تجليس أساقفة جدد في إيبارشيات وسط وجنوب مصر لدعم التنمية الروحية    كيف تحدد الإجازات الاستثنائية لأصحاب الأمراض المزمنة؟    التعليم تحبط محاولات اختراق إلكتروني لصفحتها الرسمية على «فيسبوك»    من 0.09% إلى 2.3%.. رحلة صعود الطاقة الشمسية في مصر    5 وزراء يجتمعون لمتابعة الموقف الحالي لمنظومة «الرقم القومي العقاري»    البولنديون يدلون بأصواتهم في انتخابات رئاسية حاسمة    اتحاد الكرة يطبيق معايير "مكافحة المنشطات" في المسابقات    ضبط المتهم بقتل وإصابة 3 أشقاء في نجع حمادي    سقوط أعمدة وعقارات.. الحكومة توضح خسائر عاصفة الإسكندرية    تنظم زيارة لوفد البنك الدولي للمنشآت والمشروعات الصحية في الإسكندرية    متحدث الصحة: رفع درجة الاستعداد القصوى في المستشفيات استعدادا لاستقبال عيد الأضحى    "مواجهة حاسمة".. ماسكيرانو يتحدث عن أهمية مباراة الأهلي في كأس العالم    بعد تداول امتحان دراسات الإعدادية بالقاهرة.. اسم اللجنة يفضح مصور البوكليت    62 عامًا من الوحدة    الصين تتهم وزير الدفاع الأمريكي بتجاهل دعوات السلام من دول المنطقة    حريق في غابات السفكون بريف االلاذقية    محافظ أسيوط يشهد الحفل الختامي لأنشطة مدارس المستقبل    قوات حرس الحدود توجه ضربة لمهربى المخدرات    بيراميدز يتحدى صن داونز لتحقيق حلم حصد لقب دوري أبطال إفريقيا    محمد شكرى يبدأ إجراءات استخراج تأشيرة أمريكا للسفر مع الأهلى للمشاركة في كأس العالم للأندية    التاريخ لن يقف أمام الصراعات.. بل سيذكر اسم البطل الكورة بتتكلم أهلى    حدث منذ قليل .. وزارة التعليم تتصدى لاختراق الصفحة الرسمية لها على فيس بوك    بدء تشغيل الأتوبيس الترددي على الطريق الدائري    متوسط التأخيرات المتوقعة لبعض القطارات على خطوط السكة الحديد    إنفوجراف| «الأرصاد» تعلن حالة الطقس غدًا الإثنين 2 يونيو 2025    إجراءات مشددة لتأمين ضيوف الرحمن تيسير الحج    "روز اليوسف" تحقق: مفاجأة.. بيوت ثقافة موصى بغلقها تم تجديدها فى 2024 ورطة الوزير فى ثقافة الجماهير!    مصر أولا.. الثقافة.. ملف أمن قومى وليست أزمة إدارة الاستثمار الثقافى وتجريف الوعى المصرى!    أبرزها جبل الطير وحارة زويلة الكنيسة القبطية تحتفل برحلة العائلة المقدسة فى مصر    مصطفى حجاج يغني مع إسلام كابونجا "على وضع الطيران"    شريف مدكور: «نفسي أقدم برنامج ديني بدون مقابل»    ريهام عبدالغفور: تكريم جديد يكلل مسيرتي بدور استثنائي عن «ظلم المصطبة»    دعاء اليوم الخامس من شهر ذي الحجة 1446 والأعمال المستحبة في العشر الأوائل    «الإفتاء»: الأضحية من أعظم القربات إلى الله ويجب أن تكون مستوفية للشروط    دون تخوين أو تكفير.. قضايا الميراث تريد حلا    أحلف بسماها .. رموز مصرية فى المحافل الدولية    غدًا.. وزير العمل يترأس وفد مصر الثلاثي المشارك في فعاليات الدورة ال 113 لمؤتمر العمل الدولي بجنيف    وزارة الصحة: التدخين يتسبب في وفاة أكثر من 8 ملايين شخص كل عام    2700 مستفيد من قافلة جامعة عين شمس التنموية الشاملة لمحافظة سوهاج    «مكافحة العدوى» تحتفل باليوم العالمي لغسيل الأيدي بمستشفيات «سوهاج»    رحلة العائلة المقدسة.. أكثر من ثلاثين دولة تخلدها على طوابع بريد    إصابة 13 شخصا إثر حادث انقلاب سيارة ربع نقل على طريق العلاقي بأسوان    روسيا: الجسر المنهار لحظة مرور قطار الركاب تعرض لتفجير    لهذا السبب.. خالد النبوي يتصدر تريند "جوجل"    هل يجوز الدعاء بشيء وأنا أعلم أنه شر لي؟.. الإفتاء تجيب    "استمر 3 ساعات".. السيطرة على حريق سوق السيراميك بالمرج- صور    ثالث المتأهلين.. باريس سان جيرمان يحجز مقعدًا في إنتركونتيننتال 2025    حماس: وافقنا على مقترح ويتكوف كأساس للتفاوض.. ورد إسرائيل لم يلبِ الحد الأدنى لمطالبنا    لحق بأبنائه.. استشهاد حمدى النجار والد الأطفال ال9 ضحايا قصف خان يونس    حسام باولو: عيب على مهاجمي الدوري تتويج إمام عاشور بلقب الهداف لهذا السبب    الإفتاء تحسم الجدل.. هل تسقط صلاة الجمعة إذا وافقت يوم العيد؟    موقف حرج يتطلب منك الحزم.. حظ برج الدلو اليوم 1 يونيو    بسبب قطعة أرض، مقتل وإصابة 4 أشخاص والقبض على 13 في مشاجرة بسوهاج    قرار وزاري.. الدكتور السيد تاج الدين قائمًا بأعمال مدينة زويل    «شاغل نفسه ب الأهلي».. سيد عبد الحفيظ يهاجم بيراميدز لعدم الرد على الزمالك    الاحتلال ينسف منازل سكنية في القرارة شمال شرق خان يونس    رسميًا الآن.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأحد 1 يونيو 2025 بعد الانخفاض    عيار 21 الآن يسجل رقمًا جديدًا.. سعر الذهب اليوم الأحد 1 يونيو بعد الانخفاض بالصاغة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصانع «ليسيكو» للموت!

هل تخيلت أثناء شرائك لقطع السيراميك أو قطع الحمام والبانيو والأحواض وغيرها من تجهيزات المطبخ والحمام أن وراء كل قطعة من هذه القطع اللامعة البراقة عرق وسنوات من العمر بل ومن المرض تصل إلى الموت للأيدى العاملة التى أنتجت هذه الخامات؟!.. الإجابة بكل تأكيد: لا.
«روزاليوسف» رصدت بالتفصيل قصص معاناة عمال شركة ليسكو مصر التى تأسست 1977 ويعمل بها أكثر من 4 آلاف عامل وتقع بالإسكندرية وتصدر إلى أوروبا والخليج والمغرب العربى، لنكشف أن هناك وجها آخر وراء هذه القطع البديعة التى تعبر البحور والقارات، قصص مؤلمة لعمال وقعوا تحت سيطرة رأس المال الذى لا يهتم إلا بالمكسب فقط، ولكن صحة العمال وتوفير بيئة سليمة لهم ليست بالقدر الكافى من الأهمية.
عشرات من العمال سقطوا مرضى بمرض التحجر الرئوى وسرطانات الرئة الناتجة عن غبار السيلكا المميت أثناء تصنيع السيراميك، فى العشر سنوات الأخيرة، نتيجة لغياب إجراءات السلامة والصحة المهنية، وعدم توفير أى وقاية للعمال من قفازات أو قناعات للأنف والوجه، لم تكتف الشركة بقتل العمال بالبطىء وحصولها على ملايين الأرباح من تجارتها، إلا أنها تجهز عليهم بالفصل التعسفى والمعاش المبكر، وتجبرهم على إمضاء إقرارات حال الإصابة بالتحجر الرئوى ورغم أنه عجز طبى نتيجة لإصابة عمل يلزم تعويض الشركة للعامل، فإنها تساومهم إما الحصول على 20 شهراً كقيمة للمعاش المبكر أو عدم الحصول على شىء والاعتماد على طول مدة إجراءات التقاضى ووقوع العامل تحت ضغط الحاجة الاقتصادية وبؤس المرض ونفقات العلاج.
«روزاليوسف» حصلت على عشرات المستندات التى تفيد إصابة العمال بالتحجر الرئوى الناتج عن غبار السيلكا، وهى صادرة من جهات حكومية رسمية من التأمين الصحى ولجان العجز، والإدرة المركزية للسلامة والصحة المهنية، لندق من خلالها ناقوس الخطر لإنقاذ ما تبقى من عمال بالمصنع ومد يد العون للعمال الذين أصبحوا مرضى ولديهم أمل فى الشفاء من أجل أولادهم.
«روزاليوسف» التقت بعدد من عمال مصنع ليسكو الذين جلبوا المستندات والتقارير الطبية الصادرة من هيئة التأمين الصحى ومديرية القوى العاملة بالإسكندرية والتى تؤكد إصابتهم بالتحجر الرئوى نتيجة لغبار السيلكا بمصنع «ليسكو»، واستمعت إلى شكواهم وقصصهم.
رمضان مرسى - 49 عاما - يقول: عملت بشركة «ليسكو» منذ أكثر 24 سنة بدأت بعامل بقسم الصب، إلى أن وصلت إلى نائب رئيس القسم فى 2013 حتى اكتشفت إصابتى بمرض التحجر الرئوى، وهذا القسم يعد من أخطر أقسام صناعة السيراميك، حيث يتركز فيه إنتاج غبار السيلكا المميتة، لأنه القسم المسئول عن تحويل الطفلة، أى المادة الخام عبر عمليات كيميائية إلى السيراميك الذى يشتريه المستهلك وجميع الأدوات الصحية المستخدمة كالحمام والأحواض وقطع السيراميك المختلفة».
وأضاف: إن الإصابة بمرض التحجر الرئوى كالسرطان الصامت الذى لم يكتشفه إلا بعد أن وصل إلى نسبة عجز طبى مهنى 65٪ بدأت أعراضها معه بضيق فى التنفس وعدم قدرة على العمل فى مارس 2013 وبعد جولة طبية طويلة بدأت بالتأمين الصحى ثم تحويله إلى لجنة خماسية، وإقرار الإدارة المركزية للجان الطبية، ولجان التحكيم الطبى بإدارة السلامة والصحة المهنية وهو ماحصلت روزاليوسف على صور ضوئية من هذه المستندات.
كشف مرسى عن أن الشركة لم تكن توفر أى إجراءات وقائية للسلامة والصحة المهنية خلال فترة عمله 24 عاما، فأبسط شىء الكمامات الواقية كانت فى البداية توزع يوميا، ولكنها كانت قناعاً عادياً مثل الذى يباع فى الصيدليات ويسقط العامل فريسة لاستنشاق الأتربة، فضلا عن أن أقسام الصب كانت غير جيدة التهوية، بل أشبه بسجن مغلق.
وقال: إنه لا يعلم كيف يستكمل حياته وقد أصبح عاجزا تماما عن العمل نتيجة للإصابة بالمرض، ولا يمكنه الالتحاق بأى وظيفة أخرى، فالبخاخة أصبحت ترافقه فى كل مكان.
وطالب رمضان مرسى الرئيس عبد الفتاح السيسى بإنقاذ عمال مصانع السيراميك فى أنحاء الجمهورية لحماية العاملين، وأن يتم تعويض المصابين منهم بعائد مادى كاف ومعاش يكون قادراً على علاجهم بعد مرضهم.
هكذا حكى «سعيد محمد نصير»- 44 عاماً العامل المحال على المعاش لعجزه الطبى بشركة ليسكو، وعيناه تملأهما الدموع وتخالط نبرات صوته الحزن والأسى، وهو العامل الذى أعطى نصف عمره لقسم الصب بشركة ليسكو لمدة 20 عاماً بدون يوم غياب أو جزاء وتشهد دفاتر الشركة على ذلك على حسب قوله، فقد ظل مجتهدا فى عمله نشيطا حتى داهمه المرض فى سبتمبر 2013 ، وبعد رحلة طويلة نهش فيها ثعبان الروتين والمركزية جسده الضعيف المريض بين مكاتب التأمين الصحى بالإسكندرية والقاهرة ولجان تحكيم العجز ومحاضر مديرية القوى العاملة، حصل فيها على 20 شهراً بعد إحالته إلى المعاش بسبب العجز الطبى، دون أن يحصل على أى تعويض عن الإصابة أو مكافأة نهاية الخدمة.
مشيرا إلى أنه فى نفس الوقت الذى يعرض على العامل هذه الأوراق التى تنهى إجراءات عمله بالشركة يكون من بينها ورقة يضطر للإمضاء عليها بعدم مقاضاة الشركة قانونيا لأى سبب، ويكون الابتزاز والمساومة إما الإمضاء على هذه الورقة أو عدم الحصول على 20 شهراً، وهو بمثابة تهرب من الشركة من الاعتراف بمرض التحجر الرئوى وإصابته للعمال بسبب غبار السيلكا القاتل.
«روزاليوسف» حصلت على مستند من الإدارة المركزية للجان الطبية التابعة للهيئة العامة للتأمين الصحى يثبت فيه إصابة العامل بالتحجر الرئوى بنسبة عجز 80٪ ، وتليف بالرئة نتيجة لعمله بقسم الصب بشركة ليسكو مصر وهى مثبتة إصابة عمل نتيجة لأتربة غبار السيلكا، ويتطلب التوقف عن العمل لعدم وجود ما يتناسب مع حالته الصحية.
تساءل سعيد: أين أذهب الآن بمعاشى الهزيل 1100 جنيه، وأنا فى هذه السن الصغيرة 44 عاما، كيف أنفق على أسرتى وعلاجى فى آن واحد، فقد أصبحت بمثابة رجل يحمل كفنه يوميا على كتفه مستعدا لاستقبال الموت فى أى لحظة، بعد أن نهش غبار السيلكا رئتى، وحولنى لكهل وأنا فى منتصف العمر، لا يقوى جسدى على حملى للصعود إلى سلم المنزل؟!، ألم يكن التعويض الملائم والعلاج على نفقة الشركة هو أقل تقدير يمكن تقديمه للعمال الذين قضوا عمرهم بأكمله بإخلاص فى تحقيق الملايين من أرباح الشركة، حتى أصبحت من كبرى شركات الشرق الأوسط فى صناعة السيراميك وتصدر لألمانيا وإنجلترا وفرنسا، وجنوب أفريقيا وجميع دول الخليج والمغرب العربى؟!
وجه سعيد نداء لرئيس الجمهورية قائلا: كيف يمكن لرجل فى 44 عاماً أن يعيش عالة على أسرته ويتحول إلى قعيد فى المنزل؟!، أين حقوق العمال التى تحدث الرئيس عنها فى خطاباته المتعددة، فنحن الشعب الذى وقف وحمى الأقسام أثناء الثورة ولم نتخل عن مصنعنا ولقمة عيشنا فى وقت كانت الاعتصامات والاحتجاجات الفئوية تمثل صداعا فى رأس الدولة، مضيفا: كل ما أريده هو إمكانية العلاج خارج مصر لاستكمال الحياة وتوصيل عائلتى إلى بر الأمان.
«الناس تيجى من آخر الدنيا وتقف ولو ساعة أمام هواء بحر إسكندرية، ولكن فى حالتى المرضية لا أستطيع، فضمور رئتى أصبحت لا تحتمل استيعاب كل هذا الهواء الكثيف.. العمال الذين خرجوا مصابين بالتحجر الرئوى من المصنع أصبحوا مجرد أجسام وهياكل تسير على الأرض.. نحن أصبحنا شبه البنى آدمين ولكن ما يدعم بقاءنا هو رذاذ البخاخة الذى يطيل من أنفاسنا يوماً بعد الآخر».
بهذه الكلمات القاسية يحكى جمال حسنين أزمته مع شركة ليسكو، بعد أن قضى أكثر من ربع قرن يعمل بقسم الصب حتى تشبعت رئتاه بغبار السيلكا المميت، يقول جمال: شعرت بآلام وحرقان فى صدرى فى أواخر 2010 وتم حجزى فى مستشفى المبرة بالإسكندرية لعدة أيام وبعد إجراء بعض الإشاعات على الصدر، طلب الطبيب الأخصائى بعد أن علم بطبيعة عملى بالتوقف فورا والمتابعة مع التأمين الصحى.
وأضاف أنه قضى ثلاث سنوات حتى انتهى من الإجراءات الطبية واستخراج الأوراق من المكاتب الحكومية التى تثبت إصابته بعجز جزئى نسبته 50٪، حصلت «روزاليوسف» على صورة ضوئية من محضر أعمال لجنة التحكيم الطبى بمديرة القوى العاملة والهجرة الإسكندرية.
وقال: إنه فى نفس الوقت الذى كان يتابع مرضه كان يعمل أكثر من 12 ساعة بالمصنع، رغم أن ذلك مخالف لقانون العمل، ولكن كانت الشركة تساومه حال موافقته على النقل إلى قسم آخر بأنه يوافق على تقاضى نصف المرتب من 2000 جنيه إلى 1000 جنيه، وكان ذلك الانخفاض لا يوافق مصاريفه العلاجية واحتياجاته الأسرية، لذا كان يضطر للبقاء فى العمل بقسم «الصب» والتعرض لمزيد من غبار السيليكا!!.
وبسؤاله عما إذا كان يخضع العمال لكشف دورى وفقا لما نص عليه قانون العمل والتأمينات الاجتماعية، قال جمال إنه طوال عمله بالمصنع خلال 25 عاما كانت هناك سيارة طبية من التأمين الصحى كل سنتين أو 3 سنوات تجرى فحوص ظاهرية روتينية وبها جهاز أشعة لا نعرف ما إذا كان يعمل أم عطلان، فكل عامل كان لا يستغرق فحصه أكثر من 5 دقائق، فكان الكشف بمثابة «سد خانة»، ولم يكن يصل للعامل أى تقرير طبى بأى حالة مرضية يعانى منها، وكانت جميع التقارير تسلم إلى الشركة والعامل لا يرى منها شيئا، وهو أكبر دليل أن خلال السنوات الطويلة الماضية كان يمكن بالكشوف الدورية المبكرة اكتشاف الإصابة بالتحجر الرئوى فى بدايتها وإمكانية علاجها، عكس ما حدث الآن من مراحل متأخرة للإصابة ليس لها علاج وأصبح العمال فى انتظار الموت فقط.
ومن جانبه تساءل جمال قائلا: هل يسمح لنا رئيس الشركة بمطالبته بإحدى رئتيه ليعوضنا عما أصابنا من تدمير وعجز بسبب عدم التزامه بتطبيق إجراءات السلامة والصحة المهنية؟!
أما عن الرقابة وتفتيش وزارة البيئة، فكشف جمال عن أن الشركة يكون لديها علم سابق بالزيارة ويتم الطلب من العمال بقسم «الصب»- الذى يعد من أكثر الأقسام خطورة وانبعاثا لغبار السيلكا- تنظيف المكان جيدا والتوقف عن العمل لمدة يوم حتى تختفى الأتربة، حتى أن جهاز قياس الأتربة لا يعمل بل مغطى بمشمع بلاستيك ويتم تشغيله فى أثناء زيارة لجنة التفتيش فقط، ومن ثم فكل النتائج والتقارير فى نهاية الجولة تكون إيجابية وسليمة؟!!
مشكلة أخرى تواجه العاملين داخل مصنع ليسكو هى الفصل التعسفى لعشرات من العمال، التقينا «رزق أحمد» 51 عاما أحد المفصولين مؤخرا، بل مصاب بعجز طبى بالتحجر الرئوى بنسبة 20 ٪، وهو ما حصلت روزاليوسف على صورة ضوئية من التأمين الصحى تثبت أن مرض العامل يمثل إصابة عمل نتيجة لغبار السيلكا وهو ما أدى إلى تحجر رئوى.
قال: إنه يعانى من المرض منذ 2011 وعندما حوله التأمين الصحى إلى لجنة العجز الطبى وذهب لمدير الموارد البشرية السيد عماد نصر لتسليمه الأوراق الطبية التى تفيد مرضه للحصول على تعويض مناسب، لم يجد سوى استهزاء وسخرية منه «إنك لا تعانى من تحجر رئوى بل تحرش»، واستمرت المماطلة من الشركة فى الحصول على حقى إلى أن فوجئت فى مايو الماضى بفصلى تعسفيا .
أضاف: إن حالات الوفاة والإصابة بالتحجر الرئوى زادت فى السنوات العشر الأخيرة بالمصنع نتيجة لغبار السيلكا، وتراوحت الأعمار ما بين 30 و50 سنة، فضلا عن الإصابة بسرطانات العظام والمعدة والرئة نتيجة لاستخدام مواد مشعة ضارة فى قسم «الجليز» وهى الطبقة اللامعة التى يتم طلاء السيراميك بها، ومن بين هذه الأسماء (قدورة خميس، فتحى يوسف، محمد رمضان، محروس مصطفى- سرطان معدة).
أشار رزق إلى أن عمال مصانع السيراميك يفتقدون وجود كيان نقابى يدافع عنهم، وهو ما رفضه أباطرة الصناعة، ليظل العمال جهلاء بحقوقهم.
خالد طوسون- نائب رئيس رابطة المؤتمر الدائم لعمال الإسكندرية - يشير إلى أن هناك بابا كاملا فى قانون العمل الموحد رقم 12 لسنة 2003 ينص على أفضل قواعد السلامة والصحة المهنية التى يجب اتباعها فى المنشآت والمؤسسات الصناعية ولكن لا يتم تنفيذ أى حرف من هذا الباب والقانون الذى يظل حبرا على ورق، فضلا عن الاتفاقيات الدولية والدستور الجديد 2014.
وقال إن عمال مصنع ليسكو يواجهون الفصل التعسفى حتى الأسبوع الماضى وينتظرون الموت البطىء بغبار السيلكا القاتل، ويستمر الظلم الواقع على العمال والمعاناة منذ أكثر من 60 عاما لا يوجد تنظيم حقيقى يعبر عن مشكلاتهم وقضاياهم، وفى المقابل يتم تجهيل متعمد للعمال بحقوقهم القانونية من قبل اتحاد عمال مصر ذلك الكيان الذى شاخ وأصبح ضد العمال واقفا فى نفس الصف مع رجال الأعمال.
أضاف طوسون: إن تجهيل العمال بحقوهم وغياب الندوات التوعوية والتثقيفية فضلا عن غياب الكيان النقابى لعمال السيراميك، بل محاصرة وزارة القوى العاملة وتضييقها على أى كيان نقابى مستقل يستهدف مصالح العمال الحقيقية، أدى إلى هذه النتائج.
بينما قالت الدكتورة ماجدة محمد- طبيب مهنى بإدارة السلامة والصحة المهنية بالإدارة العامة للجان الطبية بالإسكندرية- فى جمل مقتضبة: لا نمتلك أى قوة تنفيذية على الشركات لإجبارهم على الالتزام بمعايير السلامة والصحة المهنية فى المنشأة، وكل ما نستطيع القيام به هو الطلب من صاحب العمل بالاهتمام بالثقافة الصحية للعمال وتوفير بيئة عمل آمنة وصحية لهم.
وكان لوزارة القوى العاملة رد آخر على لسان المهندسة عزة عبدالدايم - مديرة مكتب القوى العاملة المنتزه الأول- أن المكتب قام بالتحقيق فى شكوى العمال الخاصة بحالات الأمراض المهنية التى ظهرت بينهم فيما يتعلق بالإصابة بالتحجر الرئوى، وعدم توفير المصنع لإجراءات السلامة المهنية سواء كمامات أو قفازات واقية وغيرها من المعايير، موضحة أن الوزارة أجرت عدة زيارات مفاجئة خلال الأيام الماضية على المصنع، وبإجراء القياسات المختلفة لتلوث الهواء ودرجة غبار السيلكا كانت نسبة التلوث أقل من الحد الأدنى المسموح به عالميا والتى حددته وزارة البيئة المصرية .
استطردت عبد الدايم قائلة: «لا يمكن أن ننكر أن العمال لا يتمتعون بثقافة صحية سليمة، فهم بالرغم من عملهم فى أقسام ينتج عنها غبار السيلكا، فهم مهملون فى صحتهم بشرب السجائر والمخدارت، خاصة أن أغلب العمال بالمصنع من منطقة خورشيد الشعبية المليئة بالتدخين وكلها عوامل تضاعف من الإصابة بالتحجر الرئوى لديهم، وعدم الالتزام بارتداء الأقنعة، فلا يمكننى أن ألوم الشركة بمفردها، فإذا كانت الشركة مقصرة فى عدم توقيع عقوبات على العمال الذين لا يتلزمون بإجراءات السلامة،، فالعمال أيضا مقصرون فى عدم التزامهم بتعليمات الصحة المهنية وإهمال ارتداء الكمامات»!!
وكشفت مديرة مكتب القوى العاملة بالإسكندرية النقاب عن غياب التنسيق بين الجهات الحكومية والشركات والمصانع سواء وزارة القوى العاملة والتضامن الاجتماعى والتأمين الصحى، بل هناك غياب للتنسيق داخل إدارات الوزارة الواحدة، متهمة التأمين الصحى بغياب دوره فى الكشف الطبى الدورى على عمال مصانع السيراميك وغيرها من المنشآت الصناعية، مؤكدة أن العمال يجب خضوعهم وفقا لقانون التأمينات الاجتماعية للتأمين الصحى والكشف الدورى ثلاث مرات سنويا، حتى يتسنى إحالة المصابين من العمال واتخاذ الإجراءات اما تعويض العامل ماديا إلى حين اتمام الشفاء من المرض أو صرف معاش له.
وعن الفصل التعسفى الذى يتعرض له العمال بشركة «ليسكو» قالت عبد الدايم إن هناك حالات كثيرة من العمال تعرضت لظلم الفصل، ومكتب العمل يسير فى الإجراءات القانونية مع هؤلاء العمال وننتظر حكم القضاء للبت فى عودة العمال لشركتهم.
ويرى الدكتور محمد البغدادلى- رئيس مجلس إدارة الجمعية العربية للسلامة والصحة المهنية- أن ما يحدث مع عمال مصنع ليسكو من الموت أو الآثار السلبية لغبار أتربة السيلكا أحد الأسباب القوية للمناداة بإنشاء وزارة مستقلة للسلامة والصحة المهنية مثل الدول الصناعية المتقدمة، وأشار إلى تقديم مشروع كامل بها وبمهامها لرئيس الجمهورية ورئيس الوزارة وفى انتظار الاستجابة، وذلك لحماية المئات من العمال ومنع الخسائر التى يتعرضون لها، فالعامل هو أساس الإنتاج ويجب الحفاظ عليه مثل الأرباح التى تسعى الشركات والمصانع للحصول عليها.
أشار البغدادلى إلى أنه بالرغم من أن مادة «السيليكوسيز» المسببة لتغبر الرئة من الأمراض المهنية المدرجة فى جدول رقم واحد المرافق لقانون التأمينات الاجتماعية رقم 79 لسنة ,1975 فإن عمال مصنع ليسكو وغيرهم من عمال مصانع السيراميك يعانوا من غياب الرقابة والمتابعة لحالتهم الصحية أو توافر الشروط الصحة والسلامة المهنية سواء من وزارة القوى العاملة أو التأمين الصحى الذى لا ينفذ الكشف الدورى على العمال بالمصانع.
وأوضح أن قانون قانون العمل رقم 12 لسنة 2003 ألزم المصانع بالإجراءات الهندسية ووسائل السلامة المهنية فى عدة مواد منها؛ المادة 208 التى نصت على «التزام المنشأة وفروعها بتوفير وسائل السلامة والصحة المهنية وتأمين بيئة العمل فى أماكن العمل بما يكفل الوقاية من المخاطر».∎


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.