تنسيق الجامعات 2025.. تفاصيل الدراسة في فارم دي صيدلة إكلينيكية حلوان    ختام فعاليات اليوم الأول من برنامج "المرأة تقود" بكفر الشيخ    سعر الدولار اليوم أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية قبل بداية تعاملات الاثنين 16 يونيو 2025    سعر الفراخ البيضاء والبلدى وكرتونة البيض بالأسواق اليوم الإثنين 16 يونيو 2025    محافظ قنا يقود دراجة عائدًا من مقر عمله (صور)    خبير اقتصادي: مصر تمتلك الغاز الكافي لسد احتياجاتها لكن البنية التحتية "ناقصة"    خبير اقتصادي يوضح أسباب تراجع الجنيه أمام الدولار بنهاية تعاملات اليوم    شركة مياه الشرب بكفر الشيخ تُصلح كسرين في خط مياه الشرب    رجال الأعمال المصريين الأفارقة تطلق أكبر خريطة استثمارية شاملة لدعم التعاون الاقتصادي مع إفريقيا    ترامب: لسنا منخرطين في التصعيد بين إسرائيل وإيران.. ومن الممكن أن نشارك    بى إس جى ضد أتلتيكو مدريد.. إنريكى: نسير على الطريق الصحيح    إيران تبلغ الوسطاء رفضها التفاوض على وقف إطلاق النار مع إسرائيل    سمير غطاس: إيران على أعتاب قنبلة نووية ونتنياهو يسعى لتتويج إرثه بضربة لطهران    إعلام إيراني: إسقاط مسيرات إسرائيلية شمال البلاد    بعد 258 دقيقة.. البطاقة الحمراء تظهر لأول مرة في كأس العالم للأندية 2025    كريم رمزي يكشف تفاصيل جديدة عن توقيع عقوبة على تريزيجيه    "ليس بغريب على بيتي".. إمام عاشور يشكر الخطيب والأهلي لسرعة التحرك بعد إصابته    كأس العالم للأندية.. انطلاق مباراة بالميراس وبورتو في مجموعة الأهلي    مباريات كأس العالم للأندية اليوم الإثنين والقنوات الناقلة    رياضة ½ الليل| الأهلي يفسخ عقد لاعبه.. غرامة تريزيجيه.. عودة إمام عاشور.. والاستعانة بخبير أجنبي    بسبب شاحن الهاتف، السيطرة على حريق داخل شقة بالحوامدية (صور)    رابط نتيجة الشهادة الإعدادية 2025 الترم الثاني محافظة القاهرة.. فور ظهورها    «بشرى لمحبي الشتاء».. بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم الإثنين: «انخفاض مفاجئ»    رصاص في قلب الليل.. أسرار مأمورية أمنية تحولت لمعركة في أطفيح    حريق داخل مدينة البعوث الإسلامية بالدراسة    وزير الثقافة يشيد ب"كارمن": معالجة جريئة ورؤية فنية راقية    ليلى عز العرب: كل عائلتى وأصحابهم واللى بعرفهم أشادوا بحلقات "نوستالجيا"    يسرا: «فراق أمي قاطع فيّا لحد النهارده».. وزوجها يبكي صالح سليم (فيديو)    علاقة مهمة ستنشئ قريبًا.. توقعات برج العقرب اليوم 16 يونيو    «الأهلي محسود لازم نرقيه».. عمرو أديب ينتقد حسين الشحات والحكم (فيديو)    حدث بالفن | وفاة نجل صلاح الشرنوبي وموقف محرج ل باسكال مشعلاني والفنانين في مباراة الأهلي    أمين الفتوى: الله يغفر الذنوب شرط الاخلاص في التوبة وعدم الشرك    هل الزيادة في البيع بالتقسيط ربا؟.. أمين الفتوى يرد (فيديو)    عانى من أضرار صحية وتسبب في تغيير سياسة «جينيس».. قصة مراهق ظل 11 يوما دون نوم    سبب رئيسي في آلام الظهر والرقبة.. أبرز علامات الانزلاق الغضروفي    لدغة نحلة تُنهي حياة ملياردير هندي خلال مباراة "بولو"    صحة الفيوم تعلن إجراء 4،441 جلسة غسيل كلوي خلال أيام عيد الأضحى المبارك    عميدة إعلام عين شمس: النماذج العربية الداعمة لتطوير التعليم تجارب ملهمة    الثلاثاء.. تشييع جثمان شقيق الفنانة لطيفة    الهجوم الإيراني يفضح ديمقراطية إسرائيل.. الملاجئ فقط لكبار السياسيين.. فيديو    الرئيس الإماراتي يبحث هاتفيا مع رئيس وزراء بريطانيا التطورات في الشرق الأوسط    غرفة الصناعات المعدنية: من الوارد خفض إمدادات الغاز لمصانع الحديد (فيديو)    عرض «صورة الكوكب» و«الطينة» في الموسم المسرحي لقصور الثقافة بجنوب الصعيد    مصدر: ارتفاع ضحايا حادث مصنع الصف ل4 وفيات ومصابين    إصابة رئيس مباحث أطفيح و6 آخرين أثناء ضبط هارب من حكم قضائي    القنوات الناقلة لمباراة السعودية وهايتي مباشر اليوم في كأس الكونكاكاف الذهبية 2025    عادل مصطفى: الأهلى قدم أفضل شوط له من 10 سنوات وفقدان التركيز سبب التراجع    "نقل النواب" تناقش طلبات إحاطة بشأن تأخر مشروعات بالمحافظات    أحمد موسى: «إسرائيل تحترق والقبة الحديدية تحولت إلى خردة»    3 طرق شهيرة لإعداد صوص الشيكولاتة في المنزل    كيف تنظم المرأة وقتها بين العبادة والأمور الدنيوية؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    وزير الشئون النيابية يحضر جلسة النواب بشأن قانون تنظيم بعض الأحكام المتعلقة بملكية الدولة في الشركات المملوكة لها    بوستات تهنئة برأس السنة الهجرية للفيس بوك    جبل القلالي يحتفل بتجليس الأنبا باخوميوس أسقفًا ورئيسًا للدير (صور)    تنسيقية شباب الأحزاب تحتفل بمرور 7 سنوات على تأسيسها.. وتؤكد: مستمرين كركيزة سياسية في الجمهورية الجديدة    صحيفة أحوال المعلم 2025 برابط مباشر مع الخطوات    ترقب وقلق.. الأهالي ينتظرون أبناءهم في أول أيام امتحانات الثانوية العامة| شاهد    بمناسبة العام الهجري الجديد 1447.. عبارات تعليمية وإيمانية بسيطة للأطفال    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الفِتَنُ تُقَوِّي إِرادَةَ النُّهُوضِ بالأُمَّة
نشر في مصر الجديدة يوم 31 - 01 - 2013


فضيلة المرشد العام للإخوان المسلمين
رسالة من:أ.د. محمد بديع
المرشد العام للإخوان المسلمين
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد..
إن الأمة الإسلامية تعيش في هذه الأيام أحوالاً عصيبة، وامتحانًا عسيرًا شاقًّا، وفتنًا تكاد تعصف بالأخضر واليابس، ما لم يكن لها من الله تعالى عاصم، ونحن على يقين من أن الله عز وجل يحفظ هذه الأمة، لكن مع هذا اليقين لا بد من يقظة ووعي أبنائها بما يُحاك لها من المؤامرات تلو المؤامرات، وبما يكيده الأعداء من مكر الليل والنهار: (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) (الأنفال: 30).
الفتن تصهر الأمة وتُظْهِر معادن الرجال:
إن الفتنة مشتقَّة من "الفتن" وهو وضع الذَّهَب على النَّار ليَظْهر جيِّده، والفتنة في كلام العرب الابتلاء والاختبار، فقد يكون ذلك بالشدّة والرَّخاء بالخير والشر (ونَبْلُوكُم بِالشَّرِّ والْخَيْرِ فِتْنَةً وإلَيْنَا تُرْجَعُونَ) (الأنبياء: 35).
وإن من سنن الله سبحانه في خلقه أن ينزل بهم البلاء والفتن؛ ليُعلم معادن الرجال؛ وليظهر المؤمن من المنافق، والصادق من الكاذب، والطَّيِّب من الخبيث: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) (العنكبوت: 2 -3)، (مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) (آل عمران: 179)، ولنا في غزوة الخَنْدَق عِبرة، فحين أحاطت الأحزاب بالمدينة أخبرنا ربنا أن أهلها انقسموا فريقين فقال: (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا) (الأحزاب: 12)، أما المؤمنون الصادقون فقالوا: (قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا) (الأحزاب: 22).
أسباب الفتن:
إن من أهم أسباب الفتن التي تحيط بنا تكمن في ضعف الإيمان وضياع العلم، وانتشار الجَّهل، وذيوع الشُّح، وزيادة الأطماع وإعجاب كل ذِي رأي برأيه، وكثرة الضغائن والأحقاد وكلّها يُفضي بعضها إلى بعض؛ لتصل بالأمة إلى التفرُّق والتَّمزُّق المؤدي إلى الصراع والقتل الذي عبَّر عنه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالهرج في قوله: «يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ، وَيُقْبَضُ الْعِلْمُ، وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ، وَيُلْقَى الشُّحُّ، وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ» قَالُوا: وَمَا الْهَرْجُ؟ قَالَ: «الْقَتْلُ». وفي رواية: قَالَ: «الْقَتْلُ وَالْكَذِبُ».
ومن أهم أسباب الفتن ضياع منظومة القيم والأخلاق، وانقلاب الموازين، وقد حذَّرنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من ذلك، فقال: «سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ سَنَوَاتٌ خَدَّاعَاتُ، يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ، وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الْأَمِينُ، وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ»، قِيلَ: وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ؟ قَالَ: «الرَّجُلُ التَّافِهُ يتحدث فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ».
وما أعظم هذا البيان النبوي الكريم لهذا الزمان، فعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَخَافُ عَلَيْكُمُ الْهَرْجَ»، قَالُوا: وَمَا الْهَرْجُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «الْقَتْلُ»، قَالُوا: وَأَكْثَرُ مِمَّا نَقْتُلُ الْيَوْمَ، إِنَّا لَنَقْتُلُ فِي الْيَوْمِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ كَذَا وَكَذَا؟، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ قَتْلَ الْمُشْرِكِينَ، وَلَكِنْ قَتْلَ بَعْضِكُمْ بَعْضًا»، قَالُوا: وَفِينَا كِتَابُ اللَّهِ؟ قَالَ: «وَفِيكُمْ كِتَابُ اللَّهِ»، قَالُوا: وَمَعَنَا عُقُولُنَا؟ قَالَ: «إِنَّهُ تُنْتَزَعُ عُقُولُ عَامَّةِ ذَاكُمُ الزَّمَانِ، وَيُخْلَفُ لَهَا هَبَاءٌ مِنَ النَّاسِ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ وَلَيْسُوا عَلَى شَيْءٍ».
خطورة الفتن:
إن خطورة الفتن تتجلَّى في أنها حين تنزل لا تُميِّز بين من أَشْعَلها ومن لم يُشْعِلها، ولكنها نارٌ تحرق وتَكْوي الجميع، وشررها يتطاير فيصيب الناس كافة، كما أنها تُنْزِل الخراب والتدمير في الدِّيار، وتُهْلِك الحرث والنسل، وقد حذرنا الله سبحانه من ذلك فقال تعالى: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) (الأنفال: 25).
كما أنها تطمس القلوب وتجعلها صَلْدَة سوداء مظلمة لا تنبض بقطرة ماء تمنح الحياة، ولا تنبض بخير ينفع الناس، ولا تعرف رحمة تضفي منها على من حولها، كما أنها لا تميز بين المعروف والمنكر، قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ عَرْضَ الْحَصِيرِ، فَأَيُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَتْ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ، وَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَتْ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، حَتَّى يَصِيرَ الْقَلْبُ عَلَى قَلْبَيْنِ: أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا، لَا تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، وَالْآخَرِ أَسْوَدَ مُرْبَدٍّ كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا وَأَمَالَ كَفَّهُ لَا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا، وَلَا يُنْكِرُ مُنْكَرًا، إِلَّا مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ».
إن القلب هو الذي عليه صلاح البدن كله، كما في الحديث: ".. ألا إنَّ في الجَسَدِ مُضْغَة إذا صَلُحَت صَلُح الجَسَدُ كُلُّه وإذا فَسَدَت فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّه أَلا وَهِيَ القَلْب".
ولخطورة الفتن وما يصاحبها من شرٍّ وضُرٍّ كان بعض الصحابة رضوان الله عليهم جميعًا يسأل عنها حتى لا يقع فيها، وحتى يحذرها من يأتي بعدهم، عن حذيفةَ رضي الله عنه قال: "كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رسولَ الله صلّى الله عليه وسلّم عَنِ الْخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ؛ مَخَافَةً أَنْ يُدْرِكَنِي".
منهاج الإسلام في التعامل مع الفتن:
لقد رَسَم لنا الإسلام السبيل الواضح للتعامل مع الفتن والوقاية منها، وكلها تعمل على تقوية القلوب وتغذية الأرواح بما يجعلها في حصن منيع من الفتن فلا تتأثر بها، وتتلخص في الآتي:
أولاً: الإيمان بالله والتوكل عليه:
قال الله عز وجل: (وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (آل عمران101)، (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) (الطلاق: 3). وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْأَبْرَارَ الْأَتْقِيَاءَ الْأَخْفِيَاءَ، الَّذِينَ إِذَا غَابُوا لَمْ يُفْتَقَدُوا، وَإِنْ حَضَرُوا لَمْ يُدْعَوْا، وَلَمْ يُعْرَفُوا. قُلُوبُهُمْ مَصَابِيحُ الْهُدَى، يَخْرُجُونَ مِنْ كُلِّ غَبْرَاءَ مُظْلِمَةٍ».
ثانيًا: التمسك بالقرآن الكريم والسُّنَّة النبوية:
قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَرَكْتُ فِيكُم شَيْئيْن لنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُمَا: كِتَاب اللهِ وسُنَّتِي". وقال رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتْنَةٌ» . فَقُلْتُ: مَا المَخْرَجُ مِنْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "كِتَابُ اللَّهِ، فِيهِ نَبَأُ مَا قَبْلَكُمْ وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ، وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ، وَهُوَ الفَصْلُ لَيْسَ بِالهَزْلِ، مَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللَّهُ، وَمَنْ ابْتَغَى الهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ، وَهُوَ حَبْلُ اللَّهِ المَتِينُ، وَهُوَ الذِّكْرُ الحَكِيمُ، وَهُوَ الصِّرَاطُ المُسْتَقِيمُ".
وأوصانا الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم بعلاج نبويٍّ إيمانيٍّ ناجح، ألا وهو الاستغفار "مَنْ لَزِمَ الاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ فَرَجًا، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ مَخْرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِب".
ثالثًا: التحقق بتقوى الله عز وجل:
وبالإيمان بالله تعالى والتمسك بالقرآن والسنة تُحقَّق التَّقْوَى فتمنحك نورًا تسير به في الناس، فتكشف لهم الطريق: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآَمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ) (الحديد: 28). وتَقْوَى الله تجعلك تُفَرِّق بين الحقِّ والباطل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا) (الأنفال: 29).
وبالتَّقْوى تشيع بيننا رُوحُ المَوَدَّة، والرَّحْمَة، وسلامة الصَّدْر، ومَحَبَّة الخير للمسلمين، والصَّفْح عنهم؛ والتَّجاوزِ عن زَلاتِهم والتماس المعاذير لهم، وإحسان الظَّنِّ بهم، ومراعاة حقوقهم، ومناصحتهم بالتي هي أَرْفَق وأَحْسَن، ويكون كل ما يشغلنا هو الطَّمَع في الجَنَّة والزُّهْد في الدنيا.
رابعًا: البعد عن الفتن وعدم المشاركة فيها:
إنّ البُعْد عن الفتن نجاة وسلامة، والقرب منها مدعاة للوقوع فيها، وبقدر المشاركة فيها بقدر ما نبعد عن الخير، قَالَ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم: "سَتَكُونُ فِتَنٌ، الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، مَنْ تَشَرَّفَ لَهَا تَسْتَشْرِفْهُ، فَمَنْ وَجَدَ مِنْهَا مَلْجًأ أَوْ مَعَاذًا، فَلْيَعُذْ بِهِ".
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن السَّعِيدَ لمن جُنِّبَ الفِتَن، إن السَّعِيد لمن جُنِّب الفتن، إن السَّعِيد لمن جُنِّب الفتن، ولمن ابتُلِيَ فَصَبَر فَوَاهًا» (فَطُوبَى له).
خامسًا: الحذر من الشائعات:
التَّثَبُّت مما يقال، والحذر كل الحذر من الشائعات التي يُطيِّرها أفراد وجماعات ومؤسسات شغلها الشاغل إطلاق الشائعات ونثرها في الفضائيات؛ لنشر الفتن؛ وزرع الخلاف؛ وبثِّ الأحقاد، وإيغارِ الصُّدور، وتفريق الأمة، وتسعير الحروب بينها فتذهب قوتنا، وتُبدَّد قدراتنا، ويتحقَّق فينا ما حذرنا منه ربنا سبحانه وتعالى: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (الأنفال: 46).
وبالشائعات يُلْقُون اليأس في نفوس الأمة، حين يرسمون للواقع صورة رهيبة تُلْقِي بالرُّعبِ والخوفِ من الحاضر، والمستقبل..
ويزيد من خطورة الشائعات في عصرنا كثرة الفضائيات التي يجري بعضها وراء الأخبار بدون تدقيق؛ حيث إن الشائعات غالبًا ما تكون مثيرة للفضول ويتم التكرار حتى يتصوَّر الناس أنها حقائق واقعة.
وواجبنا ألا نتلقَّى تلك الشائعات بألسنتنا فتصير أبواقًا لها، وإنما لا نتكلَّم بها ولا نخوض فيها إلا بعد التثبُّت والتَّبيُّن، قال تعالى: (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) (ق: 18).
فالمسلم لا يتحدث بكلِّ ما سمع وإنما لا يتحدث إلا بما فيه الخير: قال صلى الله عليه وسلم: «كَفَى بالمرءِ كَذِبًا أنْ يُحَدِّثَ بكُلِّ مَا سَمِع».
سادسًا: المبادرة بالأعمال النافعة:
إنّ بناء الأمة ونهضتها لا يكون بالجدل والأقوال، وإنما يكون بالأعمال والْفِعَال التي تبني ولا تهدم، وتَجْمع ولا تُفرِّق، فإنها سبيل النجاة في الدنيا والفوز والنَّعيم في الآخرة، قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا». ولا يمكن أن يكون ذلك إلا بالأعمال الصالحة؛ حيث إن الأقوال الفاسدة والأعمال السيئة لا تقود إلا إلى الهلاك في الدنيا والنار في الآخرة "فإنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إلى الفُجُورِ، وإنَّ الفُجُورَ يَهْدِي إلى النَّار".
وما نغرسه في الدنيا قد ننتفع به في الدنيا مع الآخرين، وقد لا ندرك جَنْي ثماره الدنيوية، لكننا نغرس ونعمل حتى ولو تيقَّنَّا من أنَّ ثِماره قد لا ينتفع بها أحد؛ لأن الله عز وجل يحاسبنا على ما نعمل أما النتائج فلا نحاسب عليها، وهذا المعنى يجعلنا ندرك سِرَّ قول رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةً، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَغْرِسْهَا».
سابعًا: الإكثار من الدعاء:
ومع الأخذ بكل الأسباب السابقة فإن من أهمِّ أسباب النجاة من الفتن التعوذ بالله تعالى منها، وقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك فقَالَ: «تَعَوَّذُوا بِاللهِ مِنَ الْفِتَنِ، مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ»، فنفَّذَ الصحابة رضوان الله عليهم جميعًا العلاج النبوي فورًا، وقَالُوا: "نَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الْفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ".
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا قام يُصلِّي من الليل: "اللهمَّ ربَّ جبريلَ وميكائيلَ وإسرافيلَ، فاطرَ السماوات والأرض، أنت تحكمُ بين عبادِكَ فيما كانوا فيه يختلفون؛ اهْدِنِي لما اخْتُلِفَ فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم».
الكيد والمكر لوقف نهضة الأمة:
إنَّ هذا الذي يجري في كثيرٍ من بلاد المسلمين ليس إلا سلسلة من المكر السيئ، والكيد العظيم، من أكابر المجرمين الذين لا يريدون للأمة رُقِيًّا ولا نَهْضةً، ويأبون إلا أن تظلَّ الأمة الإسلامية ذليلةً لا عِزَّة لها، ضعيفةً لا قُوَّةَ لها، تابعةً لا متبوعة، مُوصَى عليها لم تَصِل إلى الرُّشْد، ولا تقدر على أن تدير أمرها... والله قد وعدنا بأن مكر هؤلاء إنما هو بأنفسهم: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ) (الأنعام: 123). كما أن مكرهم لا يحيق إلا بهم: (اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ) (فاطر: 43).
أيُّها المسلمون في كل مكان: إن المسْتَقْرِئ للتاريخ يعلم يقينًا أن الشعوب الإسلامية مهما نزل بها من بلايا، وأحاط بها من شدائد فهي قادرة بإذن الله عز وجل على أن تنهض من عثرتها وتفيق من غفلتها، وتثوب إلى رُشْدها، وتفيء إلى ظِلالِ كتاب رَبِّها الوَارِف، وهَدْي نبيِّها الناجع لها من كل داء، والنُّور المبين المبدِّد للظلمات: (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (المائدة: 15 – 16).
ويا كل الشرفاء والوطنيين.. احرصوا على بلدكم ومؤسساتكم وحقوق مواطنيكم المادية والمعنوية، وإلا فإن حساب الله تعالى عسير وأثر الفساد والإفساد سيحيق بالجميع.
المستقبل المشرق:
إن الثِّقَة بالله سبحانه، واليقين بأن العاقبة للتقوى وللمتقين تعمِّق الأمل في نفوس المؤمنين، وتدفعُ اليأس والقنوط عنها، خاصة حين تشاهد ما عليه حال المسلمين من الضعف والتمزُّق والتَّشتُّت والتفرق، وتسلُّط أعدائهم عليهم، ونكايتهم بهم – ضعفت بعض النفوس وأَيِسَت من نصر الله تعالى، وظُنَّ بالله الظنونا، بينما قال الله الحق عز وجل: (إِنَّ البَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا) (الإسراء: 81).
وإن الحديث والبيان التام لتلك الفتن؛ ليكون المؤمن على حذرٍ منها فلا يقع فيها؛ وليحتاط وليأخذ عُدَّتَه لمواجهتها لو قابلته.. "مخافةَ أنْ يُدْرِكَني".
إن المسلم وهو في اختبارات مستمرَّة من المحن والفتن والابتلاءات يكون على يقينٍ تامٍّ أن الله تعالى قد كتب النَّصْر في الأزل، وسبقت كلمته بأن العاقبة للتقوى وللمتقين، وأن جُنْدَه هم الغالبون، وهم المنصورون، وأنَّ الأرض يرثها عباده الصالحون؟..
بل إن قَسْوتَها وشِدَّتها تجعل المسلم يستبشر بقرب النَّصْر (حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) (يوسف: 110)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وَاعْلَمْ أَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا».
أيُّها المسلم الصادق.. ليَكُنْ شعارك وعُدَّتك وسلاحك اليقين بوعود الله سبحانه ووعيده الذي لا يتخلف، ومنها لأصحاب المكر السَّيِّئ (لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ) (البقرة: 114)، ومنها للصالحين: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ) (الأنبياء: 105)، (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ) (غافر: 51)، (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) (الروم: 47).
والله أكبر ولله الحمد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.