وزيرة التضامن تشهد احتفالية تخرج طالبات كلية رمسيس للبنات    تأخر وصول الرحلات الأوروبية بسبب عطل سيبراني وتعليمات هامة للمسافرين    84 شهيدا بنيران جيش الاحتلال في غزة منذ فجر اليوم    أوروبا المخترقة.. مطار بروكسل يعلن إلغاء نصف الرحلات بسبب هجوم سيبرانى    عاجل- ضابطة أمريكية سابقة: واشنطن «خانت قطر» وما يحدث في غزة إبادة جماعية مكتملة الأركان    مودريتش يقود ميلان أمام أودينيزي في الدوري الإيطالي    فياريال يصعد للمركز الثالث بالدوري الإسباني بعد فوز مثير أمام أوساسونا    ناشئات اليد يهزمن أنجولا فى نصف نهائى بطولة أفريقيا    خريف 2025, الأرصاد تكشف عن المناطق المهددة ب السيول    سرقة الإسورة الذهبية.. الأعلى للآثار يكشف مفاجأة: معمل الترميم كان بلا كاميرات    هذا هو موعد عرض فيلم هيبتا 2 المناظرة الأخيرة    طليقة أحمد مكى ل"كلمة اخيرة": "هيفضل عندى أغلى من الياقوت.. وشوفت منه كل خير"    فؤاد عبد الواحد وأميمة طالب في حفل مشترك بالسعودية    سامسونج تطلق الدورة السابعة من برنامج «الابتكار» لتأهيل الشباب المصري رقمياً    كارول سماحة تفجر مفاجأة عن وفاة زوجها وليد مصطفى    «نور مكسور».. بداية مشوقة للحكاية الأخيرة من مسلسل «ما تراه ليس كما يبدو»    «تنسيقي محافظة الأقصر» يبحث استعدادات تنفيذ التجربة «صقر 162» لمجابهة الأزمات والكوارث    سوريا.. قسد تستهدف بقذائف الهاون محيط قرية شرق حلب    زمالك 2009 يهزم المقاولون العرب بهدف نظيف في بطولة الجمهورية    رئيس النواب الأمريكي يحذر من كارثة ستواجه بلاده مطلع أكتوبر المقبل    أنغام تطرح أحدث أغانيها بعنوان سيبتلى قلبى بتوقيع تامر حسين وعزيز الشافعى    اللواء إبراهيم هلال ل"الساعة 6": حل القضية الفلسطينية يحتاج قرارات مُلزمة    "فستان قصير وجريء".. مي عمر بإطلالة جريئة    مواقيت الصلاة اليوم السبت 20سبتمبر2025 في المنيا    عالم أزهري يوضح سبب ذكر سيدنا إبراهيم في التشهد    على هامش فعاليات مؤتمر ومعرض هواوي كونكت 2025.. وزير الصحة يلتقي مسئولي «ميدبوت» للتعاون في تطوير التكنولوجيا الطبية والجراحة الروبوتية ( صور )    وزير الري يتفقد الموقف التنفيذي ل"مشروع تنمية جنوب الوادي" في أسوان    وزير فلسطيني سابق: إسرائيل لم تعد تتمتع بدعم حقيقي سوى من ترامب    بمشاركة رامي ربيعة.. «هاتريك» لابا كودجو يقود العين لاكتساح خورفكان بالدوري الإماراتي    نقابة "العلوم الصحية" تنظم حلقة نقاشية مع الخريجين والطلاب    تجديد حبس البلوجر محمد عبد العاطي 45 يوما لنشره فيديوهات خادشة للحياء    محمود محيي الدين: يجب أن يسير تطوير البنية التحتية التقليدية والرقمية جنبًا إلى جنب    غياب عربي عن القائمة.. تعرف على أكثر الدول طلبًا لتذاكر كأس العالم 2026    «الصحة» تبحث التعاون مع مستشفى رينجي الصينية بمجالات التكنولوجيا الطبية    بطلق ناري في الظهر.. الأمن يكثف جهوده لكشف لغز مقتل خمسيني بطما    أكاديمية الشرطة تنظم دورة لإعداد المدربين في فحص الوثائق    9 كليات بنسبة 100%.. تنسيق شهادة قطر مسار علمي 2025    لتحسين البنية التحتية.. محافظ القليوبية يتابع الانتهاء من أعمال رصف الطرق بمدن المحافظة    المجلس التنفيذي لمحافظة أسوان يوافق على تخصيص أراض لإقامة مشروعات خدمية وشبابية وتعليمية    الدوري الإنجليزي.. محمد قدوس يقود تشكيل توتنهام ضد برايتون    مؤتمر فليك: سنحضر حفل الكرة الذهبية من باب الاحترام.. ويامال سيتوج بها يوما ما    "بحضور لبيب والإدارة".. 24 صور ترصد افتتاح حديقة نادي الزمالك الجديدة    محافظ الأقصر يكرم عمال النظافة: "أنتم أبطال زيارة ملك إسبانيا" (صور)    «الكازار» تعتزم إطلاق مشروعات جديدة بمجال الطاقة المتجددة في مصر    تحت شعار «عهد علينا حب الوطن».. بدء العام الدراسي الجديد بالمعاهد الأزهرية    موعد صلاة العصر.. ودعاء عند ختم الصلاة    بالصور.. تكريم 15 حافظًا للقرآن الكريم بالبعيرات في الأقصر    سؤال برلماني لوزير التعليم بشأن تطبيق نظام البكالوريا.. ويؤكد: أولادنا ليسوا فئران تجارب    فيديو قديم يُثير الجدل بالشرقية.. الأمن يكشف كذب ادعاء مشاجرة بين سيدتين    وزير الصحة: توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات الطبية    المرحلة الثانية لمنظومة التأمين الصحي الشامل تستهدف 12 مليون مواطن    طريقة عمل العيش الشامي في البيت، توفير وصحة وطعم مميز    كتائب القسام تنشر صورة وداعية للمحتجزين الإسرائيليين    القومي للمرأة ينظم لقاء حول "دور المرأة في حفظ السلام وتعزيز ثقافة التسامح"    كسوف الشمس 2025 في السماء.. تفاصيل موعد البداية والنهاية ووقت الذروة (الساعة)    «الداخلية»: ضبط 3 متهمين بالنصب على صاحب محل بانتحال صفة بالقاهرة    مدير مدرسة بكفر الشيخ يوزع أقلام رصاص وعصائر على تلاميذ الصف الأول الابتدائي    دعاء كسوف الشمس اليوم مكتوب كامل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفِتَنُ تُقَوِّي إِرادَةَ النُّهُوضِ بالأُمَّة
نشر في مصر الجديدة يوم 31 - 01 - 2013


فضيلة المرشد العام للإخوان المسلمين
رسالة من:أ.د. محمد بديع
المرشد العام للإخوان المسلمين
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد..
إن الأمة الإسلامية تعيش في هذه الأيام أحوالاً عصيبة، وامتحانًا عسيرًا شاقًّا، وفتنًا تكاد تعصف بالأخضر واليابس، ما لم يكن لها من الله تعالى عاصم، ونحن على يقين من أن الله عز وجل يحفظ هذه الأمة، لكن مع هذا اليقين لا بد من يقظة ووعي أبنائها بما يُحاك لها من المؤامرات تلو المؤامرات، وبما يكيده الأعداء من مكر الليل والنهار: (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) (الأنفال: 30).
الفتن تصهر الأمة وتُظْهِر معادن الرجال:
إن الفتنة مشتقَّة من "الفتن" وهو وضع الذَّهَب على النَّار ليَظْهر جيِّده، والفتنة في كلام العرب الابتلاء والاختبار، فقد يكون ذلك بالشدّة والرَّخاء بالخير والشر (ونَبْلُوكُم بِالشَّرِّ والْخَيْرِ فِتْنَةً وإلَيْنَا تُرْجَعُونَ) (الأنبياء: 35).
وإن من سنن الله سبحانه في خلقه أن ينزل بهم البلاء والفتن؛ ليُعلم معادن الرجال؛ وليظهر المؤمن من المنافق، والصادق من الكاذب، والطَّيِّب من الخبيث: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) (العنكبوت: 2 -3)، (مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) (آل عمران: 179)، ولنا في غزوة الخَنْدَق عِبرة، فحين أحاطت الأحزاب بالمدينة أخبرنا ربنا أن أهلها انقسموا فريقين فقال: (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا) (الأحزاب: 12)، أما المؤمنون الصادقون فقالوا: (قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا) (الأحزاب: 22).
أسباب الفتن:
إن من أهم أسباب الفتن التي تحيط بنا تكمن في ضعف الإيمان وضياع العلم، وانتشار الجَّهل، وذيوع الشُّح، وزيادة الأطماع وإعجاب كل ذِي رأي برأيه، وكثرة الضغائن والأحقاد وكلّها يُفضي بعضها إلى بعض؛ لتصل بالأمة إلى التفرُّق والتَّمزُّق المؤدي إلى الصراع والقتل الذي عبَّر عنه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالهرج في قوله: «يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ، وَيُقْبَضُ الْعِلْمُ، وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ، وَيُلْقَى الشُّحُّ، وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ» قَالُوا: وَمَا الْهَرْجُ؟ قَالَ: «الْقَتْلُ». وفي رواية: قَالَ: «الْقَتْلُ وَالْكَذِبُ».
ومن أهم أسباب الفتن ضياع منظومة القيم والأخلاق، وانقلاب الموازين، وقد حذَّرنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من ذلك، فقال: «سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ سَنَوَاتٌ خَدَّاعَاتُ، يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ، وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الْأَمِينُ، وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ»، قِيلَ: وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ؟ قَالَ: «الرَّجُلُ التَّافِهُ يتحدث فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ».
وما أعظم هذا البيان النبوي الكريم لهذا الزمان، فعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَخَافُ عَلَيْكُمُ الْهَرْجَ»، قَالُوا: وَمَا الْهَرْجُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «الْقَتْلُ»، قَالُوا: وَأَكْثَرُ مِمَّا نَقْتُلُ الْيَوْمَ، إِنَّا لَنَقْتُلُ فِي الْيَوْمِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ كَذَا وَكَذَا؟، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ قَتْلَ الْمُشْرِكِينَ، وَلَكِنْ قَتْلَ بَعْضِكُمْ بَعْضًا»، قَالُوا: وَفِينَا كِتَابُ اللَّهِ؟ قَالَ: «وَفِيكُمْ كِتَابُ اللَّهِ»، قَالُوا: وَمَعَنَا عُقُولُنَا؟ قَالَ: «إِنَّهُ تُنْتَزَعُ عُقُولُ عَامَّةِ ذَاكُمُ الزَّمَانِ، وَيُخْلَفُ لَهَا هَبَاءٌ مِنَ النَّاسِ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ وَلَيْسُوا عَلَى شَيْءٍ».
خطورة الفتن:
إن خطورة الفتن تتجلَّى في أنها حين تنزل لا تُميِّز بين من أَشْعَلها ومن لم يُشْعِلها، ولكنها نارٌ تحرق وتَكْوي الجميع، وشررها يتطاير فيصيب الناس كافة، كما أنها تُنْزِل الخراب والتدمير في الدِّيار، وتُهْلِك الحرث والنسل، وقد حذرنا الله سبحانه من ذلك فقال تعالى: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) (الأنفال: 25).
كما أنها تطمس القلوب وتجعلها صَلْدَة سوداء مظلمة لا تنبض بقطرة ماء تمنح الحياة، ولا تنبض بخير ينفع الناس، ولا تعرف رحمة تضفي منها على من حولها، كما أنها لا تميز بين المعروف والمنكر، قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ عَرْضَ الْحَصِيرِ، فَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَتْ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ، وَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَتْ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، حَتَّى يَصِيرَ الْقَلْبُ عَلَى قَلْبَيْنِ: أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا، لَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، وَالْآخَرِ أَسْوَدَ مُرْبَدٍّ كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا وَأَمَالَ كَفَّهُ لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا، وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا، إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ».
إن القلب هو الذي عليه صلاح البدن كله، كما في الحديث: ".. ألا إنَّ في الجَسَدِ مُضْغَة إذا صَلُحَت صَلُح الجَسَدُ كُلُّه وإذا فَسَدَت فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّه أَلا وَهِيَ القَلْب".
ولخطورة الفتن وما يصاحبها من شرٍّ وضُرٍّ كان بعض الصحابة رضوان الله عليهم جميعًا يسأل عنها حتى لا يقع فيها، وحتى يحذرها من يأتي بعدهم، عن حذيفةَ رضي الله عنه قال: "كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رسولَ الله صلّى الله عليه وسلّم عَنِ الْخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ؛ مَخَافَةً أَنْ يُدْرِكَنِي".
منهاج الإسلام في التعامل مع الفتن:
لقد رَسَم لنا الإسلام السبيل الواضح للتعامل مع الفتن والوقاية منها، وكلها تعمل على تقوية القلوب وتغذية الأرواح بما يجعلها في حصن منيع من الفتن فلا تتأثر بها، وتتلخص في الآتي:
أولاً: الإيمان بالله والتوكل عليه:
قال الله عز وجل: (وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (آل عمران101)، (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) (الطلاق: 3). وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْأَبْرَارَ الْأَتْقِيَاءَ الْأَخْفِيَاءَ، الَّذِينَ إِذَا غَابُوا لَمْ يُفْتَقَدُوا، وَإِنْ حَضَرُوا لَمْ يُدْعَوْا، وَلَمْ يُعْرَفُوا. قُلُوبُهُمْ مَصَابِيحُ الْهُدَى، يَخْرُجُونَ مِنْ كُلِّ غَبْرَاءَ مُظْلِمَةٍ».
ثانيًا: التمسك بالقرآن الكريم والسُّنَّة النبوية:
قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَرَكْتُ فِيكُم شَيْئيْن لنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُمَا: كِتَاب اللهِ وسُنَّتِي". وقال رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتْنَةٌ» . فَقُلْتُ: مَا المَخْرَجُ مِنْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "كِتَابُ اللَّهِ، فِيهِ نَبَأُ مَا قَبْلَكُمْ وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ، وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ، وَهُوَ الفَصْلُ لَيْسَ بِالهَزْلِ، مَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللَّهُ، وَمَنْ ابْتَغَى الهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ، وَهُوَ حَبْلُ اللَّهِ المَتِينُ، وَهُوَ الذِّكْرُ الحَكِيمُ، وَهُوَ الصِّرَاطُ المُسْتَقِيمُ".
وأوصانا الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم بعلاج نبويٍّ إيمانيٍّ ناجح، ألا وهو الاستغفار "مَنْ لَزِمَ الاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ فَرَجًا، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ مَخْرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِب".
ثالثًا: التحقق بتقوى الله عز وجل:
وبالإيمان بالله تعالى والتمسك بالقرآن والسنة تُحقَّق التَّقْوَى فتمنحك نورًا تسير به في الناس، فتكشف لهم الطريق: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ) (الحديد: 28). وتَقْوَى الله تجعلك تُفَرِّق بين الحقِّ والباطل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا) (الأنفال: 29).
وبالتَّقْوى تشيع بيننا رُوحُ المَوَدَّة، والرَّحْمَة، وسلامة الصَّدْر، ومَحَبَّة الخير للمسلمين، والصَّفْح عنهم؛ والتَّجاوزِ عن زَلاتِهم والتماس المعاذير لهم، وإحسان الظَّنِّ بهم، ومراعاة حقوقهم، ومناصحتهم بالتي هي أَرْفَق وأَحْسَن، ويكون كل ما يشغلنا هو الطَّمَع في الجَنَّة والزُّهْد في الدنيا.
رابعًا: البعد عن الفتن وعدم المشاركة فيها:
إنّ البُعْد عن الفتن نجاة وسلامة، والقرب منها مدعاة للوقوع فيها، وبقدر المشاركة فيها بقدر ما نبعد عن الخير، قَالَ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم: "سَتَكُونُ فِتَنٌ، الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، مَنْ تَشَرَّفَ لَهَا تَسْتَشْرِفْهُ، فَمَنْ وَجَدَ مِنْهَا مَلْجًأ أَوْ مَعَاذًا، فَلْيَعُذْ بِهِ".
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن السَّعِيدَ لمن جُنِّبَ الفِتَن، إن السَّعِيد لمن جُنِّب الفتن، إن السَّعِيد لمن جُنِّب الفتن، ولمن ابتُلِيَ فَصَبَر فَوَاهًا» (فَطُوبَى له).
خامسًا: الحذر من الشائعات:
التَّثَبُّت مما يقال، والحذر كل الحذر من الشائعات التي يُطيِّرها أفراد وجماعات ومؤسسات شغلها الشاغل إطلاق الشائعات ونثرها في الفضائيات؛ لنشر الفتن؛ وزرع الخلاف؛ وبثِّ الأحقاد، وإيغارِ الصُّدور، وتفريق الأمة، وتسعير الحروب بينها فتذهب قوتنا، وتُبدَّد قدراتنا، ويتحقَّق فينا ما حذرنا منه ربنا سبحانه وتعالى: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (الأنفال: 46).
وبالشائعات يُلْقُون اليأس في نفوس الأمة، حين يرسمون للواقع صورة رهيبة تُلْقِي بالرُّعبِ والخوفِ من الحاضر، والمستقبل..
ويزيد من خطورة الشائعات في عصرنا كثرة الفضائيات التي يجري بعضها وراء الأخبار بدون تدقيق؛ حيث إن الشائعات غالبًا ما تكون مثيرة للفضول ويتم التكرار حتى يتصوَّر الناس أنها حقائق واقعة.
وواجبنا ألا نتلقَّى تلك الشائعات بألسنتنا فتصير أبواقًا لها، وإنما لا نتكلَّم بها ولا نخوض فيها إلا بعد التثبُّت والتَّبيُّن، قال تعالى: (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) (ق: 18).
فالمسلم لا يتحدث بكلِّ ما سمع وإنما لا يتحدث إلا بما فيه الخير: قال صلى الله عليه وسلم: «كَفَى بالمرءِ كَذِبًا أنْ يُحَدِّثَ بكُلِّ مَا سَمِع».
سادسًا: المبادرة بالأعمال النافعة:
إنّ بناء الأمة ونهضتها لا يكون بالجدل والأقوال، وإنما يكون بالأعمال والْفِعَال التي تبني ولا تهدم، وتَجْمع ولا تُفرِّق، فإنها سبيل النجاة في الدنيا والفوز والنَّعيم في الآخرة، قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا». ولا يمكن أن يكون ذلك إلا بالأعمال الصالحة؛ حيث إن الأقوال الفاسدة والأعمال السيئة لا تقود إلا إلى الهلاك في الدنيا والنار في الآخرة "فإنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إلى الفُجُورِ، وإنَّ الفُجُورَ يَهْدِي إلى النَّار".
وما نغرسه في الدنيا قد ننتفع به في الدنيا مع الآخرين، وقد لا ندرك جَنْي ثماره الدنيوية، لكننا نغرس ونعمل حتى ولو تيقَّنَّا من أنَّ ثِماره قد لا ينتفع بها أحد؛ لأن الله عز وجل يحاسبنا على ما نعمل أما النتائج فلا نحاسب عليها، وهذا المعنى يجعلنا ندرك سِرَّ قول رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةً، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَغْرِسْهَا».
سابعًا: الإكثار من الدعاء:
ومع الأخذ بكل الأسباب السابقة فإن من أهمِّ أسباب النجاة من الفتن التعوذ بالله تعالى منها، وقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك فقَالَ: «تَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنَ الْفِتَنِ، مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ»، فنفَّذَ الصحابة رضوان الله عليهم جميعًا العلاج النبوي فورًا، وقَالُوا: "نَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ".
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا قام يُصلِّي من الليل: "اللهمَّ ربَّ جبريلَ وميكائيلَ وإسرافيلَ، فاطرَ السماوات والأرض، أنت تحكمُ بين عبادِكَ فيما كانوا فيه يختلفون؛ اهْدِنِي لما اخْتُلِفَ فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم».
الكيد والمكر لوقف نهضة الأمة:
إنَّ هذا الذي يجري في كثيرٍ من بلاد المسلمين ليس إلا سلسلة من المكر السيئ، والكيد العظيم، من أكابر المجرمين الذين لا يريدون للأمة رُقِيًّا ولا نَهْضةً، ويأبون إلا أن تظلَّ الأمة الإسلامية ذليلةً لا عِزَّة لها، ضعيفةً لا قُوَّةَ لها، تابعةً لا متبوعة، مُوصَى عليها لم تَصِل إلى الرُّشْد، ولا تقدر على أن تدير أمرها... والله قد وعدنا بأن مكر هؤلاء إنما هو بأنفسهم: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ) (الأنعام: 123). كما أن مكرهم لا يحيق إلا بهم: (اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ) (فاطر: 43).
أيُّها المسلمون في كل مكان: إن المسْتَقْرِئ للتاريخ يعلم يقينًا أن الشعوب الإسلامية مهما نزل بها من بلايا، وأحاط بها من شدائد فهي قادرة بإذن الله عز وجل على أن تنهض من عثرتها وتفيق من غفلتها، وتثوب إلى رُشْدها، وتفيء إلى ظِلالِ كتاب رَبِّها الوَارِف، وهَدْي نبيِّها الناجع لها من كل داء، والنُّور المبين المبدِّد للظلمات: (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (المائدة: 15 – 16).
ويا كل الشرفاء والوطنيين.. احرصوا على بلدكم ومؤسساتكم وحقوق مواطنيكم المادية والمعنوية، وإلا فإن حساب الله تعالى عسير وأثر الفساد والإفساد سيحيق بالجميع.
المستقبل المشرق:
إن الثِّقَة بالله سبحانه، واليقين بأن العاقبة للتقوى وللمتقين تعمِّق الأمل في نفوس المؤمنين، وتدفعُ اليأس والقنوط عنها، خاصة حين تشاهد ما عليه حال المسلمين من الضعف والتمزُّق والتَّشتُّت والتفرق، وتسلُّط أعدائهم عليهم، ونكايتهم بهم – ضعفت بعض النفوس وأَيِسَت من نصر الله تعالى، وظُنَّ بالله الظنونا، بينما قال الله الحق عز وجل: (إِنَّ البَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا) (الإسراء: 81).
وإن الحديث والبيان التام لتلك الفتن؛ ليكون المؤمن على حذرٍ منها فلا يقع فيها؛ وليحتاط وليأخذ عُدَّتَه لمواجهتها لو قابلته.. "مخافةَ أنْ يُدْرِكَني".
إن المسلم وهو في اختبارات مستمرَّة من المحن والفتن والابتلاءات يكون على يقينٍ تامٍّ أن الله تعالى قد كتب النَّصْر في الأزل، وسبقت كلمته بأن العاقبة للتقوى وللمتقين، وأن جُنْدَه هم الغالبون، وهم المنصورون، وأنَّ الأرض يرثها عباده الصالحون؟..
بل إن قَسْوتَها وشِدَّتها تجعل المسلم يستبشر بقرب النَّصْر (حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) (يوسف: 110)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وَاعْلَمْ أَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا».
أيُّها المسلم الصادق.. ليَكُنْ شعارك وعُدَّتك وسلاحك اليقين بوعود الله سبحانه ووعيده الذي لا يتخلف، ومنها لأصحاب المكر السَّيِّئ (لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ) (البقرة: 114)، ومنها للصالحين: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ) (الأنبياء: 105)، (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ) (غافر: 51)، (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) (الروم: 47).
والله أكبر ولله الحمد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.