تعطيل العمل وتأجيل الامتحانات.. جامعة جنوب الوادي: لا خسائر جراء العاصفة التي ضربت قنا    بعد التوقف والمنع.. افتتاح موسم الصيد ببحيرة البردويل في شمال سيناء    تنفيذ 15 قرار إزالة تعديات على أملاك الدولة بمساحة 2858 مترا بكفر الشيخ    «هوريزاون الإماراتية» تتنافس على تطوير 180 فدانا بالساحل الشمالى    سؤال برلماني عن أسباب عدم إنهاء الحكومة خطة تخفيف الأحمال    آلاف المتظاهرين يطالبون رئيس الوزراء الإسباني بعدم تقديم استقالته    استهداف إسرائيلي لمحيط مستشفى ميس الجبل بجنوب لبنان    رئيس فلسطين يصل الرياض    رجال يد الأهلي يحقق برونزية كأس الكؤوس الإفريقية    طارق يحيى مازحا: سيد عبد الحفيظ كان بيخبي الكور    المصريون يسيطرون على جوائز بطولة الجونة الدولية للاسكواش البلاتينية للرجال والسيدات 2024 PSA    أمطار رعدية ونشاط للرياح.. الأرصاد تكشف تفاصيل طقس الأحد    قرار بحبس متهمين في واقعة "حرق فتاة الفيوم" داخل محل الدواجن    الاثنين والثلاثاء.. ياسمين عبد العزيز تحتفل بشم النسيم مع صاحبة السعادة    أحمد كريمة: شم النسيم مذكور في القرآن الكريم.. والاحتفال به ليس حرامًا    بالفيديو .. بسبب حلقة العرافة.. انهيار ميار البيبلاوي بسبب داعية إسلامي شهير اتهمها بالزنا "تفاصيل"    مجلة رولنج ستون الأمريكية تختار «تملي معاك» لعمرو دياب كأفضل أغنية عربية في القرن ال 21    خبيرة أبراج تحذر أصحاب برج الأسد خلال الفترة الحالية    رامي جمال يتخطى 600 ألف مشاهد ويتصدر المركز الثاني في قائمة تريند "يوتيوب" بأغنية "بيكلموني"    رئيس الوزراء الفرنسي: أقلية نشطة وراء حصار معهد العلوم السياسية في باريس    غدا انطلاق معرض وتريكس للبنية التحتية ومعالجة المياه بمشاركة 400 شركة بالتجمع    وزير الرياضة يشهد مراسم قرعة نهائيات دوري مراكز الشباب | النسخة العاشرة    مصر ترفع رصيدها إلى 6 ميداليات بالبطولة الإفريقية للجودو بنهاية اليوم الثالث    إنجازات الصحة| 402 مشروع قومي بالصعيد.. و8 مشروعات بشمال سيناء    «صباح الخير يا مصر» يعرض تقريرا عن مشروعات الإسكان في سيناء.. فيديو    التحالف الوطني للعمل الأهلي.. جهود كبيرة لن ينساها التاريخ من أجل تدفق المساعدات إلى غزة    "اكسترا نيوز" تعرض نصائح للأسرة حول استخدام ابنائهم للانترنت    الإمارات تستقبل دفعة جديدة من الأطفال الفلسطينيين الجرحى ومرضى السرطان.. صور    رئيس جامعة جنوب الوادي: لا خسائر بالجامعة جراء سوء الأحوال الجوية    الشرطة الأمريكية تفض اعتصام للطلاب وتعتقل أكثر من 100 بجامعة «نورث إيسترن»    بالتعاون مع فرقة مشروع ميم.. جسور يعرض مسرحية ارتجالية بعنوان "نُص نَص"    خطة لحوكمة منظومة التصالح على مخالفات البناء لمنع التلاعب    فوز أحمد فاضل بمقعد نقيب أطباء الأسنان بكفر الشيخ    "بيت الزكاة والصدقات" يستقبل تبرعات أردنية ب 12 شاحنة عملاقة ل "أغيثوا غزة"    بيريرا ينفي رفع قضية ضد محمود عاشور في المحكمة الرياضية    الكشف على 1670 حالة ضمن قافلة طبية لجامعة الزقازيق بقرية نبتيت    حكم واجبية الحج للمسلمين القادرين ومسألة الحج للمتوفين    النقض: إعدام شخصين والمؤبد ل4 آخرين بقضية «اللجان النوعية في المنوفية»    بالصور| "خليه يعفن".. غلق سوق أسماك بورفؤاد ببورسعيد بنسبة 100%    وزير التعليم ومحافظ الغربية يفتتحان معرضًا لمنتجات طلاب المدارس الفنية    أهمية وفضل حسن الخلق في الإسلام: تعاليم وأنواع    علي الطيب يكشف تفاصيل دوره في مسلسل «مليحة»| فيديو    قائمة باريس سان جيرمان لمباراة لوهافر بالدوري الفرنسي    الصحة: فرق الحوكمة نفذت 346 مرور على مراكز الرعاية الأولية لمتابعة صرف الألبان وتفعيل الملف العائلي    سياحة أسوان: استقرار الملاحة النيلية وبرامج الزيارات بعد العاصفة الحمراء | خاص    استمرار حبس عاطلين وسيدة لحيازتهم 6 كيلو من مخدر البودر في بولاق الدكرور    وزيرة التضامن توجه تحية لمهرجان الإسكندرية للفيلم القصير بسبب برنامج المكفوفين    حصيلة تجارة أثار وعُملة.. إحباط محاولة غسل 35 مليون جنيه    السيسي يتفقد الأكاديمية العسكرية بالعاصمة الإدارية ويجري حوارًا مع الطلبة (صور)    مستشار الرئيس الفلسطيني: عواقب اجتياح رفح الفلسطينية ستكون كارثية    متصلة تشكو من زوجها بسبب الكتب الخارجية.. وداعية يرد    بعد فتح التصدير.. «بصل سوهاج» يغزو الأسواق العربية والأوروبية    «السياحة»: زيادة رحلات الطيران الوافدة ومد برنامج التحفيز حتى 29 أكتوبر    أبو الغيط: الإبادة في غزة ألقت عبئًا ثقيلًا على أوضاع العمال هناك    هل يوجد تعارض بين تناول التطعيم وارتفاع حرارة الجسم للأطفال؟ هيئة الدواء تجيب    أفضل دعاء تبدأ وتختم به يومك.. واظب عليه    وزير الخارجية يتوجه إلى الرياض للمشاركة في أعمال المنتدى الاقتصادي العالمي    إشادة دولية بتجربة مصر في مجال التغطية الصحية الشاملة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عبدالوهاب عيسى يكتب: الانتهازية الشرعية
نشر في التحرير يوم 09 - 02 - 2013

الإخوان استباحوا الكذب فى السياسة استنادا إلى حديث «الحرب خدعة» ثم تحول الكذب إلى خيانة الوعود والعهود
الحرب خدعة، ذلك هو مبرر الإخوان والإسلاميين، ومسوغهم لارتكاب كل الجرائم، فبه يقتل المخالفين بعد صبغهم زورا بالكفر وعداوة الدين ومحاربة الشريعة، فيغتالون من يغتالون غيلة وغدرا، لأن الحرب خدعة، فاغتيل النقراشى بهذا الحديث، وتبرأ الإخوان من إخوانهم القتلة بنفس الحديث، ولذات الحديث، جدد الإخوان سنتهم فى قتل المخالفين واستباحة الكذب الصراح لنفى التهمة عنهم رغم وضوحها كالشمس، فهاجمتنا ميليشياتهم عند الاتحادية، وقتلوا من الإخوة والأصدقاء من قتلوا بدم بارد، لأن الحرب خدعة، وخرج مرشدهم يكذب فى مؤتمره الصحفى، وكذب ويكذب كل قياداتهم طوال الوقت، لأن الحرب خدعة.
لقد استباح البنا والصباغ ومن خلفهما الإخوان خيانة الوعود والعهود والمواثيق والأيمان، لأن الحرب خدعة، يؤكد هذا الفهم المنحرف من الإخوان للحديث الشريف كل من فارقوا الجماعة كالأستاذ سامح عيد فى أحاديثه الشيقة مع الأستاذ إبراهيم عيسى فى «هنا القاهرة»، وكذا أكده عصام سلطان فى أحاديث عديدة له قبل أن يعيده الحنين إلى الجماعة ويتحالف معها، ثم يعود بخفى حنين هو وحزبه ليصيبه بعض من «الحرب خدعة».
«الحرب خدعة»، حديث رواه البخارى ومسلم، وخصص له كل منهما بابا وروى فيه البخارى حديثين بلفظ «سَمَّى النبى الْحَرْبَ خَدْعَةً»، بينما رواه مسلم تحت عنوان «بَاب جَوَازِ الْخِدَاعِ فِى الْحَرْبِ»، لكن يبدو أن الإخوان لم يبذلوا أدنى جهد فى تتبع روايات الحديث ولا تفاسيره، إنما اختطفوا جزءا منه وافق هواهم ومصلحتهم -كما هى عادتهم مع كل شىء- فجعلوه شعارًا ومبررًا للالتفاف على كل القيم والمبادئ الراسخة فى الدين الإسلامى.
يقول ابن حجر، فى معرض تفسيره لهذا الحديث، فى الفتح «قال النووى واتفقوا على جواز خداع الكفار فى الحرب كيفما أمكن، إلا أن يكون فيه نقض عهد أو أمان، فلا يجوز، وقال ابن العربى الخداع فى الحرب يقع بالتعريض وبالكمين».
إن «الحرب خدعة»، حديث مخصص لمواجهة الكفار فى الحروب فقط، ولا وجود له بين المسلمين، واستخدامه ضد المسلمين المخالفين فى خصومة سياسية يكون إما بعد تكفيرهم، وإما عدم وعى بمغزى الحديث وفهم العلماء له، حتى إن كان الإخوان يكفرون المخالفين، فالحديث رخصة فى الحروب لا السلم، فهو رخصة لا عزيمة.
إن أول ما قال النبى هذا الحديث كان فى غزوة الخندق، كما يقول الواقدى، وذلك حين راسلت بنو قريظة الأحزاب أنهم على استعداد لخيانة عهودهم مع المسلمين، فيهاجمونهم من داخل المدينة والمشركون من خارجها، فيكون المسلمون بين شقى رحى، لكن رجلا اسمه نعيم الأشجعى نقل ما كان من بنى قريظة من خيانة للنبى، فقال له صلى الله عليه وسلم: «فلعلنا نحن أمرناهم بذلك»، فقام الرجل ونقل جملة النبى للمشركين، فراجع عمر بن الخطاب النبى فقال له «الحرب خدعة»، وقد فهم العلماء من هذه الرواية أن المراد من الحديث التورية والمعاريض على الكفار، وفى الحروب لا غير (المَعَارِيض فى الكَلام هى التَّوْرِيَةُ بالشَّىءِ عَن الشَّىء كما فى التاج).
يقول الطبرى إنما يجوز فى المعاريض دون حقيقة الكذب، ويقول الإمام الحنفى السرخسى فى المبسوط «فَمَا رُوِىَ {أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ الْأَحْزَابِ فِى شَأْنِ بَنِى قُرَيْظَةَ فَلَعَلَّنَا أَمَرْنَاهُمْ بِذَلِكَ، فَلَمَّا قَالَ لَهُ عُمَرُ رَضِىَ اللهُ عَنْهُ فِى ذَلِكَ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ الْحَرْبُ خُدْعَةٌ}، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُ اكْتِسَابُ حِيلَةٍ وَمَخْرَجٍ مِنْ الْإِثْمِ بِتَقْيِيدِ الْكَلَامِ بِلَعَلّ».
ويقول ابن بطال شارح البخارى «فسألت بعض شيوخى عن معنى هذا الحديث، فقال لى: إن الكذب الذى أباحه (صلى الله عليه وسلم) فى الحرب هى المعاريض، ولا يجوز الكذب الحقيقى فى شىء من الدين أصلا»، وكذا فهمه عمر بن الخطاب حين قال «إنَّ فى الْمَعَارِيض لَمَنْدُوحَةً عن الْكَذِبِ».
وفى السنن عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه أن النبى صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد غزوة ورى بغيرها، وكان يقول «الحرب خدعة» كذا كانت الخدع النبوية فى الحروب مع الكفار، فأين هذا من استباحة الإخوان الكذب بهذا الحديث؟
ولقد جاء فى كتاب الإجماع: اتفقوا على تحريم الكذب فى غير الحرب.
ولم يكن هذا فهم المحدثين وحدهم، إنما هذا فهم راسخ عند الفقهاء، أيضا يفسر ابن عابدين الحنفى الحديث فى حاشيته بقوله «الحرب خدعة قال الطحاوى وغيره هو محمول على المعاريض لأن عين الكذب حرام».
ويقول القيروانى المالكى فى النوادر والزيادات «قال سحنون: وتأويل ما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم: الحرب خدعة، إنما هو المكر لا الكذب، ولا يجوز الكذب فى الحرب ولا فى غيره، لكن المكر مثل أن يكنى عن الجهة التى يريد الخروج إليها، ويخبر أنه يريد غيرها، ويقول القول وليس الأمر كما قال من غير كذب، لكن يرى أصحابه أنه قد ظفر أمرًا يقوى به أصحابه. وكان النبى صلى الله عليه وسلم يخرج على طريق وهو يريد غيرها يعنى بما يؤمل فيهم، لا يتحرجه، أو يقول أريد الخروج إلى موضع كذا مكرًا بما أظهر من ذلك يريد أن يخرج إلى موضع ماكر ويرجع إلى موضع آخر. وكان بعض أهل الصائفة يقف فى الناس فيحمد الله ويثنى عليه ثم يقول: إنى أردت إن شاء الله دربًا كذا، ثم يأخذ إلى غيره».
وحتى الفقه السياسى الذى هو أصل الشرعية فى الممارسة السياسية كما يدعى الإسلاميون والإخوان فقد اجتهد فقهاء السياسة الشرعية فى تحديد الخدع المباحة فى الحروب انطلاقا من هذا الحديث لتكون فى متناول ملوك المسلمين، فلم تتعدَ التجسس والأكمنة، وجعل الشمس فى عيون العدو والتقليب بين الأعداء كما فى «بدائع السلك فى طبائع الملك» لابن الأزرق، ولم يكن منها استباحة الكذب يقول ابن الأزرق «رب حيلة أنفع من قبيلة، والمماكرة فى الحرب أنفع من المكابرة».
إن الإخوان يحاولون شرعنة انتهازيتهم وميكافيليتهم فى التفكير والعمل فيضللون الأتباع والمحبين بشواهد تبدو للوهلة الأولى وكأنها شرعية لتبرير شين سلوكهم وتناقضهم مع ما يدعون إليه، ولا عجب، فلا ينتظر من تنظيم طفيلى قائم على اقتناص الفرص أن لا أن يبرر لنفسه كل هذه الموبقات والمخازى.
لقد تناسى الإخوان أحاديث النهى عن الكذب واستباحوه بنص مجتزأ لحديث لا شاهد لهم فيه، ضاربين بأصول الدين وقواعده الشرعية والأخلاقية عرض الحائط، تلبية لنهمهم للسلطة وجشعهم وأوهامهم.
إن فهم الإخوان المسلمين حديث «الحرب خدعة» بهذا الشكل الذى أوضحه الصباغ ونراه اليوم واقعا فى كل أحاديثهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية يعد خيانة للمسلمين، فالنبى يقول: (كَبُرَتْ خِيَانَةً أَنْ تُحَدِّثَ أَخَاك حَدِيثًا هُوَ لَك مُصَدِّقٌ وَأَنْتَ لَهُ كَاذِبٌ)، وقد باتوا لنا كاذبين فى كل شىء يا نبى الله.
إنهم بممارستهم تلك يظهرون الشرع الحنيف وكأنه يناقض بعضه بعضا حتى باتوا وكأنهم المقصودون بكلام النبى: «يكون فى آخر الزمان دجالون كذابون، يأتونكم من الأحاديث ما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم، فإياكم وإياهم، لا يضلونكم ولا يفتنونكم»، وعن ابن مسعود قال «عسى رجل أن يقول إن الله أمر بكذا ونهى عن كذا فيقول الله عز وجل له كذبت أو يقول إن الله حرم كذا وأحل كذا فيقول الله له كذبت».
فالنبى يقول «إياكم والكذب، فإن الكذب يهدى إلى الفجور، وإن الفجور يهدى إلى النار، وإن الرجل ليكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابًا، وعليكم بالصدق، فإن الصدق يهدى إلى البر، وإن البر ليهدى إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقًا».
ويقول صلى الله عليه وآله وسلم: «ثلاث من كن فيه فهو منافق وإن صام وصلى وزعم أنه مؤمن: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان»، وعن أبى أمامة قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يطبع المؤمن على الخلال كلها إلا الخيانة والكذب»،
وعن صفوان بن سليم أن رسول الله عليه السلام سئل فقيل له يا رسول الله «أيكون المؤمن جبانًا؟ فقال: نعم، فقيل أيكون المؤمن بخيلا؟ فقال: نعم، فقيل أيكون المؤمن كذابا؟ فقال: لا».
عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «لا يجتمع الإيمان والكفر فى قلب امرئ، ولا يجتمع الصدق والكذب جميعا ولا تجتمع الخيانة والأمانة جميعا».
عن أبى هريرة عن النبى -عليه الصلاة والسلام- قال «آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب، وإذا اؤتمن خان، وإذا وعد أخلف»، وعنه أن الرسول قال «من قال لصبى تعال هاك ثم لم يعطه فهى كذبة»، وكان أبو بكر الصديق رضى الله عنه يقول «أيها الناس إياكم والكذب، فإنه مجانب للإيمان»، وعبد الله بن مسعود كان يقول «لا يزال العبد يكذب وتنكت فى قلبه نكتة سوداء حتى يسود قلبه كله فيكتب عند الله من الكاذبين».
لقد قضى الله فى كتابه العزيز أن سبب الكذب شعور الكاذب بالمهانة والصغار، فقال تعالى: «وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ»، فالسبب فى وجود كل كذاب حلاف لا يصدقه الناس هو أنه مهين، ويروى ابن أبى الدنيا عن محمد بن كعب قال «إنما يكذب الكاذب من مهانة نفسه».
إن استباحة الإخوان الكذب طوال الوقت أقرب ما يكون للتقية بالمفهوم الشيعى لا السنى، فالتقية من الدين كما هو ظاهر من قوله تعالى: «لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِى شَىءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً» (آل عمران: 28)، لكن أهل السنة مجمعون على أن الآية متعلقة بالتعامل مع الكفار لا المسلمين، فالآية جاءت فى سياق الحديث عن الكفَّار، فى مقابل إباحة الشيعة لها تجاه جميع المخالفين، يقول ابن جرير فى تفسير الآية: «التقيَّة التى ذكَرَها الله فى هذه الآية إنَّما هى تقيَّة من الكفَّار، لا من غيرهم»، وقال سعيد بن جبيرٍ: «ليس فى الإسلام تَقِيَّة، إنما التَّقِيَّة لأهل الحرب»، وقال الرازىُّ: «التقيَّة إنما تكون إذا كان الرجل فى قومٍ كفَّار، ويخاف منهم على نفسه وماله، فيُداريهم باللِّسان، وذلك بأن لا يُظهر العداوة باللِّسان، بل يجوز أيضًا أن يظهر الكلام الموهم للمحبَّة والموالاة، لكن بشرط أن يُضْمِر خلافه، وأن يُعرِّض فى كلِّ ما يقول، فإنَّ التقيَّة تأثيرها فى الظاهر لا فى أحوال القلوب».
إن الميكافيلية الإخوانية لا مكان لها فى الدين الإسلامى، ولا تبرير لاستخدام الوسائل غير المشروعة للوصول إلى أهداف قد تبدو شرعية، فما بالنا إذا كانت مجرد أوهام لجماعة من منغلقى القلوب والعقول، يقول الإمام الغزالى فى (المستصفى) «نعنى بالمصلحة: المحافظة على مقصود الشرع».
ويقول الإمام الشاطبى فى الموافقات «المصالح المجتلبة شرعا والمفاسد المستدفعة إنما تعتبر من حيث تقام الحياة الدنيا للحياة الأخرى، لا من حيث أهواء النفوس فى جلب مصالحها العادية، أو درء مفاسدها العادية، فالشريعة إنما جاءت لتخرج المكلفين عن دواعى أهوائهم حتى يكونوا عبادا لله، وقد قال ربنا سبحان: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ} [المؤمنون: 71]، فالمعتبر إنما هو الأمر الأعظم». إن الأغراض الشخصية منعدمة فى الشريعة، ولا وزن لها، إنما تراعى المصلحة العامة أو الأمر الأعظم كما عبر الشاطبى، ومن الواضح أن لا مصلحة عامة فى استباحة جماعة الإخوان الكذب، فمهما كان الغرض ساميا، فالكذب محرم قطعا، وفى استباحة فصيل من المجتمع له فساد لكل المجتمع.
لقد قضى علماء الإسلام قرونا لمحاربة مثل هذا العبث الإخوانى بالدين، الذى يقوم على التلاعب بالمقدمات للحصول على نتائج بعينها، وعبث الإخوان على مستويى الشريعة والأخلاق أوضح من الشمس فى رابعة النهار، فتجد مثلا الشيخ حلاوة الإخوانى يحرم على موقع الإخوان قرض البنك الدولى على حكومة الجنزورى، ويبيحه على نفس الموقع لحكومة الإخوان، ومن عبثهم الأخلاقى تفسيرهم حديث «الحرب خدعة»، فهم حين يريدون استباحة الكذب والتملق والخيانة والخداع والمداهنة يلتفون على جميع النصوص الثابتة بنص مجتزأ ك«الحرب خدعة»، هذه هى شريعة الإخوان والإسلام منها براء.
لقد عقد الإمام ابن القيم فصلًا فى كتابه (الفوائد) عن خطورة الكذب ومراحله، بدا فيه وكأنه يصف حال الإخوان اليوم إذ يقول: «إياك والكذب فإنه يفسد عليك التصورات، فالكاذب يصور المعدوم موجودا، والموجود معدوما، والحق باطلا، والباطل حقا، والخير شرا، والشر خيرا، فيفسد تصوره وعلمه عقوبة له، ثم يصور ذلك فى نفس المخاطب المغتر به الراكن إليه فيفسد عليه حياته، ونفس الكاذب معرضة عن الحقيقة الموجودة، نزاعة إلى العدم، مؤثرة للباطل، وإذا فسدت عليه قوة تصوره وعلمه التى هى مبدأ كل فعل فسدت عليه كل الأفعال وسرى الكذب إليها فلا ينتفع بلسانه ولا بأعماله، ولهذا كان الكذب أساس الفجور كما قال النبى إن الكذب يهدى إلى الفجور وإن الفجور يهدى إلى النار، وأول ما يسرى الكذب من النفس إلى اللسان فيفسده، ثم يسرى إلى الجوارح فيفسد عليها أعمالها، كما أفسد على اللسان أقواله، فيعم الكذب أقواله وأعماله وأحواله، فيستحكم عليه الفساد، ويترامى داؤه إلى الهلكة، إن لم يدركه الله بدواء الصدق، فما استجلبت مصالح الدنيا والآخرة بمثل الصدق ولا مفاسدها ومضارهما بمثل الكذب، قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين)، وقال تعالى (هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم)، وقال (فإذا عزم الأمر فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم)»، فاللهم اهد الإخوان لسبيل المسلمين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.