تناثرت بكثافة فى بعض المواقع والتصريحات أخبار تتصف بالغباء والجلافة الوطنية والسقوط الأخلاقى والانحطاط الإنسانى، مضمون هذه الأخبار أن المسيحيين يحتشدون فى مظاهرات «الاتحادية»، وأنهم يلعبون دورًا كبيرًا فى تسخينها، وهذا كلام ممجوج مبطن بالعنصرية وبرائحة طائفية كريهة تطلقها تيارات الإسلام السياسى، هذه الرائحة غازات سامة تستخدم فى حرب غير شريفة وغير وطنية لإذكاء الفتنة والانقسام، وكأن على المصرى المسيحى أن لا يتظاهر بجوار شقيقه المصرى المسلم، أو أن المشاركة فى التعبير عن رفض ممارسات السلطة الغاشمة ورفض الاستبداد أمر يقتصر على المصريين المسلمين، ومعنى هذا -والعياذ بالله- أن المسيحى المصرى مواطن درجة ثانية، لا سيما أن مفهوم المواطنة لا يشكل أى أهمية أو قيمة لدى تيارات الإسلام السياسى، وعلى رأسها الإخوان المسلمون، ولا تتورع هذه التيارات فى اللحظة الراهنة عن استخدام أى أساليب مهما كانت خطورتها وعدم أخلاقيتها أو وطنيتها لتحقيق أهدافها، لهذا فلا مشكلة فى استخدام حريق الفتنة الطائفية لحشد البسطاء قليلى الحيلة والوعى فى جبهة مضادة، كى يستفتوا ب«نعم» فى الدستور المشبوه الذى يقولون كذبا إنه يصون الشريعة ويحمى الإسلام. يبدو أن تيارات الإسلام السياسى التى تريد الاستئثار بكل شىء حتى الهواء الذى يتنفسه المصريون، لا يعجبهم أن يشارك المصريون المسيحيون فى أمور الشأن العام، ويريدون إرجاعهم إلى عزلتهم القديمة التى ودَّعوها بعد 25 يناير 2011، وأصبحت الأغلبية من المصريين المسيحيين غيورة على المصلحة العامة، وصارت رقما فاعلا فى معادلة الوطن، بعيدا عن أى انتماءات تناقض مبدأ المساواة والمواطنة الذى لا تقبل به تيارات الإسلام السياسى، لكن اللافت أن مشاركة المصريين المسيحيين فى المظاهرات لا تتصف بأى شكل من أشكال الطائفية، ولا تتخذ من الدين ذريعة للهجوم المباشر أو غير المباشر على ما يعوق مسيرة الديمقراطية والعدالة الاجتماعية. والمصريون المسيحيون لا يتظاهرون فى كتلة من أنصار ديانتهم، فهم يتظاهرون فى المظاهرات العامة، ووجودهم عند «الاتحادية» سببه التعبير عن رأى سياسى يتبناه معهم أشقاؤهم من المصريين المسلمين، بل إن المسلمين والمسيحيين فى هذه المظاهرات ليسوا أصحاب فكر واحد أو توجه سياسى واحد، لكن ما يجمعهم هو الأزمات والتجاوزات العنيفة من جماعة الإخوان المسلمين التى تحرِّك الرئيس. وعلى النقيض من وضع مظاهرات «الاتحادية» التى يشارك فيها المصريون المسيحيون فإن مظاهرات أنصار الإسلام السياسى تقتصر عليهم، ولا يشاركهم أحد من غير المسلمين، ولا يسمحون للمسلمين الذين يخالفونهم فى التوجه بالمشاركة معهم، بصريح العبارة هى مظاهرات ذات طابع دينى إقصائى يصنع الانقسام والصراع المذهبى والطائفى على عكس المظاهرات الوطنية التى يشارك فيها مع المصريين المسلمين المصريون المسيحيون. والمبدع والإنسانى والوطنى فى هذه المظاهرات أن المسلمين لا يعرفون من هم المسيحيون الموجودون فى المظاهرة ولا المسيحيون يعرفون من هم المسلمون، ولا أحد منهما يعرف نسبة وجود الآخر، لأن الجميع يبحثون عن مصلحة الوطن. ومن الدال بصورة بالغة الشعارات التى ترفعها تيارات الإسلام السياسى وكلها ذات طبيعة دينية لا مكان فيها للهم العام الذى يعصف بالمصريين فى هذه اللحظة الفارقة والمأزومة، لأن أهدافهم الضيقة الأنانية هى اقتناص السلطة والهيمنة ونفى كل من يخالفهم، بينما لا توجد شعارات للمصريين المسيحيين، لأن شعاراتهم هى تلك التى يتبناها كل المواطنين الذين يسعون لتأمين الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، ولأنهم لا يتكتلون فى مظاهرات خاصة بهم كطائفة دينية، ومن المؤسف أن شعارات تظاهرات تيارات الإسلام السياسى تتصف فى كثير منها بالعدائية والعصبية والعنف، بينما شعارات القوى الوطنية تنصب على مضامين الحرية والتنمية، والمصريون المسيحيون يرفعون هذه الشعارات كمواطنين لا كأصحاب ديانة أقلية. لا داعى إذن لإقحام أساليب إشعال الفتنة الطائفية للوصول إلى أهداف خاصة بجماعة أو تيار، وشتان بين موقف تيارات الإسلام السياسى ضيقة الأفق والقوى الوطنية التى اعتبرت أن من فضائل 25 يناير 2011 خروج قطاع عريض من مواطنى مصر المسيحيين من قمقم العزلة عن الحياة السياسية واندماجهم الفاعل فى قضايا الوطن. الذين يروجون لفكرة الدور المسيحى فى المظاهرات فى محاولة رخيصة مفضوحة لإحداث بلبلة بشأنها، وصل بهم العمى إلى حد أنهم لا يرون ما يلحق بهم من عار بسبب ممارساتهم وأكاذيبهم ومحاولاتهم فى التضليل، وأنهم فى الأصل بعيدون عنه جادة الصواب.