أعلن الدكتور محمد مرسى قبل أسابيع أنه سوف ينقل حق التشريع إلى مجلس الشورى، ومن ثَم يكون المجلس مسؤولًا عن التشريع حتى انتخاب مجلس الشعب الجديد، وقال نائبه المستقيل إن الرئيس قرَّر تعيين الثلث الباقى من المجلس من القوى المدنية، وإنه لن يتم تعيين عضو واحد من تيار الإسلام السياسى. وفى خضم الانقسام حول إعلانه الدستورى ومخالفاته الكثيرة وتعديه على السلطة القضائية إضافة إلى تعليمات مكتب الإرشاد بحصار المحكمة الدستورية والترتيب مع حازم أبو إسماعيل فى حصار مدينة الإنتاج الإعلامى والاعتداء على حزب الوفد، بدأت رئاسة الجمهورية فى الدعوة لحوار وطنى كان فى جوهره حوارًا بين قوى وشخصيات تنتمى إلى تيار الإسلام السياسى. ووسط المخالفات والانتهاكات غير المسبوقة فى الاستفتاء على مشروع الدستور المصرى الجديد، جرى الإعلان عن تعيينات مجلس الشورى، فقد اعتمد الرئيس تعيين تسعين عضوًا جديدًا يمثلون ثلث عدد الأعضاء الذين يحق لرئيس الجمهورية تعيينهم وفق دستور 1971 وتعديلاته. ولم يصدق الرئيس ونائبه فى أن يكون المعينون من التيار المدنى، فقد جرى تعيين نصف العدد تقريبًا من تيار الإسلام السياسى والمتعاطفين معه، كما جرى تخصيص حصة معتبرة لعدد من أعضاء الجمعية التأسيسية كمكافأة لهم على عملية «سلق» الدستور وتلبية رغبات تيار الإسلام السياسى بالكامل والخروج للدفاع عن الدستور والمباهاة به، والقول إنه من أفضل دساتير العالم. أيضًا جرى تخصيص عدد من المقاعد لمن لبّى دعوة الحوار. أيضًا ضغطت رئاسة الجمهورية بشدة على الكنائس المصرية، كى ترشح لها عددًا من الأقباط لشغل عضوية المجلس، وهو أمر لم تكن الكنيسة الأرثوذكسية تفضّله، وأعلم شخصيًّا أن الكنيسة بذلت جهودًا ضخمة لإقناع مؤسسة الرئاسة أنها لا ترغب فى مواصلة لعب مثل هذا الدور، وأن ترشيح الأقباط يمكن أن يتم عبر الأحزاب السياسية التى تضم فى عضويتها أقباطًا، إلا أن مؤسسة الرئاسة أصرت على أن ترشح الكنيسة لها أربعة مرشحين، وهو الأمر الذى وجدت فيه الكنيسة صعوبات بالغة، حيث رفض معظم مَن اتصلت بهم الكنيسة قبول عضوية المجلس. وقد انطوت العضويات الجديدة على مخالفات متنوعة لشروط الترشح فى الانتخابات، حيث ضمت العضوية، على سبيل المثال، شخصية مزدوجة الجنسية سبق للقضاء المصرى أن حكم مرتَين فى الانتخابات البرلمانية السابقة بشطب اسمه من سجلات المرشحين، ومن ثَم فإن تعيينه فى «الشورى» الذى جاء كمكافأة على الدور الذى لعبه فى الحوار الوطنى مشوب بالبطلان. أيضًا فإن الدور الذى يمكن أن يقوم به المجلس فى الفترة القادمة ليس محل توافق، ومن ناحية أخرى فإن مجلس الشورى لا يمكن أن يكون معبرًا عن إرادة الناخبين المصريين، فالمجلس انتُخب بنحو 7٪ ممن لهم حق التصويت، كما أن المجلس انتُخب ليمارس دور بيت خبرة لا دورًا تشريعيًّا، هذا إضافة إلى أننا يفترض أن يكون لدينا برلمان جديد فى غضون ثلاثة أشهر من الآن، ومن ثَم فهى فترة ليست طويلة تقتضى منح «الشورى» حق التشريع. أيضًا لا توجد مبررات موضوعية تفرض منح الشورى حق التشريع، فما تحتاج إليه مصر حاليًا الاتفاق على قانون الانتخاب الجديد وهو أمر يمكن أن يتحقق عبر حوار بين الأحزاب المصرية الرئيسية حتى نصل إلى قانون بالتوافق، وهو أمر لا يمكن أن يتحقق إذا تم من خلال مجلس الشورى لاعتبارات عديدة سبق ذكرها، إضافة إلى هيمنة قوى الإسلام السياسى على مقاعد الشورى، فلهم حتى بعد التعيينات الأخيرة ما يزيد على ثمانين فى المئة من مقاعد المجلس، ومن ثَم يمكنهم استغلال المجلس فى تمرير قانون انتخابات غير توافقى يعكس مصالح هذا التيار، ومن ثَم يزداد الانقسام ويتعمّق الخلاف فى المجتمع المصرى فى وقت تزداد فيه حدة الأزمة الاقتصادية، وعلى نحو بات يهدد بموجة جديدة من الثورة، طلبًا للعدالة الاجتماعية بل طلبًا لأحد شعارات الموجة الأولى من الثورة، وهو «العيش».