فى كتابه القيِّم «المسيح: حياته، أعماله» يقول القديس متَّى المسكين: «يحكمنا فى ميلاد المسيح عاملان: الأول طبيعى بشرى خالٍ من عنصر الخطية التى انحدرت إليها البشرية، والثانى عامل فائق للطبيعة قادر أن يخلق بالفعل، ويغير هذه الطبيعة البشرية إلى طبيعة أخرى لها الإمكانيات أن تحيا وترتقى إلى حياة روحية جديدة قادرة أن تستوطن السماء». وقد خطبت العذراء اليتيمة إلى يوسف النجار، وخطوبتهما كانت بلا حفل ولا وليمة بل مجرد شهود ينطقون بالشهادة، ويتم العقد بتلاوة الشكر. فرآهما القوم بلا كرامة، كقول المسيح: «إنه ليس نبيًّا مقبولًا فى وطنه»، وفى العهد الجديد: «من أجلكم افتقر وهو غنى، لكى تستغنوا أنتم بفقره». والعذراء من عائلة كهنوتية، وهى وخطيبها ينحدران من نسل داوود، فهما ذوا قرابة. أما ما تقدما به إلى الله عند تقديم الطفل فى الهيكل فكانت ذبيحة الفقراء «فرخى حمام»! وفى بيت ريفى شديد التواضع بالجليل، تمت أقدس بشارة، حين فوجئت الصبية العذراء بنت الأربعة عشر ربيعًا بمنظر الملاك الفائق المجد وهو يطمْئنها: «سلام لك أيتها المُنعم عليها! الرب معكِ. مباركة أنتِ فى النساء». ثم أضاف: «لا تخافى يا مريم، لأنك قد وجدت نعمة عند الله. وها أنتِ ستحبلين وتلدين ابنا وتسمِّينه يسوع. هذا يكون عظيما». وقد ظهر ملاك الرب فى الحلم ليوسف وقال له: «لا تخَفْ أن تأخذ مريم امرأتك. لأن الذى حُبل بهِ فيها هو من روح القدس. فستلد ابنا وتدعو اسمه يسوع، لأنه يُخلِّص شعبه من خطاياهم». وصدر الأمر الإلهى بأن يولد المسيح فى مذود للبقر، وأسندت الأم ظهر مولودها على أرضية المذود بعد أن لفّته بالخرق، فالبساطة توّجت ميلاده، والعوز والفقر كانا زينتها. وقد استطاع العلماء بشىء من التدقيق أن يحددوا زمن ميلاد المسيح، إذ رجحوا أن يكون فى عام أربعة أو خمسة قبل الميلاد. فقد مات هيرودس الملك سنة أربعة قبل الميلاد، والمسيح وُلد قبل موت هيرودس بقليل. أما تعيين علماء مصر للميلاد فكان وما زال فى 29 كيهك الذى كان موافقا ليوم 25 ديسمبر فى الخمسة عشر قرنا الأولى. وفى سنة 1582 اكتشف الفلكيون فرق بضع دقائق فى السنة الشمسية، فحسبوها منذ ميلاد المسيح إلى ذلك الحين فوجدوها عشرة أيام، فأجْروا التعديل الغريغورى بحذفها، فصار 29 كيهك موافقا 4 يناير. ثم فى سنة 1700 صار 29 كيهك يقابل 5 يناير، وفى سنة 1800 صار يقابل 6 يناير. ومنذ سنة 1900 صار يقابل 7 يناير. وفى هذا اليوم يحتفل المصريون بمولد النور والمحبة، فقد جاء فى إنجيل يوحنا، قوله عليه السلام: «أنا هو نور العالم من يتبعنى فلا يمشى فى الظلمة بل يكون له نور الحياة».