة لا يجوز الصمت عليها.
∎ الدور الرقابى للدولة يقتصر على إخطار المصنع بأنه تجاوز نسب الغبار المسموح بها.
واجهنا «د. ماجد سرور» وكيل وزارة القوى العاملة لرعاية وحماية القوى العاملة وتأمين بيئة العمل بكل ما توصلنا إليه وبنتائج التقارير والاستبيان فقال: مهمة المكاتب الإدارية التابعة للوزارة إجراء قياسات بشكل دورى وقياس نسبة الغبار العالق بالهواء والأتربة وإذا وجدنا نسبة الغبار أعلى من المسموح وهذا- غالبا ما يحدث - نقوم بإخطار المنشآت لمراعاة ذلك وتخفيض نسبة الأتربة للحد المسموح به قانونا.
كما أنهم يتأكدون من توفير المصانع لمهمات الوقاية للعمال وارتداء العمال لها، وأن تكون غير منتهية الصلاحية وكذلك وجود وسائل تهوية بمواصفات هندسية سليمة.
عندما أكدنا ل «د.ماجد» أن العمال لا يرتدون مهمات الوقاية وأنهم يؤكدون أن إدارة السلامة المهنية لا تقوم بالتفتيش عليهم داخل المصانع، أنكر ذلك وأصر على أن الإدارات تقوم بعملها على أكمل وجه، ورفض انتقادات العمال ومشاهدات كاتب التحقيق.
∎ صاحب المصنع يفضل دفع الغرامة التى لا تزيد عن 10 آلف جنيه على الالتزام
«ماجدة بركات» كبير باحثين بالإدارة العامة للسلامة والصحة المهنية والقائم بأعمال المدير تقول: إذا وجدنا المنشأة لم تلتزم بأى مما سبق نقوم بإنذارها لمدة شهر لتقوم بتوفيق أوضاعها وإذا طلبت مهلة أخرى نعطيها مهلة أقصاها ثلاثة شهور ونحفظ التقرير إذا استجابت، وإذا لم تستجب نوقع عليها العقوبات، ونرسل التقارير للمحكمة لتحديد نوع العقوبة المنصوص عليها قانونا بأنها غرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تزيد عن 10 آلاف أو الحبس 3 شهور أو الاثنين معا.
ضعف العقوبات فى القانون المصرى يجعل أصحاب المصانع يضربون بتقارير الجهة الرقابية وعقوباتها عرض الحائط - كما يؤكد لنا فؤاد سعد مدير الجمعية المصرية للسلامة والصحة المهنية.
فصاحب المصنع - كما تؤكد لنا ماجدة بركات - يفضل دفع غرامة سنوية طبقا للقانون لن تزيد عن 10 آلاف جنيه، على أن يوفر للعمال إجراءات السلامة والصحة المهنية التى تكلفه ملايين الجنيهات سنويا، أو يلتزم بالضوابط الهندسية والبيئية الخاصة بمصنعه.
∎ دور غائب.. التأمين الصحى ملزم قانونا بالكشف على العمال وعلاجهم
بموجب قوانين العمل يقوم التأمين الصحى التابع لوزارة الصحة فى كل محافظة ومدينة بعمل كشف دورى على العمال وتحديد نسبة الإصابة بأمراض العمل لكل منطقة صناعية، وهى الأمراض المهنية المدرجة فى جدول رقم واحد المرافق لقانون التأمينات الاجتماعية رقم 79 لسنة ,1975 توكل مرض له دورية كشف والجدول به 48 مرضا مهنيا.
قانون التأمينات الاجتماعية يؤكد وجود السيليكوسيز ضمن الأمراض المهنية المدرجة فى جدول رقم ,1 وتم تعريف الأمراض المهنية فى نص القانون بأنها الأمراض التى تصيب العمال نتيجة تعرضهم بحكم عملهم لبعض العوامل الضارة التى تعتبر جزءا من بيئة العمل.
ويقول «فؤاد سعد» مدير الجمعية المصرية للسلامة والصحة المهنية: التأمين الحكومى على صحة العامل يلتزم بعمل كشف دورى على العمال ثلاث مرات سنويا طبقا للقانون، وإذا اكتشفوا إصابة عامل بمرض مهنى بسبب عمله لابد من اتخاذ إجراءات فورية لعلاج هذا العامل وتعويضه ماديا عن فترة غيابه عن العمل حتى يشفى أو صرف معاش فورى له فى حال عدم قدرته على العمل مجددا.
كل هذه الأدوار نص عليها القانون ولا تنفذها هيئة التأمين الصحى رغم أن العامل وصاحب العمل يدفعان شهريا نسبة 4٪ من راتب العامل يتم توريدها لصندوق التأمين الصحى من أجل كل ما ذكرته.
قابلنا «د. على حجازى» رئيس الهيئة العامة للتأمين الصحى لمواجهته بما قاله العمال وسؤاله عن دور الهيئة فى معالجة العمال المرضى والحصول على أرقام المصابين بالسيليكوسيز فى مصر، لكنه رفض إفادتنا بأى معلومة بحجة «ظروف البلد» و«تعليمات عليا من جهات عليا».
كوارث فى تقرير جهاز شئون البيئة.
ومما يعمّق المشكلة ويزيد خطرها أن الغبار الناتج عن صناعة السيراميك ينتشر فى هواء المناطق المحيطة بالمصانع حتى مسافة 5 كيلومترات كما أكد رئيس قسم بحوث الهواء بالمركز القومى للبحوث ليستنشقه سكان المناطق المحيطة بمصانع السيراميك وهنا يأتى دور الجهة الرقابية الثانية وهى وزارة الدولة لشئون البيئة.
جهاز شئون البيئة التابع لوزارة البيئة طبقا لقانون العمل يرصد مدى التلوث البيئى الذى قد ينتج عن الصناعات وله سلطة محاسبة المتجاوزين طبقا لقانون البيئة رقم (4) لسنة .1994
لكن الجهاز رفض التعليق على ما توصلنا إليه أو إمدادنا بأى تقارير سوى التقرير السنوى لحالة البيئة الذى يؤكد انتشار الغبار المميت فى مصر.
وجاء بالتقرير السنوى عن حالة البيئة فى مصر لعام 2011 والصادر فى 2012 وهو أحدث تقرير أصدرته الوزارة حتى الآن ما يلى:
تعتبر الجسيمات العالقة المستنشقة واحدة من ستة ملوثات رئيسية تؤثر بشكل عام على صحة الإنسان والبيئة المحيطة به فى مصر، وهى «ثانى أكسيد الكبريت وثانى أكسيد النيتروجين وأول أكسيد الكربون وغاز الأوزون الأرضى والرصاص وأخيرا الجسيمات العالقة المستنشقة»، وتلتزم الوزارة بالتصدى لمصادر هذه الملوثات للتقليل منها بجميع الوسائل الفنية والعلمية حتى تصل إلى الحدود المقررة طبقا للمعايير الصحية التى تقرها منظمة الصحة العالمية.
وتابع التقرير: قامت الوزارة برصد الجسيمات المستنشقة العالقة فى الهواء ذات القطر الأقل من 5,2 ميكرون «الميكرون هو وحدة قياس وزن الجسيمات العالقة فى الهواء»، وهى أخطر الملوثات على الإطلاق لأنها تحتوى على السيليكا الحرة.
∎ القانون المنظم لا يحتوى على حد أقصى مسموح به لأشد وأخطر أنواع ملوثات الهواء
وفى هذا الجزء من التقرير نكتشف تجاوزا مهنيا خطيرا، إذ إن الحد الأقصى المسموح به هو 50 ميكروجراما /م3 - أى ألا يحتوى المتر المكعب من الهواء على أكثر من 50 ميكروجراما وهى وحدة قياس وزنية لقياس الجسيمات- طبقا لمنظمة الصحة العالمية، لكن اللائحة للقانون رقم 4 لسنة 1994 والتى تلتزم بها الوزارة، لا تحتوى على حد أقصى للجسيمات المستنشقة الأقل من 5,2 ميكرون.
وذكر فى التقرير أنه «جارى اقتراح» هذا المعيار لضمه للائحة وهذا يؤكد أنه حتى الآن لا يحتوى القانون المنظم على حد أقصى مسموح به لأشد وأخطر أنواع ملوثات الهواء فى العالم، ما يثير شبهة إهمال ولا مبالاة.
كارثة أخرى تضمنها التقرير وهى أن المتوسط السنوى لعام 2011 فيما يخص الجسيمات الأقل من 5,2 ميكرون هو 74 ميكروجراما /م3 أى بزيادة حوالى 50٪ عن الحد الأقصى الذى تسمح به منظمة الصحة العالمية.
إذن كيف يمكن أن نحد من خطورة استنشاق السيليكا؟
أثبت المعهد القومى للسلامة المهنية والصحة الأمريكية «NIOSH» فى دراسات متعددة أن الطريقة الأمثل للتغلب على مرض السيليكوسيز هو عدم التعرض لغبار يحتوى على سيليكا، ولما كان هذا الأمر يستحيل تحقيقه بدأ العمل على خفض مدة التعرض للغبار بكل الوسائل الممكنة والمتاحة، ونجحت بعض الدول بالفعل فى تقليص نسبة الإصابة بهذا المرض إلى السدس سنويا بفضل تطبيق إجراءات بيئية وهندسية صارمة-معظمها أقره المركز القومى للسلامة والصحة المهنية فى مصر- تمثلت فى الأتى:
- فصل مناطق التخزين عن مناطق التشغيل
- استخدام أساليب الوقاية من الرياح، مثل حواجز الوقاية من الرياح على «الحواجز الصناعية»
- استخدام الأنظمة المغلقة فى نقل المواد الخام الجافة مثل الناقلات والمغذيات اللولبية المغلقة
- استخدام معدات استخراج الغبار والمرشحات الكيسية وبالأخص عند نقاط تحميل وتفريغ المواد الجافة وفى أماكن التقطيع
- الحد من نقاط تسرب الهواء والانسكاب من خلال الصيانة الدورية
- الاحتفاظ بمستوى ضغط سلبى فى الأنظمة المغلقة المستخدمة فى مناولة المواد وإزالة الغبار من الهواء المسحوب
- استخدام أجهزة فصل الغبار الرطب لمعالجة الانبعاث الناتجة عن عمليتى التجفيف بالرزاز، والتزجيج واستخدام المرشحات الرقائقية الملبدة لفصل الغبار أثناء عملية التزجيج
لم يجر ل«عم سلامة» وعديدين غيره أى من ذلك ولم يبق لهم وأمثالهم سوى انتظار قضاء الله ولبقية العاملين انتظار أن تسن قوانين تسمح بمحاسبة من يتسببون لهم فى المرض ليتوقف تساقط العمال وخروجهم من سوق العمل فى مصانع السيراميك لاعتبارات الصحة المهنية.∎
1 - السيليكا الحرة
∎ لكن ما هى السيليكا؟ وماذا تفعل داخل جسم الإنسان؟
.. د. رجائى الطحلاوى أستاذ التعدين بكلية الهندسة جامعة أسيوط ورئيس الجامعة الأسبق يقول: «السيليكا الحرة المتبلورة أو آل sio2 واحدة من المعادن الشائعة فى القشرة الأرضية، وتوجد فى الرمال وفى العديد من الصخور، وهى تتسم بالوزن الخفيف وتظل عالقة بالهواء فترات طويلة وتؤثر فى البشر عن طريق الاستنشاق.
أما غبار السيليكا فيتولد أثناء عمليات تكسير وطحن الصخور والرمال والخرسانة وبعض الخامات المعدنية داخل المناجم والمحاجر أو مصانع السيراميك والزجاج. واستنشاق هذا الغبار يسبب أخطارا كبيرة، ومن المعروف أن الجزيئات الأصغر من 5,2 ميكرون من الغبار هى التى تسبب الأضرار الصحية.
ويقول د. ياسر حسن إبراهيم رئيس قسم بحوث: الهواء بالمركز القومى للبحوث الغبار الناتج عن صناعة السيراميك يحتوى على السيلكيا الحرة وهى شديدة الخطورة وتسبب كوارث، فواحدة من حبيبات السيليكا الحرة إذا دخلت إلى الرئة عن طريق الاستنشاق كفيلة بتدميرها وتتسبب فورا فى مرض السيليكوسيز، وهو المرض خاص بغبار السيليكا فقط. ∎
2 - صناعة السيراميك فى مصر
صناعة السيراميك من أهم وأكبر الصناعات فى مصر. فتفيد بيانات وزارة التجارة والصناعة ووزارة الاستثمار أن حجم الاستثمارات فى صناعة السيراميك فى مصر 5,1 مليار دولار. ومصر ضمن الدول العشرة الأوائل فى الصناعة على مستوى العالم فتنتج ما يقرب من 5,1 ٪ من إجمالى الإنتاج العالمى، ويبلغ حجم التصدير المصرى من السيراميك 18 بالمائة من إجمالى الإنتاج.
ويبلغ عدد مصانع السيراميك فى مصر طبقا لبيانات اتحاد الصناعات المصرية 31 مصنعا فى 12 منطقة صناعية فى 8 محافظات مختلفة، وتتوزع المصانع على المناطق الصناعية كالأتى:
ستة مصانع بمنطقة العاشر من رمضان، خمسة مصانع بمنطقة 6 أكتوبر وثلاثة مصانع بالسويس وخمسة مصانع بالعامرية وبرج العرب بالإسكندرية، وأربعة مصانع بمنطقتى قويسنا والسادات المنوفية وثلاثة مصانع فى كوم أوشيم الفيوم وثلاثة مصانع فى كوم أبو راضى بنى سويف ومصنعان بالقليوبية بمنطقة أبو زعبل ومنطقة العبور ويعمل داخل هذه المصانع ما يقرب من 50 ألف عامل طبقا للأرقام الصادرة عن وزارة القوى العاملة ووزارة الصناعة المصرية.∎


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.